صادرات النفط والغاز الروسية تتحرر من هيمنة الدولار واليورو (مقال)
فيلينا تشاكاروفا*– ترجمة: نوار صبح
- الرئيس بوتين وجّه بدفع ثمن صادرات الطاقة الروسية بالروبل بالنسبة إلى الدول غير الصديقة
- عقود النفط والغاز تحدد الأسعار في الغالب باليورو أو الدولار
- تحويل صادرات الطاقة بالكامل إلى العملات الوطنية أمر مليء بالتعقيدات
- صادرات الغاز الروسي إلى الصين ارتفعت بنحو 60% في العام الماضي
- المصافي الهندية بدأت تسوية جزء من معاملاتها للسلع الروسية باستعمال العملة الإماراتية
- الأوروبيون يواصلون شراء الغاز المسال والمنتجات النفطية ومنتجات إضافية من روسيا
شهدت هيمنة الدولار واليورو على صادرات موسكو، بما في ذلك النفط والغاز الروسية، تراجعًا ملحوظًا، منذ بداية عام 2023، إذ انخفضت من نحو 48% إلى 49% في يناير/كانون الثاني الماضي إلى 26% و30% فقط بحلول أغسطس/آب.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصبحت بورصة موسكو، التي تحدد قيمة الروبل الروسي، معزولة إلى حدّ كبير عن الأسواق المالية العالمية بسبب الظروف السائدة.
بدورها، منعت العقوبات الغربية المصارف الأجنبية من التداول بالروبل، وفي الوقت نفسه، تمنع قيود رأس المال الروسية المواطنين الروس من الوصول إلى الأسواق الأجنبية.
نتيجة لهذه القيود، تتمثّل المصادر الرئيسة للإمداد المحلي بالعملة الأجنبية في عائدات التصدير -تشمل صادرات النفط والغاز الروسية- والاحتياطيات الحكومية.
من ناحية أخرى، ينشأ الطلب المحلي عن عوامل مثل نفقات الاستيراد، والالتزامات الأجنبية للشركات الروسية (رغم أنها كانت محدودة منذ عقوبات عام 2014)، واستعمال العملات الأجنبية احتياطيًا للقيمة.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت إحدى السياسات الجديرة بالملاحظة هي توجيه الرئيس بوتين بالنسبة إلى "الدول غير الصديقة" بدفع ثمن صادرات النفط والغاز الروسية بالروبل، بدلًا من اليورو أو الدولار التقليدي.
وقُوبلت هذه الخطوة بردود فعل متباينة في أوروبا، إذ تكيفت بعض الدول مع الروبل، في حين ظلت دول أخرى ثابتة على تفضيلها عملات التسوية الحالية.
وكان الإجراء المضاد الذي اتخذته روسيا هو تعليق صادرات الغاز إلى دول مثل بولندا وبلغاريا وفنلندا.
من ناحيته، يعالج بنك غازبروم المدفوعات باليورو، لتُحَوَّل لاحقًا إلى الروبل، ما يسمح للدولة الروسية بتسهيل معاملات الغاز، ولتيسير ذلك، يحتفظ العملاء الحكوميون بحسابات مزدوجة لدى البنك.
سعر الروبل الروسي
من المؤكد أن الحكومة الروسية، بوصفها سلطة حصرية، يمكنها تقديم الروبل إلى دول أخرى بأيّ سعر صرف، وبالنظر إلى أن عقود النفط والغاز تحدّد الأسعار في الغالب باليورو أو الدولار، فإن التحول في سعر صرف الروبل لن يؤثّر في التدفق الإجمالي للعملة الأجنبية.
وبالنظر إلى أن جزءًا كبيرًا من الواردات مُسَعَّر باليورو والدولار، فإن حجم هذه الواردات يظل ثابتًا، ومن ثم، فإن التحول في عملة التسوية يفتقر إلى التأثير الملموس.
ويكمن الأمر الأكثر منطقية في أن الضغط من أجل المعاملات الدولية القائمة على الروبل يسعى إلى التخفيف من تأثير العقوبات المالية في الاقتصاد الروسي.
