انتهاء اتفاق نقل الغاز الروسي إلى أوروبا أواخر 2024.. تحول حاسم (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- في عام 2023 واصل الطلب الأوروبي على الغاز اتجاهه الهبوطي غير المتوقع
- دور شركة غازبروم بصفتها المورّد الرئيس للعديد من الدول الأوروبية يشكّل أهمية كبيرة
- مشهد صادرات غازبروم من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي شهد تحولات جذرية
- الديناميكيات المتطورة لواردات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي تعكس تفاعلًا معقدًا
تبذل المفوضية الأوروبية قصارى جهدها لوقف إمدادات الغاز الروسي التي تمر عبر أوكرانيا، حسبما صرّح المتحدث الرسمي باسم المفوضية الأوروبية، تيم ماكفي.
وأشار إلى أن الحجم السنوي الحالي من الغاز المنقول من روسيا إلى أوروبا عبر أوكرانيا يبلغ نحو 15 مليار متر مكعب.
ومع انتهاء صلاحية اتفاق نقل الغاز في 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، لا يعتزم الاتحاد الأوروبي تجديده، ما يشير إلى تحول حاسم في إستراتيجية شراء الطاقة.
وأشار تيم ماكفي إلى أن النمسا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك تحصل حاليًا على الغاز الروسي عبر أوكرانيا، وتحصل إيطاليا على كميات متواضعة.
وتستورد المجر، التي يُنظر إليها على أنها الحليف الأقوى لروسيا داخل الاتحاد الأوروبي، معظم احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا.
وفي عام 2021، أبرمت الحكومة بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان اتفاقًا مدّته 15 عامًا مع شركة غازبروم، شركة الطاقة الروسية العملاقة التي تديرها الدولة.
وبموجب شروط هذه الصفقة، تلتزم شركة غازبروم بتسليم 4.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى المجر سنويًا، وذلك باستعمال خط أنابيب ترك ستريم وطريق العبور عبر أوكرانيا.
ويؤكد هذا العقد النهج الإستراتيجي الذي تتبعه المجر لضمان أمن الطاقة لديها، ويُظهر تعقيدات الاعتماد على الطاقة داخل الاتحاد الأوروبي، وتتعاون المفوضية الأوروبية مع هذه الدول لضمان تأمين إمدادات الغاز اللازمة.
وينصب تركيز هذه الدول على ضمان قدرة هذه البلدان على الوصول إلى الغاز من خلال خطوط الأنابيب البديلة، وكذلك الغاز المسال.
منصة الاتحاد الأوروبي للطاقة
تتمثل إستراتيجية المفوضية الأوروبية في تعويض هذا الحجم من الغاز، من خلال تسهيل عمليات الشراء المشتركة للدول الأعضاء عبر منصة الطاقة الأوروبية التي تخضع لإشراف المفوضية الأوروبية.
ويمثّل هذا النهج جهدًا متضافرًا لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز أمن الطاقة داخل الاتحاد الأوروبي.
وفي المدة بين أبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 2023، أُجريت 4 جولات مناقصة شملت 25 نقطة تسليم ونقطتين افتراضيتين للغاز المسال (في المنطقتين الشمال الغربية والجنوب الشرقية).
وخلال هذه الجولات، سجلت الشركات الأوروبية طلبًا على أكثر من 54 مليار متر مكعب من الغاز، بينما قدّم المورّدون الدوليون عروضًا تتجاوز 61 مليار متر مكعب.
ومن خلال عملية اختيار صارمة تهدف إلى تحديد العروض الأكثر تنافسية، نجحت خدمة أغريغيت إي يو AggregateEU في مطابقة ما يزيد عن 42 مليار متر مكعب من العرض لتلبية الطلب الأوروبي.
ومع دخول أوائل عام 2024، ما تزال ظلال أزمة الطاقة باقية، ما يسلّط الضوء على الحاجة المستمرة للاستقرار والقدرة على التنبؤ بين المشترين والبائعين للغاز الطبيعي.
واستجابة لذلك، تطرح خدمة "أغريغيت إي يو" مناقصات متوسطة الأجل مصممة لتلبية هذا الطلب، وتسمح هذه المناقصات للمشترين بتحديد متطلباتهم من الغاز على مدى أوقات موسمية مدّتها 6 أشهر، من أبريل/نيسان 2024 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2029، مع تحديد الحدّ الأدنى لتقديم الطلبات عند مليون و800 ألف ميغاواط/ساعة للغاز الطبيعي المسال و30 غيغاواط/ساعة لنقطة التوازن الوطنية لكل مدة.
في المقابل، انطلقت المناقصة الافتتاحية متوسطة المدة في 15 فبراير/شباط 2024، وتستمر حتى 29 فبراير/شباط 2024.
وانتهت مرحلة تقديم الطلب في 21 فبراير/شباط 2024، إذ اجتذبت عطاءات من 19 شركة، بما في ذلك أصحاب المصلحة الصناعيين الرؤساء.
وبلغ إجمالي الطلب المقدّم 34 مليار متر مكعب، مع تجاوز طلبات الغاز المسال 15.3 مليار متر مكعب، وطلبات التسليم عبر خطوط الأنابيب التي وصلت إلى أكثر من 18.3 مليار متر مكعب.
ومن المقرر أن تبدأ مرحلة تقديم العطاءات في المدة من 26 إلى 27 فبراير/شباط 2024، ومن المتوقع إعلان نتائج المناقصة النهائية بحلول 29 فبراير/شباط 2024.
آفاق انخفاض الطلب على الغاز في أوروبا
في عام 2023، واصل الطلب الأوروبي على الغاز اتجاهه الهبوطي غير المتوقع، مع تعويض جزء ملحوظ من العجز في الإمدادات الروسية بالغاز المسال.
وقد أسهم هذا الانخفاض في الاستهلاك بشكل أكبر في زيادة استعمال مصادر الطاقة المتجددة وانتعاش إنتاج الطاقة النووية.
ويؤكد التقرير أن الجهود المبذولة للحدّ من الاعتماد على الغاز يُحَقّق تدريجيًا من خلال مبادرات سياسية متعمدة، ما يقلل من تأثير العوامل الطارئة، التي غالبًا ما ترتبط بالظروف الجوية.
على صعيد آخر، شهد الطلب الأوروبي على الغاز انخفاضًا بنسبة 7% (أو 35 مليار متر مكعب)، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 1995 عند 489 مليار متر مكعب.
ويبدو أن هذا التعديل قد نجح في موازنة العجز المتوقع بنحو 40 مليار متر مكعب، الذي كان من المتوقع سابقًا أن يكون بعيد المنال في السوق.
بدوره، يسير الاتحاد الأوروبي على الطريق الصحيح لزيادة نسبة الطاقة المتجددة في إجمالي مزيج الطاقة لديه إلى 45% بحلول نهاية هذا العقد، وهو الهدف الذي عُدِّلَ صعودًا عدّة مرات.
وقد أدت هذه الالتزامات المناخية على مستوى المفوضية الأوروبية إلى تعزيز اعتماد الطاقة المتجددة في جميع أنحاء القارة بشكل كبير، وعلى مدى السنوات الـ5 المقبلة، من المتوقع أن يتضاعف نشر الألواح الشمسية وتوربينات الرياح في الدول الأوروبية.
وتَعزَز الانخفاض في استهلاك الغاز "بالنهضة النووية"، على الرغم من أن هذا الاتجاه يختلف من بلد إلى آخر.
وفي عام 2023، ركّزت فرنسا على توسيع استعمالها للطاقة النووية بنسبة 30% بحلول عام 2030، وأعادت السويد دمج الطاقة النووية في إستراتيجية الطاقة لديها، وأعلنت بولندا خططًا لدمج الطاقة النووية لأول مرة.
وعلى العكس من ذلك، فصلت ألمانيا مفاعلاتها النووية الـ3 الأخيرة عن الشبكة، ومن المهم أن نلاحظ أن إحياء الطاقة النووية على نطاق واسع وسريع ما يزال غير مرجّح بسبب الشكوك المستمرة تجاه الطاقة النووية والتحديات المالية الكبيرة المرتبطة ببناء المفاعلات.
إضافة إلى ذلك، فإن العودة المحتملة للنشاط الصناعي الأوروبي يمكن أن تؤثّر بالوضع.
ومن الجدير بالذكر أن انخفاض الطلب، الذي يرجع جزئيًا إلى انخفاض الإنتاج الصناعي، أدى دورًا حاسمًا في التخفيف من تأثير فقدان إمدادات الغاز الروسي.
وكان لهذا الانكماش تأثير عميق في قطاعات معينة، وأبرزها إنتاج الأسمدة؛ ما يوضح التفاعل المعقّد بين إمدادات الطاقة، والإنتاج الصناعي، والالتزامات البيئية داخل الاتحاد الأوروبي.
الاتحاد الأوروبي يفرض حظرًا محتملًا على الغاز الروسي
في ديسمبر/كانون الأول 2023، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة مهمة نحو أهدافه المتعلقة بالبيئة وأمن الطاقة من خلال صياغة اتفاق أولي بشأن لوائح جديدة للغاز، تهدف إلى تسريع عملية إزالة الكربون من الصناعة، وعند اعتماد هذه اللائحة، فإنها ستمنح الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سلطة تقييد وصول مورّدي الطاقة الروس إلى البنية التحتية الحيوية لنقل الغاز.
