هل وصل إنتاج النفط الأميركي إلى ذروته؟ (تحليل)
إدارة معلومات الطاقة تقدّم توقعات متفائلة
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
- إدارة معلومات الطاقة تعزز توقعاتها لإنتاج النفط الأميركي.
- توقعات بارتفاع إنتاج النفط الأميركي لذروة جديدة رغم العقبات.
- إنتاجية الآبار وأسعار النفط المرتفعة تعززان نمو إنتاج النفط الأميركي.
- اختلاف بين خبراء الطاقة حول ذروة إنتاج النفط في أميركا.
رغم تزايد الأقاويل عن صعوبة تجاوز إنتاج النفط الأميركي ذروته المسجلة عام 2019 قبل جائحة كورونا، أو تسجيل رقم قياسي جديد؛ فإن إدارة معلومات الطاقة الأميركية تقدّر وصول الإمدادات إلى مستويات غير مسبوقة وبوتيرة أسرع من المتوقع سابقًا.
نقص الاستثمار في النفط والغاز والانضباط الرأسمالي والتركيز على عوائد المساهمين جميعها عقبات يُنظر إليها على أنها ستكتب نهاية طفرة إنتاج النفط في الولايات المتحدة، لكن ارتفاع الأسعار مؤخرًا وتوقعات الطلب المتزايد قد يكون لهما رأي آخر.
في مارس/آذار 2023، رصدت وحدة أبحاث الطاقة تقريرًا لمؤسسة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس "BloombergNEF" يرى أنه لا توجد أي مؤشرات حالية تدل على انتهاء تباطؤ نمو إنتاج النفط الأميركي على المدى القريب، وهو ما يتفق معه بعض الخبراء.
بينما تحكي أحدث التوقعات الشهرية (أغسطس/آب 2023) لإدارة معلومات الطاقة الأميركية قصة مختلفة؛ إذ من المرجّح أن يصل إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام إلى مستوى 13 مليون برميل يوميًا بحلول شهر مارس/آذار 2024، وهو الرقم القياسي نفسه المسجّل في نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2019.
لن نذهب بعيدًا، قبل شهر واحد فقط، كانت إدارة معلومات الطاقة تتوقع أن إنتاج النفط الأميركي لن يصل إلى مستوى 13 مليون برميل يوميًا سوى بحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024؛ ما يعني أنها قدمت توقعاتها 7 أشهر.
توقعات إنتاج النفط الأميركي
ترى إدارة معلومات الطاقة أن إنتاج النفط الأميركي سيواصل الارتفاع خلال العام المقبل حتى يصل إلى ذروة غير مسبوقة تبلغ 13.36 مليون برميل يوميًا خلال ديسمبر/كانون الأول 2024، ارتفاعًا من التوقعات السابقة البالغة 13.24 مليونًا للشهر نفسه.
على أساس سنوي، من المرجّح أن يصل إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام إلى مستوى قياسي جديد في 2023 و2024، عند 12.76 مليونًا و13.09 مليون برميل يوميًا على التوالي، متجاوزًا ذروته السنوية السابقة المسجّلة عام 2019، عند 12.3 مليون برميل يوميًا.
وأثّرت تداعيات جائحة كورونا في مسار إنتاج النفط الأميركي خلال عامي 2020 و2021، إذ هبط إلى 11.32 مليونًا و11.27 مليون برميل يوميًا على التوالي.
وتعافى إنتاج الولايات المتحدة من النفط إلى 11.91 مليون برميل يوميًا في 2022، مع تقديرات بارتفاعه أكثر من 850 ألف برميل يوميًا إلى 12.76 مليونًا في العام الجاري (2023).
ويوضح الرسم البياني التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، إنتاج النفط الأميركي منذ عام 1990:
دوافع نمو إنتاج النفط الأميركي
أرجعت إدارة معلومات الطاقة توقعاتها المتفائلة لإنتاج النفط الأميركي إلى زيادة إنتاجية الآبار وارتفاع أسعار الخام؛ إذ يُتوقع وصول متوسط السعر الفوري لخام غرب تكساس إلى مستوى 81.48 دولارًا للبرميل خلال 2024، ارتفاعًا من المتوسط المتوقع للعام الجاري عند 77.79 دولارًا للبرميل.
وتتداول أسعار النفط -حاليًا- فوق 84 دولارًا للبرميل للخام الأميركي، وأعلى من 87 دولارًا لخام برنت العالمي، وفق الأرقام، التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
جدير بالذكر أن ارتفاع أسعار النفط -حاليًا- لا يؤثر في توقعات الإنتاج لعام 2024؛ لأن إضافات معدات الحفر والإنتاج تستغرق عدة أشهر للاستجابة إلى التغيّرات في الأسعار.
وفضلًا عن توقعات ارتفاع الأسعار؛ فإن الشركات الأميركية تتجه إلى زيادة الإنتاج، استجابةً لتخفيضات الإمدادات التي ينفذها تحالف أوبك+ بمقدار مليوني برميل يوميًا وستستمر حتى نهاية 2024، بالإضافة إلى الخفض الطوعي الذي أقرّته 9 دول من التحالف، بقيادة السعودية.
هذا بالإضافة إلى الخفض الطوعي الإضافي بمقدار مليون برميل يوميًا، الذي أقرّته السعودية لأول مرة في يوليو/تموز 2023، ومددته إلى سبتمبر/أيلول المقبل، مع احتمال استمراره حال الحاجة إلى ذلك، وهذا هو الدافع الرئيس وراء زيادة توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية للإنتاج المحلي والأسعار خلال العام المقبل، خاصة مع توقعات نمو الطلب على الخام.
وفي مقابل هذا التفاؤل؛ فإن نمو إنتاج النفط الأميركي قد تباطأ؛ إذ حدّت شركات النفط من الإنفاق الرأسمالي لصالح تعزيز العوائد المساهمين، وهو ما يُنظر إليه على أنه تحول كبير في إستراتيجية المستثمرين بعد السعي وراء نمو الإنتاج بأي ثمن على مدى العقد الماضي.
ويرى محلل النفط لدى مؤسسة بلومبرغ نيو إنرجي فايننس، كلاوديو لوبيس، أن تباطؤ نمو الإنتاج الأميركي يرجع إلى 3 أسباب رئيسة؛ انخفاض إنتاجية الآبار، وإستراتيجية الاستثمار المتحفظة، وزيادة تكاليف خدمات حقول النفط، مشيرًا إلى أنه من غير المحتمل أن تتغير هذه العوامل سريعًا، وهذا على النقيض من حديث إدارة معلومات الطاقة عن التفاؤل بشأن إنتاجية الآبار.
هل انتهت طفرة نمو الإنتاج الأميركي؟
رغم الطفرة التي شهدتها توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقرير آفاق الطاقة قصيرة الأجل الشهري؛ فإن الإدارة نفسها تُقدر انخفاض إنتاج النفط الصخري الأميركي، خلال أغسطس/آب 2023، إلى 9.4 مليون برميل يوميًا، من ذروته المسجلة على مدار الأشهر الماضية.
وبذلك يُتوقع أن يكسر إنتاج النفط الصخري في أميركا سلسلة ارتفاعات شهرية مستمرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2022؛ ما يثير التساؤلات حول قرب انتهاء طفرة الإنتاج الأميركي.
وانخفض عدد الآبار المحفورة غير المكتملة في الولايات المتحدة بنهاية يونيو/حزيران 2023 إلى 4 آلاف و804 آبار؛ ما يمثّل تراجعًا حادًا عن الذروة المسجلة خلال الشهر نفسه من 2020 عند 8 آلاف و809 آبار، وهي علامة تهدد نمو إنتاج النفط الأميركي، وفق الأرقام التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
وتشير الآبار المحفورة غير المكتملة (DUCs) إلى آبار النفط والغاز الطبيعي مكتملة الحفر، لكنها لم تخضع بعد لأنشطة استكمال الآبار المختلفة، مثل التكسير المائي المطلوب لبدء الإنتاج.
ويُعَد انخفاض الآبار المحفورة غير المكتملة علامة على أن شركات النفط الأميركية تُركز على إكمال الآبار المحفورة سابقًا، أكثر من حفر آبار جديدة؛ ما يوضّح حذر المنتجين من زيادة النفقات الرأسمالية ويشير إلى احتمال تباطؤ نمو الإنتاج الأميركي مستقبلًا.
والدليل على ذلك أن عدد حفارات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة واصل تراجعه، خلال الأسبوع المنتهي في 4 أغسطس/آب الجاري، للمرة الثامنة على التوالي، عند 525 حفارة، وهو أدنى مستوى منذ مارس/آذار 2022، وأقلّ بنحو 73 حفارة، مقارنة بالمدّة نفسها من 2022؛ ما يشير إلى تباطؤ نشاط حفر الآبار الجديدة.
ورغم ذلك؛ فإن إدارة معلومات الطاقة ترى أن زيادة إنتاجية الآبار تُعوّض الانخفاض في عدد الحفارات النشطة في عام 2023، بل تتوقع زيادة عدد الحفارات الموجهة للنفط خلال 2024، مع التفاؤل بشأن زيادة الأسعار.
ويستعرض الرسم أدناه، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، عدد حفارات النفط الأميركية منذ بداية عام 2019 حتى الأسبوع المنتهي في 4 أغسطس/آب 2023:
ماذا يتوقع الخبراء؟
من جانبه، يرى مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن إنتاج النفط الأميركي مستمر في الارتفاع، مشيرًا إلى أن الذين يتحدثون عن وصول الإنتاج إلى ذروته هم -أيضًا- من يتاجرون أو يستثمرون في هذا النفط، بناء على فكرة أن الأسعار قد ترتفع إلى 100 دولار أو أكثر مستقبلًا.
وفي السياق ذاته، من المتوقع ارتفاع إنتاج النفط في حوض برميان -أكبر حوض نفطي أميركي ويغطي غرب تكساس ونيو مكسيكو- بنسبة 40% من المستويات الحالية إلى ذروته بحلول عام 2030، وفقًا لمسح أجرته وكالة بلومبرغ.
ووفق أحدث تقديرات إدارة معلومات الطاقة؛ بلغ إنتاج النفط في حوض برميان 5.775 مليون برميل يوميًا خلال شهر يوليو/تموز 2023، وفق البيانات التي اطّلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.
وعلى النقيض من ذلك، يرى الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون (Chevron) الأميركية مايك ويرث، أن معدل نمو الإنتاج ونشاط الحفر الذي شهدته صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة قبل عقد من الزمن من غير المرجح أن يتكرر، وفق ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال.
ويتفق معه إلى حد كبير، الرئيس التنفيذي لشركة بايونير ناتشورال ريسورسز (Pioneer Natural Resources)، سكوت شيفيلد، الذي يرى أن إنتاج النفط لن يصل إلى رقم قياسي جديد مرة أخرى، وفق ما نقلته شبكة سي إن بي سي الأميركية، مارس/آذار 2023.
وأضاف شيفيلد: "قد نعود إلى 13 مليون برميل يوميًا، وهو ما يتطابق مع المعدل القياسي المرتفع المسجل في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لكن لن نتجاوزه، بل الوصول إلى هذا المعدل سيكون بطيئًا للغاية، وقد يستغرق عامين ونصف العام إلى 3 سنوات".
موضوعات متعلقة..
- إدارة معلومات الطاقة ترفع توقعات أسعار النفط في 2023 و2024
- إنتاج النفط الأميركي ينخفض 15 ألف برميل يوميًا في مايو
- تباطؤ إنتاج النفط الصخري الأميركي يربك ميزان الصادرات والواردات
اقرأ أيضًا..
- اكتشاف الليثيوم في إيران يغيّر قواعد سلاسل التوريد العالمية (تقرير)
- التغيرات المناخية توقع 59 دولة في أزمة ديون خلال 10 سنوات (تقرير)
- حلم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز في الإمارات يواجه تحديات كبيرة (تقرير)