كيف يحقق الذكاء الاصطناعي استدامة قطاع النقل؟ (مقال)
هبة محمد إمام
شهد قطاع النقل المستدام تحولًا مهمًا خلال السنوات الأخيرة، بالتزامن مع ظهور الذكاء الاصطناعي بهدف تحقيق أهداف الاستدامة البيئية، وخفض الانبعاثات الضارة.
ويسعى العديد من الدول والمدن إلى تحقيق الاستدامة البيئية وتقليل الانبعاثات، من خلال الاستعانة بالتقنيات الحديثة؛ إذ يمكن أن يسهم هذا الذكاء في تحسين كفاءة وسائل النقل، وتحسين تجربة المستعمل، وتقليل الازدحام والانبعاثات.
إن استعمال الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل المستدام يعني استعمال التكنولوجيا لجمع وتحليل البيانات المرتبطة بالمرور والازدحام واستهلاك الوقود والانبعاثات، واستعمال هذه المعلومات لتوجيه القرارات وتحسين العمليات.
ويمكن للذكاء الاصطناعي توفير حلول مبتكرة لمشكلات النقل المستدام؛ ما يساعد على تحقيق توازن بين الاقتصاد والبيئة والمجتمع.
مع استمرار التطور التكنولوجي وتزايد الاهتمام بالاستدامة، نتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير في مستقبل النقل المستدام. ومن خلال فهم التحديات والاستفادة من الفرص، يمكننا تحقيق نظام نقل أكثر فاعلية واستدامة، يلبي احتياجات المستعملين ويحافظ على البيئة للأجيال القادمة.
ما هو النقل المستدام؟
النقل المستدام هو مفهوم يهدف إلى توفير وسائل نقل آمنة وفعالة من حيث التكلفة وتأثيرها في البيئة، كما يعتمد على تقنيات وسياسات جديدة لتحسين النقل العام والتشجيع على استعمال وسائل النقل البديلة.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهِم في تحقيق هذا الهدف بعدة طرق، نرصدها فيما يلي:
أولًا: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهِم في تحسين تخطيط النقل المستدام وتحسين استعمال الموارد. يمكن للأنظمة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليل بيانات النقل وتحليل احتياجات النقل وتوجيه السياسات والتخطيط بناءً على هذه البيانات.
كما يمكن استعمال التحليلات الذكية لتحديد النقاط الضعيفة في النظام الحالي وتحسينها. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات حركة المرور وتوجيه توزيع السيارات والحافلات بطريقة فعالة؛ ما يقلل من الازدحام ويحسن تدفق الحركة.
ثانيًا: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحسين السلامة والأمان في وسائل النقل المستدامة. ويمكن للنظم الذكية استعمال تقنيات التعلم العميق والتعلم الآلي لتحليل بيانات السلامة والأمان وتحديد المشكلات المحتملة والتحذير منها.
ومن ثَم، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تجنب الحوادث وتحسين السلامة العامة في وسائل النقل المستدامة.
ثالثًا: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهِم في تحسين تجربة المستعمل وتوفير الراحة والسهولة في استعمال وسائل النقل المستدامة، ويمكن للنظم الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي توفير معلومات مفصّلة ودقيقة حول الخدمات العامة ومواعيد الانتظار والمسارات الأمثل والتوجيهات.
كما يمكن للمستعملين الوصول إلى هذه المعلومات من خلال تطبيقات الهاتف المحمول أو الأجهزة الذكية الأخرى. ومن ثم يمكن تعزيز استعمال وسائل النقل المستدامة وتحسين تجربة المستعمل.
رابعًا: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهِم في تحسين كفاءة استهلاك الطاقة في وسائل النقل المستدامة، ويمكن للأنظمة الذكية أن تحلل بيانات الاستعمال وتحديد الفجوات في الكفاءة وتقديم توصيات لتحسينها.
على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل أنماط استعمال المركبات الكهربائية وتوجيه السائقين لتحقيق أفضل استهلاك للبطارية؛ ومن ثَم يمكن تحسين استعمال الطاقة وتقليل الانبعاثات الضارة.
