خيارات إيران الإستراتيجية تهدد خطط العالم لخفض الانبعاثات (مقال)
أومود شوكري – ترجمة: نوار صبح
- إيران تتعهد بمساندة الجهود العالمية لتحقيق الحياد الكربوني اعترافًا بضرورة معالجة تغير المناخ
- إيران تعهدت بخفض الانبعاثات بنسبة 4% عن مستوى العمل المعتاد بحلول عام 2030
- العقوبات الاقتصادية أدت إلى زيادة تعقيد سيناريو الانبعاثات في إيران
- %8 من تخفيضات الانبعاثات الإيرانية مشروطة بإنهاء العقوبات الأميركية وتوافر الموارد الدولية
مع اقتراب انعقاد قمة المناخ كوب 28، تمرّ إيران بمرحلة تحوّل حرجة، إذ قد تؤثّر خياراتها الإستراتيجية، بصورة كبيرة، في الجهود العالمية الرامية إلى خفض الانبعاثات ووقف التدهور البيئي.
وتكتسب العلاقة المعقّدة بين القضايا البيئية والأمن القومي أهمية متزايدة بالنسبة لدولة مثل إيران، في ظل تحديات تغير المناخ، التي يسعى المجتمع العالمي إلى التغلب عليها.
رغم ذلك، فإن أولويات السياسة الخارجية الإيرانية الحالية، بما في ذلك دعم الجماعات الوكيلة في المنطقة والاستثمارات المستمرة في البرامج النووية والطائرات المسيّرة والصواريخ، تشير إلى إعطاء الأولوية للمخاوف الإستراتيجية والأمنية على حساب الاعتبارات البيئية والاقتصادية.
ويكشف هذا التقاطع التحديات التي تواجه تعزيز سياسة شاملة لتغير المناخ تتوافق مع الجهود الدولية مع التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية.
ويشير موقف طهران وتصرفاتها إلى التركيز على المصالح الإستراتيجية والأمنية، ما قد يعوق تطوير السياسات التي تعالج التأثيرات الملحّة لتغير المناخ.
لذلك، يتعين على إيران أن تضع إستراتيجية مناخية وطنية قابلة للتطبيق للتأثير في اتجاه العمل المناخي العالمي، مع الموازنة بين التزامها بالعمل المناخي والحقائق الجيوسياسية والاقتصادية.
تجدر الإشارة إلى أنّ طهران تتعهد بمساندة الجهود العالمية لتحقيق الحياد الكربوني اعترافًا بضرورة معالجة تغير المناخ، وقد تعرقلت استجابة البلاد لهذه الظاهرة بسبب العقوبات الاقتصادية المطولة، التي حدّت من قدرتها على الاستثمار في تكنولوجيا تخفيف التداعيات.
وللتغلب على هذه العقبات، لا بدّ من اتخاذ خيارات إستراتيجية تتماشى مع أهداف المناخ العالمية، مع الأخذ في الحسبان التعقيدات التي تفرضها القيود الجيوسياسية والاقتصادية.
إيران وقمة المناخ كوب 28
في مقابلة مع وسائل الإعلام، أعلن رئيس منظمة البيئة الإيرانية، علي سلاجقة، أن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، سيشارك بصفته أول رئيس إيراني في قمة المناخ كوب 28.
وانتقد علي سلاجقة السياسات الأحادية للأمم المتحدة وبعض الدول الأخرى، وقال: "على المنظمات الدولية أن تلتزم بمبدأ الحياد، خصوصًا في المناقشات المتعلقة بالبيئة، وللأسف، أصبح فرض العقوبات الظالمة على بلادنا عاملًا مقيدًا لتصرفات إيران".
بخصوص مشاركة إيران في هذه القمة، قال رئيس مركز الشؤون الدولية والاتفاقيات التابع لمنظمة حماية البيئة الإيرانية، سيد حسين موسوي فر: "إن طهران تسعى إلى أن يكون لها حضور على أعلى مستوى في هذه القمة، لكن المستوى النهائي لم يتحدد بعد."
وأضاف موسوي فر، مشددًا على ضرورة الحفاظ على مصالح إيران في قمة كوب 28: "في هذه الدورة، سنتخذ قرارات على أساس المصالح والوضع المحدد للبلاد فيما يتعلق بالعقوبات الدولية، وإلّا فإن مصالح شعبنا لن تتحقق".