وكشف النائب الأول لرئيس مجلس إدارة مصرف سبير بنك الروسي، ألكسندر فيدياخين، عن أن ثلثي معاملات التجارة الخارجية لروسيا تحولا إلى ما سماه "العملات الصديقة"، وسلّط الضوء على التحول الملحوظ بالاعتماد على بيانات التجارة الخارجية الأخيرة.
في الوقت الحالي، يُدار ثلثا التجارة الخارجية لروسيا بعملات صديقة، وفي الغالب الروبل واليوان، كما ذكرنا في تقرير نشرته منصة الطاقة المتخصصة الأسبوع الماضي.
وأوضح فيدياخين أن مصرف سبير بنك الروسي توقّع أن تستمر هذه النسبة بالصعود، في ظل الاتجاهات السائدة.
الجدول التالي يستعرض التغير بمؤشر الأسهم في بورصة موسكو:
النظر في التسويات الدولية
في قرار صدر أوائلَ يوليو/تموز، نصح مجلس الاتحاد بنك روسيا بالنظر في التسويات الدولية بالروبية الهندية، والريال الإيراني، والدرهم الإماراتي، وجاءت هذه التوصية في أعقاب خطاب محافظة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، ويأتي ذلك وسط توجّه نحو تنويع استعمال العملة في المعاملات الدولية.
وينص القرار صراحةً على ما يلي: "إن البنك المركزي للاتحاد الروسي مدعوّ لاستكشاف إمكان إجراء تسويات بالعملات الوطنية، بما في ذلك الروبية الهندية والريال الإيراني والدرهم الإماراتي والعملات الأجنبية الأخرى، عند الانخراط في نشاط اقتصادي أجنبي".
بالإضافة إلى ذلك، يشجع القرار الجهود المستمرة نحو إبرام اتفاقيات حكومية دولية للمقاصة (التسويات غير النقدية) بالعملات الوطنية مع الدول الحليفة.
يتمثل الهدف الأساس وراء مثل هذه الاتفاقيات في تعزيز استعمال العملات الوطنية لتلبية شروط عقود التجارة الخارجية مع "الشركاء ذوي الأولوية".
ويمكن وضع هذه الخطوة في سياق التحديات السابقة التي جرت مواجهتها بسبب العقوبات التي أثّرت بالتسويات في التجارة الخارجية، كما ذكرنا في حالة تجارة النفط مع الهند.
ولمعالجة هذه القضايا، أصدرت الحكومة مرسومًا يسمح للشركات الروسية بالحصول على سلف نقدية من مؤسسات خارجية، وينص هذا المرسوم على إيداع الأموال النقدية، سواء بالروبل أو بالعملات الأجنبية، في حسابات لدى البنوك الروسية.
في ضوء الديناميكيات المالية العالمية المتطورة، قررت روسيا منذ عام تقريبًا فصل عقود التجارة الخارجية عن قيمة الدولار.
وبدءًا من أبريل/نيسان 2022، بدأت روسيا -بتوجيه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- قبول مدفوعات مقابل صادرات الطاقة إلى دول معينة حصريًا بما يعادل الروبل، وهي خطوة عجلت بها القيود واسعة النطاق على احتياطيات موسكو من العملات الأجنبية في المؤسسات الغربية.
في البداية، لاقت هذه الإستراتيجية استحسانًا كبيرًا، فعلى سبيل المثال، كما ذكرت وكالة رويترز في شهر مايو/أيار، سمحت ألمانيا وإيطاليا لشركات المرافق لديهما بإنشاء حسابات بالروبل في البنوك المحلية، لدعم مدفوعاتهما مقابل الغاز الروسي.
وعلى مدار العام، انخفضت مشتريات أوروبا من "الوقود الأزرق" الروسي بأكثر من النصف، وتحولت دول مثل جمهورية التشيك، التي كانت تعتمد بشكل كبير في السابق على شركة غازبروم، نحو مصادر الهيدروكربون النرويجية.
