غازالتقاريرتقارير الغازتقارير دوريةرئيسيةوحدة أبحاث الطاقة

هل انبعاثات الغاز الطبيعي المسال أقل من الفحم في كل الحالات؟ (تحليل)

صادرات الغاز المسال الأميركية نموذجًا

وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

اقرأ في هذا المقال

  • تتبع انبعاثات سلاسل قيمة مصادر الطاقة ضروري لفهم تأثيراتها البيئية الكاملة
  • انبعاثات الميثان في سلاسل قيمة الغاز والفحم أعلى من المتوقع بكثير
  • اعتماد آسيا في توليد الكهرباء على الغاز الأميركي المستورد أفضل من الفحم
  • انبعاثات سلسلة قيمة الغاز الأميركي أقل بنسبة 50% عن الفحم الآسيوي المحلي
  • بعض محطات التوليد بالفحم في آسيا قد تصدر انبعاثات أقل من الغاز الأميركي
  • أغلب أحواض الغاز الأميركية ذات كثافة منخفضة في انبعاثات الميثان

عادة ما يُنظر إلى انبعاثات الغاز الطبيعي المسال بوصفها الأقل بين جميع مصادر الوقود الأحفوري، خاصة الفحم الأكثر تلويثًا للبيئة، لكن طرق حساب الانبعاثات المقارنة ما زالت بحاجة إلى معايير منضبطة وأكثر دقة من المعايير المستعملة في العالم.

وأجرت دراسة تحليلية حديثة -اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- مقارنة بين انبعاثات سلاسل قيمة الغاز المسال والفحم كاملة بالتطبيق على حالة صادرات الغاز المسال الأميركية إلى آسيا المستعملة في توليد الكهرباء.

وانتهت الدراسة إلى أن متوسط انبعاثات الغاز الطبيعي المسال (شاملة سلسلة القيمة كاملة) ما زال أقل من الفحم في قطاع توليد الكهرباء حتى عندما يُشحن الغاز المسال إلى مسافات طويلة، ما يعني أنه من الأفضل لآسيا الاعتماد على الغاز الأميركي مقارنة بالفحم المحلي من أجل خفض الانبعاثات.

ورغم ذلك، فقد وجدت بعض الحالات التي يتفوّق فيها الفحم على الغاز المسال من حيث انخفاض الانبعاثات المقارنة في قطاع توليد الكهرباء -خاصة في آسيا-، بحسب نتائج السيناريوهات التحليلية المختلفة التي اعتمدت عليها الدراسة.

لماذا اختيار الغاز الأميركي نموذجًا؟

يرى كثيرون أن قلة انبعاثات الغاز الطبيعي المسال تجعله عنصرًا أساسيًا في مسارات تحول الطاقة العالمية يمكنه أن يساعد العالم في الابتعاد عن أنواع الوقود كثيفة الكربون مثل الفحم والنفط، لكن التساؤلات حول إجمالي انبعاثات سلسلة القيمة ما تزال قائمة.

وتشير نتائج دراسة تحليلية متخصصة أعدتها شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي، إلى أن الغاز الطبيعي الذي يجري إنتاجه وإسالته في الولايات المتحدة وشحنه إلى آسيا يصدر انبعاثات أقل بنسبة 50% من أنظف محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم في القارة.

وركزت الدراسة على تقييم انبعاثات الغاز الطبيعي المسال الأميركي المتجه إلى آسيا، بالنظر إلى عدة عوامل أبرزها هيمنة أميركا على السوق وتصدّرها قائمة أكبر مصدري الغاز المسال في العالم لأول مرة عام 2023، متفوقة على قطر وأستراليا.

محطة غاز مسال تابعة لشركة شينير إنرجي الأميركية في ولاية لويزيانا
محطة غاز مسال تابعة لشركة شينير إنرجي الأميركية في ولاية لويزيانا - الصورة من WSJ

كما يتوقع أن تحدث طفرة في معروض الغاز المسال خلال السنوات المقبلة بدفع مشروعات الإسالة الجديدة التي تستعد للتشغيل التجاري في الولايات المتحدة وقطر وعدد من الدول المتنافسة.

استنادًا إلى ذلك، تتوقع ريستاد إنرجي أن يصل المعروض العالمي من الغاز الطبيعي المسال إلى 850 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2030، سيأتي 30% منها من الولايات المتحدة.

