التقاريرتقارير الهيدروجينرئيسيةهيدروجين

واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر تصطدم بالتمويل والعطاءات.. ألمانيا نموذجًا

أحمد أيوب

يُنظر إلى واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر بوصفها أحد مصادر الدخل بالعملة الصعبة للكثير من الدول النامية التي تعتزم بناء مشروعات على أراضيها لإنتاج هذا الوقود النظيف؛ فالقارة العجوز تعتزم استيراد نصف احتياجاتها من هذه البلدان بحلول عام 2030.

وأقرّ الاتحاد الأوروبي قانونين مُهمين لتنظيم عملية إنتاج واستيراد "الهيدروجين المتُجدد ذي الأصل غير البيولوجي"، وتضمَّن أحد هذين القانونين شروط الدعم الحكومي لهذه المشروعات، سواء المُقامة داخل بلدان التكتل الأوروبي أو خارجه، وفقًا لما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

ويبدو أن إتاحة المزيد من واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر لن تكون عملية سهلة على الإطلاق، إذ تواجه المنظومة عددًا من التحديات المرتبطة بالتمويل والمنافسة، فضلًا عن الصعوبات التي تواجهها الشركات عند شراء كميات الهيدروجين المُصدَّرة إلى أوروبا من خلال العطاءات الحكومية، وفقًا نشره موقع هيدروجين إنسايت (Hydrogen Insight)، في تقريرين، الأول حول الحصول على التمويل والثانية عن العطاءات.

قانون تنظيم أنشطة الهيدروجين

حدّد أحد القانونين القواعد والشروط الخاصة بإنتاج وتنظيم واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر.

وتضمَّن القانون بندًا يُلزم مطوّري مشروعات الهيدروجين المتجدد بإقامة منشآت الطاقة المتجددة قبل 3 سنوات على الأكثر من بدء المُحلل الكهربائي في إنتاج الهيدروجين، حتى يتسنى له الحصول على الدعم الحكومي.

وأشار القانون إلى ما يمكن تسميته بـ"الارتباط الزمني" بين إنتاج الهيدروجين وإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، إذ يتعين إنتاج الهيدروجين في الوقت نفسه الذي تُنتج فيه الكهرباء.

إنتاج الهيدروجين الأخضر
إنتاج الهيدروجين الأخضر - الصورة من Innovation News Network

كما تضمَّن القانون الإشارة إلى أنه يتعين على مشروعات الطاقة المتجددة التي ستنتج الكهرباء اللازمة الهيدروجين الأخضر في مكان وجود المحلل الكهربائي، وفقًا لما ذكره موقع هيدروجين إنسايت.

وتنطبق هذه الشروط على واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر، وهو ما يعدّ بمثابة معايير أوروبية للبلدان التي ترغب في تصدير غاز الهيدروجين المتجدد إلى أوروبا.

وكان الاتحاد الأوروبي كان قد تعهّد باستيراد 10 ملايين طن سنويًا من الهيدروجين المتجدد بحلول عام 2030، لتلبية نصف احتياجاته، وفي الوقت نفسه، من المقرر أن ينتج التكتل 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر، وفقًا لموقع المفوضية الأوروبية.

وبهذه الشروط التي حددها الاتحاد الأوروبي، أصبح بإمكان الكثير من الدول النامية تصدير إنتاجها من الهيدروجين المتجدد إلى القارة العجوز، وتحقيق الكثير من العوائد، لكن يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة، فهناك عقبات على الطريق.

التمويل عقبة أولى

تتمثل العقبة الأولى أمام واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر من الدول النامية في تأمين التمويل الفعلي للمشروعات والبدء في الأعمال الإنشائية، فتكلفة رأس المال أعلى كثيرًا بالاقتصادات النامية مقارنة بأوروبا.

وفي هذا الإطار، قال الرئيس التنفيذي لشركة "هايفين هيدروجين إنرجي" (Hyphen Hydrogen Energy)، ماركو رافينيتي: "عندما يتعلق الأمر بحزمة التمويل، فإن التكلفة المستوية للهيدروجين مُهمة للغاية لتكلفة التمويل".

وجاءت هذه التصريحات خلال مؤتمر الاستثمار في الهيدروجين الأخضر الذي عُقد في العاصمة البريطانية لندن الأسبوع الماضي.

والتكلفة المستوية للهيدروجين هي منهجية تُستعمل لحساب جميع تكاليف رأس المال والتشغيل لإنتاج الهيدروجين، ومن ثم تُتيح مقارنة طرق الإنتاج المختلفة، وفقًا لمقالة للرئيس التنفيذي لشركة "ويلدفاير إنرجي" ،غريغ بيركنز، بموقع لينكد إن.

ويؤمن "رافينتي" بأن المشروعات ذات التكلفة الأقلّ سيكون لها أولوية للبدء في الأعمال الإنشائية، لكن في كل الأحوال، سواء انتهى الأمر بتركيز مرافق إنتاج الهيدروجين في بلدان مُحددة أو تنوعها بين بلدان مختلفة ذات إمكانات عالية، فسيعود الأمر إلى الممولين والمشترين".

