جودة الحياة البحرية.. كيف تضمن تحقيق مستقبلًا مستدامًا؟ (مقال)
هبة محمد إمام
تعدّ الحياة البحرية من أعظم الكنوز التي تحتضنها البحار والمحيطات، إذ تتنوع الكائنات الحية في هذه البيئة الفريدة، وتتكون من مجموعة مذهلة من الأنواع المائية المختلفة، بدءًا من الأسماك والرخويات، وحتى المرجان والحيتان.
إن وجود هذا التنوع البيولوجي يعزز توازن النظام البيئي البحري، ويسهم في حياة الملايين من البشر والكائنات الأخرى.
ومع ذلك، فإن جودة هذه الحياة تواجه تحديات وتهديدات، إذ تتعرض البيئة البحرية لتلوث البلاستيك والزيوت والمواد الكيميائية الضارة، بالإضافة إلى التغيرات المناخية والتلوث البحري الناجم عن النشاطات البشرية، وهذه العوامل تؤثّر في جودة المياه وتهدد الأنواع البحرية وتتسبب باضطرابات في النظم البيئية.
لذا، فإن فهم وتعزيز جودة الحياة البحرية أمر حيوي للحفاظ على صحة البيئة البحرية واستدامة الموارد البحرية، ويسعى العديد من العلماء والباحثين والمنظمات البيئية إلى دراسة ومراقبة جودة هذه الحياة، وتطوير الإستراتيجيات والحلول للتصدي للتحديات التي تواجهها.
إن جودة المياه البحرية تشير إلى مدى نقاء الماء وملاءمته للاستعمال البشري والحيواني والبيئي، إذ تعدّ جودة المياه البحرية مهمة للحفاظ على صحة البيئة والحياة البحرية، وكذلك للمحافظة على صحة الإنسان الذي يتعامل معها.
إجراءات وممارسات بيئية وتقنية
إن تحقيق جودة المياه البحرية يتطلب مجموعة من الإجراءات والممارسات البيئية والتقنية، ومن أجل تحقيق جودة المياه البحرية، يمكن اتخاذ الخطوات التالية:
1. مراقبة ومسح البيئة البحرية: تنفيذ دراسات ومسوحات لتقييم حالة المياه البحرية، ومعرفة مدى تأثرها بالتلوث، وجمع العينات وتحليلها للتأكد من وجود ملوثات محددة ومستوياتها.
2. تنظيم الصناعات البحرية: تطبيق تشريعات ومعايير صارمة للحدّ من تلوث المياه البحرية الناجم عن الأنشطة البحرية، مثل الصناعات البحرية والتنقيب عن النفط والغاز والنقل البحري، وتطبيق تقنيات متقدمة للتصفية ومعالجة النفايات الصناعية قبل التخلص منها في الماء البحري.
3. مراقبة جودة المياه: تنفيذ نظام مراقبة دوري لجودة المياه البحرية، وذلك بتحليل العينات واختبارها للتأكد من عدم وجود ملوثات تتجاوز المستويات المسموح بها، ويمكن استعمال أجهزة القياس المتطورة لمراقبة عوامل مثل درجة حموضة الماء، ومستويات الأكسجين المذاب، ومستويات البكتيريا والفطريات.
4. التوعية والتثقيف: يجب التوعية بأهمية حماية جودة المياه البحرية وتثقيف المجتمع حول المخاطر المحتملة للتلوث وأثرها بالبيئة والصحة العامة، ويجب تشجيع المجتمع على المشاركة في الحفاظ على جودة المياه البحرية من خلال ممارسات صديقة للبيئة والابتعاد عن التلوث.
5. التعاون الدولي: يعدّ التعاون الدولي ضروريًا في تحقيق جودة المياه البحرية، إذ يتعين على الدول العمل معًا لتبادل المعلومات وتطوير السياسات والتشريعات، ويمكن تحقيق جودة المياه البحرية من خلال استعمال تقنيات المعالجة المتقدمة مثل عمليات تنقية المياه وتحلية المياه البحرية، وتُستَعمَل أنظمة التنقية لإزالة الملوثات المحتملة مثل الزيوت والشوائب والمواد العضوية والعناصر الكيميائية الضارة من المياه البحرية.
