التغيرات المناخية حصدت أرواح نصف سكان الإمبراطورية الرومانية.. ما القصة؟
محمد عد السند
- تقترن التغيرات المناخية بفقدان التنوع البيولوجي وانتشار الأوبئة
- لقي ما يصل إلى نصف السكان الذين كانوا يعيشون تحت راية الإمبراطورية الرومانية حتفهم بسبب الأوبئة
- فترات الطقس البارد والجاف السائدة في شبه الجزيرة الإيطالية تزامنت مع الأوبئة الخطيرة في الإمبراطورية
- أوشك طاعون جستنيان الذي تفشّى في القرن السادس الميلادي على الفتك بالجنس البشري بأكمله
لا تُعد التغيرات المناخية المعضلة الوجودية الناتجة عن الأنشطة البشرية خلال العقود القليلة الماضية فحسب، وإنما ظهرت -على ما يبدو- في العصور القديمة، مخلفة وراءها تداعيات كارثية طالت الأخضر واليابس.
وبحسب تقارير اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، فإن تغير المناخ يقترن -عادة- بتدمير التنوع البيولوجي، واختلال النُّظُم البيئية، وتراجع الإنتاج الغذائي من المحاصيل ومصايد الأسماك والماشية.
كما يقترن بزيادة معدلات الوفاة والأوبئة الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الأمراض المُعدية، إذ كاد طاعون جستنيان (Justinian) الذي تفشّى في القرن السادس الميلادي أن يفتك بالجنس البشري بأكمله، بحسب توثيقات المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس.
ولقي نحو نصف السكان الذين كانوا يعيشون تحت راية الإمبراطورية الرومانية -إلى جانب عشرات الملايين من الأشخاص الذين كانوا يسكنون بالقرب من منطقة البحر المتوسط- حتفهم جراء هذا الوباء القاتل.
وبدأ الطاعون عادةً بظهور أعراض حُمى على الشخص المصاب، ثم تورمات في منطقتي الفخذ والإبط، بعدها غيبوبة أو هذيان، قبل أن ينتهي مصير الشخص إلى الموت المحقق.
التغيرات المناخية كلمة السر
لم يكن هناك سبب منطقي واضح يفسّر انتشار الطاعون في العصر الروماني، وفق كتابات بروكوبيوس، غير أن دراسة حديثة نُشرت في مجلة ساينس أدفانسيز (Science Advances) في 26 يناير/كانون الثاني (2024) وجدت صلة وثيقة بين هذا الطاعون -وغيره من الأمراض الأخرى في الإمبراطورية الرومانية- والتغيرات المناخية.
وأوضحت الدراسة أن أوقات الطقس البارد والجاف التي كانت سائدة في شبه الجزيرة الإيطالية قد تزامنت مع الأوبئة الخطيرة في الإمبراطورية، ما يدل ضمنيًا على أن التغيرات المناخية قد تسببت في ضغوطات وتوترات في المجتمع الروماني، أفضت بدورها إلى ظهور تلك الأوبئة الفتاكة.
وقالت المؤلفة المشاركة للدراسة وعالمة الحفريات الدقيقة في مركز ماروم لعلوم البيئة البحرية (MARUM-Center for Marine Environmental Sciences) بجامعة بريمن الألمانية، كارين زونيفيلد، إن التطابق كان واضحًا جدًا، لدرجة أنه "كان واحدًا من تلك الأوقات التي تستطيع فيها، بوصفك عالمًا، أن تحكم على الأشياء".
وأثبتت نتائج الدراسة، التي تُعد تتويجًا لجهود استغرقت 10 سنوات، التداعيات الكارثية التي يمكن أن تخلفها التغيرات المناخية على المجتمعات التي لا تقدر على مواجهة الاضطرابات ذات الصلة.
وكلاء المناخ
تعيد النتائج البحثية إلى الأذهان معاناة حكومات العالم -في الوقت الراهن- في كفاحها المرير لاحتواء ظاهرة الاحترار العالمي الناجمة عن أنشطة البشر.
وقبل أكثر من 200 عام لم يكن هناك سوى القليل جدًا من وسائل القياس المباشرة لدرجات الحرارة، لذلك استعمل العلماء أساليب غير مباشرة -تسمى "الوكلاء"- لاستكشاف تاريخ مناخ الأرض، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ويشير مصطلح وكلاء المناخ، في علم المناخ القديم، إلى خصائص فيزيائية تمثل القياسات الجوية المباشرة، وتسمح للعلماء بإعادة إنشاء الظروف المناخية عبر جزء أكبر من تاريخ كوكب الأرض.
ويشتمل الوكلاء على حلقات الأشجار السنوية وطبقات الجليد التي تترسب بمرور الوقت على الأنهار الجليدية.
غير أنه لا تتوافر دراسات حول حلقات الأشجار -حتى الآن- تُظهر ملامح المناخ في إيطاليا خلال عهد الإمبراطورية الرومانية، كما أن معظم الأنهار الجليدية في جبال الألب تقع في أقصى الشمال، ما يجعلها غير موثوقة لتحديد المناخ في أقصى الجنوب.
ولعل هذا ما دفع المؤلفة المشاركة في الدراسة وعالمة الحفريات الدقيقة في مركز ماروم لعلوم البيئة البحرية كارين زونيفيلد وزملاءها إلى اللجوء للسجل التالي الأفضل المتمثل في الأكياس المتحجرة التي تشبه الصدفة من الكائنات الحية الدقيقة المعروفة باسم الدينوفلاجيلات في رواسب قاع البحر من خليج تارانتو الإيطالي.
فعندما هبطت درجة حرارة البحر أو زادت، تغيّرت كذلك أنواع الدينوفلاجيلات الموجودة في مياه البحر القديمة، واستطاع الباحثون تحديد التغيرات المناخية من الأكياس المميزة للكائنات الحية.
تحليل الحفريات
عبر تحليل الحفريات في طبقات مختلفة من الرواسب، أعاد الفريق بناء "المناخ القديم" الذي كان سائدًا في جنوب إيطاليا خلال المدة بين نحو 200 قبل الميلاد و600 ميلادية.
وتُظهر عمليات إعادة البناء أن الفترات الأكثر برودة التي اتسمت بمتوسط درجات حرارة تقل 3 درجات مئوية عن أعلى مستوياتها خلال القرون السابقة لعقود من الزمن، قد تزامنت مع الإبلاغ عن تفشي الأوبئة الكبرى خلال العهد الروماني.
وتتمثل هذه الأوبئة في الطاعون الأنطوني خلال المدة بين 165 و180 ميلادية، والطاعون القبرصي خلال المدة بين نحو 215 و266 ميلادية، والوباء الذي بدأ بطاعون جستنيان خلال المدة بين نحو 541 و549 ميلادية، واستمر في النهاية حتى 766 ميلادية.
وقال المؤلف المشارك للدراسة والمؤرخ في جامعة أوكلاهوما ومؤلف كتاب "مصير روما: المناخ والأمراض ونهاية إمبراطورية"، كايلي هاربر، إن الأوبئة لم تنبع مباشرة من الانخفاض في درجات الحرارة، ولكنها كانت -على ما يبدو- نتاج الاضطرابات الناجمة عن التغيرات المناخية في المجتمع الروماني.
واشتملت تلك الاضطرابات على تناقص الإمدادات الغذائية وانتشار الفئران، والبعوض، وغيرها من الآفات الأخرى.
وفي هذا الخصوص أوضح هاربر: "يبدو أن البرد لم يكن سيئًا في حد ذاته"، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وأضاف هاربر: "لكن عندما يكون لديك تسارع في وتيرة التغيرات المناخية، فإنها تزعزع الاستقرار بدرجة كبيرة، إذ إنها تربك الأنظمة الإيكولوجية، وتزعزع استقرار المجتمعات".
موضوعات متعلقة..
- التغيرات المناخية تنشر الملاريا في كينيا.. وقارات العالم ليست بمأمن (فيديو)
- مرونة سلاسل توريد الطاقة المتجددة أمر حاسم لنجاح مواجهة التغيرات المناخية (تقرير)
- منجم فحم واحد يعزز التغيرات المناخية بحرارة تعادل 1.7 مليون قنبلة هيروشيما
اقرأ أيضًا..
- بورشه: أوروبا قد تؤجل حظر سيارات الوقود الأحفوري في 2035
- إنتاج الغاز في النرويج خلال 2023 يسجل قفزة تاريخية.. ومفاجأة نفطية (رسوم بيانية)
- انخفاض صادرات الجزائر من النفط.. ومقارنة في آخر 3 سنوات
- أرباح تيسلا تهبط للمرة الأولى.. هل أطلق ماسك رصاصة في الاتجاه المعاكس؟