تقارير الطاقة النوويةرئيسيةطاقة نووية

الطاقة النووية في أميركا تنتعش بدعم إضافي من محطة فوغتل

أسماء السعداوي

من المتوقع أن تُسهم الطاقة النووية في أميركا بدور مهم في تزويد شبكة الكهرباء بالطاقة النظيفة وتعزيز أمن الطاقة، ضمن مساعي الولايات المتحدة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

وفي هذا الصدد، تحمل محطة فوغتل النووية، بولاية جورجيا، جنوب شرق الولايات المتحدة أهمية بالغة؛ إذ من المقرر أن تصبح أكبر محطة لتوليد الكهرباء في أميركا قريبًا، إذ بإمكانها إنارة مليون منزل ومشروع تجاري، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.

وتضم المحطة مفاعلين نوويين من طراز "إيه بي 1000" بسعة 1.1 غيغاواط لكل منهما، ويعملان منذ ثمانينيات القرن الماضي، كما تتضمن وحدتين بسعة إجمالية 2.2 غيغاواط.

وتفصيليًا، تُنتج الوحدة 3 الكهرباء حاليًا، ومازالت الوحدة 4 قيد الاختبارات النهائية، وتعدّان أول مفاعلات نووية جديدة تُبنى منذ أكثر من 30 عامًا في أميركا، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

محطة فوغتل النووية

أُعلن، في مطلع شهر مايو/أيار الجاري 2023، انتهاء اختبار الأداء الحراري للوحدة الرابعة، والذي بدأ في 4 مارس/آذار المنصرم، إذ يؤكد الاختبار أن المفاعل جاهز لتحميل الوقود النووي، وهي خطوة كبيرة نحو التشغيل لأغراض تجارية.

وفي الاختبار، تخضع أنظمة المفاعل لضغط تشغيلي ودرجة حرارة طبيعيين، دون إدخال الوقود النووي في المفاعل، للتأكد من أن أنظمة التشغيل ستعمل على أساس متكامل كما هو مقرّر.

مفاعلات نووية بجوار العلم الأميركي في الولايات المتحدة
مفاعلات نووية بجوار العلم الأميركي - الصورة من (Vox)

ومن المتوقع دخول المفاعل الرابع حيز الخدمة بنهاية هذا العام أو مطلع العام المقبل (2024)، بحسب تقرير لموقع "وورلد نيوكلير نيوز (world-nuclear-news).

وواجه المشروع الأبرز بقطاع الطاقة النووية في أميركا عدّة تحدّيات، أبرزها: تجاوز الميزانية المقررة بأكثر من 16 مليار دولار، بالإضافة إلى تأخّره 7 سنوات عن الجداول الزمنية للتسليم.

غير أنه من المتوقع الانتهاء منه قريبًا ودخوله حيز التشغيل، وفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وجاءت إقامة مشروع "فوغتل" النووي في الوقت الذي أدار العالم ظهره للطاقة النووية، في أعقاب الحوادث النووية بجزيرة الـ3 أميال بالولايات المتحدة عام 1979، وتشيرنوبل الأوكرانية في أبريل/نيسان 1986.

ومؤخرًا، واجه العالم ويلات الحوادث النووية في جزيرة فوكوشيما النووية في اليابان في مارس/آذار 2011، وهو ما دفع ألمانيا -أكبر اقتصاد أوروبي- إلى غلق آخر 3 محطات نووية في أبريل/نيسان 2013، بعد احتجاجات شعبية بدأت في سبعينيات القرن الماضي، خوفًا من تكرار سيناريو الحوادث النووية.

وكانت محطة فوغتل قيد الإنشاء عندما أُغلق 11 مفاعلًا نوويًا في أميركا، وحاليًا يواجه القطاع النووي منافسة شرسة من الغاز الطبيعي الرخيص وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.

آفاق واعدة رغم التحديات

كانت الغالبية العظمى من الأميركيين مؤمنة -وقت بناء محطة فوغتل- بأن المحطة ستكون آخر مشروع نووي أميركي ضخم، لكن الأمور تغيّرت الآن، وفق بلومبرغ.

وشهد العام الماضي (2022) تحولًا في النظرة العالمية إلى الطاقة النووية، متخليًا عن مخاوف السلامة المرتبطة بالمحطات، ومدفوعًا بالحاجة الماسّة لتأمين إمدادات الكهرباء بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة.

كما أسهمت جهود مكافحة تغير المناخ في رفع قيمة الطاقة النووية النظيفة، وإعادة تقييم مخاطرها مقارنة بالوقود الأحفوري التقليدي الملوث للبيئة؛ إذ تعهدت أكثر من 70 دولة حديثًا بتحقيق هدف الحياد الكربوني وتقليل الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.

يقول مدير إدارة برامج القروض في وزارة الطاقة الأميركية، جيجار شاه: "نحن أمام مدة تقدّم فرصة للصحوة النووية".

وثمة خطط داخل الصناعة للعودة لدراسة بناء محطات نووية جديدة، وذلك رغم الاعتقاد السائد في السابق بأنها غير مُجدية بسبب تكاليفها الباهظة واستغراقها الكثير من الوقت.

ورغم أنه لا تخطط أيّ شركة أميركية حاليًا لبناء مشروع يضاهي محطة فوغتل، يؤكد الخبراء أن الأمر ربما يتغير في المستقبل.

وفي هذا السياق، توقّع معهد بريكثرو للأبحاث في كاليفورنيا بناء 5 مفاعلات بحجم محطة فوغتل خلال الـ35 عامًا المقبلة.

وعلى الخطى الأميركية، هناك اهتمام عالمي كبير بإقامة مشروعات نووية ضخمة، كان منها اختيار شركة ويستنغهاوس إلكتريك الأميركية في أكتوبر/تشرين الأول 2022، لبناء 6 مفاعلات نووية بسعة تصل إلى 9 غيغاواط بقيمة أكثر من 40 مليار دولار أميركي.

كما سارت بلغاريا وأوكرانيا ورومانيا على الطريق نفسه، سعيًا إلى الاستغناء عن الإمدادات الروسية وتقليل الاعتماد المُفرط على واردات موسكو النفطية، بحسب التقرير الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

ويوضح الإنفوغرافيك التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، توقعات الطاقة المتجددة في أميركا بحلول عام 2050:

الطاقة النووية في أميركا

 

 

 

 

 

 

 

 

اتجاه نحو المفاعلات الأصغر

تتسارع الجهود حاليًا لتطوير جيل جديد من المفاعلات النووية التي تتميز بصغر الحجم، بحيث يمكن إنتاجها بالمصانع وتجميعها في مواقع العمل، ولذلك تعمل عشرات الشركات لبناء أنظمة أسرع وأرخص ثمنًا.

وبالنظر إلى أن سعة المفاعل الواحد في محطة فوغتل تبلغ 1.1 غيغاواط، فالتصميمات الجديدة قد تتراوح بين 1 إلى 300 ميغاواط فقط، وهو ما يمنح المطورين مزيدًا من المرونة، فليست كل المشروعات تتطلب إنتاج 1 غيغاواط من الكهرباء.

يأتي ذلك بالتزامن مع الاستجابة لحلّ مشكلات التكلفة التي تمثّل التحدي الأكبر أمام بناء مفاعلات ضخمة جديدة، ومن المأمول أيضًا أن تؤدي تلك التطورات إلى تطبيقات جديدة للطاقة النووية في مواقع الصناعة والمناطق النائية.

في سياق متصل، أعلنت شركة الطاقة النووية المحدودة الأميركية "ويستنغهاوس" في مايو/أيار الجاري، تطوير نسخة مصغرة من المفاعلات النووية "إيه بي 1000" سعة 300 ميغاواط.

وبحسب الشركة، فإن الخطوة تستهدف تلبية الحاجة إلى وحدات أصغر حجمًا لتوريد الكهرباء، وإتاحة استعمالات غير متعلقة بالكهرباء، مثل إنتاج الهيدروجين، حسب منصة "إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس".

ومن المقرر أن يعمل المفاعل الجديد بالماء المضغوط، وسيستعمل المكونات المستعملة في نسخته الأكبر حجمًا "إيه بي 1000"، من أجل تجنّب التأخيرات في التراخيص والبناء.

إلّا أن الطريق ما زال طويلًا أمام ربط المفاعلات النووية الأصغر حجمًا بشبكة الكهرباء، ومن غير المحتمل أن تدخل نطاق الخدمة قبل نهاية العقد الجاري، بحسب التقرير الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

توقعات متفائلة للمشروع

يقول مدير الابتكار في الطاقة النووية بمعهد بريكثرو غير الربحي، آدم ستين: "نحتاج لكمية ضخمة من الكهرباء خالية أو منخفضة الكربون، لكن يتعين علينا التفكير بشأن المكان الذي نحتاجها فيه".

وتعليقًا على قرب الانتهاء من محطة فوغتل النووية، يقول الرئيس التنفيذي الجديد لشركة سوثرن التابع لها المشروع، كريس وماك، إن ذلك دليل واضح على أن المشروع: "قابل للتنفيذ ومهم ومُجدٍ وضروري".

وأضاف: "واجهنا بعض التحديات وبعض المشكلات المتعلقة بسلاسل التوريد.. مع المضي قدمًا والتركيز على التخلص من الكربون، ستكون الطاقة النووية في أميركا جزءًا من مزيج الطاقة".

كما تقول المديرة التنفيذية لمجموعة جود إنرجي للأبحاث، جيسيكا لوفرينغ : "ثمة مزيد من التقدير للطاقة النووية، ثمة الكثير من الإثارة وهذا أقلّ أهمية بكثير من السؤال: هل نحتاج لذلك؟".

إمكانات الطاقة النووية في أميركا

تمتلك الولايات المتحدة 93 مفاعلًا، تسهم بنحو 20% في شبكة الكهرباء، ونصف إنتاج الكهرباء الخالية من الكربون، بحسب تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز في يناير/كانون الثاني من هذا العام (2023).

وأشاد كثيرون بـ"نقطة التحول" في الطاقة النووية في أميركا خلال العام المنصرم (2022)، إذ شهد دعمًا حكوميًا غير مسبوق وزيادة باستثمارات القطاع الخاص.

فمن المحتمل أن يستقبل القطاع 40 مليار دولار أميركي خلال السنوات الـ10 المقبلة، كما تُشير تقديرات لإضافة مستثمرين من القطاع الخاص نحو 5 مليارات دولار لصالح شركات تصمم نماذج جديدة من المفاعلات النووية.

ويقول المحلل في شركة الأبحاث ثيرد واي، ريان نورمان: "إنها بيئة عظيمة للمستثمرين في كل من القطاعين العام والخاص"، مضيفًا أن هناك اعترافًا من الحكومة الفيدرالية بأن تكنولوجيا الطاقة النووية تؤدي دورًا رئيسًا في مستقبل الطاقة الأميركي.

ولفت تقرير الصحيفة إلى أن الطاقة النووية تتميز بموثوقية أعلى من مصادر الطاقة المتجددة الأخرى مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية؛ إذ يمكنها توليد الكهرباء الخالية من الكربون على مدار 24 ساعة يوميًا، بغضّ النظر عن حالة الطقس.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق