خط أنابيب غاز شرق المتوسط مهدد بالتوقف.. وخبيران لـ"الطاقة": في صالح مصر
هبة مصطفى
اكتسب مشروع إنشاء خط أنابيب غاز شرق المتوسط زخمًا واسعًا، إذ تمتد جذور المباحثات حوله لما يقرب من 10 سنوات، لكن يبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا والطلب الأوروبي المتسارع دفعا نحو تغيير مساره.
وتعوّل بعض دول القارة على إمدادات مشروع الخط لتعويض غياب الغاز الروسي، إلى حدّ بحث الاتحاد الأوروبي إمكان المشاركة في تمويله، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
وفجّر مسؤول قبرصي مفاجأة من العيار الثقيل بتلميحه إلى احتمال توقّف المشروع لأسباب "محلية" ترجع إلى محاولة خفض أسعار الكهرباء عبر تقليص فاتورة واردات الغاز، غير أنه طرح بديلًا يسمح لبلاده بتصدير الإمدادات للدول الأوروبية والآسيوية أيضًا، وفق ما نشرته رويترز (الثلاثاء 16 مايو/أيّار 2023).
ويبدو أن التلويح بتجميد المشروع يأتي في صالح مصر، إذ طالما شكّل خطرًا على صادراتها من الغاز المسال، بافتقارها لحصّة الغاز الإسرائيلي في أعقاب توجيه التدفقات إلى خط "إيست ميد".
تجميد وبدائل
قلّل وزير الطاقة القبرصي "جورج باباناستاسيو" من احتمال مواصلة مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط، مشيرًا إلى أن محادثات بلاده مع إسرائيل حول تطورات إنشاء الخط جارية.
وبصورة رئيسة، يربط الخط بين حقول الغاز البحرية في (قبرص، اليونان، إسرائيل) وشبكة الغاز الأوروبية، في حين تؤدي إيطاليا دور الوسيط لنقل الإمدادات وتوزيعها طبقًا لخطط المشروع السابقة.
وقال باباناستاسيو، إنه يمكن إنشاء "ممر شحن" من أحد المراكز في قبرص لنقل تدفقات الغاز المسال، بدلًا من إنشاء خط أنابيب غاز شرق المتوسط "إيست ميد".
وحدد الوزير مسار الممر المقترح بأنه سيكون رابطًا بين إسرائيل وأوروبا عبر قبرص، دون الحديث عن دور اليونان، أو إيطاليا التي كان مقررًا أن تؤدي دور الوسيط لنقل الإمدادات إلى القارة العجوز.
وأضاف أن الممر لن يربط قبرص بالأسواق الأوروبية فقط، بل قد يسمح لها بالتوسع في صادرات الغاز المسال للأسواق الآسيوية أيضًا وغيرها.
جدوى اقتصادية غائبة
يرى أستاذ الهندسة والطاقة الخبير النفطي المصري، الدكتور رمضان أبو العلا، أن مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط كان منذ طرحه قبل سنوات "فكرة غير قابلة للتنفيذ".
وأرجع أبو العلا -في تصريحات خاصة لمنصة الطاقة المتخصصة- ذلك إلى صعوبة تنفيذ الخط، نظرًا لأعماق الشاسعة الممتدة بين قبرص وإسرائيل، وكذلك افتقار المشروع لمحطة إسالة الغاز، ما يعكس عدم وجود جدوى اقتصادية من ورائه.
وقال: "إن إنشاء محطة إسالة للغاز في قبرص قد يكلّف ما يُقدَّر بنحو 14 مليار دولار، ويستغرق بناؤها من 4 إلى 6 سنوات، لنصل حينها إلى مرحلة تتناقص فيها الموارد وتبرز الأهداف المناخية ومشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة بصورة تقلّل من جدوى المحطة والاستثمار الضخم".
