سوق الغاز في أوروبا.. هل هي جاهزة لتحديات الشتاء المقبل؟ (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- أوروبا تنفق 1.1 تريليون دولار على مصادر الوقود الأحفوري في 2022
- مخزونات الغاز الممتلئة ساعدت على انخفاض الأسعار منذ مطلع 2023
- وكالة الطاقة الدولية تحذّر من عودة الاضطراب إلى سوق الغاز
- موجة الحر الحالية قد تؤثر في حسابات الطلب والعرض خلال الشتاء
تعرّضت سوق الغاز في أوروبا لصدمة حادة خلال العام الماضي (2022)، مع انخفاض حاد في الإمدادات الروسية، واشتعال الأسعار إلى مستويات قياسية غير مألوفة، إلا أن القارة نجحت في المرور بأمان من الأزمة خلال الشتاء المنصرم، وباتت الأنظار تتجه إلى الشتاء المقبل (2023-2024).
ورغم سرعة رد الفعل من جانب الحكومات الأوروبية في توفير البدائل عبر تعزيز استيراد الغاز المسال وزيادة المخزونات إلى حدود آمنة، ما أسهم في مرور الشتاء الماضي دون مشكلات بارزة، فإن مخاطر الشتاء المقبل ما زالت حاضرة لدى بعض الخبراء والمتخصصين، وفقًا لمقال تحليلي منشور على موقع المنتدى الاقتصادي العالمي.
وتؤكد أغلب التقارير الدورية المتابعة لحالة سوق الغاز في أوروبا، على هدوء الاضطرابات التي مرت بها القارة بسرعة أكبر من المخاوف والتوقعات، مع انخفاض أسعار الغاز بصورة حادة تقترب من مستويات ما قبل الحرب منذ مطلع 2023، وحتى الآن.
كما تؤكد التقارير، التي ترصدها وحدة أبحاث الطاقة بصورة دورية، أن القارة وصلت إلى مستويات عالية من مخزونات الغاز تكفي لمرور الشتاء المقبل بسلام -وفقًا للظروف الحالية- وغالبًا ما يجري التركيز على السنوات التالية.
ورغم اطمئنان المراقبين لسوق الغاز في أوروبا إلى حالة المخزونات، فإن وكالة الطاقة الدولية حذّرت في ديسمبر/كانون الأول 2022 من احتمال عودة الاضطراب بسرعة إلى الأسواق مجددًا، حال كان الشتاء أكثر برودة من المعتاد، إلى جانب التوقف الكامل لإمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية إلى أوروبا.
1.1 تريليون دولار تكلفة المرور من الأزمة
دفعت أوروبا الثمن باهظًا عبر زيادة إنفاقها على النفط والغاز والفحم بمقدار تريليون يورو (1.1 تريليون دولار) خلال عام 2022، مقارنة بالعام السابق، بسبب التكلفة العالية للبحث عن مصادر طاقة بديلة للواردات الروسية، وهو ما يعادل ضعف حصة الإنفاق على الطاقة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي.
وبدأت أزمة الطاقة في أوروبا مع الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، في حين شهدت المدة المتبقية من العام سلسلة من العقوبات التي استهدفت تضييق الخناق على صادرات روسيا مع حظر الاستثمار فيها.
كما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حدًا أقصى لتداول النفط الروسي ومشتقاتها في الأسواق العالمية، بهدف ردع موسكو ومنعها من تصعيد الصراع.
وردت روسيا على هذه الإجراءات، بفرض عقوبات أدت إلى اضطراب سوق الغاز في أوروبا والعالم، إذ كانت موسكو توفّر في السابق 40% من احتياجات أوروبا من الغاز، كما حظرت تصدير الخام والمنتجات النفطية إلى الدول التي وضعت سقفًا لأسعار الإمدادات الروسية.
وعندما رفض العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الالتزام بنظام الدفع الجديد الذي فرضته روسيا خلال الربع الثاني من عام 2022، قررت شركة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" قطع جانب كبير من إمداداتها للغاز بصورة تدريجية عبر خط نورد ستريم، الذي تعرّض لهجوم تخريبي مجهول المصدر قطع كل الآمال المتبقية لعودة ضخ الغاز منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2022.
ذروة أسعار الغاز والنفط والفحم
أدت العقوبات الغربية والإجراءات الروسية المضادة مع تخريب خطوط أنابيب نورد ستريم، إلى نقص الإمدادات في سوق الغاز في أوروبا بصورة حادة، ما أسهم في اشتعال أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.
وبلغت أسعار الغاز ذروتها في أغسطس/آب 2022، لتسجل 100 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في حين وصلت أسعار النفط الخام إلى 130 دولارًا للبرميل (تتداول حاليًا فوق 80 دولارًا)، كما بلغت أسعار الفحم ذروتها عند مستوى 441 دولارًا للطن.
ويوضح الرسم التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- حركة أسعار الغاز في العالم منذ 2020 وحتى مارس/آذار 2023:
ولم يقصر قادة أغلب الدول الأوروبية الغنية في تلبية البدائل لمواطنيهم، لكن التكاليف كانت باهظة، ولم يقدر على تحملها كل دول أوروبا، ما اضطر بعضها إلى عودة واسعة للفحم.
وأسهمت هذه التناقضات في إثارة قضايا الإنصاف في مجال الوصول إلى الطاقة، مع تفاوت القدرة على تحمل تكاليفها بين الدول الغنية في الاتحاد والدول الأقل حظًا، وفقًا لتحليل المنتدى الاقتصادي العالمي.