ويسلّط هذا التقلب الضوء على أن تحويل صادرات الطاقة بالكامل إلى العملات الوطنية أمر مليء بالتعقيدات.
تداعيات العقوبات على روسيا
على الرغم من مواجهة عقوبات خصومها في أعقاب غزو الكرملين أوكرانيا، واصلت روسيا إجراء ما يقرب من نصف تجارتها باستعمال العملات الخاضعة للعقوبات بحلول نهاية عام 2022.
وكشف بنك روسيا عن أن مدفوعات الصادرات باستعمال ما يسمونه العملات "السامة" (معظمها بالدولار الأميركي واليورو) انخفضت بصورة ملحوظة، إذ بلغت 48% بحلول نهاية عام 2022 من 87% في بداية ذلك العام.
وعلى العكس من ذلك، ارتفع تمثيل اليوان الصيني في التجارة من 0.5% فقط إلى 16%، في حين تضاعفت حصة الروبل 3 مرات تقريبًا لتصل إلى 34%، ويرسم هذا التحول صورة واضحة للتحول الهيكلي الشامل داخل الاقتصاد الروسي.
وعلى الرغم من أن التجارة بعملات الدول التي تفرض العقوبات تضاءلت بشكل كبير، فإن وجودها في مصفوفة التجارة ما يزال مهمًا وفقًا لبنك روسيا، إذ كان للعقوبات تأثير كبير، فقد حرم البنك المركزي من الوصول إلى ما يقرب من نصف احتياطياته الدولية، وتركه في المقام الأول مع الذهب واليوان.
وجدير بالذكر أنه حتى قبل الصراع، كانت الجهود جارية لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي.
وكان الهدف الرئيس للعقوبات هو عزل روسيا عن الأسواق المالية العالمية، ما أدى إلى رحيل جماعي للمستثمرين الأجانب من البلاد.
وبإجراء مضادّ، أثنى البنك المركزي الشركات عن الاعتماد على الدولار واليورو "السامين"، وبصرف النظر عن اليوان، فإن عملات الدول "الصديقة" الأخرى لا تزال تؤدي دورًا ضئيلًا في التجارة، إذ تمثّل 2% فقط من مدفوعات التصدير بحلول نهاية عام 2022.
ويكتسب هذا التحول من العملات "السامة" المزيد من الاهتمام والاستقطاب في مختلف القطاعات الاقتصادية، على سبيل المثال، شهدت بورصة موسكو انخفاضًا قياسيًا في حجم التداول بالدولار مقابل الروبل الشهر الماضي، وهو ما يشكّل 36% فقط من إجمالي حجم التداول.
بالنسبة إلى الواردات، تضاءل الاعتماد على هذه العملات "السامة" إلى 46% في ديسمبر/كانون الأول 2022، من 65% في بداية العام، في حين توسّع نفوذ اليوان من 4% إلى 23%.
وتمثلت إحدى النتائج اللافتة للانتباه لهذا التحول في التخلص التدريجي من اليورو، غالبًا خلال النصف الأول من عام 2022، ونتيجة لذلك، أصبح الفارق بين الصادرات والواردات المستقرة بالعملة الأوروبية الآن سلبيًا، وفقًا لتقارير البنك المركزي.
الجدول التالي يستعرض نسب العملات المستعملة في التجارة الخارجية الروسية (يناير/كانون الأول 2021 إلى يونيو/حزيران 2023):
وعلى ضوء هذه الخلفية، توجد ازدواجية بالمشهد المالي في روسيا، ونظرًا للتهديد الذي يلوح في الأفق المتمثل بمصادرة الأصول وتجميد المعاملات باليورو والدولار بالنسبة للمصدّرين المحليين، فقد أصبحت العملات الغربية تشكّل خطرًا متزايدًا على النظام المالي الروسي.
ارتفاع صادرات الطاقة الروسية
ارتفعت صادرات الغاز الروسي إلى الصين بنحو 60% في العام الماضي، وبرزت الصين والهند بشكل ملحوظ مستهلكَين رئيسَين "للذهب الأسود" الروسي، وتلبي تركيا، بفضل قدراتها الإستراتيجية في مجال النقل، احتياجاتها المحلية من الهيدروكربون، وتعيد بيعها للعملاء الأوروبيين.
