ارتفاع تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر قد يعرقل جهود خفض الانبعاثات
دينا قدري
تُعدّ تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر بمثابة أكبر العقبات التي قد تمنع القطاعات ذات انبعاثات الكربون الكثيفة من الالتزام بأهداف الحفاظ على حرارة كوكب الأرض.
ومن المتوقع أن يكون هناك نقص في إمدادات الهيدروجين الأخضر، بسبب محدودية قدرة التحليل الكهربائي المقرر تشغيلها على المدى القصير، فضلًا عن ارتفاع التكلفة مقارنةً بالوقود الأحفوري، وفق تقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وقد يعرقل ذلك جهود خفض الانبعاثات، إذ تعوّل مختلف الصناعات آمالًا كبيرة على الهيدروجين الأخضر، في محاولة لتحقيق أهدافها المناخية، بعيدًا عن الوقود الأحفوري الملوث.
يقول مدير الاستثمار في صندوق "إتش واي 24" (Hy24) -الذي يركّز على الهيدروجين- بيير جيرمان مارلييه: "بالطريقة التي نرى بها الأمر، فإن السعر سيتبع الانبعاثات".
وبرّر ذلك بأن خطة تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي تقلل من الحدّ الأقصى لانبعاثات غازات الدفيئة المسموح بها كل عام، ما يجعل انبعاثات الكربون أكثر تكلفة بالنسبة للصناعات مع مرور الوقت.
وأضاف: "سنبدأ أولًا بالأمر الذي يسهل الحصول عليه، إذ نتخلص من أكبر قدر من ثاني أكسيد الكربون مع كل كيلوغرام من الهيدروجين الأخضر، ثم سنتعامل مع القطاعات واحدًا تلو الآخر".
أفضل استعمالات الهيدروجين الأخضر
أشار مدير الاستثمار في صندوق "إتش واي 24" بيير جيرمان مارلييه إلى أن الموجة الأولى من مشروعات الهيدروجين الأوروبية التي من المقرر أن تحصل على التمويل العام والخاص هي في الصناعات الثقيلة مثل الصلب، إذ يمكن أن يحلّ الاختزال المباشر للحديد باستعمال الهيدروجين النظيف محلّ الأفران العالية، كثيفة الكربون.
واستثمر الصندوق في الشركة السويدية الناشئة "إتش 2 غرين ستيل" (H2 Green Steel)، التي تقترب من اتخاذ قرار الاستثمار النهائي بشأن مشروعها الرائد في بودن، نهاية العام الجاري (2023).
وقد ردّد المستثمر والمحلل مايكل ليبريتش هذا المنظور في خطاب ألقاه قبل أيام، مشيرًا إلى الصلب الأخضر بوصفه حالة الاستعمال الوحيدة للهيدروجين التي من شأنها أن تقلل من الانبعاثات الكافية لتبرير سحب الكهرباء المتجددة المحدودة، بعيدًا عن الاستعمال المباشر في الكهرباء أو النقل، وفق ما نقلته منصة "هيدروجين إنسايت" (Hydrogen Insight).
إلّا أن هذا التوصيف للقطاعات الأكثر إطلاقًا للانبعاثات بوصفها الجهات المستحوذة الأكثر وضوحًا، كان موضع خلاف من قبل زميلة مارلييه في اللجنة، رئيسة مجموعة تحول الطاقة في شركة ترافيغورا لتجارة السلع الأساسية، مارغو مور.
وقالت مور: "نحن ننظر إلى الاستهلاك الحالي لهذه الصناعات وبأيّ سعر، وما هي الفجوة التي ستُسدّ من خلال اتفاقية استحواذ منخفضة الكربون، نحن بحاجة إلى التحدث عن العلاوة الخضراء"، مضيفة: "ليست كل الصناعات لديها الرغبة نفسها في الدفع".
وتابعت: "في كثير من الأحيان، يركّز الناس على استبدال الهيدروجين بالغاز الطبيعي، والذي ربما يكون من حيث القيمة أغلى علاوة خضراء".
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- طريقة إنتاج الهيدروجين الأخضر، ضمن أنواع أخرى:
أزمة صناعة الصلب.. أرباح ضئيلة
أشارت رئيسة مجموعة تحول الطاقة في "ترافيغورا" مارغو مور إلى أنه في حين كون بعض الصناعات الثقيلة، مثل المواد الكيميائية، تُعدّ "مستعملًا نهائيًا رائعًا" للهيدروجين، فإن "الصلب له هوامش ربح محدودة للغاية اليوم باستعمال الفحم والغاز، ويتطلب إزاحة الهيدروجين رفع النفقات الرأسمالية، بالإضافة إلى رفع النفقات التشغيلية".
وأضافت: "ليس من المستغرب أن تحظى هذه الصناعات بدعم كبير من قبل الحكومات المحلية وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي.. لذا، أعتقد أن أحد الأسباب وراء حصول مشروعات إتش 2 غرين ستيل على الكثير من الاهتمام هو أيضًا حصولها على الكثير من الإعانات".
وفي حين موافقتها على أن فوائد خفض الانبعاثات "موجودة بشكل واضح" بالنسبة للقطاعات التي يصعب تخفيفها، فإنها "ستكون هذه أيضًا صناعات مكلفة للغاية لإزالة الكربون".
ومن جانبه، قال المحلل مايكل ليبريتش: "إذا نظرت إلى أرباح شركات الصلب، فستجد أنها ضئيلة للغاية، ولا يمكنها أن تقول، إنها ستفعل الشيء الصحيح".
وأشار إلى أنه من أجل الابتعاد عن الأفران ذات الانبعاثات الكثيفة للكربون على الإطلاق، يجب ضمان الدعم لتغطية العلاوة الخضراء للهيدروجين المتجدد بأكثر من عقد من الزمن.
ونظرًا لمحدودية الميزانيات الحكومية وصبر دافعي الضرائب على توجيه أموالهم نحو حلول مناخية غير فعّالة، توقَّع ليبريتش أن تبدأ صناعة الصلب في الابتعاد عن أوروبا إلى المناطق التي ستكون فيها العملية أرخص، مثل أستراليا والبرازيل والهند والصين أو الولايات المتحدة.
وقال: "في نهاية المطاف، المشكلة هي أن السياسيين لا يستطيعون إنفاق المبالغ المالية لجعل صناعة الصلب الأوروبية تتحول إلى فولاذ أخضر أولي، ولا يمكنهم الاعتراف بأنهم سيغلقون أبوابهم".
فجوة تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر
في هذا السياق، ستدفع التكلفة المرتفعة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، المطورين إلى البحث عن أسواق أخرى أكثر استعدادًا للدفع، لأن الخيار الأفضل للمناخ لم يكن هو الفائز.
تقول رئيسة مجموعة تحول الطاقة في شركة ترافيغورا لتجارة السلع الأساسية، مارغو مور: "أعتقد أن هناك الكثير من الأسواق المستهدفة الأخرى الأصغر حجمًا التي لا نتحدث عنها بما فيه الكفاية"، وفق التقرير الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة.
وأشارت إلى الديزل، الذي تُفرض عليه ضرائب باهظة في أوروبا، إذ إن تكلفته مماثلة لتكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في بعض المناطق، ومن ثم فإن التنقل قد يمثّل تحولًا أسهل من الوقود الأحفوري إلى الهيدروجين النظيف.
وتابعت: "نحن بحاجة إلى استهداف المزيد من هذه العمليات من نوع الديزل.. في روتردام، هناك ميناء مجاور يستعمل طنًا من الديزل، ومن الصعب جدًا كهربة تلك الاستعمالات.. لماذا لا نتطلع إلى تحويلها إلى الهيدروجين اليوم؟".
وفي حين إن فجوة التكلفة بين الهيدروجين والديزل قد تكون أقرب من تلك الموجودة في الغاز، فقد أشار مارلييه إلى أن اقتصادات التنقل بالهيدروجين مثقلة بتكاليف تتجاوز الإنتاج.
وقال: "عندما تحصل على الهيدروجين الخاص بك من محطة هيدروجين، فإن 75% من سعر هذا الهيدروجين لا علاقة له بجزيء الهيدروجين"، إذ إن النفقات الرأسمالية وتكاليف الصيانة لمحطة التزود بالوقود، فضلًا عن تكلفة الضغط والتوزيع، كل ذلك يُضاف بشكل كبير إلى السعر النهائي عند المضخة.
وأضاف: "أنا مؤمن بشدة بإمكان التنقل بالهيدروجين في قطاعات محددة، بعضها سيعمل بالبطارية الكهربائية بالكامل، وبعضها سيعمل بالهيدروجين".
موضوعات متعلقة..
- تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر تضع المغرب والإمارات في صدارة الموردين إلى أوروبا
- باحث مصري يتوصل لإنتاج الهيدروجين الأخضر بأقل تكلفة اقتصادية
- اكتشاف مادة جديدة قد تُحدث ثورة في إنتاج الهيدروجين الأخضر
اقرأ أيضًا..
- محللون: أسعار النفط لن تتأثر بحرب غزة.. إلا في حالة واحدة
- توربينات الغاز الجزائرية تترقب تجربة عالمية.. ما القصة؟
- الوقود الأحفوري ما زال صامدًا أمام المصادر المتجددة في مزيج الطاقة العالمي (تقرير)
- توقعات بنمو سعة تخزين الكهرباء العالمية 110 غيغاواط سنويًا حتى 2030 (تقرير)