نتائج مبشرة لمبادرة تعزيز المخزونات
يضم تقرير وكالة الطاقة الدولية -صادر في ديسمبر/كانون الأول 2022- سلسلة من الحلول المقترحة لتجنب نقص الغاز في الاتحاد الأوروبي خلال عام 2023، إلى جانب مبادرات مقترحة لتحقيق التوازن بين الاحتياجات قصيرة الأجل ومسار انتقال الطاقة وخفض الانبعاثات على المدى الطويل.
وقدر تقرير الوكالة -اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة- حجم عجز الغاز المحتمل أن يواجهه الاتحاد الأوروبي في عام 2023 بما يقارب 30 مليار متر مكعب.
ونصح التقرير باتخاذ عدة تدابير لازمة لسد الفجوة وتجنب مخاطر النقص، من أبرزها تحسين برامج كفاءة الطاقة، وزيادة نشر مصادر الطاقة المتجددة، ودعم ترشيد الاستهلاك، إلى جانب البحث عن بدائل للغاز الروسي لزيادة إمدادات الغاز إلى القارة.
وتحتاج سوق الغاز في أوروبا خلال الأمد القصير إلى ضمان مخزونات كافية، لتجاوز فصل الشتاء المقبل 2023-2024، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحد من اعتمادها على الغاز الروسي والحفاظ على مستويات الطلب دون ارتفاع أو خفضها قدر المستطاع عبر مبادرات الترشيد التي حقّق بعضها نتائج إيجابية على المستويين الاتحادي والوطني.
وأقرت أوروبا في يونيو/حزيران 2022، قواعد جديدة بشأن الحد الأدنى لتخزين الغاز، ما يلزم الدول الأعضاء بملء مواقع تخزين الغاز بما لا يقل عن 80% من السعة بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تزيد بعد ذلك إلى 90% في الأعوام التالية لضمان الأمن الأوروبي للطاقة.
ويوضح الرسم التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- خريطة مخزونات الغاز في أوروبا بعد حرب أوكرانيا :
ودخلت هذه القواعد حيز التنفيذ بداية من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، مستهدفة تعزيز المخزونات خلال الأشهر التالية لضمان مرور الشتاء التالي بسلام (2023-2024)، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ونجحت مبادرة الحد الأدنى للتخزين في زيادة مستوى مخزونات الغاز على مستوى أوروبا إلى 79% حتى 4 يوليو/تموز 2023، ما يبشّر بوصوله إلى المستوى المطلوب قبل دخول الشتاء المقبل.
ومن المتوقع أن تصل أوروبا إلى مستوى المخزونات المطلوب قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفقًا لتقديرات رابطة غاز إنرفراستراكشر يوروب المتخصصة (Gas Infrastructure Europe).
آلية الشراء الموحد للغاز المسال
أدت وفرة المخزونات بسوق الغاز في أوروبا والوتيرة السريعة لإعادة التعبئة إلى انخفاض أسعار الغاز بصورة حادة خلال النصف الأول من عام 2023، وفقًا لما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
كما أدخل الاتحاد الأوروبي في 25 أبريل/نيسان 2023، آلية الشراء الموحدة، بهدف تنسيق عمليات شراء الغاز الطبيعي المسال بين الدول الأعضاء في مقابل الموردين من خارج الاتحاد.
كما يعمل الاتحاد على تنويع مصادر توليد الكهرباء، عبر التوسع السريع في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، في إطار خطط تستهدف زيادة مرونة نظام الطاقة، وخفض التبعية، وتقليل المخاطر الاقتصادية المترتبة على أسعار الغاز أو مصادر الوقود الأحفوري.
موجة الحر الشديدة تهدد التفاؤل
أسهمت الإجراءات السريعة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي للتخفيف من آثار أزمة سوق الغاز في أوروبا، في انتشار الأمل وزيادة التفاؤل مع اقتراب دخول الشتاء المقبل، إلا أن بعض المحللين ما زالوا حذرين في التقديرات.
ويحذّر بعض الخبراء من تداعيات موجات الحر الشديدة التي تضرب جنوب أوروبا، ما يستلزم ضرورة تركيز الاتحاد على أهدافه طويلة الأمد خلال الأشهر المقبلة، وفقًا لتقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي.
ومرت أوروبا بشتاء معتدل خلال العام الماضي، ما أسهم في انخفاض الاستهلاك نتيجة اعتدال الطلب على التدفئة، إلا أن موجة الحر الحالية زادت من الطلب على التبريد بمستويات قياسية، ما قد يؤثر في زيادة استهلاك الغاز قبل دخول الشتاء.
وينصح المنتدى الاقتصادي الاتحاد الأوروبي بضرورة الحذر والإبقاء على السياسات والتدخلات التي خفّضت الطلب الأوروبي على الطاقة، خشية انفراط الطلب قبل انتهاء الأزمة.
كما دعا إلى ضرورة استغلال أزمة سوق الغاز في أوروبا، من أجل مواصلة السعي نحو بناء أنظمة طاقة أوروبية أكثر تنوعًا ومرونة في التعامل مع الأزمات المستقبلية بالتوازي مع مسار انتقال الطاقة وخفض الانبعاثات.
موضوعات متعلقة..
- إطلاق أكبر سفينة للتزود بالغاز المسال في أوروبا.. تعمل بتقنيات البطاريات
- تباطؤ صادرات الغاز المسال الأميركية يضع أوروبا في ورطة قبل الشتاء
- واردات أوروبا من الغاز المسال تتجاوز خطوط الأنابيب لأول مرة على الإطلاق (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- خريطة الطاقة الشمسية الموزعة عالميًا.. أستراليا تقود وأوروبا والهند في السباق (تقرير)
- قطاع النفط في جنوب السودان يغازل المستثمرين الأجانب
- إيرادات قناة السويس تتجاوز 143.8 مليار دولار في 67 عامًا