دراسة تنسف خطط الحياد الكربوني في بريطانيا.. "بياناتها غير واقعية"
هبة مصطفى
واجه تحقيق هدف الحياد الكربوني في بريطانيا بحلول منتصف القرن (2050) تشكيكًا من قبل لجان معنية بمراقبة إجراءات مكافحة تغير المناخ، ما يسبّب صدمة حول خطط انتقال الطاقة في واحدة من أكبر الدول الأوروبية.
وما زاد من حدّة الانتقاد، أن الأهداف والتطلعات المناخية أُسِّست على بيانات "غير واقعية"، إذ اعتمدت على تطور إنتاج مصادر الطاقة المتجددة دون مراعاة لتقلبات الطقس، ورغم ذلك أُقِرَّت خطة الحياد الكربوني بوصفها هدفًا رئيسًا في البلاد.
ويعدّ إسقاط الخطة المناخية البريطانية للإجراءات الضرورية اللازمة لتوفير الإمدادات حال تراجع إنتاج مصادر المتجددة، أبرز السلبيات التي طفت على السطح مؤخرًا، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
فكيف لخطّة تستمر لمدة تزيد عن 25 عامًا أن تُغفل إمكانات "تخزين الطاقة" من المصادر المتجددة، إذا أرادت دولة ما التحول بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفوري؟
توصيات عام 2019
تضمنت توصيات لجنة تغير المناخ -عام 2019- إمكان تحقيق الحياد الكربوني في بريطانيا بحلول عام 2050، لكن بعد مرور 4 سنوات تواجه هذه التوصيات انتقادات باعتمادها على بيانات "محدودة"، حسب تقرير نشرته صحيفة التيليغراف (The Telegraph).
وتتمثل الأزمة أن الهدف المناخي المستقبلي صدّقت عليه رئيسة الوزراء حينها "تيريزا ماي" بصفته قانونًا في البلاد، دون إعادة النظر في البيانات التي أُسِّسَت عليها الخطة.
واعتمدت اللجنة في تقديراتها على حجم إنتاج الطاقة المتجددة قياسًا على بيانات طقس اختبرتها لمدة عام واحد فقط.
وشملت افتراضات اللجنة أن إنتاج توربينات الرياح بحلول عام 2050 لن يشهد انخفاضًا دون مستوى 10% من الإنتاج الإجمالي، سوى خلال 7 أيام فقط.
وتختلف هذه التقديرات عن نتائج تحليل أجرته مجموعة حملات مناخية باسم نت زيرو ووتش، إذ انخفض إنتاج الرياح إلى أقلّ 10% من الإنتاج عام 2018 طوال 56 يومًا، وعام 2019 لمدة 33 يومًا، وعام 2020 لمدة 30 يومًا.
رؤية غير مكتملة
أكد الأستاذ المتقاعد المدير السابق لأبحاث الطاقة في جامعة أكسفورد، المسؤول عن دراسة الجمعية الملكية "المعنية بالطبيعة والمناخ والعلوم"، كريستوفر ليوليلين سميث، أن لجنة تغير المناخ أسّست توقعاتها بناءً على بيانات الطقس واتجاهات الرياح لعام واحد فقط، هو عام 2050.
وعلى النقيض من ذلك، درست الجمعية الملكية بيانات الطقس على مدار 37 عامًا، بالنظر إلى أن إنتاج طاقة الرياح يتأثر بشدة بالمناخ، وأن خطط الحياد الكربوني في بريطانيا تعتمد بصورة كبيرة على الرياح والطاقة الشمسية.
ونسفت دراسة الجمعية الملكية توصيات لجنة تغير المناخ الصادرة عام 2019، إذ أسقطت الأخيرة من حساباتها حاجة بريطانيا إلى التوسع في "التخزين طويل الأجل للطاقة"، وهي وسيلة تضمن تخزين فائض الكهرباء خلال أوقات الذروة الإنتاجية، لاستعمال هذه الإمدادات خلال تقلبات الطقس والطلب الزائد عن الحدّ.
ويعدّ تخزين الهيدروجين في الكهوف أبرز ما توصلت إليه نتائج دراسة الجمعية الملكية، لضمان تحقيق الحياد الكربوني في بريطانيا، وتجاوز إنتاج الرياح والطاقة الشمسية المتقلب خلال رحلة انتقال الطاقة، ولتجنّب انقطاعات التيار الكهربائي.
اعتراف مُتأخر
أُسِّست خطة الحياد الكربوني في بريطانيا على توصيات لجنة تغير المناخ، دون مراجعة الأخيرة في اعتماد توصياتها على نتائج اختبار إجهاد تداعيات تراجع الرياح لمدة 30 يومًا، بافتراض أن عام 2035 -على سبيل المثال- سيشهد انخفاضًا في سرعة الرياح.
وبناءً على هذه النتائج، قدّرت لجنة تغير المناخ معدل الطلب في الساعة وفق بيانات الطقس، واعتمدت نموذجًا لتشغيل الأنظمة الكهربائية البريطانية خلال أشهر العام محلّ الدراسة.
وكانت البيانات المتوقعة لإنتاج عام 2035، وطريقة تشغيل أنظمة الكهرباء، معيارًا للجنة تغير المناخ، اعتمدته في توصياتها التي بُنيت عليها خطة الحياد الكربوني في بريطانيا بحلول 2050، لإسهام مصادر الطاقة المتجددة.
واتفق ما توصلت إليه دراسة الجمعية الملكية بأن اعتماد لجنة تغير المناخ على بيانات عام واحد "غير كافٍ" لتأسيس خطة مناخية عامة للبلاد، وتحويلها إلى قانون مؤثّر في قطاع الطاقة، مع اعتراف بعض أعضاء اللجنة -بصورة غير معلنة- باستعمال بيانات "مجتزأة".
ويأتي هذا الاعتراف السري على خلاف ما أُثير بصورة علنية، بأن انتقادات الجمعية الملكية اقتصرت -فقط- على مقترح لجنة تغير المناخ بشأن تعزيز خطة الحياد الكربوني في بريطانيا، بإنشاء نظام كهرباء موثوق خالٍ من الكربون.
التخزين.. الملاذ الآمن
جاءت الإشارة لتخزين الهيدروجين في الكهوف -التي تبنّتها دراسة الجمعية الملكية- بمثابة جرس إنذار قوي لضرورة اتّباع إجراءات لتخزين الإمدادات الفائضة، والتحذير من مخاطر اعتماد رحلة الحياد الكربوني في بريطانيا على مصادر كهرباء "متقطعة" بفعل التقلبات الجوية.
وربطت دراسة الجمعية الملكية بين إغفال توصيات لجنة تغير المناخ لحلول تخزين الطاقة، وبين الاعتماد على قياس بيانات عام واحد فقط.
ويمكن تفسير هذا الارتباط، بأن دراسة حجم إنتاج نظام الكهرباء في عام واحد فقط لا يدفع نحو الحاجة لدراسة سبل التخزين طويل الأمد، أو إمكان زيادة الطلب عن مستويات العام محل الاختبار والحاجة إلى إمدادات إضافية.
وتحتاج خطط الحياد الكربوني في بريطانيا إلى 100 تيراواط/ساعة من السعة المخزنة للتغلب على تقلبات الطقس وخلل إنتاج مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050، وفق مقارنة بيانات الطقس لمدة 37 عامًا، اختبرتها الجمعية الملكية.
وبذلك، يتطلب نظام الكهرباء المتجددة الذي أقرّته لجنة تغير المناخ المزيد من الإمدادات، حتى تتمكن خطط الحياد الكربوني في بريطانيا من الوفاء بحجم الطلب المتوقع عام 2050.
موضوعات متعلقة..
- برلمانيون: الحياد الكربوني في بريطانيا مرهون بالتعاون مع قطاع النفط والغاز
- طاقة الرياح المهدرة في بريطانيا.. دعوة لاستغلالها بإنتاج الهيدروجين الأخضر
- ثورة الطاقة الخضراء في بريطانيا تواجه عدة عقبات (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- مصادر: إنتاج الغاز من حقل النرجس الضخم في مصر خلال عامين
- الهيدروجين الأخضر في أفريقيا.. 6 دول تفتح باب الاستثمارات وتطمح بالتصدير
- بالأرقام.. تكلفة إنتاج الهيدروجين في 6 دول عربية