وتمكنت روسيا من إبرام صفقات مع هذه الدول لإجراء معاملات الطاقة بعملاتها الوطنية، على سبيل المثال، وافقت تركيا على التعامل بالروبل أو بالليرة المحلية، في حين أعربت الصين عن استعدادها لاستعمال اليوان المشهور عالميًا، والهند بالروبية.
إزاء ذلك، فإن كثيرين في روسيا ينظرون إلى العملة الصينية بوصفها البديل الأكثر واقعية للدولار واليورو المهيمنين، ولمدة من الوقت، يمكن أن يعمل اليوان الصيني بصفته منطقة عازلة، ما يتيح انتقال العملات مع الحدّ الأدنى من التقلبات ومخاطر انخفاض قيمة العملة إلى مجالات مالية أكثر غموضًا.
من جهتها، تظل الهند حالة مثيرة للاهتمام ضمن الاقتصادات الناشئة، وما لم تتمكن حكومتها والبنك المركزي من تحقيق استقرار الروبية خلال السنوات الـ5 المقبلة، فمن المرجح أن تستمر بصفة أداة مالية أضعف، على غرار الروبل.
وظهرت إستراتيجية أخرى مثيرة للاهتمام بعد مارس/آذار 2022، ففي أعقاب العقوبات الجديدة المفروضة على روسيا، اقترح بعض الخبراء المحليين اعتماد الدرهم الإماراتي وحدة دفع مستقلة، نظرًا لاستقراره الملحوظ مقابل العملات الاحتياطية العالمية، كما ذكرنا مؤخرًا في تقريرنا نشرته منصة الطاقة المتخصصة.
وتجدر الإشارة إلى أن سعر صرف الدرهم ظلّ دون تغيير لمدة ربع قرن، وكما ذكرنا سابقًا، بدأت المصافي الهندية، التي تهدف إلى التحايل على مخاطر انتهاك العقوبات الغربية، في تسوية جزء من معاملاتها للسلع الروسية باستعمال العملة الإماراتية.
ورغم أن التحول المباشر بعيدًا عن الدولار قد يصبح تحديًا، فإن التحويل المزدوج لهذه العملات قد يعزز جاذبيتها في التجارة الدولية.
العلاقة المالية بين روسيا والغرب
في مقابلة أُجريت معه مؤخرًا، تناول الرئيس التنفيذي لبنك في تي بي الروسي، أندريه كوستين، العلاقة المالية المتطورة بين روسيا والغرب، وهو يعتقد أن "الحصار المالي الكامل" لروسيا من جانب القوى الغربية أمر غير محتمل، مؤكدًا أن روسيا لا ينبغي أن تتخلى عن الدولار واليورو عن طيب خاطر.
وبالمقارنة مع إيران، سلّط كوستين الضوء على أن "الحصار المالي الكامل"، على غرار "النسخة الإيرانية" التي تستثني الدولار إلى حدّ كبير، لن يكون ممكنًا، إلّا إذا أُدرِجَ القطاعان المالي والتصنيعي في قوائم العقوبات.
وتعليقًا على موقف الاتحاد الأوروبي، أشار كوستين إلى وجود مؤشرات على أن الاتحاد الأوروبي لا يفكر في فرض عقوبات جديدة. وتبقي أوروبا هذه النافذة مفتوحة، لأنها مفيدة اقتصاديًا.
بدورهم، يواصل الأوروبيون شراء الغاز المسال والمنتجات النفطية ومنتجات إضافية من روسيا، وعندما سُئل عن الوقف المحتمل لتدفقات الدولار واليورو إلى سوق العملة الروسية، دعم كوستين كلامه بالإحصاءات.
حصة اليوان الصيني
بدءًا من أغسطس/آب 2023، يمتلك اليوان الصيني حصة قياسية تبلغ 44.7% في سوق العملات الروسية المتداولة في البورصة، وعلى العكس من ذلك، انخفض وجود العملات "السامة"، خصوصًا الدولار واليورو، إلى 53.9% (من 54.4% في يوليو/تموز)، استنادًا إلى بيانات بنك روسيا.
وأكد الرئيس التنفيذي لبنك في تي بي الروسي، أندريه كوستين، موقف روسيا، مشيرًا إلى أنه لا ينبغي لروسيا أن تتخلى طوعًا عن الدولار واليورو، إذ لا توجد اعتراضات على التجارة مع الشركات الغربية.
وأشار إلى أنه منذ عام 2022، ارتفعت تسويات الروبل في الصادرات الروسية باستمرار، مع انخفاض تدفّق الدولار واليورو على العكس من ذلك، وتبلغ هذه النسبة حاليًا 42%.
ولفت كوستين الانتباه إلى التأثير المتزايد لليوان في الصادرات الروسية (27%) والواردات (36%)، ما يدلّ على نمو ملحوظ عن أرقام يونيو/حزيران البالغة 25% و34% على التوالي، وسلّط الضوء على الدرهم الإماراتي بوصفه "عملة واعدة" للتسويات التجارية.
وحول رؤيته لأميركا، أشار كوستين إلى أن الدولار ما يزال مؤثرًا، ولا يوجد بديل فوري في الأفق، مشيرًا إلى أنه للتحول من الجنيه إلى الدولار، استغرق العالم 50 عامًا.
في سياق متصل، تستكشف روسيا حاليًا بدائل، لكنها لن تكون عدائية. ونشر كوستين محادثة مثيرة للاهتمام مع نظرائه الإيرانيين، الذين اقترحوا إستراتيجيات للتعامل مع المعاملات بالدولار وسط القيود.
وأكد أن هدف روسيا سيتمثل في عدم البحث عن ثغرات، إذ تهدف إلى إنشاء برنامج دولي شرعي، يقدّم بديلًا للتسويات التي تحصل فيها عرقلة الأساليب الروسية المعتادة.
مشتريات العملات الأجنبية
في المدة من 7 سبتمبر/أيلول إلى 5 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت وزارة المالية في الاتحاد الروسي زيادة في الحجم اليومي لمشتريات العملات الأجنبية، لتصل إلى 13.15 مليار روبل.
ومن المتوقع أن يصل المبلغ التراكمي خلال هذه المدة إلى 276.16 مليار روبل، وتعزى هذه الزيادة إلى توقع إيرادات إضافية من صادرات النفط والغاز الروسية للميزانية الفيدرالية في سبتمبر/أيلول، ومن المتوقع أن تبلغ نحو 279.12 مليار روبل.
يُشار إلى أنه في 7 أغسطس/آب، استأنفت وزارة المالية شراء العملة بموجب قانون الموازنة، وهي المرة الأولى منذ فبراير/شباط من العام السابق، عندما شنت روسيا الحرب على أوكرانيا.
وخلال تلك المدة، تحدَّد حجم الشراء اليومي بما يعادل 1.8 مليار روبل (18.70 مليون دولار)، ليصل إجمالي المدة من 7 أغسطس/آب إلى 6 سبتمبر/أيلول إلى 40.5 مليار روبل (420.78 مليون دولار)، ومع ذلك، من الضروري أن نفهم أن هذه الزيادة في مشتريات العملة لن تؤثر في سعر صرف الروبل في ظل الظروف الحالية.
* (الدولار يعادل 96.25 روبلًا)
ويعود ذلك لأنه بدءًا من 10 أغسطس/آب وحتى نهاية عام 2023، لن يعكس بنك روسيا هذه العمليات في السوق.
وجدير بالذكر أن معظم القيود المستمرة أثرت في الغالب على واردات روسيا، ما أدى إلى انخفاض الطلب على العملات الأجنبية وما تلاه من ارتفاع محتمل للروبل، ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع لا يوازن ارتفاع التكاليف الفعلية للواردات، خصوصًا في ظل محدودية العرض.
