بعد انهيار شركة الشاحنات.. تخبط بريطانيا يضرب السيارات الكهربائية في مقتل
هبة مصطفى
باتت مستهدفات نشر السيارات الكهربائية على الطرق البريطانية بكثافة، التزامًا بالتعهدات المناخية، نوعًا من الخيال الذي تفصله مسافات طويلة عن الواقع في ظل سياسات متضاربة تتوارثها حكومة تلو الأخرى.
ورغم أن بريطانيا تعدّ من ضمن كبريات الدول المساهمة بقدر وافر من انبعاثات الصناعات كثيفة الاستهلاك، فإن خطواتها لإحراز تقدّم ملموس في مسار الحياد الكربوني تتّسم بالبطء بعض الشيء.
وقاد رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك حالة من التخبط والارتباك في أوساط الصناعة، بين إرجاء حظر بيع سيارات محرك الاحتراق الداخلي الجديدة، وبين ضغوط مفروضة على المُصنّعين لزيادة مبيعات السيارات النظيفة والكهربائية، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
تراجع المبيعات
تشهد مبيعات السيارات الكهربائية انهيارًا تدريجيًا في السوق البريطانية، إذ شكلت ما نسبته 14.7% فقط من إجمالي مبيعات السيارات خلال شهر يناير/كانون الثاني 2024، انخفاضًا من نسبة -متراجعة بالفعل أيضًا- قدرها 19.7% في ديسمبر/كانون الأول نهاية العام الماضي.
وبإلقاء نظرة على المبيعات السنوية لهذه السيارات، نجد أن نسبة مبيعاتها خلال العام الماضي بلغت 16.5%، بانخفاض طفيف عن العام السابق له، الذي بيعت خلاله سيارات كهربائية بنسبة 16.6%، وفق بيانات الصناعة التي نقلها تقرير منشور في موقع التيليغراف (The Telegraph).
وكانت بيانات الشهر الماضي وعام 2023، بمثابة جرس إنذار يدقّ في الدولة المنفصلة عن الاتحاد الأوروبي منذ عام 2016، إذ شهدت مبيعات السيارات الكهربائية الشهرية والسنوية تراجعًا للمرة الأولى في البلاد.
ويتزامن ذلك مع ضربة جديدة تلقّتها الصناعة في بريطانيا، مع إعلان انهيار شركة أريفال (Arrival) للشاحنات الكهربائية مؤخرًا، وبيع أصولها، بعد فشلها في إنتاج وحدة واحدة من الشاحنات الصغيرة المخصصة لخدمات توصيل الطرود، رغم إنشاء الشركة منذ عام 2015.
ارتباك وتخبط
بدأت دائرة التخبط والارتباك تضيّق الخناق على السيارات الكهربائية في بريطانيا، منذ اقتناع رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون بوعود مؤسس شركة أريفال "دينيس سفيردلوف" ودعمه.
وكان مخططًا أن تسير شاحنات شركة أريفال على نهج زيادة نشر السيارات النظيفة على الطرق في البلاد، غير أن أداءها عقب 9 سنوات من إطلاقها لم يشهد سوى انهيار لسقف طموحات المحللين ممن عوّلوا عليها بوصفها "مستقبل صناعة السيارات النظيفة في المملكة المتحدة".
ورغم أن ريشي سوناك كان يتعين عليه تعلُّم الدرس من ممارسات جونسون وعدم واقعية نظرته، فإن الأول واصل حالة الارتباك والتخبط التي كانت أولى خطوات انهيار يبدو وشيكًا للصناعة، إذا لم تتلقَّ دعمًا حقيقيًا.
وأوقع سوناك المُصنعّين في حيرة من أمرهم، حينما أعلن -في سبتمبر/أيلول 2023- إرجاء حظر بيع سيارات محرك الاحتراق الداخلي الجديدة العاملة بالوقود الأحفوري لمدة 5 سنوات، ليبدأ الحظر عام 2035 بدلًا من 2030.
وكان قرار الحظر -الذي أقرّه بوريس جونسون عام 2020، تحت شعار "تفويض السيارات الخالية من الكربون"- ينص على أنه بحلول عام 2030 يُحظر بيع 80% من السيارات العاملة بالوقود الأحفوري، مع التخطيط لحظر الـ20% المتبقية بحلول 2035.
واقع الصناعة
لم يكن قرار الإرجاء الذي أقرّه ريشي سوناك واضحًا لمصنّعي السيارات الكهربائية بالقدر الكافي، فمن جهة دفع القرار إلى تراجع المستهلك عن شراء هذه السيارات، وانعكس على تراجع المبيعات، لكنه في الوقت ذاته يُجبر المصنّعين على زيادة مبيعات هذه السيارات، بدءًا من العام الجاري.
ولم تكن سياسات سوناك المتخبطة العائق الوحيد أمام مُصنّعي السيارات في بريطانيا، إذ تضاف لها البنية التحتية الرديئة للشحن، مع قرار سابق صدر في يونيو/حزيران 2022 بإلغاء الدعم المقدّم لمالكي السيارات النظيفة بخصم 2500 جنيهًا إسترلينيًا من سعر شرائها.
(الجنيه الإسترليني = 1.26 دولارًا أميركيًا).
ويستعد قائدو هذه السيارات إلى ضغط إضافي مع إلغاء الإعفاء من رسوم استهلاك السيارات وضريبة الطرق، رغم أن المصنّعين لم يتلقّوا حلولًا وزارية لما أثاره سوناك حول تكلفة السيارات الكهربائية المرتفعة.
واتهم المنتجون سوناك بأنه زاد من صعوبة واقع الصناعة بإلغائه الإعفاءات الممنوحة لقائدي هذه السيارات، خاصة أن الحكومة تطالبهم في التوقيت ذاته بأن تشكّل السيارات الخالية من الكربون وغير المطلقة للانبعاثات 22% من مبيعات السيارات الجديدة للعام الجاري 2024.
وألزمت الحكومة البريطانية المصنّعين بأن ترتفع حصة السيارات الخالية من الكربون (ZEV) ضمن المبيعات الجديدة إلى 28% العام المقبل 2025، و80% بحلول 2030، مع تطبيق غرامات على المخالفين.
تحديات وخسارة
طالب مجلس اللوردات -الهيئة العليا لبرلمان المملكة المتحدة- وزراء حكومة ريشي سوناك بالإمساك بزمام الأمور، منعًا لتسبب حالة الارتباك والتخبط في "كارثة" قد تلحق بالصناعة وبالأهداف الحكومية.
وقالت رئيسة لجنة البيئة وتغير المناخ في المجلس، البارونة كاثرين بارمينتر، إن خفض انبعاثات النقل البري (البالغة 23% من حجم الانبعاثات البريطانية) ضروري لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.
وأكد الرئيس التنفيذي لجمعية مُصنّعي وتجّار السيارات في بريطانيا، مايك هاويس، أنّ تخبُّط سياسات سوناك عزّز المعروض من السيارات الكهربائية، مقابل تضييق الخناق على الطلب.
وأشار إلى أن سوناك يهدف للانتقال إلى مرحلة السوق المفتوحة والشاملة، دون النظر لمرحلة التكيف الأولية مع أهداف النقل النظيف، موضحًا أن قرار إلغاء المنح والحوافز للمشترين سابق لأوانه.
وبخلاف التكلفة المرتفعة لشراء السيارات الكهربائية، وانخفاض عدد نقاط الشحن المتاحة على الطرق، تبقى تكلفة التأمين وفقدان القيمة بوتيرة سريعة عائقين يزيدان من تكلفة التشغيل.
وقد تخسر السيارة الكهربائية نصف قيمتها تقريبًا في غضون 3 سنوات، بواقع تحمُّل خسارة قدرها 24 ألف جنيهًا إسترلينيًا إذا ما كانت قيمة السيارة 50 ألف جنيهًا، ومقابل ذلك تخسر السيارات العاملة بالبنزين 17 ألف جنيه فقط من قيمتها، حسب بيانات أوتو تريدر (Auto Trader).
ويرصد الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم مبيعات السيارات الكهربائية عالميًا، من عام 2015 حتى 2023:
إجراءات وحلول
تبلغ قيمة قسط التأمين على السيارات الكهربائية 1344 جنيهًا إسترلينيًا، ما يعادل ضعف قسط نظيرتها العاملة بالبنزين المقدّر بنحو 676 جنيهًا إسترلينيًا، ما يفسر المخاوف من مشكلات البطاريات.
وطرحت البارونة بارمينتر رؤية الهيئة العليا لبرلمان المملكة المتحدة لإعادة الأمور إلى نصابها، مشيرة إلى أن الحكومة فشلت في توفير 6 شواحن سريعة بحدّ أدنى في كل محطة على الطرق السريعة بنهاية 2023.
وقالت، إن توافر نقاط ومحطات الشحن أمر ضروري حتى يعزز رغبة شراء السيارات النظيفة لدى المستهلك.
ودعت لجنة البيئة وتغير المناخ إلى استئناف تقديم المنح والحوافز لمشتري هذه السيارات، خاصةً أن سحب الدعم كان خطوة مبكرة، مع ضرورة إعادة النظر في الرسوم والضرائب التي تفوق دولًا أوروبية أخرى.
وطالب معنيون بالصناعة أن تتضمن الموازنة الجديدة، المرتقب إعلانها في 6 مارس/آذار المقبل، خفضًا لضريبة القيمة المضافة على السيارات النظيفة الجديدة، لتصل إلى 10%.
موضوعات متعلقة..
- سوق السيارات الكهربائية في بريطانيا تسجل نموًا ضعيفًا خلال 2023
- السيارات الكهربائية.. بريطانيا تدرس فرض ضرائب جديدة لتعويض رسوم الوقود
- انهيار شركة شاحنات كهربائية عملاقة.. ضربة جديدة لبريطانيا والغرب
اقرأ أيضًا..
- وكالة الطاقة الدولية: الهند أكبر محرك لنمو الطلب على النفط عالميًا حتى 2030
- إيرادات صادرات النفط السعودي في نوفمبر تنخفض 19.4%
- قائمة أكبر 10 شركات تعدين في العالم تضم معادن السعودية (إنفوغرافيك)