كما تتوقع أن يظل الطلب على الغاز المسال قويًا في الأسواق الآسيوية بحلول عام 2030، مع منافسته للفحم في قطاع توليد الكهرباء على مستوى القارة التي يقطنها 4.7 مليار نسمة أو ما يعادل 60% من سكان العالم.

كيف نتتبع انبعاثات سلاسل القيمة؟

اعتمدت الدراسة على تقييم إجمالي انبعاثات الغاز الطبيعي المسال والفحم عبر سلسلة القيمة (خاصة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان) بداية من عمليات الاستخراج وحتى الاستعمال النهائي في محطات توليد الكهرباء.

واعترفت الدراسة بوجود اختلافات كبيرة بين مصادر الغاز المسال الأميركي ومصادر الفحم وأنواعه ومحطات التوليد ومدى كفاءة توربيناتها، بالإضافة إلى الشكوك المتعلقة بحساب انبعاثات غاز الميثان عبر سلاسل القيمة لكل من الغاز المسال والفحم.

وتمر سلسلة قيمة الغاز الطبيعي -على سبيل المثال- بمراحل مختلفة بداية من الإنتاج الأولي، ثم المعالجة لفصل السوائل، ثم إزالة الشوائب، ثم تحلية الغاز قبل نقله إلى وجهته.

وتمتد سلسلة القيمة في حالة الغاز المسال إلى عمليات تبريد الغاز إلى أقل من 160 درجة مئوية وحتى عمليات تحميله في الناقلات، وصولًا إلى عمليات إعادة تغويزه في الوجهة النهائية التي تستقبله ليعاد تحويله من حالته السائلة المستوردة إلى الغازية قبل شحنه وإرساله إلى شبكة الغاز الطبيعي في البلد المستورد.

على الجانب الآخر، تعتمد سلسلة قيمة الفحم بصورة كبيرة على غرض الاستعمال النهائي وجودة الفحم، ومع ذلك يمكن تبسيط العمليات إلى الإنتاج الأولي من المناجم، ثم عمليات الاختيار والغسل والنقل إلى وجهة الاستعمال النهائي عبر السكك الحديدية أو السفن أو الشاحنات، بحسب تفاصيل منهجية رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من تقرير ريستاد إنرجي.

معضلة قياس غاز الميثان

تحتل انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن قطاع الطاقة مكانة بارزة في جدول أعمال الحكومات والمشغلين وغيرهم من أصحاب المصلحة، وعادة ما يجري التركيز على غازات ثاني أكسيد الكربون والميثان بصورة رئيسة في هذا المجال.

وتبدو سلسلة قيمة الفحم أكثر سوءًا من سلسلة انبعاثات الغاز الطبيعي المسال وبفارق كبير، إذا قُورنت على أساس حجم ما تصدره السلسلتان من ثاني أكسيد الكربون، بسبب كثافة انبعاثات الاستعمال النهائي للفحم في محطات توليد الكهرباء (يُقصد بها الانبعاثات الصادرة في أثناء حرق الفحم).

إما إذا أُضيفت انبعاثات الميثان إلى معادلة التحليل المقارن، فمن المتوقع أن تظهر نتائج أعلى من المتوقع لسلاسل قيمة انبعاثات جميع مصادر الوقود الأحفوري بداية من النفط وحتى الغاز والفحم.

أقمار صناعة لمراقبة غاز الميثان
أقمار صناعية لمراقبة غاز الميثان - الصورة من Environmental Defense Fund

ويرجع السبب في ذلك، إلى أن عملية حساب انبعاثات الميثان تاريخيًا كانت تعتمد على عوامل تقليدية قائمة على الهندسة، لكن التطورات الأخيرة في تقنيات القياس مثل صور الأقمار الصناعية أدت إلى تحسين دقة قياس الانبعاثات، وهي عملية ضرورية للغاية لفهم التأثيرات البيئية الكاملة لأي مصدر من مصادر الطاقة.

ويمكن لهذه التقنيات أن تزيل الشكوك المستمرة في مراقبة غاز الميثان التي تقف وراء النتائج المتبانية في الدراسات الحديثة حول انبعاثات سلسلة القيمة للغاز والفحم، بحسب كبير المحللين في ريستاد إنرجي باتريك كينغ.

ويعتقد كينغ أن تحسين تقنيات القياس، بالإضافة إلى لوائح غاز الميثان وآليات تسعير الكربون المحتملة في الاتحاد الأوروبي، يمكنها أن تسهم في إيجاد سوق تنافسية للغاز تعتمد فروق أسعاره على خفض انبعاثات سلسلة القيمة بصورة أو بأخرى.