وتعهدت إيران بخفض الانبعاثات بنسبة 4% عن مستوى العمل المعتاد بحلول عام 2030، بهدف مشروط يتمثل في خفض 12% عن مستوى العمل المعتاد، بشرط الدعم الدولي.
ومع ذلك، فقد عُدَّ هذا الهدف المشروط "غير كافٍ إلى حدّ كبير" من جانب مؤسسة تعقُّب العمل المناخي (كلايمت أكشن تراكر)، ما يشير إلى عدم التوافق هدف مع حدّ درجة الحرارة البالغ 1.5 درجة مئوية.
وبالنظر إلى اعتماد أكثر من 90% من مزيج الطاقة لديها على الوقود الأحفوري، يجب على إيران التحول بشكل عاجل إلى الطاقة المتجددة لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات.
ومن المتوقع أن ترتفع انبعاثات البلاد بشكل ملحوظ بنسبة %77 إلى 78% عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030، ما يعكس الدور المهيمن للوقود الأحفوري، الذي يشكّل ما يقرب من 90% من الانبعاثات الوطنية.
الانبعاثات في إيران
قد أدت العقوبات الاقتصادية إلى زيادة تعقيد سيناريو الانبعاثات في إيران، إذ حولت بعض الإنتاج إلى الاستهلاك المحلي، وأسهمت في زيادة الانبعاثات خلال الانتعاش الاقتصادي التدريجي للبلاد.
وسيؤدي الهدف المشروط لإيران، الذي يهدف إلى خفض بنسبة 12% عن مستوى العمل المعتاد، إلى زيادة بنسبة 125% مقارنة بمستويات عام 2010،
ويعكس ذلك قصور الإجراءات واحتمال حدوث عواقب عالمية إذا اتّبعت دول أخرى نهجًا مماثلًا، ما يؤدي إلى زيادة في درجات الحرارة تتجاوز 4 درجات مئوية.
على صعيد آخر، تطرح الانبعاثات المتصاعدة في إيران تحديات بيئية خطيرة، لا سيما التأثير في نوعية الهواء والمشكلات الصحية المرتبطة به.
وقد أدى تصاعد الأنشطة الصناعية، إلى جانب التوسع الحضري، لزيادة الانبعاثات في إيران، وتفاقم تلوث الهواء، وخصوصًا في مدن مثل طهران.
من ناحية ثانية، يتسبب استعمال الديزل غير النظيف لتوليد الكهرباء والتدفئة خلال فترات البرد في تدهور نوعية الهواء بشكل أكبر، ما يشكّل مخاطر صحية ويهدد النظام البيئي.
وقد أسهم استهلاك الوقود الأحفوري، وخصوصًا في قطاع الكهرباء، المسؤول عن نحو 90% من الانبعاثات في إيران، بشكل كبير في تلوث الهواء والتدهور البيئي.
ويشكّل تخفيف الانبعاثات في إيران أهمية بالغة لتحقيق العديد من المزايا، وأبرزها التحسن الكبير في نوعية الهواء، وخصوصًا في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان.
ويقلل التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة من المخاطر الصحية المرتبطة بتلوث الهواء، ويعزز أمن الطاقة.
ومن خلال تنويع مزيج الطاقة يمكن لإيران من التغلب على أزمات الطاقة المستقبلية والمواءمة مع الاتجاهات العالمية نحو الاستدامة.
وينعكس التزام البلاد بخفض الانبعاثات في إسهاماتها المرتقبة المحددة وطنيًا، التي تعهدت بخفض بنسبة 12% عن المستويات المعتادة بحلول عام 2030، شريطة الحصول على مساعدة دولية، بما في ذلك الدعم المالي ونقل التكنولوجيا النظيفة.
إضافة إلى ذلك، فإن 8% من تخفيضات الانبعاثات الإيرانية مشروطة بإنهاء العقوبات الأميركية وتوافر الموارد الدولية.
ويُعدّ التحول إلى الطاقة النظيفة أمرًا بالغ الأهمية للحدّ من الانبعاثات في إيران، وكانت حصة البلاد من مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء في اتجاه هبوطي.
كان تأثير العقوبات الاقتصادية في الانبعاثات الإيرانية مختلطًا، حيث حُوّل بعض الإنتاج إلى الاستهلاك المحلي، ما أدى إلى زيادة في الانبعاثات مع تعافي البلاد تدريجيًا اقتصاديًا.
ويتطلب التصدي لتحديات الانبعاثات وتغير المناخ في إيران اتّباع نهج شامل يتضمن الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وتحسين كفاءة الطاقة، وتنفيذ سياسات للتخفيف من تأثير تغير المناخ.
