السيارات الكهربائية الصينية كابوس يؤرق المصنعين في أوروبا وأميركا
محمد عبد السند
- يتزايد نمو انتشار مبيعات السيارات الكهربائية الصينية.
- تخوف أوروبي وأميركي من الصعود الصاروخي لمبيعات السيارات الكهربائية الصينية.
- قفزت صادرات السيارات الكهربائية الصينية بنسبة 851% في الأعوام الـ3 الماضية.
- تسيطر الصين على إنتاج المحركات الكهربائية، وتصميم الأنظمة عالية الكفاءة التي تربط البطاريات والمحركات.
- تهيمن الصين أيضًا على سلسلة إمدادات بطاريات الليثيوم أيون.
تنطلق صناعة السيارات الكهربائية الصينية كالسهم، متفوقةً على نظيرتها في أوروبا وأميركا، رغم الصعوبات الاقتصادية المتزايدة في ثاني أكبر بلد تعدادًا للسكان في العالم؛ إذ أسهمت الإعانات الحكومية السخية وحوافز المشترين، في دعم نمو تلك الصناعة النظيفة.
ولامست تلك الإعانات في بعض الأحيان، وفق تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة، حدود الـ60 ألف يوان (8 آلاف و700 دولار) تُمنح لأي شخص يشتري سيارة كهربائية.
(1 يوان = 0.14 دولارًا أميركيًا)
وتستأثر السيارات الكهربائية بنحو 40% من مبيعات السيارات الصينية في سبتمبر/أيلول (2023)، في حين شكّلت السيارات الكهربائية بالكامل ما يزيد قليلًا على الربع، كما استحوذت الصين على 60% من تسجيلات السيارات الكهربائية القابلة للشحن عالميًا في الشهر ذاته.
وفي ضوء هذه الخلفية تُحرز شركات السيارات الكهربائية الصينية، مثل "نيو" (Nio) تقدمًا ملموسًا؛ ما يُعزى جزئيًا إلى الدعم الحكومي، بجانب التطورات التكنولوجية السريعة، وفق ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز.
وتوظف نيو، التي تنافس عملاقة صناعة السيارات الكهربائية الأميركية تيسلا، 11 ألف شخص في قطاع البحوث والتطوير، غير أنها لم تبع سوى 8 آلاف سيارة شهريًا خلال المدة من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران (2023).
خسائر رغم الاستثمارات
ضخت نيو استثمارات كثيفة في عالم الروبوتات، إلى الحد الذي يوظّف فيه أحد مصانع الشركة 30 فنيًا فقط لتصنيع 300 ألف سيارة كهربائية سنويًا.
وتوفر نيو نظارات واقع افتراضي بسعر 350 دولارًا لكل مقعد في سياراتها الكهربائية، كما زُودت تلك السيارات بهاتف خلوي يتفاعل مع نظام القيادة الذاتية للسيارة.
ومع كل تلك الخيارات التكنولوجية، لم تحقق نيو أرباحًا على الإطلاق؛ بل إنها تكبّدت خسائر بقيمة إجمالية لامست 853 مليون دولار في الربع الثاني من العام الجاري (2023)، أو ما يعادل 35 ألف دولار عن كل سيارة مبيعة، بحسب معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
دعم حكومي
تحظى نيو وغيرها من الشركات الأخرى في قطاع السيارات الكهربائية الصينية بدعم حكومي هائل، يتيح لها تحمل الخسائر، ومواصلة مسيرة النمو.
وحينما استنفدت نيو -تقريبًا- السيولة المادية في عام 2020، ضخت حكومة محلية على الفور ما إجمالي قيمته 1 مليار دولار لشراء حصة من الأسهم في الشركة، نسبتها 24%، كما قاد أحد البنوك الحكومية مجموعة من البنوك الأخرى في ضخ 1.6 مليار دولار أخرى في صناعة السيارات الكهربائية الصينية.
والآن تُجسِّد نيو هيمنة صناعة السيارات الكهربائية الصينية، إلى حد بات يُشكِّل تهديدًا ملموسًا لشركات صناعة السيارات التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
ويمثل إضراب نقابة عمال السيارات المتحدين في الولايات المتحدة الأميركية ضد 3 من أكبر شركات صناعة السيارات في ديترويت، والذي دخل أسبوعه الثالث، صراعًا مع المركبات الكهربائية؛ إذ تصر الشركات على وجوب ضخ مليارات الدولارات لكهربة أساطيلها من المركبات، بينما يتمسّك العمال بحقهم في الدفاع عن وظائفهم ضد تداعيات الأتمتة والتكنولوجيا إلى جانب رفع أجورهم.