سيناريوهات تقييم انبعاثات الغاز والفحم

اعتمدت ريستاد إنرجي سيناريوهين (عالٍ ومنخفض) لكل من انبعاثات الغاز الطبيعي المسال والفحم لتوضيح تعقيدات عمليات التقييم في هذا المجال.

ويفترض سيناريو الحالة المنخفضة لانبعاثات الغاز الطبيعي المسال الأميركي المصدر إلى آسيا، إنتاجه من أحواض منخفضة الكربون، ومعالجته في محطات إسالة تعمل بالكهرباء، وشحنه إلى الأسواق الآسيوية عبر قناة بنما، لتقليل مسافة الإبحار وصولًا إلى حرقه في محطات توليد فائقة الكفاءة.

بينما يفترض سيناريو الحالة المرتفعة للانبعاثات إنتاج الغاز وإسالته بكثافة انبعاثات أعلى من المتوسط، وشحنه عبر طريق ملاحي أطول من طريق قنا بنما، وحرقه في محطات توليد ذات توربينات غازية أقل كفاءة.

أما في حال الفحم فيفترض سيناريو الحالة المنخفضة للانبعاثات وجود فحم عالي الجودة من مصادر محلية ومحطات توليد حديثة ذات تصميم عالي الكفاءة، في حين يفترض السيناريو الأعلى وجود فحم منتج محليًا منخفض الجودة يحرق في محطات توليد قديمة أو غير فعالة.

وتستعمل محطات التوليد الحديثة العاملة بالغاز توربينات ذات دورة مركبة تعمل بكفاءة عالية جدًا وبمعدلات انبعاثات تقل عادة عن 400 غرام من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوواط/ساعة، ما يقل بكثير عن أفضل محطات التوليد بالفحم كفاءة التي تصل الانبعاثات فيها إلى 700 غرام لكل كيلوواط/ساعة، بحسب الدراسة.

نتائج التقييم المقارن

تشير نتائج دراسة ريستاد إنرجي إلى أن توليد الكهرباء في آسيا عبر الغاز المسال المستورد من الولايات المتحدة له بصمة انبعاثات أقل على مستوى سلسلة القيمة من تحويل الفحم المحلي إلى كهرباء، حتى مع افتراض معدلات تسرب عالية لغاز الميثان.

ورغم ذلك، هناك بعض محطات التوليد التي تعمل بالفحم في آسيا يمكنها أن تنتج انبعاثات أقل على سلسلة القيمة مقارنة ببعض مصادر الغاز الطبيعي المسال ذات الانبعاثات العالية.

ويمكن لانبعاثات الغاز الطبيعي المسال عبر سلسلة القيمة في سيناريو الحالة المرتفعة أن تتساوى مع انبعاثات سيناريو الفحم منخفض الانبعاثات إذا زادت معدلات تسرب الميثان عن 4%.

ومع ذلك، فقد كشفت العديد من الدراسات أن انبعاثات غاز الميثان في عملية استخراج الفحم (سلسلة المنبع) أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقًا، ما يعني أن معدلات التسرب الفعلية في سلسلة قيمة الغاز يفترض أن تكون أعلى بكثير وتتراوح من 6% إلى 10%، مقارنة بالفحم في سيناريو الحالة المنخفضة.

أبراج تبريد من محطات توليد عاملة بالفحم في الصين
أبراج تبريد من محطات توليد عاملة بالفحم في الصين - الصورة من DW

وإذا طُبقت هذه المعايير في تقييم انبعاثات الغاز الطبيعي المسال الأميركي المصدر إلى آسيا، يمكن ملاحظة أن معظم الشحنات يجري توريدها أولًا من أحواض ذات انبعاثات منخفضة لغاز الميثان مثل حوض هاينزفيل، بالإضافة إلى الغاز المصاحب الذي ينتجه كبار المشغلين في حوض برميان، وهو غاز يتمتع بكثافة ميثان أقل بكثير من الأحواض الأخرى الأسوأ أداءً.

وتحتاج صناعة الغاز المسال الأميركية وأصحاب المصلحة الآخرين إلى بذل المزيد لخفض انبعاثات تسرب الميثان على مستوى سلسلة القيمة لتوسيع الفجوة مع سلسلة الفحم حتى يتمكن الغاز الأميركي من أداء الدور الانتقالي المطلوب للتخلص التدريجي من الفحم.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق