انقطاع الكهرباء في بنغلاديش يهدد بكارثة.. الحكومة في ورطة وإجازات بالمدارس
أسماء السعداوي
تبدو الحياة شبه مستحيلة بسبب أزمة انقطاع الكهرباء في بنغلاديش، فالحرارة التي بلغت ذروتها مبكرًا لا ترحم أحدًا من الـ174 مليون نسمة، وإذ ربما لا يدرك المواطن العادي ما يدور في أروقة السياسة وحسابات المال والانتقادات للحكومة العاجزة، لكن ما يفهمه جيدًا هو أن الوضع قد يخرج عن السيطرة عندما يخرج عن صمته.
ومع بدء أشهر الصيف، إذ تزداد ذروة الطلب على الكهرباء، تتزايد عمليات تخفيف الأحمال في ثاني أكبر مصدر للملابس في العالم، تجنبًا للانهيار الكامل للشبكة.
وانقطعت الكهرباء على مدار 114 يومًا خلال الأشهر الـ5 الأولى من هذا العام (2023)، بحسب تحليل أجرته وكالة رويترز، الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
حاليًا، تحتاج البلاد إلى ما يتراوح بين 15 ألفًا و500 ميغاواط و16 ألف ميغاواط من الكهرباء يوميًا، في حين يصل الحد الأقصى للإنتاج بين 13 ألفًا و500 ميغاواط و14 ألف ميغاواط.
معدلات قياسية لانقطاع الكهرباء في بنغلاديش
تستمر عمليات انقطاع الكهرباء غير المعلنة في بعض المناطق إلى 10 و12 ساعة يوميًا، وعادة ما تكون في أواخر الليل والساعات الأولى من الصباح.
وأظهرت البيانات الرسمية أن الطلب على الكهرباء كان أعلى بنسبة تصل إلى 25% خلال الصباح المبكر من يوم الإثنين (5 يونيو/حزيران).
واتسع العجز الإجمالي إلى متوسط 15% خلال الأسبوع الأول من يونيو/حزيران، أي بنحو 3 أضعاف متوسط العجز البالغ 5.2% في مايو/أيار.
ويبلغ حجم الطلب على الكهرباء 16 ألف ميغاواط، في حين تتراوح قدرات التوليد بين 12 ألفًا و13 ألف ميغاواط فقط.
وتجاوز تخفيف الأحمال حاجز 2600 ميغاواط خلال النهار، ويُخشى وصوله إلى 3 آلاف و500 ميغاواط خلال وقت الذروة مساءً، بحسب تقرير نشرته صحيفة "ذا بيزنس ستاندرد" المحلية (tbsnews)، واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وبحسب تقارير، فالوضع أسوأ في الريف، إذ تصل الكهرباء لمدة 3 و5 ساعات فقط، في حين يبقى السكان هناك دون إمدادات لباقي اليوم.
وكشفت بيانات رسمية صادرة عن شركة شبكة الكهرباء في بنغلاديش (بي جي سي بي)، عن أن ذروة تخفيف الأحمال تكون في منتصف الليل عندما يكون المواطنون نيامًا.
المرضى الأكثر تضررًا
تجاوزت أزمة انقطاع الكهرباء في بنغلاديش أمر ارتفاع درجات الحرارة لتهدد حياة المرضى، ومستقبل الطلاب.
فبسبب تخفيف الأحمال، لا يحصل المرضى في معظم المستشفيات الحكومية والخاصة على الحد الأدنى من الرعاية الصحية، وعلى نحو خاص، تتفاقم تلك الأزمة خارج نطاق العاصمة دكا، بحسب تقرير (ذا بيزنس ساتندرد).
أحد مرضى السكر والكلى، يدعى "عسكر علي"، ويزيد عمره على 60 عامًا، ذهب إلى أحد المستشفيات طلبًا للعلاج، وعندما طلب منه الطبيب إجراء تحليليْ بول ودم، ورغم انتظاره لمدة طويلة، لم يجرِ التحاليل بسبب خروج المعمل عن نطاق الخدمة بسبب انقطاع الكهرباء.
وعلى غرار علي، يعاني الكثيرون لمدة طويلة، وبعضهم يعودون دون إجراء الاختبارات.
وفي مجمع طبي قريب من العاصمة، يعاني المرضى نقص المياه بسبب انقطاع الكهرباء في بنغلاديش، كما يواجه آخرون داخل عنابر المستشفى أخطار الناموس وارتفاع الحرارة، وتطور الأمر بدخولهم في مشاحنات مع الأطباء والممرضين.
ويقول المسؤول عن معمل علم الأمراض في مستشفى براهمانباريا الحكومي، بيديوت روي، إن الأجهزة المستعملة في إجراء التحاليل تواجه مشكلة بسبب تخفيف الأحمال المتكرر، ويضطر المرضى إلى الانتظار لوقت طويل.
أزمة تعليمية
على صعيد المدارس، أعلنت الحكومة يوم الأحد (4 يونيو/حزيران)، إغلاق فصول القسم الأساسي في المدارس الثانوية الحكومية والخاصة حتى غد 8 يونيو/حزيران.
كما تواجه المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة المستمرة بالعمل اضطرابات في الأنشطة التعليمية، بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر.
وما زالت المدارس الابتدائية الحكومية مغلقة، في حين تفتح المدارس الثانوية والثانوية العليا أبوابها.
كما قررت جامعة "نورث ساوث" -أكبر جامعة خاصة في بنغلاديش- العودة إلى نظام المحاضرات عن بعد، بسبب تكرار قطع الأحمال وارتفاع درجات الحرارة.
وأغلقت الجامعة أبوابها منذ صباح يوم الإثنين 5 يونيو/حزيران، بحسب التقرير.
وقال بعض الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، إن بعض الأشخاص أصابهم المرض بسبب الحرارة، كما أشار أحد الطلاب إلى أن التهوية الطبيعية غير كافية، وتجعل من العسير الاستمرار داخل الفصول.
وعن توقعات تحسُّن الوضع في المنطقة، يقول المدير العام لشركة نقل الكهرباء هناك، كوثر أمير علي: "يبلغ حجم الطلب على الكهرباء 1300 ميغاواط في شمال دكا وتونغي".
وأضاف: "هناك عجز في الإمدادات بمقدار 306 ميغاواط. وفي ظل هذا الوضع، نحاول إمداد كل المناطق بالكهرباء، وعلينا جدولة عمليات تخفيف الأحمال لكل منطقة".
وأضاف: "لم يصلنا إشعار من وزارة الكهرباء حول مدة استمرار هذا الوضع، لكن الوزير قال إن الوضع سيتحسن في غضون أسبوعين".
رد الحكومة
خرج وزير الكهرباء والطاقة والثروات المعدنية نصر الحميد، اليوم الأربعاء (7 يونيو/حزيران)، لتفسير أسباب استمرار تخفيف الأحمال وزيادة معدلاتها.
وطالب الوزير، عبر حسابه الرسمي في موقع "فيسبوك"، الجميع بترشيد استهلاك الكهرباء، كلٌّ في مكانه، قائلًا: "يعاني شعب بنغلاديش موجة الحر الشديدة.. يتزايد استعمال مكيفات الهواء والمراوح، ويلجأ الناس إلى تلك الأجهزة من أجل الراحة".
وأضاف، أنه جرى توليد 13 ألفًا و635 ميغاواط من الكهرباء حتى 3 يونيو/حزيران، ومع ذلك استمر تخفيف الأحمال".
وقال: "تخيل ما كان سيحدث اليوم، إذا أنتجت البلاد 3 آلاف ميغاواط فقط من الكهرباء كما كان الحال في أثناء تولي حزب بنغلاديش الوطني السلطة"، بحسب التقرير الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتابع: "لقد وفرت حكومة حزب رابطة عوامي الكهرباء لجميع القرى والمدن في البلاد. إنها حكومة الشعب، وتريد الحكومة معالجة الأزمة بالتعاون مع الجميع".
وكان وزير الكهرباء قد توقع يوم الأحد 4 يونيو/حزيران (2023) استمرار انقطاع الكهرباء في بنغلاديش لمدة أسبوعين جديدين.
ونسب الوزير انقطاع التيار إلى ارتفاع معدلات استهلاك الكهرباء، وهو ما نتج عنه نقص في إمدادات الوقود اللازمة لتشغيل المحطات، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
عجز حاد في الإمدادات
تقول بيانات الحكومة، إن نقص الوقود هو السبب الرئيس في نقص الإمدادات لتشغيل محطات الكهرباء في بنغلاديش، بحسب تحليلات رويترز.
