التغير المناخيالمقالاترئيسيةمقالات التغير المناخي

أهداف التنمية المستدامة تتحقق في الإمارات رغم التحديات (مقال)

الدكتور عبدالله النعيمي*

كثيرًا ما نقرأ ونسمع عن أهداف التنمية المستدامة، ودورها في تمكين كوكب الأرض من الحفاظ على توازنه في مواجهة الاحتباس الحراري، وكذلك ‏إمكان القضاء على الفقر والنهوض بالمجتمعات. ‏

لقد ارتبطت هذه الأهداف باتفاقية باريس، حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من هذه الاتفاقية، كما حددت لهذه الأهداف ‏أوقاتًا زمنية ثابتة.

‏لقد اشتمل‏ ‏جدول الأعمال في عام 2015 على ‏مجموعة من أهداف التنمية المستدامة، ‏التي اعتُمِدَت خريطة الطريق ‏لتنمية الاقتصاد ‏والاندماج الاجتماعي، وكذلك لحماية البيئة.

ولتحقيق هذه الأهداف، اجتهدت الدول الموقّعة لاتفاقية باريس، وبذلت الجهود الوطنية لمواكبة متطلبات أهداف التنمية المستدامة.

ومع كل الجهود المبذولة، لم يُوفَّق معظم الدول في تحقيق نتائج إيجابية ملموسة لأسباب مختلفة، إذ تأتي الحروب والاختلافات الدولية وتباين الآراء حول الاحتباس الحراري وضعف الرقابة، بجانب الريبة والحذر من قِبل بعض الدول، وعدم ثقتها بعدالة متطلبات اتفاقية باريس.

أهداف التنمية المستدامة في الإمارات

‏في دولة الإمارات، كان الوضع مختلفًا، على الرغم من أن الدولة نفطية، واعتمدت النفط وسيلة للتنمية وصناعة المستقبل، لم يكن السبيل إلى مواكبة متطلبات اتفاقية باريس وأهداف التنمية المستدامة المحددة في جدول الأعمال 2030 أمرًا سهلًا.

كما أنه لم يكن طريقًا خاليًا من التحديات التي يمرّ بها العالم، من حروب وأزمات اقتصادية وصحية، وكذلك النزاعات السياسية وصعوبة التمويل، بالإضافة إلى التحديات البيئية المقلقة، وهنا يظهر دور القيادة وقدرتها على تخطّي هذه التحديات ومواجهة الصعوبات والأزمات المرافقة لها.

و‏على الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك سادس أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، وسابع أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي، حسب بيانات منظمة التجارة الدولية، فإنها اتخذت إجراءات جريئة لتنويع مزيج الطاقة والاقتصاد.

أكثر من 70% من اقتصاد دولة الإمارات اليوم لا يعتمد على النفط ولا الغاز، كما أن سجلّها حافل، ويمتد إلى قرابة 3 عقود من الإشراف البيئي والمحافظة على التنوع البيولوجي والاستثمار في بدائل الطاقة، وسنّ التشريعات اللازمة للمحافظة على البيئة.

ذلك بالإضافة إلى إنشاء الغابات وزراعة الشواطئ بأشجار المانغروف، التي تتميز بقدرتها الهائلة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون.

كل هذا الاهتمام بالبيئة والسعي لمواجهة الاحتباس الحراري، بينما الإمارات تسهم بأقلّ من 0.6% من الانبعاثات الكربونية العالمية.

وتماشيًا مع الهدف رقم 13 من أهداف التنمية المستدامة (العمل المناخي)، كانت الإمارات الدولة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي أعلنت التزامها بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن.

وتسعى الدولة بجهود كبيرة للوصول إلى ذلك الهدف قبل منتصف القرن، وذلك بدمج الاستدامة في جميع القطاعات النشطة لمكافحة التغير المناخي، لأن الوصول إلى أهداف التنمية المستدامة يتطلب توسيع القدرات في مجال الطاقة النظيفة.

وهنا نجد أن قيادة الدولة السياسية تقود الجهود المحلية والعالمية نحو عمل بيئي منظم، يعتمد على أهداف محددة، كما أن لدى الإمارات اليوم سجلًا نشطًا في دعم الطاقة الجديدة والمتجددة، فهي موطن لـ3 من أكبر محطات الطاقة الشمسية، وأقلّها تكلفة في العالم.

كما أنها تحرز تقدمًا في دراسة إنتاج الهيدروجين الأخضر، وذلك لغرض استيعاب التطبيقات المستقبلية وإمكان مساهمته في توليد الطاقة والنقل.