فوائد خفض الانبعاثات
يعود خفض الانبعاثات في إيران بفوائد بيئية واقتصادية واسعة النطاق، إلى جانب المزايا المتعلقة بالصحة وأمن الطاقة.
ويتوافق النظام البيئي الأكثر صحة وقوة، الذي يدعم التنوع البيولوجي، ويحافظ على الموارد الطبيعية، مع انخفاض ملحوظ في تلوث الهواء.
ويمكن لتبنّي مصادر الطاقة النظيفة أن يحفز النمو الاقتصادي من خلال تعزيز الابتكار وخلق فرص العمل في قطاع الطاقة المتجددة الآخذ في التوسع.
ومن خلال التحول الإستراتيجي إلى الممارسات المستدامة، تحمي إيران مصالح مواطنيها وتتولى دورًا قياديًا في الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ، والإسهام في مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة.
وإن من شأن تعهد إيران بخفض الانبعاثات أن يمثّل تحولًا جذريًا، وأن يسهم بشكل كبير في الجهود الرامية إلى التخفيف من تغير المناخ على المستويين البيئي والاقتصادي.
في هذا السياق، يمكن تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى حدّ كبير من خلال تطبيق تقنيات الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استعمال الطاقة، وهو ما سيدعم أمن الطاقة والأهداف البيئية العالمية.
من ناحيتها، تعمل القوى الخارجية على تعقيد إستراتيجية إيران الحالية، وأبرزها طموحاتها المناخية المرتبطة برفع العقوبات الأميركية والمساعدات المالية الأجنبية.
ويتطلب التغلب على هذه العقبات، وخصوصًا مع اقتراب إيران من انعقاد الدورة الـ28 لقمّة المناخ، اختيارات محسوبة تعمل على إيجاد التوازن بين القيود المالية والجيوسياسية والتقدم في خطة المناخ العالمية.
بدوره، يتأثر الاقتصاد الإيراني بشكل كبير بتداعيات تغير المناخ، ما يضغط على النظم البيئية والتنوع البيولوجي في قطاعات الاقتصاد التي تعتمد على الموارد المائية للإنتاج والتنمية.
وتُعدّ الطاقة التي يهيمن عليها الوقود الأحفوري أكبر مصدر للانبعاثات في إيران، إذ تمثّل نحو 90% من إجمالي الانبعاثات في البلاد وتتسبب في مشكلات للبيئة مثل تلوث الهواء.
خلاصة القول، تواجه إيران تحديات تغير المناخ ذات الآثار بعيدة المدى في الأمن القومي والاقتصاد والصحة العامة، ويشكّل ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه والتحولات البيئية تهديدات أمنية، وتؤثّر بمختلف القطاعات الاقتصادية.
وتستوجب معالجة هذه التحديات تغييرًا شاملًا في السياسة الخارجية، وتطبيق خفض التصعيد في السياسة الخارجية، ودمج التحول إلى الطاقة النظيفة، وتحسين إدارة الموارد المائية، وسياسات للتخفيف من تأثير تغير المناخ في الأمن والاقتصاد.
وتعدّ إستراتيجية إيران المتعلقة بتغير المناخ ذات أهمية كبيرة للاستدامة الوطنية والعمل الدولي بشأن المناخ، وتتطلب نهجًا واضحًا وشاملًا يتماشى مع الحقائق الاقتصادية والجيوسياسية لجني فوائد خفض الانبعاثات على مستوى العالم.
ومن خلال مساعي إيران لتأكيد حضورها في الساحة الدولية، وخصوصًا مع اقتراب انعقاد الدورة الـ28 لقمة المناخ، فإن قراراتها وإسهاماتها الإستراتيجية ستؤدي دورًا حاسمًا في تشكيل الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ، مع تأكيد الحاجة الملحّة إلى وضع إستراتيجية مناخية وطنية متناسقة وفعالة.
* الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- وزير البترول المصري يكتب لـ"الطاقة": التحول الطاقي والتوافق البيئي وجهان لعملة واحدة تسمى الاستدامة
- الرئيس التنفيذي لأكوا باور: محطة شمسية ضخمة بمشروع نيوم.. وهذه خططنا لمصر والمغرب (حوار)
- وزير الطاقة العماني: لدينا إمكانات تعدين الكربون في الصخور.. وهذا مصير الغاز (فيديو)