وتعتمد 40% من محطات الكهرباء بإجمالي قدرات 7.5 غيغاواط، على الديزل وزيت الوقود، وبسبب عدم توافر تلك الإمدادات توقفت تلك المحطات عن العمل.
كما شهد يوم الإثنين (5 يونيو/حزيران)، إغلاق محطات كهرباء بإجمالي قدرات 11.5 غيغاواط، تعمل نحو الثلثين منها بالفحم، وفقًا للتقرير اليومي لمشغل شبكة الكهرباء الحكومية عبر الإنترنت.
أزمة الغاز
في سياق متصل، يسيطر الغاز على نصيب الأسد في مزيج الكهرباء ببنغلاديش بنسبة 50.84%، يليه زيت الوقود 27.69%.
وتعتمد بنغلاديش على واردات الغاز المسال لتوليد 3 أرباع احتياجاتها من الكهرباء، إلا أن ارتفاع الأسعار في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية، دفع السلطات في يوليو/تموز (2022) إلى تعليق شراء الغاز المسال من السوق الفورية بسبب تقلبات الأسعار.
ثم تراجعت عن القرار في شهر فبراير/شباط من هذا العام (2023).
ويتراوح حجم واردات بنغلاديش حاليًا، بين 300 و400 مليون قدم مكعبة من الغاز المسال يوميًا، بموجب اتفاق مع قطر لمدة 15 عامًا سينتهي في عام 2032، وصفقة استيراد مع سلطنة عُمان لمدة 10 سنوات ستنتهي في عام 2029، بحسب معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي مطلع يونيو/حزيران الجاري، أبرمت بنغلاديش عقدًا جديدًا مع شركة قطر للطاقة لاستيراد 1.8 مليون طن من الغاز المسال سنويًا.
ويستمر العقد بين قطر للطاقة وشركة النفط والغاز البنغلاديشية المملوكة للدولة "بتروبانغلا"، لمدة 15 عامًا، ويبدأ سريانه في عام 2026.
من جانبها، رحبت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد باستيراد الغاز المسال، خلال حضورها إحدى الفعاليات يوم الأحد (4 يونيو/حزيران) في العاصمة دكا: "من الجيد لنا إبرام اتفاقيات مع قطر وعُمان، نعمل على الأمر ذاته مع دول أخرى، لنتمكن من شراء الغاز لتخفيف وطأة المعاناة عن كاهل المواطنين".
أزمة الفحم
ارتفعت حصة الفحم في مزيج الكهرباء في بنغلاديش إلى 14%، خلال الأشهر الـ5 الأولى من العام الحالي (2023)، مقارنة بـ8% فقط خلال العام المنصرم (2022).
في هذا السياق، أغلقت محطة بايرا بقدرة إنتاج 1320 ميغاواط من الكهرباء، والتي تزود العاصمة دكا بالكهرباء أبوابها تمامًا يوم الإثنين (5 يونيو/حزيران)، بسبب نقص إمدادات الفحم.
ومن المتوقع أن يتسبّب إغلاق المحطة الرئيسة لتوليد الكهرباء باستعمال بالفحم، في زيادة معدلات خفض الأحمال بجنوب البلاد والعاصمة دكا.
تلك هي المرة الأولى التي تغلق فيها محطة بايرا أبوابها بالكامل منذ دخولها حيز الخدمة قبل 3 أعوام، بحسب تقرير "ذا بيزنس ستاندرد"، الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتضم محطة بايرا وحدتين لتوليد الكهرباء توفران 1200 ميغاواط من الكهرباء يوميًا، وأغلقت الوحدة الأولى أبوابها بسبب نقص الفحم في 25 مايو/أيار 2023؛ بسبب نقص الفحم.
ويتطلّب لتشغيل محطة بايرا نحو 10 آلاف إلى 12 ألف طن من الفحم للعمل بكامل طاقتها، وتستورد شركة الكهرباء البنغلاديشية الصينية المالكة للمحطة، الفحم من إندونيسيا.
من جانبه، أعرب وزير الكهرباء نصر الحميد عن أمله في استئناف عمل المحطة، وقال: "أحرزنا تقدمًا كبيرًا في استيراد الفحم. ونأمل أن تستأنف محطة بايرا عمليات تشغيلها بدءًا من 25 يونيو/حزيران".
أزمة الدولار
بسبب أزمة توفير الدولار، اضطرت السلطات إلى استيراد الفحم بالدين الذي بلغ 390 مليون دولار بنهاية أبريل/نيسان.
وتأخرت بنغلاديش عن سداد مستحقات الفحم الإندونيسية، ورفضت بالي تقديم المزيد من الإمدادات، ما تسبب في إغلاق محطة بايرا التي تضيف إلى الشبكة الوطنية 1200 ميغاواط.
يُشار إلى أن العملة المحلية (تاكا) خسرت سُدس قيمتها خلال الـ12 شهرًا المنتهية في مايو/أيار المنقضي، كما تراجعت احتياطيات الدولار بمقدار الثلث لتصل إلى أدنى مستوى لها في 7 سنوات خلال شهر أبريل/نيسان (2023).
استيراد الفحم من عُمان
في سياق متصل، نفى وزير الكهرباء نصر الحميد أنباء بشأن استيراد بنغلاديش للفحم من سلطنة عمان.
وفي تدوينة على موقع "تويتر"، قال الحميد، إن الفحم المستعمل لتشغيل محطة بايرا سيأتي من إندونيسيا.
وأضاف أنه من المقرر أن تصل شحنة من الفحم للمحطة يوم 24 يونيو/حزيران، لتوفر دعمًا تشتد الحاجة إليه، في ظل أزمة الكهرباء الحالية.
غضب في البرلمان
أعرب أعضاء البرلمان المنتمون إلى أحزاب المعارضة، عن قلقهم بشأن احتمالات اندلاع شرارة غضب شعبي جراء انقطاع الكهرباء في بنغلاديش.
من جانبه، اكتفى وزير الكهرباء نصر الحميد بالتعبير عن أسفه، مطالبًا الجميع بالتحلي بالصبر لمدة أسبوعين مقبلين.
وتدور مناقشات داخل البرلمان حول اقتراح بخفض حصة وزارة الكهرباء والطاقة والموارد المعدنية في الموازنة التكميلية للسنة المالية الحالية 2022-2023.
ويطالب وزير الكهرباء بتخصيص 32.46 كرور تاكا، خلال العام المالي الجاري، إلا أن طلبه قُوبل باعتراضات واسعة، كما طالب 10 برلمانيين بتخفيض حصة الوزارة بالموازنة، بحسب تقرير ذا بيزنس ستاندرد.
(الكرور= 10 ملايين تاكا، والدولار = 0.0093 تاكا)
وتساءل عضو البرلمان عن حزب جاتيا المحافظ، فخر الإمام، عن سبب الفارق الواسع بين الطلب على الكهرباء البالغ 14 ألف ميغاواط، والقدرة المركبة البالغة 26 ألف ميغاواط، في حين يبلغ الإنتاج الحالي 7 آلاف ميغاواط فقط.
وقال عضو آخر في البرلمان عن حزب جاتيا، شميم حيدر باتواري، إنه يجري تخفيف الأحمال بنحو 1500 ميغاواط، عازيًا توقف محطة بايرا لعدم سداد الوزارة للمستحقات.
كما أعرب البرلماني روشان أرا مانان عن مخاوفه بشأن أمن الطاقة في بلاده، وأكد آخر العواقب الوخيمة لنقص إمدادات الكهرباء على مسيرة تقدم البلاد وإنتاج الزراعة والتنمية الشاملة في بنغلاديش.
وردًا على ذلك، قال نصر الحميد إن الأزمة سببها تفشي وباء كورونا (كوفيد-19)، وما تلاها من ارتفاع لأسعار السلع.
وأشار إلى أن شح الوقود بسبب التحديات العالمية هو ما يعوق تشغيل المحطات، مؤكدًا جهود الحكومة لتوفير الكهرباء بلا انقطاع رغم التحديات.
موضوعات متعلقة..
- انقطاع الكهرباء في بنغلاديش لمدة أسبوعين
- انقطاع الكهرباء في بنغلاديش يتفاقم.. ومخاوف من إعصار موكا
- بعد انقطاع الكهرباء.. 80% من سكان بنغلاديش يعيشون في الظلام
اقرأ أيضًا..
- تطورات حصص إنتاج النفط لدول أوبك+ منذ جائحة فيروس كورونا (تقرير)
- شركة بريطانية ترفع سعر بيع الغاز المغربي.. ما القصة؟
- أمين عام أوابك يتحدث لـ"الطاقة" عن قرارات أوبك+ وهل تصل أسعار النفط إلى 100 دولار؟ (حوار)