كيف تخفض المباني الخضراء في الجزائر استهلاك الطاقة؟ 3 خبراء يجيبون
الجزائر - عماد الدين شريف
تتزايد أصوات الخبراء والمختصين بضرورة اعتماد الحلول الحديثة للبناء النظيف، والتوجه إلى المباني الخضراء في الجزائر، بشكل يجمع بين حماية البيئة والاقتصاد في استهلاك الطاقة.
ويشكّل الاستهلاك الداخلي للطاقة في الجزائر أحد أهم عوامل القلق بالنسبة للجهات المسؤولة، إذ يتجاوز 42% من إجمالي الإنتاج الوطني، ويرتفع باستمرار، وفق الأرقام التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويأتي ذلك في ظل تراجع أسعار الطاقة بدعم من خزينة الدولة، ولكن مبادرات اللجوء للحلول البديلة الأكثر عقلانية في الاستهلاك ما تزال بعيدة عن التنفيذ.
ومع سعي الحكومة إلى إنجاز برامج سكنية استجابة للطلب الكبير عليها، ترتفع الأصوات المطالبة بضرورة اعتماد حلول حديثة للبناء والعمران الأخضر، وفي مقدّمتها المباني الخضراء في الجزائر، التي يمكنها توفير الطاقة، وتسهم في خفض الانبعاثات بالوقت نفسه.
الأبعاد القانونية والتشريعات الطاقية
على الرغم من أهمية المباني الخضراء في الجزائر، بصفتها حلًا بديلًا يضمن كفاءة الطاقة وكفاءة الموارد، ويضمن كذلك حماية المناخ والنظم المجتمعية البيئية، فإن المشرع لم يطرح معالم التحول إليها إلّا بطريقة ضمنية.
وتناولت التشريعات الطاقية مسألة البناء الأخضر، ضمن قوانين معينة، مثل قانون التحكم في الطاقة رقم 99-09، ومرسوم تنفيذي رقم 2000-90، المتعلق بالأنظمة الحرارية في المباني الجديدة، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
في الوقت نفسه، يحدد القرار الوزاري المشترك، المؤرخ في 29 مايو/أيار 2022، دفتر الشروط النموذجي المتعلق بنمطية بناء المساجد، إذ يتضمن النص الأول صورة تطبيقية لبناء بمواصفات المباني الخضراء في الجزائر، لكن غياب التنظيم القانوني الصريح وانعدام نظام تقييم الكفاءة، يشكّلان عقبات في طريق إنجازها.
تقول الأستاذة المحاضرة في الهندسة المعمارية بجامعة البليدة، فاطمة عويسي، إن المباني الخضراء في الجزائر هي أحد الحلول العملية لترشيد استهلاك الطاقة، إذ تُصمم وتُشيد باستعمال مفاهيم الاستدامة البيئية، بهدف تخفيض تأثيرها في البيئة، وتحسين أدائها مناخيًا واقتصاديًا.
وأوضحت أن المباني الخضراء تشمل مجموعة من الخصائص ضمن كفاءة الطاقة، إذ تستعمل آليات توفير الطاقة وتكنولوجيا فعّالة تعتمد على العزل الحراري الجيد، بالإضافة إلى استعمال المواد الصديقة للبيئة والقابلة لإعادة التدوير.
كما تستعمل هذه المباني، وفق الخبيرة، آليات تنقية الهواء وتصميمات تعتمد على الإضاءة الطبيعية، بهدف تحقيق التوازن بين احتياجات البشر واحترام البيئة، وتحسين جودة الحياة عمومًا.
تقنيات المباني الخضراء في الجزائر
أوضحت الأستاذة المحاضرة في الهندسة المعمارية بجامعة البليدة، فاطمة عويسي، أن المباني الخضراء تعتمد -تحقيقًا لأهدافها الخاصة بتقليل الانبعاثات السيئة وتقليص استهلاك الطاقة- على مجموعة من التقنيات، أبرزها:
- العزل الحراري لتقليل احتياجات التدفئة والتبريد.
- الطاقة المتجددة باستعمال أنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتوليد الكهرباء.
- إدارة المياه عبر تفعيل تقنيات توفير المياه وإعادة تدويرها، مثل استعمال أنظمة جمع المياه النقية.
- استعمال المواد المستدامة، لا سيما مواد البناء الصديقة للبيئة والقابلة لإعادة التدوير.