تحقيق أوروبي
سرعان ما ظهرت تحديات أمام هيمنة السيارات الكهربائية الصينية؛ إذ يواجه مصنعو السيارات الكهربائية هناك تدقيقًا تنظيميًا متزايدًا في الخارج، ولا سيما في أوروبا والولايات المتحدة؛ حيث يسعى المشرعون هناك إلى حماية الصناعة المحلية.
فخلال الأربعاء 4 أكتوبر/تشرين الأول (2023) أطلق السياسيون الأوروبيون الذين يشعرون بالقلق إزاء موجة من صادرات السيارات الكهربائية الصينية، تحقيقًا رسميًا بشأن إذا كانت شركات السيارات الكهربائية في الصين قد تلقّت دعمًا حكوميًا، في خُطوة قد تقود أوروبا إلى فرض التعريفات الجمركية على وارداتها من المركبات صديقة البيئة الآتية من البلد الآسيوي.
وقفزت صادرات السيارات الكهربائية الصينية بنسبة 851% في الأعوام الـ3 الماضية، وخصوصًا إلى أوروبا.
ويتّسم التحقيق الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي بالتعقيد الجيوسياسي، من حيث إن العديد من أهم الشركات الأوروبية يرتبط بعلاقات تجارية قوية مع السوق الصينية، في وقت تبدي فيه بكين استعدادًا للانتقام.
من جهتها أدانت وزارة التجارة الصينية التحقيق الأوروبي، يوم الأربعاء 4 أكتوبر/تشرين الأول (2023)، واصفة إياه بـ"السلوك الحمائي العاري الذي سيقوّض سلسلة إمدادات صناعة السيارات العالمية".
ويوضّح الرسم البياني أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة -مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم:
الصادرات حتمية
تحتاج شركات مثل نيو، التي تنفق بكثافة على أنشطة التسويق في ألمانيا والبلدان الأوروبية الأخرى، إلى الصادرات.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه: هل تتمكن نيو من بيع أعداد سيارات تكفي لتبرير جهودها الضخمة في قطاعي البحوث والاستثمار؟
وفي هذا السياق قال الرئيس والرئيس التنفيذي لشركة نيو، وليام لي: "أنا لا أشعر بالقلق إزاء سعة التصنيع وحجمه، ولكن ما أشعر بالقلق إزاءه هو الطلب"، خلال تصريحات أدلى بها خلال مؤتمر صحفي في شنغهاي، تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
تقنية البطاريات
بينما يكافح منتجو السيارات الكهربائية في أميركا وأوروبا من أجل اللحاق بالركب، تقود شركات السيارات الكهربائية الصينية العالم في جانب بالغ الأهمية من سلسلة الإمدادات الخاصة بالمركبات النظيفة: تقنية البطاريات.
وتتبوأ الشركات الصينية موقع الريادة عالميًا في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية التي تتيح نطاق قيادة أطول بتكلفة منخفضة جدًا.
وتهيمن الصين أيضًا على سلسلة إمدادات بطاريات الليثيوم أيون وتستفيد من قدرتها التصنيعية الهائلة لمكونات السيارات الكهربائية الأخرى.
ووفق تقديرات لوحدة بلومبرغ إن إي إف، تمتلك الصين 3 أرباع السعة الخاصة بتصنيع خلايا البطاريات على مستوى العالم، وتمثل 90% من إنتاج أنود البطارية والكهارل (الإلكتروليتات)، وفق ما أورده موقع إنفيستوبيديا.
كما تسيطر الصين على إنتاج المحركات الكهربائية، وتصميم الأنظمة عالية الكفاءة التي تربط البطاريات والمحركات معًا.
وتسجل مبيعات السيارات الكهربائية نموًا بوتيرة سريعة، غير أن الصين تبني مصانع أكثر لكل مكون من مكونات السيارات الكهربائية، ما خلق تخمة في السعة، قادت بدورها أسعار المركبات الكهربائية للتراجع إلى ما دون أسعار السيارات العاملة بالبنزين.
أجور منخفضة في الصين
تتراجع أجور العاملين في شركات السيارات الكهربائية الصينية؛ إذ يحصل العاملون في مدن كبرى مثل شنغهاي على قرابة 30 ألف دولار سنويًا في رواتب ومزايا أخرى، بينما يحصل العاملون في المدن الأقل غلاءً على أقل من هذا المبلغ بكثير.
في المقابل قالت رائدة صناعة السيارات الأمريكية فورد موتور إن عمالها يحصلون في المتوسط على 110 آلاف دولار سنويًا في شكل رواتب ومزايا أخرى، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتسعى نقابة عمال صناعة السيارات المتحدون للحصول على زيادة نسبتها 40 دولارًا على مدار 4 سنوات، إضافة إلى إجازة يوم واحد مدفوعة الأجر لكل أسبوع عمل.
الأتمتة الصينية
تبرز صناعة السيارات الصينية واحدة من بين أكثر الصناعات الآلية في العالم، واكتشفت شركة صناعات السيارات الأميركية أنه يتعين عليها دفع الأموال لشراء روبوتات وغيرها من أشكال التكنولوجيا الأخرى من الموردين الصينيين، حسبما قال المحلل في مؤسسة سان دييغو المتخصصة في الشؤون الصينية مايكل دوني.
وأوضح دوني، الذي كان يشغل في السابق منصب رئيس جنرال موتورز إندونيسيا، "أنها (الشركات الصينية) تنظر حولها وتقول هل تمتلك أميركا شيئًا قريبًا من قدرتها في مجال الأتمتة؟ والإجابة هي بالطبع (لا)".
وتوقّع رئيس أبحاث قطاع السيارات في آسيا لدى مصرف يو بي إس بول غونغ أن تستأثر شركات صناعة السيارات في الصين بثلث سوق السيارات العالمية بحلول نهاية العقد الحالي (2030).
كما توقّع غونغ أن يُعزى الكثير من النمو الصيني إلى القفزة المتحققة من حصة شركات صناعة السيارات الصينية في السوق الأوروبية، إلى ما نسبته 20%، من 3% في الوقت الحالي.
وأردف: "المنافسة في الصين شرسة للغاية؛ لدرجة أنها تدفع كل شركة من شركات صناعة السيارات إلى تطوير تقنيات جديدة".
شراكات رغم العداء
أقنع التطور التكنولوجي الذي تشهده الصين بعض شركات صناعة السيارات الأوروبية الكبرى بالدخول في شراكات، حتى وإن كانت تلك الأخيرة تنافس شركات التصدير الصينية.
ففي يوليو/تموز (2023) دفعت عملاقة صناعة السيارات الألمانية فولكسفاغن ما قيمته 700 مليون دولار لشراء حصة من الأسهم نسبتها 4.99% في شركة إكس بينغ الناشئة لصناعة السيارات الكهربائية الصينية التي تعاني خسائر مالية؛ ما رفع القيمة السوقية لـ"إكس بينغ" إلى 14 مليار دولار.
وبالمثل حصلت نينو على مساعدات من حكومة مدينة خفي المحلية، غير أن إكس بينغ أقرّت بحصولها على مساعدات من الحكومة المحلية في إقليم ووهان وسط الصين.
وفي أبريل/نيسان (2023)، أعلنت فولكسفاغن أنها ستبني مركزًا لتطوير السيارات قيمته 1.1 مليار دولار في خفي وسط الصين، وستستأجر الشركة الألمانية ألفي مهندس لتنفيذ المهام التي كانت تُؤدى في السابق بمقرها الرئيس في فولفسبورغ بألمانيا، لتصنيع السيارات في الصين.
الطفرة بالأرقام
سجّل نمو مبيعات السيارات الكهربائية الصينية صعودًا، في سبتمبر/أيلول (2023)، ما يؤكد الطفرة التي تشهدها السوق الذي ظل قويًا رغم المشكلات الاقتصادية الأخيرة التي شهدتها البلاد.
وأعلنت شركات صناعة السيارات الكهربائية الصينية الكبرى أمثال إكس بينغ XPeng ، ونيو ولي أوتو Li Auto ، زيادة في مبيعات السيارات الكهربائية خلال سبتمبر/أيلول (2023).
وقالت إكس بينغ إنها سلّمت 15310 سيارات كهربائية ذكية في سبتمبر/أيلول (2023)، بزيادة 12% عن أغسطس/آب (2023) و81% على أساس سنوي.
كما أبلغت نيو عن تسليم 15,641 سيارة كهربائية، بصعود 44% تقريبًا عن العام الماضي (2022).
وتجاوزت مبيعات شركة لي أوتو 36000 سيارة، أي أكثر من 3 أضعاف، مقارنة بعام 2022، بينما زادت عمليات التسليم في الربع الثالث بواقع 4 أضعاف -تقريبًا-.
موضوعات متعلقة..
- السيارات الكهربائية الصينية داخل قفص الاتهام الأوروبي.. وبكين تحذر
- شركات السيارات الكهربائية الصينية تتجه إلى التصنيع في أوروبا.. ما السبب؟ (تقرير)
- السيارات الكهربائية الصينية تثير قلق البريطانيين.. تجسس أم هيمنة؟ (تقرير)
- شركات السيارات الكهربائية الصينية تتجه إلى التصنيع في أوروبا.. ما السبب؟ (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- تدشين مشروع خط أنابيب ترانس ماونتن النفطي الكندي في مارس 2024
- أسهم شركات الكهرباء المتجددة عند أقل مستوى منذ 10 أعوام
- شركات الطاقة والمرافق الأوروبية تخسر 66 مليار دولار من انهيار عملياتها في روسيا
- الحرب الروسية الأوكرانية تكبّد فينترسال ديا الألمانية 5 مليارات دولار في 2022