كما يجب العمل على الحدّ من التلوث البحري الناجم عن النشاطات البشرية، مثل منع تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة في البحر والتشجيع على استعمال تقنيات التنظيف البحري الفعالة والمستدامة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحقيق جودة المياه البحرية من خلال تعزيز وحماية المناطق البحرية الخاصة والمحميات البحرية، إذ تُفرَض قوانين وتنظيمات صارمة للحفاظ على نظام بيئي صحّي وتنوّع الأنواع البحرية.
ويعدّ تحقيق جودة المياه البحرية أمرًا حيويًا للحفاظ على البيئة البحرية والمحافظة على صحة البشر والحياة البحرية، ويتطلب تحقيق جودة المياه البحرية جهودًا مشتركة من الحكومات والمنظمات البيئية والمجتمع بأكمله للعمل معًا، من أجل المحافظة على هذا المورد الحيوي المهم.
تحديات تواجه جودة الحياة البحرية
تواجه جودة الحياة البحرية العديد من التحديات، ومن بينها:
1. التلوث البحري: يعدّ التلوث البحري من أبرز التحديات التي تؤثّر بجودة الحياة البحرية، ويشمل هذا التلوث التسربات النفطية، وتلوث المياه بالمواد الكيميائية الضارة، وتراكم النفايات البلاستيكية في المحيطات، ويؤدي هذا التلوث إلى تدهور جودة المياه وتآكل النظم البيئية البحرية وتهديد الكائنات الحية والأنواع البحرية.
2. التغيرات المناخية: تشهد البيئة البحرية تأثيرات سلبية جراء التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجة حرارة المياه البحرية وتغير الحموضة في المحيطات، وتؤثّر هذه التغيرات بالكائنات الحية والأنظمة البيئية البحرية، وتسبّب تدهورًا في جودة الحياة البحرية.
3. الصيد غير المستدام: يعدّ الصيد غير المستدام أحد التحديات الرئيسية التي تؤثّر بجودة الحياة البحرية، ويتضمن ذلك صيد الأسماك بشكل مفرط، وقد يؤدى استعمال بعض أساليب الصيد في التلوث وتدمير البيئة البحرية، ويؤدي الصيد غير المستدام إلى نقص الأنواع البحرية وخلل في النظم البيئية.
4. فقدان المواطن البحرية: يتسبب فقدان المواطن البحرية في تدهور جودة الحياة البحرية، ويشمل ذلك تدمير المرجان والشعاب المرجانية، وتدهور المواطن الساحلية، وتغير البيئة الساحلية، ويعدّ فقدان المواطن البحرية تهديدًا خطيرًا يؤثّر بتوازن النظم البيئية البحرية ويهدد الأنواع البحرية.
تعزيز جودة الحياة البحرية يتطلب تعاونًا مشتركًا لمكافحة هذه التحديات، وتبني سياسات وإستراتيجيات تهدف إلى الحفاظ على البيئة البحرية واستدامة الموارد البحرية.
أنواع بحرية مهددة بالانقراض
هناك العديد من الأنواع البحرية التي تواجه خطر الانقراض بسبب التحديات التي وردت سابقًا، ومن بين هذه الأنواع:
1. الحيتان: تعدّ الحيتان، مثل الحوت الأزرق والحوت الرمادي، من أكبر الكائنات الحية على وجه الأرض، وتواجه الحيتان التهديدات الخطيرة بسبب الصيد الجائر والتلوث البحري وتغير المناخ، ويؤدي هذا إلى انخفاض أعدادها وتهديد استمرارها.
2. السلاحف البحرية: تعدّ السلاحف البحرية، مثل السلحفاة البحرية الخضراء، من الأنواع المهددة بالانقراض، وتواجه السلاحف التهديدات بسبب التلوث البحري وتغير المناخ وفقدان المواطن البحرية والصيد غير المستدام.
3. الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية: تعدّ الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية بيئات حيوية مهمة للكائنات البحرية، وتتعرض هذه المناطق للتلوث البحري وارتفاع درجة حرارة المياه والتغيرات في التوازن البيئي، مما يهدد حياتها ويؤثّر بالأنواع التي تعتمد عليها.
هذه ليست سوى بعض الأمثلة على الأنواع البحرية المهددة بالانقراض، وهناك العديد من الأنواع الأخرى التي تواجه التهديدات نفسها. يتطلب حماية هذه الأنواع جهودًا مشتركة للحدّ من التلوث والصيد غير المستدام والتغيرات المناخية والحفاظ على البيئة البحرية.