من جهتها، تضع أوروبا -حاليًا- إستراتيجية لتقليل اعتمادها على واردات النفط والغاز الروسية، وهذا التحول سيؤدي حتمًا إلى خفض تدفق العملات الأجنبية إلى روسيا، حتى لو وجدت بعض الصادرات أسواقًا بديلة.
من ناحية ثانية، وبمجرد ألا تعتمد الدول الأوروبية على السلع الروسية، فقد تفرض عقوبات مالية أكثر صرامة، وقد يشمل ذلك تجميد الأصول الأجنبية للبنوك والشركات الروسية، وبالتالي خفض المعروض من الدولار واليورو، وخفض قيمة الروبل، والمخاطرة ببدء سحب الودائع المصرفية من العملات الأجنبية.
ونظرًا إلى التصرفات العدائية الصريحة التي اتخذها الغرب ضد أصولها الأجنبية، لم تجد روسيا نفسها أمام خيار سوى تجاوز اليورو والدولار.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المزايا التي تعود على الشركات الروسية من هذا التحول، فضلًا عن تأثيره في إيرادات الموازنة، تظل غامضة، ويُعدّ الوضع المثالي هو الذي يوجد فيه تكافؤ في الميزان التجاري.
وكما يتبيّن من اختلال التوازن التجاري مع الصين والهند، فإن روسيا تواجه التحدي المتمثل في طريقة التعامل مع الإفراط في التداول بالعملات الأجنبية، والمثال مع الهند لافت للنظر، كما ذكرنا سابقًا في تقريرنا على منصة الطاقة.
فقد أدت الإمدادات القياسية من النفط الروسي إلى الهند لوضع أصبح فيه لدى المصدّرين الروس نحو 39 مليار دولار، أي أكثر من 3.5 تريليون روبل (36.36 مليار دولار)، عالقة في البنوك الهندية.
وجدير بالذكر أن بعض هذه العملات، مثل الدرهم الإماراتي، مرتبطة بصفة أساسية بالدولار، ما يجعلها "دولارات بالوكالة" وتلغي القصد من وراء القرار الروسي.
وعلى الرغم من حصته الضئيلة التي تتراوح بين 4 و5% في التجارة العالمية، فإن اليوان يبرز بين عملات الدول الصديقة بسبب وضعه عملة احتياطية عالمية.
وأوضحت كبيرة المحللين لدى مؤسسة فريدوم فايننس غلوبال، ناتاليا ميلتشاكوفا، أنه قد يكون من صالح روسيا أن تتلقى مدفوعات باليوان، يمكن تخزينها لاحقًا في الاحتياطيات لحالات الطوارئ المستقبلية.
رغم ذلك، فإن اليوان ليس مثالًا للاستقرار المالي، وإن عملية تحويل العملات الوطنية عدة مرات -إلى دولارات ثم إلى روبل- عند تسوية الضرائب والرسوم تؤدي إلى تعقيد الأمور بالنسبة إلى كل من الدولة والشركات المحلية.
في الوقت نفسه، يشكّل تقلب الروبل مخاطر كبيرة على الخزانة والصناعة على حد سواء، وقد يؤدي انخفاض قيمة الروبل إلى خسائر مالية كبيرة. على سبيل المثال، فإن بيع النفط في مارس/آذار 2023 بسعر 80 روبلًا لكل دولار، مقارنة بسعر محتمل قدره 90 روبل لكل دولار في ديسمبر/كانون الأول 2023، يوضح هذا الخطر.
ونتيجة للتسويات بالعملات الاحتياطية، توجد مرونة في التحويل بمعدلات مواتية مع مرور الوقت، وهي المرونة التي تُفقد مع المعاملات القائمة على الروبل.
* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- باحث فرنسي: هيمنة الغاز الروسي على أوروبا انتهت بفضل 4 دول عربية
- دعاية السيارات الكهربائية تنتهي بالشرطة.. كواليس رحلة مثيرة لوزيرة الطاقة الأميركية
- أكبر مصدري الغاز المسال في العالم خلال النصف الأول من 2023