وفي السياق نفسه، أكد رئيس تمويل البنية التحتية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا في بنك "إتش إس بي سي" (HSBC)، غوستو أليخاندرو، أن المشروعات في ناميبيا أو مصر لن يحصل على أسعار الفائدة نفسها مثل منشأة في أوروبا، والتي "يمكن أن تؤثّر في النهاية على سعر واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر.

من يمول المشروعات

تُمول البنوك التنموية العالمية -المدعومة في الغالب من قِبل الحكومات- المشروعات بأسعار فائدة تفضيلية، وتُعدّ مثل هذه التمويلات أساسًا للعديد من مشروعات الهيدروجين الأخضر في الاقتصادات النامية لتأمين رأس المال المطلوب، دون زيادة ضخمة في أسعار الوقود النظيف.

في المقابل، فإنّ الاستفادة من أسعار الفائدة التفضيلية لتمويلات البنوك التنموية يُمكن أن يكون لها تكلفة خفية عندما يتعلق الأمر بمشروعات الطاقة المتجددة المُسْتعملة في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

وهنا تبرز أهمية الدعم الحكومي لمشروعات الطاقة المتجددة المرتبطة بالمحللات الكهربائية المستعملة في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

أحد مرافق إنتاج الهيدروجين الأخضر
أحد مرافق إنتاج الهيدروجين الأخضر - الصورة من Innovation News Network

وتنصّ القوانين المُفوَضة للاتحاد الأوروبي بشأن الهيدروجين الأخضر -على سبيل المثال، فيما يتعلق ببند إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال المشروعات الجديدة للطاقة المُتجددة- إذ يُسمح بتقديم دعم حكومي لتمويل أصول الطاقة المتجددة المبنية جنبا إلى جنب مع المُحلل الكهربائي، أو مشروعات الطاقة المتجددة المتصلة مباشرة بالمحللات الكهربائية.

وأكدت المفوضية الأوروبية أنه إذا قام بنك التنمية بالاعتماد على أموال الدول الأعضاء وتقديم أسعار فائدة تفضيلية للدول النامية، فإن ذلك يعدّ بمثابة دعم حكومي فيما يخص واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر.

وتتمثل صور الدعم الحكومي في المنح والفوائد التفضيلية والإعفاءات الضريبية والضمانات وحيازات الحكومة من كل -أو جزء من- الشركة، أو تقديم السلع والخدمات بشروط تفصيلية.

عطاءات تصدير الهيدروجين

تفتقد عملية تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا لسابق الخبرة، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات اللوجستية الخاصة بشراء الهيدروجين المتجدد من الدول المنتجة وطرحه في دول القارة العجوز.

ولتسليط الضوء عن قرب على الإجراءات المتّبعة في طرح عطاءات واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر، فإن ألمانيا هي صاحبة التجربة الأولى في هذا الإطار بمبادرة "إتش 2 غلوبال".

وتُجري هذه المبادرة حاليًا أول مناقصة لشراء كميات من الأمونيا الخضراء والميثانول ووقود الطيران الاصطناعي من خارج الاتحاد الأوروبي (ورابطة التجارة الحرة الأوروبية) بموجب عقود مدّتها 10 سنوات بأقلّ سعر ممكن، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ومن المُقرر بيع مشتقات الهيدروجين هذه بالمزاد العلني لمشترين داخل ألمانيا، مقابل أعلى سعر مُمكن بموجب اتفاقيات قصيرة الأجل.

ومن المُقرر إجراء عمليات التسليم الأولى بدءًا من أواخر عام 2024.

ونظرًا لأن هذه هي المرة الأولى التي تُطرح فيها هذه العطاءات في ألمانيا، فيبدو أن هناك تحديات تواجه الكيانات التجارية المشاركة في هذه العملية، ما يضع صعوبات أمام واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر.

تحديات تسويق الهيدروجين في ألمانيا

قالت شركة "بلومستين" المتخصصة في المشتريات العامة التي تعمل مع تحالف -مُكوَن من شركتين- يُقدّم عطاءات لشراء الهيدروجين ضمن مبادرة "إتش 2 غلوبال، إن المشاركة في هذا المزاد تواجه تحديًا مُتمثلًا في كثرة الوثائق المطلوبة التي يُمكن أن ينتهي بها المطاف باستبعاد الشركات التي تعتمد على اللغة الألمانية بشكل محدود، أو الشركات غير القادرة على الوصول إلى المترجمين.

وفي هذا الإطار، تجب الإشارة إلى أن مبادرة "إتش 2 غلوباال" يتعين تنفيذها بموجب قوانين المشتريات العامة في الاتحاد الأوروبي، وكذلك وفقًا للوائح المساعدات الحكومية.