وذهب أبو العلا إلى سيناريو يشير إلى أن مشروع خط أنابيب شرق المتوسط يعدّ "قرارًا سياسيًا بامتياز" للضغط على مصر، التي تستقبل واردات الغاز الإسرائيلي عبر خطوط الأنابيب لتُسيلَه في محطتي "إدكو ودمياط" تمهيدًا لنقله إلى أوروبا عبر الناقلات.
وأضاف أنه بخلاف تأثير الخط في صادرات الغاز المسال المصرية، كادت مصر تفقد "رسوم المرور" أيضًا، إذا ما غيرت شحنات الغاز الإسرائيلية والقبرصية مسارها إلى أوروبا مباشرة.
هل تنسحب قبرص؟
أوضح وزير الطاقة القبرصي جورج باباناستاسيو أن احتمالات مواصلة مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط المنخفضة ترجع إلى أسباب محلية.
وأشار باباناستاسيو -الذي تولّى منصبه العام الجاري 2023، عقب انتخاب الإدارة الجديدة في فبراير/شباط- إلى أن خطط قطاع الطاقة الجديدة للبلاد تستهدف الحصول على إمدادات الغاز من المنطقة، بهدف خفض تكلفة إنتاج الكهرباء.
وقال، إن بلاده تبحث عن مسارات لاستيراد الغاز دون استغراق المزيد من الوقت انتظارًا لإنشاء مشروعات محلية، موضحًا أن إنشاء محطة للإسالة في قبرص قد يمتد إلى عامين ونصف، في حين إن بناء خط أنابيب يربط بلاده بإسرائيل يستغرق 18 شهرًا فقط.
وكانت المشاورات حول إنشاء خط أنابيب غاز شرق المتوسط -الممتد بطول ألفي كيلومتر- ونقله الإمدادات إلى أوروبا، قد بدأت منذ ما يقرب من 10 سنوات، مع طرح دعم الاتحاد الأوروبي ماليًا له بصورة جزئية.
وبين الحين والآخر كان المشروع يواجه العثرات والتحديات، إذ سحبت أميركا دعمها للخط لحسابات التكلفة العالية ومدة البناء الطويلة، حسبما أعلنت مطلع العام الماضي (2022).
ماذا يعني الخط لمصر؟
رغم حجم مكاسب خط أنابيب غاز شرق المتوسط لكل من: (قبرص، إسرائيل، اليونان، إيطاليا، وأوروبا)، فإن إنشاءه شكّل خطرًا على تطلّعات مصر لزيادة صادرات الغاز المسال إلى أوروبا.
وسبق أن وُصِف الخط بـ"السبيل الأمثل" لنقل تدفقات الغاز عبر ربط الدول المذكورة، لكن التحديات السياسية والمالية والرغبة المُلحّة في تلبية الطلب الأوروبي بصورة سريعة تجعل بناءه الذي قد يستغرق سنوات عدّة أمرًا غير مرحَّب به.
ورجَّح محللون أن صادرات الغاز المسال المصرية قد تكون أكثر قابلية ومرونة مقارنة بالخط، لا سيما أنها تملك سعة تلائم ذلك، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.
ومن جانب آخر، يُصدَّر الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عقب إسالته في مصر بمحطتي دمياط وإدكو بقدرات إنتاجية تفوق 12 مليون طن سنويًا، إذ تعدّ القاهرة الدولة الوحيدة بمنطقة شرق المتوسط المالكة لمحطة إسالة.
وبالنظر إلى دور مصر في إسالة الغاز الإسرائيلي، بات مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط مصدر خطر على اقتصاد القاهرة، لا سيما أن محطات الإسالة المصرية تعتمد بصورة كبيرة على واردات الغاز الإسرائيلي وإمدادات حقول شرق المتوسط.
غاز شرق المتوسط
وصف الخبير النفطي المصري، النائب الأسبق لرئيس الهيئة المصرية للبترول، الدكتور صلاح حافظ، الأنباء التي أثارها وزير الطاقة القبرصي حول احتمال توقّف مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط بأنها "خطوة في صالح مصر".
وفسّر وجهة نظره بأن الصادرات المصرية مرتبطة بسعة الغاز المسال المتاحة، والتي كانت معرّضة بقوة للتأثر باقتطاع حصة واردات الغاز الإسرائيلي منها.
وقال حافظ -في تصريحات خاصة لمنصة الطاقة المتخصصة-، إن إتمام مشروع خط غاز شرق المتوسط كان سيُكلّف قبرص مبالغ إضافية، إذ كان يتعين عليها وشركائها في المشروع إنشاء محطة لإسالة الغاز الإسرائيلي قبل نقله إلى أوروبا.
وبجانب ذلك، أوضح نائب رئيس الهيئة المصرية للبترول سابقًا أن اكتمال خط "إيست ميد" كان يُضيف المزيد من الضغوط على صادرات الغاز المصرية التي تدرّ عوائد ومكاسب على اقتصاد القاهرة، موضحًا أن عائدات تصدير الغاز المسال تفوق "رسوم حق المرور" لشحنات الغاز أو تكلفة الإسالة.
وفسّر الدكتور صلاح حافظ إقدام قبرص على طرح بديل للخط بأنه محاولة منها ومن إسرائيل لتجنُّب تكلفة بناء خط أنابيب غاز شرق المتوسط وإنشاء مرافق إسالة، وطرح إمكان تقسيم إسرائيل صادراتها من الغاز بين مصر (لإسالته) وقبرص (ليصدَّر بصورة غاز مضغوط بخطوط الأنابيب).
انخفاض الصادرات
تخوَّف محللون من وقوف خط أنابيب غاز شرق المتوسط "إيست ميد" وراء حرمان مصر من عائدات ضخمة تُقدَّر بمليارات الدولارات، خاصة مع سعي شركة "إديسون" الإيطالية -التابعة لشركة إي دي إف الفرنسية- إلى بدء تنفيذ المشروع، واتخاذ قرار الاستثمار النهائي بحلول نهاية العام الجاري 2023.
وتوقعت الشركة إتمام أعمال بناء الخط وجاهزيته للتشغيل بحلول عام 2027، لنقل 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا، وتزويد أوروبا بإمدادات بديلة عن الغاز الروسي، بحسب ما أعلنته في مارس/آذار الماضي.
ويرصد الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز الجهات التي استقبلت صادرات الغاز المسال المصرية، في الربع الأول من 2023:
وكان حجم إنتاج الغاز الإسرائيلي وحصة تغذية الخط مثار اهتمام للقاهرة، إذ كان يُخطط لتزويد الخط بالإمدادات عبر الحقول الإسرائيلية المنتجة والخاضعة للتطوير، ومن ضمنها حقول: (ليفياثان، تمار، تنين، كاريش).
وتُصدّر إسرائيل ثلث إنتاجها من الغاز -البالغ 28 مليار متر مكعب سنويًا- إلى مصر والأردن، وهناك مخاوف من تحويل مسار هذه الإمدادات إلى الخط، ما يُشير إلى أن خط ميد إيست قد يؤثّر في حصة مصر من الغاز الإسرائيلي الذي يخضع للإسالة في محطات القاهرة.
ومن جانب آخر، يدفع اكتفاء أوروبا من إمدادات الغاز عبر مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط المرتقب إلى خفضها واردات الغاز المسال من مصر.
اقرأ أيضًا..
- قطر للطاقة تسلم شحنة غاز مسال غير مسبوقة.. تحمل شهادة انبعاثات
- النفط الروسي يضع الهند في ورطة.. وأوروبا تلوح بالعقوبات
- عودة إيران لاحتجاز ناقلات النفط تُنذر بكارثة.. ولواء أميركي سابق يهدد بالقواعد العسكرية