رئيسيةتقارير الطاقة النوويةطاقة نووية

المفاعلات المعيارية الصغيرة.. أوروبا تسعى لاقتناص فرصة ضخمة

بالتزامن مع انعقاد أول قمة للطاقة النووية في بروكسل

دينا قدري

أصبحت المفاعلات المعيارية الصغيرة بمثابة نقطة اتفاق نادرًا ما تتوصل إليها دول أوروبا عند الحديث عن الطاقة النووية، إيمانًا منها بدورها في تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة.

وفي 6 فبراير/شباط 2024، أطلقت المفوضية الأوروبية تحالف المفاعلات المعيارية الصغيرة (SMRs)، ما يُعدّ خطوة نحو تزويد أوروبا بهذه المفاعلات النووية الصغيرة المتنقلة.

وفي تقرير حديث حصلت منصة الطاقة المتخصصة على نسخة منه، سلّط المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والإستراتيجية (IRIS) الضوء على تكنولوجيا المفاعلات المعيارية الصغيرة وأهميتها بالنسبة لأوروبا.

وتقدمت أوروبا بشكل ملحوظ في حجز مقعد للطاقة النووية ضمن لوائحها، إلّا أنها تُعدّ متخلفة إلى حدٍّ كبير عن الولايات المتحدة وروسيا والصين في تنفيذ المشروعات.

أهمية المفاعلات المعيارية الصغيرة

أوضح تقرير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والإستراتيجية أن المفاعلات المعيارية الصغيرة ليست ابتكارًا أو ثورة موعودة؛ لأن هذه المفاعلات موجودة منذ مدّة طويلة، وهي في الواقع قديمة قِدم صناعة الطاقة النووية نفسها.

على وجه التحديد، تكمن أصالة المفاعلات المعيارية الصغيرة في نمطيتها: تصميم في هيئة كتلة متكاملة وموحدة، والتي يُمكن إنتاجها ونشرها بكميات كبيرة بسرعة، وبتكلفة أقل بكثير من المفاعلات الحالية.

وتمثّل هذه المفاعلات فرصة كبيرة بالنسبة للقطاع، إن لم تكن ثورية؛ لأن بناء محطة طاقة نووية يظل تحديًا بقيمة عدّة مليارات من الدولارات على مدى سنوات، وحتى عقود، إذ تُعدّ عملية طويلة يضاف خلالها خطر حدوث تغيير في سياسة الدولة أو تعبئة الرأي العام ضد المشروع.

ومع ذلك، بفضل المفاعلات المعيارية الصغيرة، يصبح من الممكن نظريًا نشر مفاعل وجعله مربحًا في وقت قياسي، لإنتاج الكهرباء أو التدفئة للمدن والمصانع وحتى إنتاج الهيدروجين أو مياه الشرب، وفق ما أكده التقرير الذي اطّلعت منصة الطاقة المتخصصة على تفاصيله.

ولن تجعل هذه المفاعلات من الممكن تعزيز الإمدادات النووية فحسب، بل وأيضًا تنويعها لتلبية احتياجات أخرى وجهات فاعلة أخرى، وربما تكون أقل تحديًا فيما يتعلق بالذرة.

ويُمكن أن يكون هذا هو الحال بشكل خاص في الدول النامية التي تعدّها خيارًا ميسور التكلفة للكهربة وإزالة الكربون.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي اقتنع بالحدّ الأدنى من المخاطر التي تفرضها هذه المفاعلات المنخفضة الطاقة والموفرة للوقود، كما يتضح من "قانون الصناعة حيادية الكربون" الذي يصفها بتكنولوجيا الحياد الكربوني، أو حتى تحالف المفاعلات المعيارية الصغيرة الذي يُمكن أن يمثّل بداية لتجميع الجهود.

أحد المفاعلات المعيارية الصغيرة التابعة لشركة "وستنغهاوس"
أحد المفاعلات المعيارية الصغيرة التابعة لشركة "وستنغهاوس" - الصورة من وكالة رويترز

أوروبا تتخلف عن الركب

على الرغم من هذا التقدم السياسي، أشار تقرير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والإستراتيجية إلى أن أوروبا تُعدّ متخلفة إلى حدّ كبير في مجال المفاعلات المعيارية الصغيرة.