- تصميم فعّال للطاقة عبر تحسين تخطيط المبنى لتحقيق أكبر استفادة من الإضاءة الطبيعية، ومن ثم تعويض الإضاءة الصناعية.
- الابتكار في طرق التبريد والتدفئة، عبر استعمال أنظمة التدفئة والتبريد الأرضية والتكنولوجيا الذكية.
وأضافت أن هذه الحلول التقنية تسمح بتحسين فاعلية استعمال الطاقة، وتقليل استهلاك الكهرباء والغاز، إذ إن استعمال المواد العازلة حراريًا يقلل من فقد الحرارة أو برودة المباني، ما يقلّص الاعتماد على الطرق البديلة المستهلكة للطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، وفق المتحدثة، يمكن أن تستفيد المباني الخضراء في الجزائر من التكنولوجيا الحديثة، على غرار "الإضاءة الذكية" والتحكم التلقائي، لتحقيق توفير استهلاك أكبر للطاقة، وتأكيد عدم تبديدها عند عدم الحاجة إليها.
وتابعت: "تنطلق المباني الخضراء من التصميم المعماري للمشروع، من خلال دراسة مجموعة من الأبعاد، مثل الإضاءة والتهوية، للاستفادة منها إلى أقصى حدّ، أما من الناحية الداخلية للمباني والعمارات، فإن هذا النوع من البنايات يستعمل أجهزة منخفضة الاستهلاك للطاقة".
وأشارت المهندسة فاطمة عويسي إلى أن تكامل هذه الحلول يمكن أن يسهم بشكل كبير في استهلاك الطاقة وتحسين أداء المباني، وفق التصريحات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ودعت عويسي إلى دعم مشروعات المباني الخضراء في الجزائر، وتشجيع المهندسين والمطورين والمقاولين المنجزين لها، وتفعيل العمل التوعوي بفوائد الهندسة المعمارية الخضراء، وتوفير التدريب للمهنيين بهذا المجال، بجانب وضع تشريعات وأطر قانونية ومعايير تشجع هذا النوع من الاستثمارات.
وأوضحت أن هناك بعض الجهود لتبنّي مفاهيم الهندسة المعمارية الخضراء في الجزائر، وتطوير أبنية مستدامة، تنتظر التنفيذ، رغم كونها تنسجم مع توجهات الحكومة للتخفيف من ثقل الاستهلاك الداخلي للطاقة، الذي يرتفع باستمرار من عام لآخر، حتى اقترب من نصف إنتاج البلاد من الطاقة.
مواد بناء صديقة للبيئة
من جانبه، قال مدير التقاط الكربون في مجمع "هولسيم الجزائر"، إلياس بهلولي، إن تقنيات الأبنية المستدامة لها 4 محاور رئيسة، تبدأ بالمناخ والطاقة، عبر فرض معايير بيئية في المسار الصناعي الخاص بإنتاج مواد البناء لتقليص الانبعاثات الغازية والغبار.
المحور الثاني هو استعمال الاقتصاد الدائري، بالاستفادة من مواد الهدم، على غرار الأسمنت والخرسانات، كونها مواد نُزِع منها الكربون، بالإضافة إلى استعمال المواد الطينية المستخرجة من قاع السدود للمحافظة على تلك الموجودة في الطبيعة من جهة، وتنقية السدود لزيادة قدرات تخزين المياه من جهة ثانية.
وأضاف: "مجمع هولسيم الجزائر يقترح مواد بناء أقلّ إطلاقًا لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، كما هو الشأن بالنسبة للأسمنت "إيكو بلانت"، الذي يعدّ أول أسمنت "أخضر" في الجزائر، كون إطلاقه انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أقلّ بنسبة 40%".
ولفت إلياس بهلولي إلى أن مصانع الشركة توفر -أيضًا- العزل الحراري الذي يستعمل أفضل التقنيات، ومن ثم تخفيض استهلاك الطاقة للتبريد في الصيف أو التدفئة خلال الشتاء، كما أن لديها أفضل التقنيات لعزل أسقف المباني وحمايتها من تغيرات الطقس الخارجية، التي يُطلق عليها اسم "إيريوم".
نسب تقليص استهلاك الطاقة
أوضح مدير التقاط الكربون في مجمع هولسيم، إلياس بهلولي، أنه على الرغم من ارتفاع تكلفة تنفيذ المباني الخضراء في الجزائر مقارنة مع البنايات الكلاسيكية، فإنها تبقى أكثر اقتصادًا، بالنظر إلى الأبعاد الطاقية والبيئية معًا.