أبرز الحلول لتخطّي التحديات
للتغلب على التحديات التي تواجه تحقيق جودة الحياة البحرية، هناك عدد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها:
1. الحدّ من التلوث البحري: يجب تنفيذ سياسات وتشريعات صارمة للحدّ من التلوث البحري، مثل زيادة مراقبة التسربات النفطية وتنظيف الشواطئ، وتطبيق أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي الفعالة.
2. المحافظة على البيئة البحرية: يجب حماية المناطق البحرية الحيوية، مثل الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية والمحيطات العميقة، من الأنشطة البشرية المؤذية، وتعزيز إنشاء المحميات البحرية، وتنظيم استعمال الموارد البحرية.
3. الحد من الصيد غير المستدام: يجب تنفيذ سياسات صيد مستدامة وتطبيق قيود على الصيد غير المسؤول والتعاون مع المجتمعات الصيادين لتعزيز ممارسات الصيد المستدامة.
4. مراقبة ورصد الأنواع البحرية: يجب تطوير نظم مراقبة ورصد فعالة للأنواع البحرية المهددة بالانقراض، وتبادل المعلومات والتعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات البحثية لتحديد حالتها واتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها.
5. التوعية والتعليم: يجب تعزيز التوعية والتعليم حول أهمية الحفاظ على جودة الحياة البحرية وتأثيرات التلوث والتغيرات المناخية عليها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعية متعددة الوسائط وبرامج التعليم البيئي في المدارس.
6. التعاون الدولي: يجب تعزيز التعاون الدولي والتنسيق بين الدول لمكافحة التحديات البحرية المشتركة، وتبادل المعلومات والخبرات والممارسات الجيدة في مجال حماية الحياة البحرية.
هذه المبادئ والإجراءات قد تساعد في التغلب على التحديات وتحقيق جودة الحياة البحرية المستدامة والمزدهرة.
يمكننا الاستنتاج أن تحقيق جودة الحياة البحرية هو أمر ضروري وملحّ للحفاظ على التنوع البيولوجي واستدامة البيئة البحرية، تواجه البحار والمحيطات تحديات عديدة، مثل التلوث والصيد غير المستدام وتغير المناخ، وتأثيرها يمتد إلى الكائنات البحرية والبشر على حدّ سواء.
مع ذلك، يمكننا التغلب على هذه التحديات عن طريق تنفيذ سياسات وإجراءات فعالة، ويجب علينا العمل على الحدّ من التلوث البحري وحماية البيئة البحرية، وتنفيذ سياسات صيد مستدامة، وتعزيز التوعية والتعليم حول أهمية الحفاظ على الحياة البحرية، بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التعاون الدولي لمكافحة التحديات البحرية المشتركة.
على الرغم من التحديات التي تواجهها جودة الحياة البحرية، فإننا ما زلنا نملك القدرة على التغيير والعمل للحفاظ على هذه البيئة الغنية والمتنوعة، بالتعاون يمكننا تحقيق جودة الحياة البحرية المستدامة والمزدهرة وتأمين مستقبل أفضل للبحار والمحيطات وللكائنات الحية التي تعتمد عليها.
إن الحفاظ على جودة الحياة البحرية ليس مسؤولية فقط للحكومات والمنظمات الدولية، بل يتطلب مشاركة وجهود مشتركة من القطاع الخاص والجمهور أيضًا، ويجب علينا أن نتعاون معًا للحفاظ على البحار والمحيطات بصفتها موروثًا طبيعيًا ثمينًا للأجيال الحالية والمقبلة.
* مهندسة هبة محمد إمام.. خبيرة دولية واستشارية بيئية مصرية
موضوعات متعلقة..
- مزارع الرياح تستعمل الفقاعات الهوائية لحماية البيئة البحرية.. وداعًا لنفوق الحيتان
- مشروعات الرياح البحرية وراء نفوق الحيتان في نيوجيرسي الأميركية (فيديو)
- تخفيف قيود كورونا.. هل يحرّك مياه الرحلات البحرية الراكدة؟
اقرأ أيضًا..
- صادرات النفط الإيرانية تواجه أول عقوبات أميركية بعد الهجمات على إسرائيل
- هل تتقلص تخفيضات أوبك+ قبل نهاية 2024؟ 8 خبراء يجيبون لـ"الطاقة"
- لمواجهة انقطاع الكهرباء في مصر.. حل شمسي بأقل سعر