يتسبب في سرطان الرئة.. ما هو غاز الرادون وسبب ارتباطه بالدول النووية؟
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- مخاطر غاز الرادون تزداد في المنازل والمدارس والأماكن المغلقة
- يتسبب الرادون في 3 إلى 14% من حالات سرطان الرئة عالميًا
- استنشاق غاز الرادون بكثافة يعادل تدخين 6 إلى 8 سجائر يوميًا
- مبادرات أهلية أميركية لتكثيف اختبارات غاز الرادون في المنازل
تتزايد مخاطر انتشار غاز الرادون في الولايات المتحدة والدول النووية -عامًا بعد عام-، وسط مخاوف من زيادة معدلات الإصابة بأمراض السرطان والرئة ذات الصلة بهذا الغاز الخطير.
ويتسرب الرادون المشعّ إلى المنازل في الغالب عبر الأنابيب والشقوق المتخللة في أساساتها، وإذا زادت تركيزاته أو مشتقاته الغازية في محيط المنزل، فيمكن أن يتسبب استنشاقه في إتلاف أنسجة الرئة والتسبب في سرطان الرئة.
ويتسبب غاز الرادون في وفاة عشرات الآلاف من الأميركيين سنويًا، كما تتسبب غازات مختلفة بموت أعداد أخرى تُدرج كلها ضمن ما بات يعرف عالميًا بـ"وفيات التلوث"، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ما هو غاز الرادون؟
الرادون أحد مصادر الإشعاع الطبيعي وغاز عديم اللون والطعم والرائحة، وينتج عبر التحلل الطبيعي لعنصر اليورانيوم الموجود في الصخور وأنواع التربة كافة، كما يوجد في الماء بدرجات متفاوتة، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وليس لغاز الرادون مخاطر من وجوده الطبيعي في الهواء والتربة والماء، لكن تكمن مخاطره بزيادة كثافته في الهواء، خاصة في المنازل والمباني المغلقة، ما قد ينتج عنه الإصابة بسرطان الرئة بنسب متصاعدة تحذّر منها منظمة الصحة العالمية منذ سنوات.
ورصدت تقارير حديثة اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة، زيادة معدلات انتشار غاز الرادون في أغلب المنازل الأميركية عبر معظم ولاياتها، وفقًا لمؤسسة بروبابليكا المتخصصة في الصحافة الاستقصائية العامة (propublica).
خطورة الرادون في المنازل والأماكن المغلقة
يتراوح متوسط تركيز غاز الرادون في الهواء الطلق بين 5 إلى 15 بكريل (وحدة قياس النشاط الإشعاعي) لكل متر مكعب، وهو متوسط ضعيف للغاية لا يمثّل مشكلة، وغالبًا ما يتلاشى بسرعة، لكن المشكلة الكبرى تكمن في الأماكن المغلقة وضعيفة التهوية، حيث يوجد بتركيزات عالية جدًا.
وتسجل المناجم والكهوف ومرافق معالجة المياه أعلى نسب في تركيز الرادون، لكن دراسات حديثة أثبتت وجوده بكثافة تراوحت بين 10 بكريل/متر مكعب و10 آلاف بكريل/متر مكعب، في بعض المباني شبه المغلقة مثل المنازل والمدارس والمكاتب، وفقًا دليل إرشادي صادر من منظمة الصحة العالمية.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن غاز الرادون أحد المسببات الحديثة لسرطان الرئة بنسبة تتراوح بين 3 إلى 14% من حالات الإصابة بهذا المرض على مستوى العالم، مع اختلاف النسبة من بلد إلى آخر.
وتصنف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان الرادون ضمن قائمة المواد المسرطنة إلى جانب التبغ والأسبستوس والبنزين، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ومن جهتها، تُميز الوكالة الدولية للطاقة الذرّية بين أنواع مختلفة الخطورة من غاز الرادون بحكم تخصصها الدقيق في هذا المجال، وتخص بالذكر الرادون-222، أمّا الرادون-219، فلا يُعدّ خطيرًا.
انتشار غاز الرادون في أميركا
تشير الحقائق العلمية سالفة الذكر إلى أن المقيمين في المنازل والعاملين في المباني المغلقة وشبه المغلقة يعيشون دون وعي بمستويات تركيز الرادون في محيطها، وبنسب عالية للغاية.
وكشفت مؤسسة بروبابليكا الأميركية غير الربحية انتشار غاز الرادون بمعدلات كثيفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، خاصة في المناطق ذات الرواسب الكبيرة من اليورانيوم.
وتحدد وكالة حماية البيئة الأميركية المناطق الخطرة أو شبه الخطرة على مستوى الولايات الأميركية كافة، لكن طفرة تعدين اليورانيوم المستمرة منذ الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي ما زالت تُلقي بظلالها بزيادة معدلات غاز الرادون في بعض الولايات الأميركية.
تقدّر وكالة حماية البيئة الأميركية عدد وفيات سرطان الرئة الناجم عن الرادون بين 7 آلاف و21 ألف حالة سنويًا، لكن ما زال التدخين هو المسبب الأكبر لوفيات سرطان الرئة في أميركا والعالم.
وبلغ عدد وفيات سرطان الرئة في ولاية يوتا -التي أقرّت قانونًا وقائيًا مؤخرًا- قرابة 5 آلاف و862 حالة على مدى 50 عامًا، ما يعادل 100 حالة وفاة سنوية بسبب هذا الغاز المشع.
قصور اللوائح الوقائية
تعدّ ولاية يوتا -غرب الولايات المتحدة- واحدة من الولايات التاريخية النشطة في مشروعات تعدين اليورانيوم، ويتمسك ممثلوها البرلمانيون بالطاقة النووية بوصفها مصدرًا متجددًا للطاقة، خلافًا لولايات أميركية أخرى ما زالت ترفض هذا التصنيف، وتطالب بالتخلص التدريجي من الطاقة النووية.
وغالبًا ما يُفاجَأ السكان الجدد في ولاية يوتا بالمخاطر الناجمة عن زيادة معدلات غاز الرادون، خاصة في المساكن القريبة من المواقع السابقة لمعالجة اليورانيوم، بسبب ضعف مصادر الإلزام القانوني بالإبلاغ عن ذلك.
فلا توجد قوانين فيدرالية تطلب من المطورين أو مالكي العقارات كشف المعلومات التي تخص وجود غاز الرادون، أو تلزمهم باختبار وجوده بصورة دورية منتظمة.
كما لا تشمل أكواد البناء أو التشييد قواعد ملزمة بإنشاء المباني بطرق هندسية تمنع الغاز المشع من التسرب إلى المنازل، إلّا أن هذه المسائل ما زالت متروكة للسلطات التشريعية في كل ولاية تقررها حسب ما تشاء، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
لهذا السبب، غالبًا ما يُنصح السكان بإجراء اختبارات دورية للمنازل للوقوف على كثافة غاز الرادون أو غيره، كما يُنصح بتبادل المعلومات بين السكان والمالكين الحاليين أو السابقين للعقارات.
ويتحمل مالكو العقارات في 36 ولاية -من أصل 50 ولاية أميركية- التزامًا قانونيًا بكشف نتائج اختبار الرادون أو مصادر انبعاثاته لمشتري المنازل، أمّا بقية الولايات، فليس الإلزام القانوني فيها واضحًا.
ويزيد الغموض في حالة المستأجرين، إذ يلتزم الملّاك في 4 ولايات أميركية فقط بكشف مستويات الرادون السابقة للمستأجرين، وفقًا لبيانات نشرها مركز جامعة تمبل لأبحاث قانون الصحة العامة بولاية بنسلفانيا.
كيفية اختبار غاز الرادون
تتنوع اختبارات غاز الرادون في المنازل ما بين اختبارات قصيرة الأمد لا تستغرق 48 ساعة، واختبارات طويلة تستغرق 90 يومًا، إلّا أن الاختبارات القصيرة ذات نتائج إيجابية، وينصح الخبراء بإجرائها مرتين للتأكد من سلامة المنازل وخلوّه من الغازات ذات المخاطر المشابهة.
وتحتفظ كل ولاية أميركية ببرامج متخصصة لمتابعة غاز الرادون ومستويات انتشاره في الولاية، إلى جانب التعامل مع حوادث الإبلاغ عنه، وتقدّم بعض الولايات مجموعة خدمات مجانية لاختبار الرادون.
وأبرمت جامعة ولاية كانساس -غرب الولايات المتحدة- اتفاق شراكة مع وكالة حماية البيئة لتقديم اختبارات الرادون قصيرة الأجل بأسعار مخفضة.
وتُحسَب كثافة غاز الرادون في الهواء عن طريق حساب معدل التحلل الإشعاعي في الهواء، استنادًا إلى وحدة قياس تسمى "بيكسي/لتر من الهواء"، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
استنشاق الرادون يعادل 8 سجائر يوميًا
يحذّر المسؤولون على مستوى الولايات الأميركية من مخاطر استنشاق غاز الرادون ويشبهون آثاره، بما يعادل مخاطر تدخين السجائر.