ويبيّن الجدول المرفق، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، أدناه أهم مشروعات الطاقة البديلة في دولة الإمارات وقدراتها الإنتاجية:

أهم مشروعات الطاقة البديلة في دولة الإمارات وقدراتها الإنتاجية

 

الحاجة إلى النفط والغاز

‏لا بد من الإشارة هنا إلى أن العالم سيظل بحاجة إلى خدمات النفط والغاز خلال الـ50 عامًا المقبلة، حتى إن توفرت البدائل النظيفة، وتعدّ الإمارات بحكم الجيولوجيا والوعي البيئي المستنير من بين الدول المنتجة للهيدروكربونات ذات الكثافة المنخفضة في العالم، وهي من أوائل الدول التي اهتمت بتكنولوجيا احتجاز الكربون واستعماله وتخزينه.

‏ودعمًا للهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة (الحياة تحت الماء) والهدف 15 من هذه الأهداف (الحياة على الأرض)، فإن دولة الإمارات تسير بخطى واسعة لتحقيق هدف زراعة 100 مليون شجرة من أشجار القرم بحلول عام 2030.

أشجار المانغروف في الإمارات
أشجار المانغروف في الإمارات - الصورة من "البيان"

وضمن بناء الشراكات من أجل تحقيق الأهداف، وما يشير إليه الهدف 17 من أهداف التنمية المستدامة، فإن العمل ‫‫يسير بشكل متواتر محليًا ودوليًا، وتمثّل الشراكة التي أُطلقت بين الإمارات والولايات المتحدة من أهم المبادرات التي أُطلقت في الابتكار الزراعي، وذلك في قمة المناخ كوب 26.‬‬

وتسعى هذه المبادرة إلى تغيير قواعد اللعبة بزيادة الاستثمار لدعم وتمويل الزراعة الذكية مناخيًا، وابتكار النظم الغذائية لمعالجة انعدام الأمن الغذائي وتغير المناخ، وذلك إدراكًا لحقيقة أن النظام الغذائي القائم يسهم بأكثر من 30% من الانبعاثات الكربونية التي يسبّبها الإنسان.

وخلال قمة المناخ كوب 27، دخلت الإمارات العربية المتحدة في شراكة أخرى لإطلاق مبادرتين مثيرتين للإعجاب، ومن المتوقع أن يكون لهما فوائد مناخية بعيدة المدى.

الشراكة الأولى، تتمثل في تسريع تحول الطاقة بهدف طموح يتمثل في تحفيز التمويل والاستثمار بالطاقة الجديدة بقيمة 100 مليار دولار أميركي، ونشر 100 غيغاواط من الطاقة النظيفة عالميًا بحلول عام 2035، وذلك لتعزيز مبدأ التحول إلى الطاقة النظيفة.

بينما كانت الشراكة الثانية لصالح أشجار المانغروف(MAC)، وهي شراكة مع إندونيسيا لغرض توسيع نطاق عملية الحفاظ على النظم البيئية لأشجار المانغروف، و‏استعادتها وتسريعها بصفتها حلًا فعالًا قائمًا على الطبيعة.

و‏خلال الأيام القادمة، ستستضيف دولة الإمارات قمة المناخ كوب 28، وبالإيمان نفسه والإدراك بأن تفعيل الشراكات هي أفضل الوسائل لإبطاء تغير المناخ، وأن العمل الجماعي في هذه المرحلة يمثّل الحماية الحقيقية لهذا الكوكب.

قمة المناخ كوب 28

ركائز مواجهة الاحتباس الحراري

تعدّ التجارب المشتركة ونقل المعارف وإشراك الشباب ونشر الوعي البيئي من أهم ركائز مواجهة الاحتباس الحراري.

كما أن ضمان إعطاء الأولوية الشمولية لأهداف التنمية المستدامة وتعزيز الشفافية في العمل المناخي، يمثّلان المرحلة الحساسة في الالتزام بمفهوم الاستدامة البيئية.

و‏لا بد من الإشارة هنا إلى أن مثل هذه الجهود الكبيرة والمضنية تتطلب قيادة حكيمة ملتزمة بضمان مستقبل الأجيال القادمة وازدهارها في عالم مستدام، وأن الاستثمار الحقيقي هو الاستثمار المستدام.

لذلك، لم تكن مقولة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشهيرة في منتدى الحكومات عام 2015: "إن الإمارات سوف تحتفل بآخر برميل من النفط بعد 50 عامًا"، جملة عرضية في الحديث، وإنما جاءت بمفهومها المستدام، وكأنها جاءت لتلخّص أهداف التنمية المستدامة الـ17 في جملة، مفادها أن "التعاون والعمل مع الشركاء بشكل عملي يمكّننا من اتخاذ الخيارات الصحيحة لحياة مستدامة للأجيال القادمة".

هنا تكمن الرؤى المستدامة والعمل الجادّ ومعرفة متطلبات المستقبل والإدراك بأن الاستدامة الفعلية هي تحقيق احتياجات الحاضر دون المساس بقدرات أجيال المستقبل في تلبية احتياجاتهم.

* الدكتور عبدالله بلحيف النعيمي وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي السابق.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق