مسؤول: الجزائر لم تستورد قطرة وقود منذ 4 سنوات.. وهذا حجم استهلاك المحروقات (حوار)
الجزائر - عماد الدين شريف
تمكّنت الجزائر من تحقيق أحد أهم أهدافها في مجال الطاقة، وهو تحقيق الاكتفاء الذاتي للمحروقات، بالتزامن مع اتجاهها إلى فتح أسواق جديدة للطاقة التي تنتجها، وأهمها الغاز، الذي تسعى كثير من دول أوروبا إلى الحصول عليه.
ويكشف رئيس سلطة ضبط المحروقات نديل رشيد -في حوار خاص مع منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن)- تفاصيل حجم الاستهلاك المحلي من المواد النفطية، حسب آخر الأرقام، بالإضافة إلى دور الهيئة في تنظيم وضبط نشاط المنشآت النفطية.
ويأتي هذا الحوار، لتوضيح كثير من جوانب قطاع المحروقات في الجزائر، إذ يكشف للمرة الأولى معلومات غير منشورة، تتعلق بتحقيق هدفيْن أساسيْن، هما حماية البيئة من تداعيات هذا النشاط "الملوث"، وضمان سلامة المنشآت، فإلى نص الحوار:
كم يبلغ حجم الاستهلاك المحلي من الوقود في الجزائر؟
يُعد الديزل الأكثر استهلاكًا من بين كل أنواع الوقود في الجزائر، إذ استهلكت البلاد في عام 2023 قرابة 10.1 مليون طن، أما استهلاك البنزين فيُقدر بنحو 3.3 مليون طن، واستهلاك غاز النفط المسال بلغ 1.73 مليون طن، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 12%، بالمقارنة مع سنة 2022 حين بلغ 1.55 مليون طن، محافظًا على وتيرة الزيادة السنوية المقدرة بما يتراوح بين 12 و15%.
وترجع هذه الزيادات المسجلة إلى تشجيع السلطات على استهلاك هذا النوع من الوقود "سيرغاز"، كونه غير ملوث للمحيط من جهة، ويُسهم في تقليل استهلاك الأنواع الأخرى كما هو الشأن بالنسبة إلى البنزين، فآلاف المركبات تحوّل سنويًا من استعمال البنزين إلى الغاز.
وبالنسبة إلى وقود الطائرات "الكيروسين" استهلكت الجزائر نحو 625 ألف طن، وهو الرقم الذي يمثل زيادة بـ34%، وهي الوتيرة ذاتها المسجلة بشأن الوقود الموجه إلى البواخر، بحكم أنه سجّل ارتفاعًا بنسبة 50%، الأمر الذي يرجع إلى انتعاش الحركة الاقتصادية الوطنية واستئناف الرحلات الجوية والبحرية.
هل يؤثر حجم الاستهلاك في قدرات الإنتاج الوطنية؟
على الرغم من ارتفاع حجم الاستهلاك المحلي فإنّ الجزائر تحقق اكتفاءها الذاتي من حيث تغطية الاحتياجات الوطنية من الوقود، ويمكن القول بأننا لم نستورد ولو قطرة وقود منذ نحو 4 سنوات، بفضل مجموعة الاستثمارات التي تقوم بها سوناطراك وفروعها في مجال نشاط تكرير البتروكيماويات، وعمل المصافي.
يُضاف إلى هذا عامل آخر متعلق بتبعات وباء كورونا، إذ إنّ الاستهلاك المحلي تراجع خلال فترة الجائحة، متأثرًا بتباطؤ النشاط الاقتصادي الوطني، ما أدى إلى تخزين كميات معتبرة من الإنتاج، استعملت على أثر ذلك في مرحلة ما بعد الجائحة.
وماذا عن استهلاك الأنواع الأخرى من الوقود والمواد النفطية؟
استهلكت الجزائر، خلال 2023، ما يزيد على 1.28 مليون طن غاز البوتان "قارورات الغاز"، مسجلة تراجعًا بنسبة 5%، مقارنة مع السنة التي سبقتها، بفضل اتساع شبكة الغاز الطبيعي وبلوغها العديد من المناطق، حتى النائية والمعزولة منها، وبالتالي تعويض استعمال قوارير الغاز.
أما استهلاك الزيوت فقُدر بـ130 ألف طن تقريبًا، تراجع استهلاك الزفت بنحو 20%، إذ بلغ 500 ألف طن، إذ تعود أبرز أسباب هذا التراجع إلى انتهاء وتسليم العديد من المشروعات المبرمجة في قطاع الأشغال العمومية.
هل تعتقد أن وتيرة الاستهلاك ستستقر في المستوى نفسه؟
أعتقد أنّ الاستهلاك الوطني من مختلف أنواع الوقود مرشح للارتفاع، خلال المرحلة المقبلة، في ظل انتعاش الحركة الاقتصادية من جهة، واستئناف استيراد السيارات التي تعد أحد أهم جوانب استهلاك الوقود في الجزائر من جهة أخرى.
ولكن هذا الأمر يتزامن مع إستراتيجية السلطات العمومية في تقليص تصدير المحروقات في شكلها الخام، عبر العمل على تثمينها عن طريق نشاطات التكرير والتصفية، تحقيقًا لقيمة مضافة خاصة بدخول مصفاة حاسي مسعود حيز العمل، بداية من عام 2028، بالإضافة إلى مشروعات لتوسعة محطات التكرير الموجودة حاليًا.
ما تأثير مساعي تحويل السيارات إلى الغاز والتوجه العالمي نحو السيارات الكهربائية في استهلاك الوقود؟
على الرغم من تحقيق الجزائر اكتفاءها الذاتي في استهلاك الوقود باختلاف أنواعه فإن السلطات العمومية تحرص في الوقت الراهن على تكريس تقليص الاستهلاك المحلي، والاستفادة منه لرفع حجم الصادرات الوطنية، وذلك من خلال التركيز على تحويل السيارات للعمل بغاز النفط المسال، لا سيما أنّنا بلد غازي بالدرجة الأولى، فضلًا عن مزايا هذا النوع من الوقود وانخفاض انبعاثاته على البيئة والمحيط.
ومن هذا المنطلق، فإنّ تحويل السيارات لاستعمال غاز النفط المسال "جي بي إل" يقلّص استهلاك البنزين والديزل معًا، خاصة في ظل التحفيزات الموجّهة إلى استعمال هذا الوقود النظيف، أبرزها سعره المقدر بـ9 دنانير جزائرية (0.067 دولارًا)، مقارنة بسعر البنزين الخالي من الرصاص المقدر سعره بـ45.62 دينارًا (0.333 دولارًا) أو حتى سعر الديزل المقدر سعره بنحو 29 دينارًا للتر (0.22 دولارًا)، بالإضافة إلى الاستفادة من عدم تسديد قسيمة السيارات السنوية.
ومن الواضح أنّ التوجّه نحو استعمال السيارات الكهربائية والهجينة أيضًا يذهب نحو الاتجاه نفسه في تقليص استهلاك الوقود، وهو ما ترجمته السلطات العمومية من خلال فرض استيراد نسبة من السيارات الكهربائية، وفقًا لدفتر الشروط المنظم لنشاطات الوكالات المعتمدة.
وذلك بالموازاة مع تجهيز محطات الخدمات بأعمدة الشحن الكهربائي، في إطار توفير أفضل الظروف لاستعمال هذا النوع من السيارات من قبل المواطنين.
ألا ترى أن انخفاض الأسعار تسبّب في ارتفاع الاستهلاك المحلي؟
نعم، قد يكون هذا الأمر من بين الأسباب، ولكن الجزائر لن تتخلى بالتأكيد عن دعم أسعار المواد الطاقوية ومن بينها الوقود بأنواعه، كونه من بين أهم المبادئ الرامية لحماية الطبقات ذات الدخل الضعيف من المواطنين، والحفاظ على قدرتهم الشرائية.
لكن في المقابل، من غير المقبول استمرار الوضع على حاله، ومن ثم وجب التفكير في طريق لـ"توجيه الدعم" إلى مستحقيه دون التخلي نهائيًا عنه.
وبالموازاة مع هذا، يبقى الجانب المتعلق بتوعية المواطنين بضرورة تقليص الاستهلاك في استعمال الطاقة بأنواعها.
ما دور سلطة ضبط المحروقات في الجزائر لضبط الأسواق؟
انفتاح السوق الجزائرية في مجال الطاقة منذ بداية عام 2000، دفع السلطات العمومية إلى ضرورة التفكير في إنشاء هيئة التنظيم، تترجمها سلطة ضبط المحروقات منذ 2005، على هذا الأساس فإن كل النشاطات ذات العلاقة بقطاع المحروقات وعمل المنشآت والمحطات النفطية يخضع لموافقة هذه الهيئة ومراقبتها.
في هذا الإطار، لا بد من التمييز بين المنشآت المنجزة قبل 2005، التي انطلقت بعد ذلك في تحديد دور سلطة ضبط المحروقات، ففي الحالة الأولى تُفرض على المنشأة النفطية إعادة مطابقتها للمعايير، وإذا لم تستجب إلى شروط السلامة والمخاطر فإنها تُغلق، إذ إنّ السلامة أولوية لا يمكن التفريط فيها، أما إذا كان المشروع المعني بعد سنة 2005 فإنّ المراقبة تبدأ مع إبداء المستثمر نيته في إقامة المشروع.
وعلى هذا الأساس، فإنّ سلطة ضبط المحروقات مهمتها الأساسية هي حماية البيئة والمحيط وضمان سلامة الموارد البشرية، ولن توافق سلطة الضبط على أي مشروع قبل تأكيد الدراسات الميدانية للمستثمر عدم وجود أي خطر على المحيط والبيئة والمواطنين على السواء.
بالإضافة إلى التأكد من مطابقة التجهيزات والمعدات للمعايير المطلوبة، وتستمر مراقبة سلطة الضبط قبل بداية المشروع من خلال دراسة مطابقة الملف للميدان، ثم إيفاد اللجان من الخبراء والمختصين للمنشأة دوريًا لضمان التزامها بجميع الشروط.
كما تتواصل المراقبة خلال مراحل إنجاز المشروعات وعمل المنشآت النفطية، بالإضافة إلى إلزام المستثمر بإعادة المنطقة إلى حالتها الأولى حماية للبيئة والمحيط.
ومن مهام سلطة ضبط المحروقات -أيضًا- منح التراخيص لنشاط محطات الوقود، وفي هذا الشأن تعمل على تنظيم السوق التي تعاني حاليًا من بعض الاختلال، إذ اقترحنا لمعالجته قانونًا موجودًا حاليًا على طاولة الأمانة العامة للحكومة للموافقة عليه.
وينص القانون على مجموعة من المعايير لضبط هذه السوق، موازاة مع مرافقة المستثمر المجال وتوجيهه من خلال اقتراح مناطق أفضل من حيث المردودية والتوزيع لإقامة مشروع محطة الوقود، وبالتالي تحقيق التنافس العادل بين المستثمرين وتحسين أداء أفضل للخدمات العمومية.
موضوعات متعلقة..
- استهلاك الوقود في الجزائر يقفز بنسبة 3% خلال 2022
- قطاع المحروقات في الجزائر.. بشائر آبار جديدة واتفاقيات لزيادة الصادرات
اقرأ أيضًا..
- 10 خبراء لـ"الطاقة": تخفيضات أوبك+ الطوعية قد تتقلص في النصف الثاني من 2024
- اكتشاف نفطي في مصر يحقق إنجازًا مهمًا
- أكبر محطة نووية في العالم تسابق الزمن لاستئناف التشغيل
هذا هو الإفلاس بعينه.. في دولة مصدرة للنفط يتباهى مسؤول بها على أن بلاده "الجزائر لم تستورد قطرة وقود منذ 4 سنوات'" ويقدمه في حوار كإنجاز.