وفسّر ذلك بأن استعمال حل العزل "إيريوم" المقترح من طرف "هولسيم" يقلّص استهلاك الطاقة بنحو 15% خلال الشتاء، ويخفض الاستهلاك بقرابة 30% خلال الصيف، فضلًا عن الأهداف المتعلقة بحماية البيئة والمناخ.
ولفت إلى أن تفعيل هذا النوع من الحلول التقنية الصديقة للبيئة والمخفضة لاستهلاك الطاقة، يفرض إدراجها ضمن المنظومة القانونية، إذ إن وضع دفتر أعباء ُيلزم المقاولين -المهندسين وأصحاب المشروعات- بشروط بيئية وتقنية معينة خلال تنفيذ البرامج، يجعل استعمال هذا النوع من الحلول أكثر اتّساعًا، لتعميم الفائدة منه، وتحقيق نموذج لبناء أخضر يخفف ثقل استهلاك الطاقة عن كاهل الدولة.
بالإضافة إلى ذلك، وفق الخبير، تخفض الأبعاد البيئية انبعاثات الغازات المسبّب للاحتباس الحراري، مشددًا على أن مجمع "هولسيم" مستعد لمرافقة مشروعات المباني الخضراء في الجزائر، من خلال توفير هذه الحلول والمواد المستعملة، وفق التصريحات التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
تكيف البنايات مع المناخ
قال الخبير في الهندسة المعمارية البيئية المهندس حمزة جلاب، إن العمارة "الخضراء" تختلف عن الهندسة الكلاسيكية، كونها تتكيف مع المحيط، وتعتمد على الشمس أو الرياح في تأمين احتياجاتها من الطاقة، لذلك فهي أرقى ما توصلت إليه الهندسة الحديثة في العالم، لقلّة استهلاكها للطاقة، وكونها أقلّ تلويثًا للمحيط.
وعلى هذا الأساس، أوضح أن المباني الخضراء في الجزائر يمكنها حماية نفسها بنفسها من الحر في الصيف ومن البرد في فصل الشتاء، لذلك كان من الضروري مراجعة معايير الهندسة وعدم الاكتفاء بالدور الوظيفي أو الجمالي للبنايات، وذلك من خلال وضع البيئة والإنسان في مركز الاهتمام.
وأضاف المهندس حمزة جلاب أن التعامل مع المناخ يفرض تغيّر الأساليب والتقنيات المستعملة من منطقة إلى أخرى، ومن ثم فإن الاستثمار بهذه الهندسة الصديقة للبيئة يؤدي لتخفيض تكاليف التنفيذ، من منطلق كون كل منطقة تكتفي باستعمال مواد البناء المتوفرة بها، دون الحاجة إلى جلبها من جهة أخرى.
وأشار إلى إمكان خفض تكاليف استهلاك الطاقة حتى 65%، عبر إجراء الدراسات التقنية واستعمال الحلول المناسبة، اعتمادًا على مجموعة من التقنيات تنطلق من تصميم المبنى ودراسته بناءً على موقع الشمس واتجاهات الرياح، ومن ثم جعل العمارة المنفَّذة "متكيّفة" مع الطبيعة، بدلًا من أن تكون في مواجهتها.
وأكد أن المباني الخضراء في الجزائر يمكنها -باستعمال تكنولوجيا العزل الحراري في الجدران والسقف والأرضيات- امتصاص الحرارة الخارجية وتوزيعها بشكل عادل على مدار الساعة، ومن ثم تقليص الحاجة إلى الكهرباء والغاز للتدفئة والتبريد.
موضوعات متعلقة..
- مسابقة عالمية لأفضل تصاميم المباني الخضراء يشارك فيها 7 مصريين
- المباني الخضراء مفهوم جديد لجمال التصميم وحماية الكوكب من الانبعاثات (صور)
- حقيقة المباني الخضراء.. هل ينتهي الاعتماد على الوقود الأحفوري؟
اقرأ أيضًا..
- بعد إعادة انتخاب الرئيس المصري.. انقطاع الكهرباء على رأس 3 أولويات
- السعودية تتعاون مع 7 مؤسسات لرسم مستقبل دور المعادن في تحول الطاقة
- أكبر مشروع هيدروجين أخضر في العالم يواجه مشكلات فنية