ويشمل ذلك خطوط الأنابيب ومحطات الغاز المسال الرئيسة عبر القارة.
ومن المتوقع أن تؤثّر مثل هذه الإجراءات في الغالب بمورّدي الغاز الروس الرؤساء، ولا سيما شركتي غازبروم ونوفاتك، من خلال الحدّ من قدرتيهما على توزيع الغاز داخل سوق الاتحاد الأوروبي.
وتُعدّ هذه الخطوة جزءًا من إستراتيجية أوسع ينتهجها الاتحاد الأوروبي لتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري، وخصوصًا المستورد من روسيا، وزيادة مرونة إمدادات الطاقة من خلال التنويع ودعم مصادر الطاقة المتجددة.
وتتوافق اللائحة مع الأهداف الطموحة للاتحاد الأوروبي للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة، والانتقال نحو مستقبل طاقة أكثر استدامة وأمانًا.
ومن الممكن أن يصبح التشريع المرتقب قيد المناقشة في الاتحاد الأوروبي، آلية لممارسة ضغوط سياسية متزايدة على الدول الأعضاء التي تصرّ على شراء الغاز الروسي.
ويسهّل هذا الإطار التنظيمي وقف العقود الحالية في ظل ظروف محددة، ومن المحتمل أن يثبط المزيد من الارتباطات مع مورّدي الغاز الروس.
ويشكّل دور شركة غازبروم بصفتها المورد الرئيس للعديد من الدول الأوروبية أهمية كبيرة، إذ يصل الغاز الذي تنتجه إلى سلوفاكيا، والنمسا، وإيطاليا عبر أوكرانيا، ومقدونيا، وكرواتيا، والمجر، واليونان، وصربيا، والبوسنة عبر خط أنابيب ترك ستريم.
رغم ذلك، فإن مشهد صادرات غازبروم من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي شهد تحولات جذرية.
وفي العام الماضي، انخفضت شحنات غازبروم إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 56%، فهبطت إلى 63.8 مليار متر مكعب، وتشير التوقعات إلى انخفاض آخر إلى 29 مليار متر مكعب هذا العام.
ومن ثم، من المتوقع أن ينخفض إسهام غازبروم في استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي إلى نحو 8.5%، وهو انخفاض شديد من 34% في عام 2021.
وحتى الآن، فإن المملكة المتحدة وبولندا ودول البلطيق هي الدول الوحيدة في السياق الأوروبي الأوسع التي توقفت تمامًا عن استيراد الغاز المسال الروسي، وفي الوقت نفسه، واصلت دول أخرى، بما في ذلك إسبانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا واليونان وفنلندا والسويد، مشترياتها.
تجدر الإشارة إلى أن إسبانيا حصلت على 4.43 مليون طن من الغاز الروسي في المدة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، وفقًا لبيانات شركة كبلر، وقامت بلجيكا وفرنسا بمشتريات كبيرة.
ويوضّح الجدول التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- إمدادات غازبروم من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في الأعوام الثلاثة الأخيرة (2021-2023):
من ناحيتها، حسبت المفوضية الأوروبية أن واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي، بما في ذلك الغاز المسال، تبلغ 43 مليار متر مكعب في عام 2023، ويمثّل هذا انخفاضًا كبيرًا من 80 مليار متر مكعب في عام 2022 و155 مليار متر مكعب في عام 2021.
وحسبما توضح المفوضية، فإن "انخفضت حصة غاز خطوط الأنابيب الروسية في واردات الاتحاد الأوروبي من أكثر من 40% عام 2021 إلى نحو 8% عام 2023.
وبالنسبة لغاز خطوط الأنابيب والغاز المسال مجتمعين، شكّلت روسيا أقلّ من 15% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز".
ويكشف الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- إمدادات أوروبا من الغاز بين عامي 2021 و2023:
وتعكس الديناميكيات المتطورة لواردات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي تفاعلًا معقدًا بين الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية والبيئية؛ ما يؤكد الجهود المستمرة التي يبذلها التكتل لتنويع مصادر الطاقة لديه، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- شل تنحاز لأرباح النفط والغاز وتطرح أصولًا متجددة في أميركا للبيع
- قطاع الغاز في الجزائر.. احتياطيات كبيرة ومصدر مهم محليًا وعالميًا (تقرير)
- مفاجأة بشأن احتياطيات حقل ظهر المصري