وبحسب ما نشره موقع بروبابليكا، فإن مخاطر استنشاق الهواء في منزل يحتوي على كثافة الرادون بمعدل 4 بيكسي/لتر، تعادل تدخين 6 إلى 8 سجائر يوميًا، في حين إن المتوسط الطبيعي لكثافة الرادون في الهواء الطلق 0.4 بيكسي/لتر.
وتقدّر وكالة البيئة الأميركية إصابة 7 من كل ألف شخص يتعرضون لمستويات عالية من غاز الرادون بسرطان الرئة، مع زيادة احتمال أن يكون الأطفال أكثرهم، نظرًا لقصر قامتهم وقربهم من الأرض، حيث تكون تركيزات الرادون أعلى.
ويزيد من مخاطر إصابة الأطفال، طبيعة عملية التنفس لديهم، إذ يتنفس الأطفال بصورة متكررة تختلف عن الكبار الذين يتنفسون بصورة أقلّ تكرارًا.
ويتعاظم الخطر بالنسبة للأشخاص المدخنين في حالة التعرض لمستويات عالية من الرادون، بمعدل 62 شخصًا من كل ألف شخص، وهو مستوى يتجاوز مخاطر السرطان المقبولة لدى وكالة حماية البيئة الأميركية.
وتوصي الوكالة الأسر الأميركية بتركيب أنظمة تخفيف لانبعاثات غاز الرادون لخفض مستوياتها، كما تقترح منظمة الصحة العالمية أنظمة تخفيف تبدأ عند 2.7 بيكسي/لتر، استنادًا إلى مراجعة أبحاث متراكمة في هذا الشأن، أجراها 100 عالم متخصص من 30 دولة.
وتعتمد إستراتيجية خفض مستويات الرادون في المنازل على كيفية دخوله إلى المنزل وسبب احتباسه بداخله، وغالبًا ما تتجاوز تكلفة تركيب أنظمة مكافحته 1500 دولار على حساب الشخص مع دعم حكومي في قليل من دول العالم، إذ ما يزال أغلبها غير مهتم بدعم الأنظمة المنزلية المخفضة للانبعاثات، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
مبادرات أميركية وتحذيرات أوروبية
أطلقت عدّة جامعات أميركية مبادرات لزيادة الوعي بمخاطر غاز الرادون ومساعدة سكان المنازل في إجراء اختباراته مجانًا، كما فعلت جامعة نورث داكوتا بالشراكة مع مكتبة غراند فوركس العامة.
وأعلن المركز الوطني للإسكان الصحي تقديم دعم مالي لمكتبة غراند فوركس العامة لإطلاق برنامج إقراض كاشفات الرادون الرقمية للسكان لاختبار منازلهم وإعادتها للمكتبة بعد استعمالها، وفقًا لموقع آند المتخصص في أخبار جامعة نورث داكوتا (und).
وليس الاهتمام بمكافحة غاز الرادون مقتصرًا على الولايات المتحدة فحسب، بل يمتد إلى أوروبا التي تتزايد فيها معدلات الإصابة بأمراض سرطان الرئة -عامًا بعد عام-، لتصل إلى 3 ملايين مصاب و1.5 مليون وفاة سنويًا.
وتشير تقديرات الوكالة الأوروبية للبيئة إلى أن غاز الرادون الداخلي مسؤول عن حالة من كل 10 حالات إصابة بسرطان الرئة في أوروبا، و2% من حالات الإصابة العالمية.
كما تؤكد الوكالة بالأدلة العلمية مسؤولية تلوث الهواء بغازات الرادون، والأشعة فوق البنفسجية، والدخان غير المباشر، والمواد الكيماوية، عن 10% من حالات الإصابة بسرطان الرئة في أوروبا كل عام.
موضوعات متعلقة..
- هكذا تُشكّل مواقد الغاز خطرًا على أفراد المنزل.. رغم إغلاقها (دراسة)
- إغلاق محطات الطاقة النووية سيؤدي إلى زيادة وفيات التلوث في أميركا (فيديو)
- تسرب الهيدروجين أخطر على المناخ من ثاني أكسيد الكربون بمعدل 33 مرة (دراسة)
اقرأ أيضًا..
- قطاع النفط في قطر.. ماذا تعرف عن الإنتاج والصادرات وأبرز الحقول؟
- هل تتعارض الطاقة النووية مع النفط والغاز في الدول العربية؟ خبير يجيب
- أكثر الدول حرقًا للغاز الطبيعي عالميًا.. 4 بلدان عربية بالقائمة (إنفوغرافيك)