بينما تمتلك الولايات المتحدة والصين وروسيا واليابان وحتى الأرجنتين نماذج متقدمة، بل وحتى تشغيلية، فإن أوروبا لا تقدّم أيّ مشروعات من المرجّح أن تصبح جاهزة للعمل قبل نهاية هذا العقد.

ولم يتأخر الاتحاد الأوروبي في تطوير هذه التقنيات فحسب، بل إنه يواصل المضي قدمًا بطريقة متفرقة مع العديد من المشروعات المتوازية.

كما تطرَّق التقرير -الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن هناك خطرًا اقتصاديًا، لأن هذه السوق صغيرة بطبيعتها، ولن تترك مجالًا كبيرًا لدخول وافدين جدد.

ومن ناحية أخرى، فإن هذه التكنولوجيا -التي يُفترض أنها متواضعة في قدرتها- تتمتع رغم ذلك بإمكانات جيوستراتيجية قوية.

ففي الصين، على سبيل المثال، يُمكن بسهولة نشر نموذجين أوليين مخصصين لتنمية المناطق الساحلية والمعزولة على الجزر المتنازع عليها في بحر الصين، لجعلها غير قابلة للاختراق من قبل أيّ مهاجم، حتى لو كان مهتمًا بمبادئ السلامة النووية.

أمّا بالنسبة للولايات المتحدة، حيث قُبلت الطبيعة المزدوجة للمفاعلات المعيارية الصغيرة، فإن وزارة الدفاع تموّل مشروعات ذات أغراض عسكرية.

ومن ثم، فإن التأثير الذي يمكن أن تُحدثه هذه التكنولوجيا في المجال الإستراتيجي لا يُمكن إهماله.

ومع ذلك، أصرّ التقرير على وضع الأمور في نصابها الصحيح؛ موضحًا أنه إذا كان كل شيء ممكنًا في المختبر، فإن تصنيع مثل هذه التكنولوجيا المعقدة يظل غالبًا خطوة لا يُمكن التغلب عليها.

وسواء من الناحية التقنية أو اللوجستية أو الاقتصادية، تظل جدوى المفاعلات المعيارية الصغيرة غير مؤكدة، دون أن ننسى القبول الاجتماعي والسياسي.

أول قمة للطاقة النووية

في ظل هذا الاهتمام المتصاعد، اجتمعت القمة الأولى للوكالة الدولية للطاقة الذرية لتعزيز الطاقة النووية، يوم الخميس (21 مارس/آذار 2024)، ممثلين عن نحو 50 دولة -من الاتحاد الأوروبي ولكن أيضًا الولايات المتحدة والصين- و25 زعيمًا في العاصمة البلجيكية بروكسل.

وقال رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي: "ستعتمد هذه القمة التاريخية على الزخم الذي حققته قمة المناخ كوب 28، إذ اتفق العالم أخيرًا على ضرورة الاستثمار في الطاقة النووية لتحقيق أهدافه المناخية.. لقد حان الوقت للعمل، ووضع الخطوات الملموسة التي ستؤدي إلى تحقيق الاستثمار".

ومع وجود 100 مفاعل في الخدمة حاليًا في 12 دولة، تمثّل الطاقة النووية نحو ربع الكهرباء المنتجة في الاتحاد الأوروبي، وما يقرب من نصف الطاقة الخالية من الكربون؛ كما يوجد نحو 60 مفاعلًا في مراحل مختلفة من التخطيط أو البناء، وفق الأرقام التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن منصة "فرانس 24" (France 24).

وفي العامين الماضيين، أدت فرنسا الرائدة في مجال الطاقة الذرية دورًا حاسمًا في صياغة قواعد تنظيمية أكثر ودّية، وإعادة الطاقة النووية إلى خطة الاتحاد الأوروبي.

ففي يونيو/حزيران 2023، نجحت باريس في تأمين تغيير بقواعد الطاقة المتجددة في الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالطاقة النووية بوصفها وسيلة لإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، توصلت دول الاتحاد الأوروبي والمشرّعون إلى اتفاق بشأن المساعدات العامة للاستثمار في محطات الطاقة النووية القائمة.

وأخيرًا، أدرجت بروكسل الطاقة النووية في خريطة الطريق الخاصة بها لتحقيق أهدافها المناخية لعام 2040، وفي فبراير/شباط 2024 أطلقت تحالفًا صناعيًا لتسريع تطوير المفاعلات المعيارية الصغيرة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق