إنتاج اليورانيوم يهدد أمن الطاقة في الغرب.. هل تفلت أميركا من مخالب بوتين؟
محمد عبد السند
- الغرب يعاني عجزًا في إنتاج اليورانيوم.
- أسعار اليورانيوم ترتفع لأعلى مستوياتها منذ 2007.
- تمر سلاسل إمدادات اليورانيوم من كازاخستان إلى روسيا.
يضع العجز بإنتاج اليورانيوم قضية أمن الطاقة في الغرب بمأزق حقيقي، قد لا يخرج منه لعقود، حال لم تنجح القوى الكبرى -أوروبا وأميركا- في الإفلات من قبضة روسيا والصين وتأمين الإمدادات الكافية من هذا المعدن الإستراتيجي.
وبرز هذا المعدن الذي لا غنى عنه لتوليد الطاقة النووية، إحدى أكثر السلع التي ارتفعت أسعارها في العام المنصرم (2023)؛ إذ قفزت بنسبة 70%، لتُتَداول عند 81 دولارًا للرطل، مسجلةً بذلك أعلى مستوياتها منذ عام 2007.
وهناك ما يزيد على 60 مفاعلًا نوويًا قيد البناء في العالم؛ من بينها 21 في الصين، مع وجود خطط لبناء 110 مفاعلات أخرى (70 في الصين)، وفق تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
مضاعفة السعة
في مؤتمر المناخ كوب 28 الذي انعقد نهاية 2023 في دبي، تعهّدت 22 دولة بمضاعفة سعة الطاقة النووية 3 أضعاف بحلول أواسط القرن الحالي (2050).
وتزود الطاقة النووية قرابة 20% من إجمالي الكهرباء المولّدة في الولايات المتحدة الأميركية (ما يعادل 50% من الحياد الكربوني)، مقابل 25% في أوروبا.
لكن نتيجة السياسات البيئية المخيفة، وعدم نُضج السياسات الغربية ذات الصلة، يواجه الغرب معضلة ثلاثية: العجز العالمي في إنتاج اليورانيوم، ونقطة الاختناق في التخصيب (العملية التي تحول المادة الخام "U3O8" إلى وقود قابل للاستعمال)، والحقيقة التي مفادها أن مَن يُطلق عليهم "عملاء الفوضى" قد اختطفوا مفاتيح مملكة الطاقة النووية، وفق تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.
ويوضح الإنفوغرافيك أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- أكبر منتجي اليورانيوم حول العالم:
أمن قومي
من منطلق إدراكه لأهمية إنتاج الطاقة النووية بوصفها قضية أمن قومي، صوّت مجلس النواب الأمريكي على قرار حظر واردات اليورانيوم الروسي.
وفي المقابل هدّدت روسيا بقطع إمداداتها من اليورانيوم عن واشنطن على الفور؛ بما في ذلك استدعاء سفينة موجودة بالفعل في أعالي البحار كانت تنقل المعدن المخصب.
وبديهيًا أن ترك الغرب خيوط اللعبة في مجال الطاقة في يد روسيا لم يكن فكرة صائبة على الإطلاق، غير أن المضي قدمًا في هذا المسار دون وجود خطط بديلة هو نوع من التهور.
روسيا وكازاخستان
تمر سلاسل إمدادات اليورانيوم من كازاخستان إلى روسيا، اللتين تستأثران بما نسبته 40% من الإمدادات العالمية، ويسيطر بوتين على نصف سعة التخصيب العالمية.
وما يبعث أكثر على القلق هو أن روسيا والصين تسيطران على سوق اليورانيوم (U3O8)، وفق تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
سؤال صعب
تُسهم كازاخستان بواقع 59 مليون رطل من مادة اليورانيوم (U3O8) -ما تعادل نسبته 44% من إنتاج اليورانيوم العالمي-.
ويغطي اليورانيوم الكازاخستاني -بشكل مباشر أو غير مباشر- 40% من احتياجات المحطات النووية الأميركية، و44% من تلك الاحتياجات في الاتحاد الأوروبي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: إلى أي مدى ستظل محطات الطاقة النووية الغربية تعتمد على اليورانيوم الكازاخستاني؟
ولا تبدو الإجابة عن هذا السؤال سهلة على الإطلاق، بل باعثة جدًا على القلق، نظرًا إلى تبعية الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توقاييف الكاملة لنظيره الروسي فلاديمير بوتين.
والسبب الآخر هو أن الشركات الروسية والصينية قد عززت استحواذها على مشغل اليورانيوم الوطني في كازاخستان؛ إذ تمتلك روسيا قرابة 26% من رواسب اليورانيوم الكازاخستاني، بل لديها الحق في 22% أخرى من الناتج السنوي.
كما تمتلك شركة الصين الوطنية لليورانيوم سي إن يو سي (CNUC) وشركاؤها حقوق نحو 60% من إنتاج اليورانيوم الكازاخستاني في المستقبل، وتنشئ الشركة مستودعًا في شينجيانغ على الحدود الكازاخستانية مباشرة بوصفه مركزًا لتجارة اليورانيوم.
وعلاوة على ذلك تمتلك سي إن يو سي ومجموعة الطاقة النووية العامة الصينية (China General Nuclear Power Group) حصصًا بمناجم إنتاج اليورانيوم في النيجر وناميبيا، على غرار شركة روساتوم (Rosatom) الروسية.
توتر جيوسياسي
ما يزيد الأوضاع الجيوسياسية تعقيدًا هو حقيقة مؤداها أن كازاخستان دولة حبيسة (غير ساحلية)، تحدها روسيا والصين، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ولعقود، ظل المنفذ الحيوي الوحيد لصادرات اليورانيوم من الجمهورية السوفيتية السابقة إلى الأسواق الغربية هو عبر ميناء سان بطرسبرغ.
ومن ثم فإن العقوبات الحالية أو المحتملة على صادرات اليورانيوم الروسي، إلى جانب خيارات الشحن المحدودة نتيجة توافر السفن، ومخاوف شركات التأمين تجعل الشحنات عرضة للتعطل.
تداعيات منتظرة
تبرز التداعيات المحتملة لفجوة إنتاج اليورانيوم عميقة على المحطات النووية في أميركا وكندا والاتحاد الأوروبي.
فبعد عام 2028، حينما تبدأ دورة عقود التوريد الجديدة، سيكون لزامًا على محطات الطاقة النووية الغربية أن تستبدل قرابة 40 مليون رطل من تركيزات اليورانيوم سنويًا، التي تُستَورد من كازاخستان -حاليًا- وهي مهمة لا تبدو سهلة بأي حال.
وبحلول هذا الوقت، سيقترب الطلب السنوي من اليورانيوم في الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي من 94 مليون رطل، غير أن الإنتاج السنوي في البلدان التي لا تتبع المعسكر الروسي الصيني، سيلامس 48 مليون رطل فقط.
حل مشروط
تبدو مشكلة سد فجوة اليورانيوم قابلة للحل، عبر المناجم المنتشرة في أستراليا، وكندا، والولايات المتحدة، والتي لديها القدرة على إنتاج اليورانيوم بكميات كافية حال حصلت على الضمانات المناسبة في السوق.
وفي هذا السياق تستطيع مناجم اليورانيوم الأميركية، وحدها، إنتاج ما يكفي لتزويد 50 % من احتياجات الولايات المتحدة، حال سمح صناع السياسات ونشطاء البيئة بذلك.
وما يزيد الطين بلة في عمليات استخراج اليورانيوم وتخصيبه، والشكوك الجيوسياسية، هو أن أسعار اليورانيوم تضاعفت على مدى العام الماضي، مع عمليات شراء كبيرة من قِبَل المستثمرين الماليين.