بالتزامن مع كوب 28، يجد العالم نفسه اليوم في مفترق طرق حرج في معركته ضد تغير المناخ، إذ تمثّل قمة المناخ المقبلة في الإمارات لحظة محورية لتوجيه الانتقال العالمي للطاقة النظيفة ودفعه نحو المسار الصحيح.
إن الهدف الطموح الذي انبثق عن اتفاقية باريس -الذي يهدف إلى تقييد ارتفاع درجات حرارة العالم للأرض إلى 1.5 درجة مئوية- يواجه الآن تهديدات خطيرة، بالانحراف عن مساره، ما يجعل العمل العاجل من جميع الأطراف الدولية أمرًا حتميًا لتحقيقه.
ومما لا شك فيه أننا لا يمكننا أن ننسى أن عام (2023) كان أحد أكثر السنوات ارتفاعًا في درجات حرارة الأرض في تاريخ البشرية، وأن ما شاهدناه هذا العام من حرائق للغابات والجفاف والفيضانات والظواهر الجوية الشديدة في أنحاء متفرقة من العالم، كلها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتداعيات تغير المناخ، الذي أصبح يتسارع بوتيرة غير مسبوقة.
الحد من الانبعاثات
على الرغم من كل هذه الظروف الصعبة، هناك دائمًا بريق أمل يلوح في الأفق، وما تزال لدينا الفرصة لاستعادة توازننا وإعادة ضبط مسارنا، شريطة أن نتخذ إجراءات فورية وإيجابية.
أهم هذه الإجراءات، في الوقت الحالي، هو التركيز على نقطتين حاسمتين للحد من الانبعاثات: الأولى هي التوسع السريع في مصادر الطاقة المتجددة وإنتاجها، والأخرى هي تحسين كفاءة الطاقة في جميع الصناعات خاصة كثيفة الاستهلاك للطاقة.
ورغم أن الهدف الرئيس من هذه الإجراءات هو الحد من الانبعاثات الكربونية ومواجهة تغير المناخ، فيجب -أيضًا- ألا ننسى أن هذه التدابير تُقدم في الوقت نفسه مزايا إضافية، أهمها خلق صناعة جديدة سوف تخلق فرص وظائف جديدة، وستساعد اقتصادات دول عديدة لتنمو إذا استُغلت الاستغلال الأمثل.
وعلى الرغم من أن كلتا الخطوتين ليست -بالطبع- حلًا وحيدًا لأزمة المناخ، فإنهما تحملان مفتاحًا مهمًا لتحقيق مسارنا، وفقًا لهدف 1.5 درجة مئوية، في ضوء اقتراب قمة المناخ كوب 28.
مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة
تشير التقارير الصادرة من وكالة الطاقة الدولية (IEA) ووكالة الطاقة المتجددة الدولية (IRENA) إلى ضرورة مضاعفة قدرات العالم من الطاقة المتجددة إلى نحو 11 ألف غيغاواط، ومضاعفة تحسينات كفاءة الطاقة السنوية في الإطار الزمني نفسه لتحقيق هذا الهدف.
جدير بالذكر أنه -وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة- يمكن أن تتجاوز التكلفة الاقتصادية لتغير المناخ مبلغ 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030.
وعلى الرغم من تلك التكلفة فإن الفشل في اتخاذ إجراءات الآن سيؤدي إلى فاتورة أعلى للأجيال القادمة.
ومع أن هذه الأرقام قد تمثّل للعالم تحديًا كبيرًا، إلا أن هذا التغير ما يزال ممكنًا، ولكن يتطلب تحركًا سريعًا وتعزيزًا قويًا للتعاون الدولي، واتخاذ إجراءات سياسية تبني على الزخم الحالي.
إن نشر طاقتي الشمس والرياح يتسارع في جميع أنحاء العالم، في إطار المساعي المبذولة لتعزيز أمن الطاقة، ويؤكد البيان الأخير من فيرساي، الذي وقعته ما يقرب من 50 حكومة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة، الالتزام بزيادة كفاءة استعمال الطاقة.
لكن لتحفيز الجهود العالمية، يجب أن نرسخ آفاقًا مشتركة، من خلال ضم دول أكثر، وطموحًا أكبر يحفز الدول ويبرز مسؤوليتنا المشتركة تجاه هذه القضية المهمة.
ولا يمكن أن ننسى -مع الحاجة إلى هذا التحرك العالمي- أن التخطيط الإقليمي أصبح لا غنى عنه لتحقيق الأهداف المناخية، وضمان انتقال عادل إلى أنظمة الطاقة المستدامة، إذ تواجه كل منطقة تحديات مناخية متباينة، ولا يجب التعامل معها بطريقة واحدة.
ولمعالجة كل هذه التحديات بطريقة أكثر فاعلية، يجب علينا أن نستغل قوة التعاون العالمي بأكملها، ولا بد من الاستفادة القصوى من الزخم الذي حدث بالفعل، وتعظيمه من خلال المنصات الدولية، بما في ذلك بالطبع قمة المناخ كوب 28.
كوب 28 وتصحيح المسار
يمثّل مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ "كوب 28" فرصة حاسمة لتصحيح المسار في مواجهة تغير المناخ، وهو تحدٍ لا يمكن أن تواجهه أي دولة بمفردها، بل لا بد من التحرك الجماعي بما يشمل مراجعة وتعزيز الأهداف والإستراتيجيات والسياسات الوطنية والالتزامات المحددة لكل دولة.
كما يجب زيادة التمويل المتاح لدعم هذه القضية، خاصة بالنسبة إلى الدول النامية، وتطوير البنية التحتية المطلوبة والإسراع في عمليات إنشاء قواعد أكثر ثباتًا للأسواق المختلفة لتحفيز استثمارات الطاقة النظيفة وتشجيعها، لتسريع عملية تحول الطاقة بصورة عادلة.
من جانبي، أفتخر أن كلًا من شركتي "شارت إندستريز" (Chart Industries)، و"هودين" (Howden)، اللتين أتشرف بقيادة أعمالهما الدولية في مجال الهيدروجين، كانتا نشطتين بصورة فعّالة في اجتماعات قمم المناخ السابقة.
جدير بالذكر أن الرئيسة التنفيذية لشركة شارت إندستريز "جيليان إيفانكو"، سوف تشارك -أيضًا- في قمة المناخ كوب 28 في دبي.
وتُعد شركتا شارت إندستريز وهودين -المتخصصتان في تكنولوجيا الهيدروجين وحلول الحياد الكربوني- داعمتين لمشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين، ورائدتين في قطاعات مثل صناعة الكيماويات والنقل، والمصافي النفطية والطيران، وصناعة الحديد، وغيرها.
وخلال قمة المناخ كوب 28، سنحمل رسالة واضحة تتمثّل في تأكيد رغبتنا في الإسهام بالجهد العالمي لمكافحة تغير المناخ والانتقال إلى مستقبل مستدام، من خلال توفير التقنيات الفعالة المطلوبة في المجالات المختلفة.
إن انعقاد كوب 28 في دبي يحمل رسالة مهمة، وهي رغبة الإمارات في تقديم دور فعّال وأكثر تأثيرًا في هذا المجال.
ولا يمكننا أن ننسى أن الإمارات كانت أول دولة في المنطقة صدّقت على اتفاق باريس، وأول دولة التزمت بخفض انبعاثاتها على نطاق الاقتصاد، وكذلك أول دولة أعلنت مبادرة إستراتيجية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
ومما لا شك فيه أن الإمارات -بفضل سمعتها الطويلة بصفتها مركزًا عالميًا للخدمات اللوجستية ووسائل النقل والطاقة- مهيّأة لأن تقدم دورًا مهمًا وإستراتيجيًا في الإسهام بتيسير الحوار وتعزيز التوافق خلال هذا المؤتمر، وما يعقبه من إحراز تقدم شامل نحو تحقيق أهداف المناخ.
*المهندس صلاح مهدي، المدير العالمي لقطاع الهيدروجين في شركة شارت إندستريز.
*هذا المقال خاص لـ"منصة الطاقة" بمناسبة قمة المناخ كوب 28 في الإمارات.
موضوعات متعلقة..
- قمة المناخ كوب 28 تحتضن منطقة زرقاء وأخرى خضراء.. ماذا تعرف عنهما؟
- قمة المناخ في الإمارات.. 6 أهداف طموحة تنتظر كوب 28
- مسؤولة: قمة المناخ كوب 28 فرصة لتحقيق استدامة النظم الغذائية
اقرأ أيضًا..
- صادرات مصر من النفط الخام تهبط إلى أقل مستوى في عام (رسم بياني)
- رئيس مجموعة إينوك يكتب لـ"الطاقة": شركتنا داعم أساس لتحول الطاقة في الإمارات
- أسعار الغاز في أوروبا تقفز أكثر من 3% بعد اختطاف سفينة بالبحر الأحمر
- أمين عام أوابك: دول النفط والغاز تواجه تحديات.. و4 بلدان لديها خطط كبيرة للطاقة المتجددة (حوار)