ويمكن -كذلك- للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحسين النقل العام، الذي يُعَد جزءًا مهمًا من النقل المستدام؛ إذ يهدف إلى توفير وسائل نقل فعالة ومستدامة للجمهور. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي دورًا حاسمًا في تحسين تجربة المستعمل وتحسين كفاءة النقل العام واستدامته.
تحسين قطاع النقل العام
إحدى الطرق التي يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي من خلالها في تحسين النقل العام، هي تحسين نظم الجدولة وتوزيع الحافلات؛ إذ يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات حركة المرور والازدحام وتوجيه توزيع الحافلات بطريقة فعالة.
ويمكن أيضًا استعمال التحليلات الذكية لتحديد الطلب المتغير والمواقع ذات الكثافة العالية وضبط جدول الحافلات وفقًا لذلك. وهذا يؤدي إلى تحسين توافر الحافلات وتقليل وقت الانتظار وتحسين الخدمة العامة للنقل العام.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهِم في تحسين توجيه الركاب والتواصل معهم، ويمكن استعمال التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتوفير معلومات مفصلة حول الخدمات العامة ومواعيد الانتظار والمسارات الأمثل والتوجيهات.
كما يمكن للمستعملين الوصول إلى هذه المعلومات من خلال تطبيقات الهاتف المحمول أو الأجهزة الذكية الأخرى؛ ومن ثَم تحسين تجربة المستعمل وتشجيع المزيد من الناس على استعمال وسائل النقل العام.
علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهِم في تحسين صيانة وإدارة المركبات العامة، ويمكن للنظم الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليل بيانات الصيانة والتشخيص المبكر للمشكلات المحتملة في المركبات.
إذ يمكن أيضًا تحليل بيانات استهلاك الوقود وأنماط القيادة وتوفير توصيات لتحسين كفاءة استهلاك الوقود وتقليل الانبعاثات الضارة، وهذا يُسهِم في تقليل تكاليف الصيانة وتحسين أداء وسائل النقل العام.
بشكل عام، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات واتخاذ القرارات الذكية استنادًا إلى هذه البيانات، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تحسين الكفاءة والاستدامة وتجربة المستعمل في النقل العام.
ويستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات الازدحام وتوجيه الركاب إلى طرق بديلة. من خلال تحليل البيانات المتاحة حول حركة المرور والازدحام في الوقت الحقيقي، كما يمكنه تحديد الطرق التي تشهد ازدحامًا كبيرًا وتوجيه الركاب إلى طرق بديلة تكون أكثر فاعلية.
بالإضافة إلى ذلك، بإمكانه توفير توصيات للركاب بخيارات الطرق المختلفة والمواعيد المثلى للسفر. ويمكن للتطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليل بيانات الازدحام وتوفير توجيهات محددة للركاب للوصول إلى وجهاتهم بأسرع وقت ممكن وبأقل ازدحام.
وبإمكانه أيضًا تحليل أنماط السفر الفردية والتوقعات المستقبلية للركاب لتوجيههم إلى طرق بديلة. على سبيل المثال، إذا كان الذكاء الاصطناعي يعرف أن الراكب عادةً يسافر في الوقت نفسه وعلى الطريق نفسه كل يوم، يمكنه توجيهه إلى طرق بديلة لتجنب الازدحام المعتاد.
وعامة، بإمكان الذكاء الاصطناعي تحليل بيانات الازدحام وتقديم توصيات للركاب بخيارات الطرق البديلة والتوقيت الأمثل للسفر؛ ما يُسهِم في تحسين تجربة المستعمل وتقليل الازدحام في وسائل النقل العام.
تحديات تواجه النقل المستدام
رغم المزايا العديدة التي يمكن أن يوفرها استعمال الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل المستدام؛ فإنه يواجه -أيضًا- تحديات، تتمثل في:
1- جودة البيانات: يعتمد أداء الذكاء الاصطناعي على جودة البيانات المستعملة في التحليلات واتخاذ القرارات، ويمكن أن تكون البيانات المتاحة غير متكاملة أو غير دقيقة؛ ما يؤثر في دقة التوصيات والتحليلات.
2- الخصوصية والأمان: يشكل استعماله في قطاع النقل تحديات فيما يتعلق بحماية بيانات المستعملين وضمان الخصوصية، ويجب اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على أمان البيانات وحمايتها من الاختراقات أو سوء الاستعمال.
3- قبول المستعملين: قد يحتاج استعمال الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل المستدام إلى تغيير عادات المستعملين وتبني تقنيات جديدة، وقد يكون من الصعب تحقيق قبول المستعملين لهذه التغييرات، ومن ثَم يتطلب توعية المستعملين وتثقيفهم وتوضيح فوائد استعماله في تحسين النقل المستدام.
4- قيود التكنولوجيا: قد تكون هناك قيود تكنولوجية في تطبيق هذا الذكاء بقطاع النقل المستدام، وقد يحتاج الأمر إلى تطوير بنية تحتية تكنولوجية قوية وقدرات حوسبة عالية لتمكين تحليل البيانات وتنفيذ الخوارزميات الذكية.
5- تكاليف التنفيذ: قد يكون تطبيقه في قطاع النقل المستدام مكلفًا، ويتطلب ذلك توظيف مهندسين متخصصين وتطوير برامج وأنظمة متقدمة؛ ما يرفع تكاليف التنفيذ ويكون تحديًا للمؤسسات والجهات المعنية.
6 خطوات لمواجهة التحديات
1- تحسين جودة البيانات: يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات الموثوقة والدقيقة، ومن ثَم يجب تحسين جودة البيانات المستعملة في نظم النقل المستدام، ويمكن ذلك من خلال جمع البيانات بشكل دقيق ومنظم وتحديثها بانتظام.
2- ضمان خصوصية المستعملين: يجب أن تكون حماية خصوصية المستعملين أولوية عند استعمال التكنولوجيا الذكية في قطاع النقل المستدام، ويجب وضع سياسات وإجراءات صارمة لحماية بيانات المستعملين وضمان عدم استغلالها بطرق غير مشروعة.
3- قبول المستعملين: تجب توعية المستعملين بفوائد استعمال التكنولوجيا الذكية في قطاع النقل المستدام وتوضيح كيف يمكن أن يحسن تجربتهم. يتطلب ذلك توفير معلومات وشرح مفصل للتقنيات المستعملة والفوائد التي يمكن تحقيقها.
4- التكاليف: قد يكون استعمال التكنولوجيا الذكية مكلفًا في بعض الأحيان؛ لذا يجب إيجاد طرق لتخفيض التكاليف وزيادة الكفاءة، ويمكن ذلك عن طريق العمل على تطوير التكنولوجيا مع مراعاة التكلفة الاقتصادية وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحقيق الأهداف المشتركة.
5- التعاون والشراكات: يجب تعزيز التعاون والشراكات بين الشركات والحكومات والمؤسسات البحثية والمجتمع المدني. من خلال العمل المشترك، يمكن تبادل المعرفة والخبرات وتعزيز تبني التكنولوجيا الذكية في قطاع النقل المستدام.
6- التطوير التكنولوجي: يجب الاستمرار في تطوير التكنولوجيا المستعملة في قطاع النقل المستدام، ويجب إجراء البحوث والابتكارات المستمرة لتطوير نظم متقدمة قادرة على التعامل مع تحديات النقل المستدام وتحقيق الاستدامة البيئية.
من خلال تبني هذه الإجراءات والتوجهات، يمكن مواجهة التحديات التي تواجه استعمال التكنولوجيا الذكية في قطاع النقل المستدام وتحقيق تحسينات كبيرة في كفاءة النقل وتقليل التأثير البيئي، ويجب أن تكون هذه الجهود مستدامة ومتوازنة لضمان تحقيق الجدوى البيئية والاقتصادية.
تطبيقات ذكية ناجحة
هناك العديد من الأمثلة على تطبيقات ناجحة للذكاء الاصطناعي في قطاع النقل المستدام. إليك بعض الأمثلة:
1- نظام النقل العام الذكي: تستعمل بعض المدن نظم النقل العام الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المرور والازدحام وتحسين توجيه الركاب، ويتم توفير معلومات في الوقت الحقيقي حول الحافلات والقطارات والمترو ومشاركتها مع الركاب عبر تطبيقات الهاتف المحمول؛ ما يساعد الركاب على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً بشأن وسائل النقل التي يستعملونها والطرق التي يتوجب عليهم اتباعها.
2- تقنيات القيادة المستدامة: يُستَعمل الذكاء الاصطناعي في تطوير تقنيات القيادة المستدامة للمركبات، ويمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات القيادة والمركبة وتقديم توصيات للسائقين بشأن طرق القيادة الأكثر كفاءة وتوفير الوقود؛ ما يُسهِم في تقليل انبعاثات الكربون وتحسين استدامة النقل.
3- توجيه المركبات ذاتية القيادة: تُستعمل التكنولوجيا الذكية في توجيه المركبات الذاتية القيادة لتجنب الازدحام وتحسين كفاءة النقل، وتُحَلَّل البيانات المتاحة عن المرور والازدحام وتوفير توجيهات محددة للمركبات ذاتية القيادة لاختيار الطرق الأمثل وتجنب الزحام.
4- تحسين نظم الإشارة المرورية: يُستَعمل الذكاء الاصطناعي في تحسين نظم الإشارة المرورية لتنظيم حركة المرور بشكل أكثر فاعلية وتجنب الزحام، ويمكن للذكاء الاصطناعي تحليل بيانات المرور وتوفير توقعات دقيقة حول حركة المرور، وبناءً على ذلك، تغيير إعدادات إشارات المرور لتحسين تدفق المرور.
هذه مجرد بعض الأمثلة على تطبيقات التكنولوجيا الذكية في قطاع النقل المستدام. يوجد أيضًا العديد من التطبيقات الأخرى المبتكرة التي تعتمد على هذه التكنولوجيا لتحسين استدامة النقل وتجربة المستعمل.
يتضح أن استعمال الذكاء الاصطناعي في قطاع النقل المستدام يُعَد تطورًا مهمًا يمكن أن يحقق تحسينًا كبيرًا في الكفاءة والاستدامة. من خلال تحليل البيانات وتوجيه القرارات وتحسين عمليات النقل، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهِم في تقليل الازدحام، وتحسين استهلاك الوقود، وتقليل الانبعاثات الضارة، وتحسين تجربة الركاب.
ومع ذلك، يجب علينا أيضًا أن نواجه التحديات المرتبطة بجودة البيانات والخصوصية وقبول المستعملين والتكاليف. من خلال تبني السياسات الملائمة وتطوير التكنولوجيا وتوعية المستعملين، يمكننا تجاوز هذه التحديات وتحقيق فوائد استعمال التكنولوجيا الذكية في قطاع النقل المستدام.
يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يدعم النقل المستدام بشكل كبير، ويمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات وتوجيه السياسات وتحسين استعمال الموارد وتحسين السلامة وتحسين تجربة المستعمل وتحسين كفاءة استهلاك الطاقة، ومن المهم أن نستغل هذه التكنولوجيا بشكل كامل لتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق نقل أكثر أمانًا وفاعلية وصديق للبيئة.
بإمكاننا التطلع إلى مستقبل واعد يكون فيه النقل المستدام مدعومًا بتقنيات التكنولوجيا الذكية التي تعزز الكفاءة وتحافظ على البيئة وتحسن جودة الحياة؛ فالعمل المستمر في هذا المجال سيُسهِم في تشكيل مستقبل أفضل وأكثر استدامة.
موضوعات متعلقة..
- الذكاء الاصطناعي يحقق التوازن بين النمو الاقتصادي وحفظ الموارد (مقال)
- الذكاء الاصطناعي وتطوير الطاقة المتجددة عالميًا (مقال)
- كيف يدعم الذكاء الاصطناعي زيادة كفاءة الطاقة وتحقيق الاستدامة؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- لماذا لم تتأثر أسعار النفط كثيرًا بالمخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط؟ (تحليل)
- 7 دول تخالف حصص تخفيضات أوبك+.. ورقم قياسي لـ6 أشهر (مسح)
- صادرات النفط في البحر الأحمر تواجه أزمة.. وهكذا تنقذ السعودية أوروبا (تقرير)
استفدت كثيرا من المقالات العلمية شكرا جزيلا واتمنى التواصل مع المهندسة هبة محمد إمام لو امكن