إحدى محطات الهيدروجين الأخضر في ألمانيا
إحدى محطات الهيدروجين الأخضر في ألمانيا - الصورة من هيدروجين إنسايت

أشارت الشريكة في "بلومستين"، رامونا أدير، إلى أن هذا يضع الشركات "التي لا تشارك بانتظام" في مثل هذه الإجراءات بوضع غير مواتٍ بشكل كبير، وهذا يؤثّر بدوره على واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر.

وقالت: "كانت هناك متطلبات رسمية تفصيلية للغاية، لذلك كانت هناك قائمة طويلة حقًا من الوثائق التي يجب تسليمها: مثل وثائق الإخطارات الذاتية بشأن العقوبات، والامتثال لدفع الضرائب، والجرائم الجنائية".

وأضافت: "تعيَّن وجود هذه الإخطارات باللغة الألمانية فقط، مما يجعل من الصعب للشركات التي ليس لديها موظفون قادرون على الكتابة باللغة الألمانية الاندماج في هذه العملية بسهولة".

وأشارت إلى وجود مستندات إضافية، منها على سبيل المثال، مُستخرج من السجل التجاري أو توكيل المحاماة الرسمي، وما لم تكن هذه المستندات متوفرة باللغة الألمانية، فيتعين إتاحة ترجمة معتمدة لها، لذا تطلَّب ذلك وقتًا وجهدًا إضافيين.

إجراءات مُعقّدة

لا يقتصر الأمر فقط على مسألة اللغة، بل توجد كذلك معوقات أخرى، فعلى عكس المزادات الخاصة، التي تتصف ببعض المرونة فيما هو مطلوب، فإن المعايير المنصوص عليها بالمزادات العامة في الاتحاد الأوروبي إلزامية، وستؤدي تلقائيًا إلى فقدان فعاليتها إذا لم تُدَر بشكل صحيح.

وقالت الشريكة في "بلومستين"، رامونا أدير، إنه يوجد أيضًا عدد من المستندات لإثبات خبرات الشركة في قطاعات مُماثلة، على سبيل المثال، إنتاج الهيدروجين المعتمد على الوقود الأحفوري ضمن نطاق واسع، وإنتاج الطاقة الخضراء، ونقل البضائع الخطرة المماثلة".

وأكدت أنّ هذا كلّه يجعل العملية أكثر تعقيدًا.

وأضافت أنه إذا ما طُرحت مبادرة "إتش 2 غلوبال" أو مبادرة مُماثلة على مستوى الاتحاد الأوروبي-كما هو مخطط-، "فنحن نفترض أن المتطلبات ستكون مماثلة، لأن هذه المبادرات تديرها أموال حكومية".

وتابعت أن مبادرة "إتش 2 غلوبال" تستغرق وقتًا طويلًا للغاية لإنهاء المناقصة الأولى.

وقال المستشار الخاص للمشتريات العامة وقانون التجارة الدولي والبيئة والحوكمة البيئية والاجتماعية في بلومستين، برونو غالفاو: "إنهم ما زالوا يقومون بتحليل الوثائق حتى يومنا هذا".

خسارة للمورّدين

إن منظومة عطاءات الاستيراد تفرض على المنتجين الالتزام بعقود ثابتة السعر مدّتها 10 سنوات، وهذا بدوره يُلحق الضرر أيضًا بالدول النامية التي تسعى إلى البيع للأسواق بأعلى سعر ممكن، وفقًا للرئيس التنفيذي لشركة "هايفن هيدروجين إنرجي" -ماركو رافينيتي- التي تعمل حاليًا على تطوير مشروع بقيمة 10 مليارات دولار في ناميبيا.

ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أكبر 11 مشروعًا أخضر في العالم من حيث السعة:

أكبر 11 مشروعًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم

وأضاف أنه في ظل التوجه الحالي المرتبط بوجود ضغوط متزايدة على الشركات لإزالة الكربون، وفرض عقوبات أكثر صرامة على الانبعاثات لكل من الدول الأوروبية والمُصَدِرة، ومع الأخذ في الحسبان الإمدادات المحدودة من الهيدروجين الأخضر، "سيكون هناك فارق كبير للغاية بين الطلب والعرض، وستكون الأسعار مرتفعة للغاية".

وتابع: لذلك، مع بدء أسعار الهيدروجين النظيف للتحرك من نموذج "التكلفة الزائدة" نحو التأثر بشكل أكبر بالعرض والطلب، فإن هذا يعني أن المشروعات المرتبطة باتفاقيات طويلة الأجل قد تفقد في نهاية المطاف فرصة البيع بأسعار أعلى، وتحقيق المزيد من الإيرادات للبلد المُنتج، ما يجعل واردات أوروبا من الهيدروجين الأخضر غير مُجدية لهذه الدول.

ومع ذلك، نظرًا لأن الوصول إلى التمويل يعتمد على قيام المطورين بإقناع البنوك بالتأكد من الإيرادات خلال مدة سداد الديون، فمن المرجّح أن تحتاج معظم المشروعات -بغضّ النظر عن الموقع- إلى الالتزام باتفاقيات شراء طويلة الأجل، وإلّا فلن يكون لديها فرصة كبيرة للحصول على التمويل بدء مشروعاتها.

 

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

 

 

 

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق