تقارير الطاقة النوويةرئيسيةسلايدر الرئيسيةطاقة نووية

الطاقة النووية في ألمانيا تُشعل انقسامًا عميقًا بعد غلق المفاعلات الـ3

محمد عبد السند

أبت الطاقة النووية في ألمانيا -التي اعتمدت عليها البلاد في توليد الكهرباء طيلة 6 عقود كاملة- أن تولي دون أن تُثير خلافًا سياسيًا حادًا، فيما يفتح الاقتصاد الأكبر في عموم أوروبا فصلًا جديدًا في مسلسل الطاقة.

وتأجل إغلاق المحطات النووية الـ3 -إيسار 2 وإمسلاند ونيكارفيستهايم 2- في البلد الكائن وسط أوروبا لعدة أشهر، بسبب أزمة الطاقة التي أشعلت فتيلها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي اندلعت شرارتها الأولى في 24 فبراير/شباط (2022).

وفي هذا السياق، أثار قرار ألمانيا غلق المحطات المذكورة، يوم السبت 15 أبريل/نيسان (2023)، انقسامًا سياسيًا عميقًا بين مؤيد للقرار المثير للجدل، ومعارض له، حسبما ذكر موقع "دويتشه فيله" الألماني.

مُعضلة الطاقة

بينما ينظر مناهضو الأسلحة النووية إلى الخطوة على أنها انتصار يكلل جهودهم التي دامت لسنوات طويلة لتحقيق هذا الهدف، يرى آخرون أن إنهاء حقبة الطاقة النووية في ألمانيا سيُوقع الأخيرة في مُعضلة طاقة عميقة، بالنظر إلى أن برلين ستضطر إلى زيادة استعمالها للوقود الأحفوري، وما يمثل ذلك من تداعيات خطيرة على البيئة والمناخ، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وقبيل ساعات من غلق المحطات الـ3 التي كانت بمثابة إيذان بإسدال الستار نهائيًا على الطاقة النووية في ألمانيا، أشاد العديد من نواب البرلمان اليساريين ونشطاء البيئة بالخطوة التي يرونها متأخرة جدًا، بينما حذر السياسيون المحافظون من مغبة المخاطر المُحدقة بأمن الطاقة في البلاد جراء التطورات الأخيرة.

انقسام حاد

قالت رئيسة مجموعة الخُضر البرلمانية الصديقة للمناخ ريكاردا لانغ، في تغريدة كتبتها على حسابها الشخصي بموقع "تويتر"، إن نهاية الطاقة النووية في ألمانيا "تعني ضمنيًا الدخول الحتمي لعصر الطاقات المتجددة"، وهو ما ستتركه الأجيال الحالية إلى الأجيال القادمة.

وغرد حزب الخضر الذي تنتمي إليه لانغ -أيضًا- بأن ألمانيا تُنتج نحو نصف الكهرباء لديها من مصادر متجددة، مضيفًا: "نأمل في أن نرفع هذا المعدل إلى 80% بحلول عام 2030".

ويرى حزب الخُضر أن مصادر الطاقة المتجددة ميسورة التكلفة "ستؤمن إمدادات الطاقة، وتحمي المناخ، وتجعل ألمانيا مستقلة عن المستبدين، وتضع الأساس لاقتصاد قوي ووظائف جيدة".

في حين ودّعت المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاجتماعي -الذي ينتمي إليه المستشار الألماني أولاف شولتس- الطاقة النووية في تغريدة بموقع تويتر، وكتبت: "وداعًا للطاقة النووية! وداعًا سياسة الطاقة غير النظيفة، وغير الآمنة، وغير الاقتصادية!".

وعلى الجانب الآخر، أعرب الحزب الديمقراطي الحر، الذي يتحالف مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخُضر، عن عدم سعادته من انتهاء حقبة الطاقة النووية في ألمانيا.

وكتب رئيس الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر، على تويتر: "رغم أن المستقبل يكمن في الطاقة المتجددة، يتعيّن علينا أن نؤمّن إمداداتنا حتى تكون لدينا سعة كافية".

وأوضح ليندنر، الذي يشغّل -أيضًا- منصب وزير المالية الألماني، أنه "إذا كان الأمر متروكًا له، لكانت ألمانيا قد أبقت على آخر محطات نووية لديها".

يوم أسود

أبدى السياسيون المحافظون المعارضون -أيضًا- استياءهم الشديد من قرار غلق آخر 3 محطات نووية في ألمانيا، من بينهم رئيس وزراء ولاية بافاريا الجنوبية ماركوس زودر، الذي سبق أن صرح بأنه يرغب في إبقاء برلين على المحطات الـ3 المذكورة داخل الخدمة، على أن تظل هناك 3 محطات أخرى في وضع احتياطي.

ووصف زودر قرار الحكومة الائتلافية بغلق المحطات الـ3 بأنه "أيديولوجي بحت"، مضيفًا أن "إنهاء الطاقة النووية في ألمانيا في هذا التوقيت خطأ كبير".

في غضون ذلك، وصف حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي -الذي ينتمي إليه زودر- خروج آخر المحطات النووية من الخدمة بأنه "يوم أسود للمواطنين والصناعة وحماية المناخ في ألمانيا".

وزعم رئيس الحزب فريدريش ميرتس، أن المحطات النووية الـ3 هي "الأكثر أمانًا في العالم".

بالإضافة إلى ذلك، طالب رواد الأعمال، من بينهم رئيس رابطة غرفة التجارة والصناعة الألمانية بيتر أدريان، الحكومة بتوسيع إمدادات الطاقة، بدلًا من تقييدها بصورة أكبر، في ضوء النقص المحتمل للطاقة وأسعارها المرتفعة.

سنوات من المراوغة

في أعقاب سنوات من المراوغة، وصلت الطاقة النووية في ألمانيا إلى خط النهاية، بعدما تعهدت برلين بالتخلي عنها نهائيًا بعد كارثة محطة فوكوشيما النووية التي شهدتها في عام 2022، وما نتج عنها من تسرب إشعاعي سبّب الذعر للعالم أجمع، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.

إلا أن إنهاء البرنامج النووي الألماني في الصيف الماضي تأجّل إلى العام الحالي (2023)، بعدما أجبر الغزو الروسي لأوكرانيا برلين على وقف واردات الوقود الأحفوري الروسية.

وقادت الحرب الأوكرانية -أيضًا- إلى ارتفاع جنوني في أسعار الوقود، واشتعلت المخاوف بشأن نقص إمدادات الطاقة في العالم، لكن ألمانيا تثق مجددًا بإمدادات الغاز والتوسع في استعمال المصادر المتجددة.

البداية النووية

بدأ استعمال الطاقة النووية في ألمانيا لأغراض تجارية مع بدء تشغيل مفاعل نووي مُخصص للأبحاث في عام 1961، والذي كان مثار شكوك من جانب الشركات، رغم أنه كان يلقى الدعم من السياسيين.

بعد ذلك؛ انضمت 7 محطات تجارية إلى الشبكة؛ حيث بدأ الرأي العام يتقبّل الفكرة بدافع من الأزمة النفطية التي شهدها العالم في سبعينيات القرن الماضي.

وفي هذا الصدد، قال المتحدث الرسمي باسم "كيرن دي" المجموعة الألمانية المتخصصة في التكنولوجيا النووية نيكولاس فندلر: "أسدلت برلين الستار على هذا التوسع في استعمال الطاقة النووية بُغية تجنب إلحاق الضرر بقطاع الفحم".

ومع ذلك، بحلول تسعينيات القرن الماضي، كان أكثر من ثُلث الكهرباء في ألمانيا -الذي كان قد أعيد توحيدها حديثًا- يأتي من 17 محطة نووية.

وفي العقد الأول من الألفية الحالية، استحدثت الحكومة الائتلافية في ألمانيا، من بينها حزب الخُضر الذي نشأ من رحم حركة مناهضة للطاقة النووية في سبعينيات القرن الماضي، قانونًا قاد إلى التخلص من المفاعلات النووية كافة بحلول عام 2021.

غباء اقتصادي

قال النائب السابق عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، أرنولد فانز، إن القرار يستهدف -أيضًا- التأثير في الانتخابات بولاية بادن فورتمبيرغ، بما يصب في صالح حزب الخُضر.

وأوضح فاتز، الذي كان واحدًا من بين المشرعين المحافظين الـ5 الوحيدين الذين عارضوا قانون إغلاق المحطات النووية في البلد الأوروبي: "دعوني أُطلق على هذا أكبر غباء اقتصادي اتصف به الحزب منذ عام 1949، وأنا متمسك بما أقول".

واستحوذت المحطات النووية الـ3 الأخيرة على نحو 5% من توليد الكهرباء في ألمانيا خلال الأشهر الـ3 الأولى من العام الجاري (2023)، وفق بيان صادر عن وزارة الاقتصاد الألماني، تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

وفي العام الماضي (2022)، مثلت الطاقة النووية في ألمانيا ما نسبته 6% من إجمالي توليد الكهرباء في البلاد، مقارنة بـ44% من الكهرباء المولّدة من المصادر المتجددة، بحسب البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الفيدرالية.

تفاوت في الآراء

ما يزال ثلثا الألمان يفضّلون تمديد العُمر الوظيفي للمفاعلات النووية أو ربط محطات الطاقة النووية القديمة مجددًا بالشبكة، بينما يدعم 28% فقط من الألمان التخلص من المحطات، وفق ما أظهرته نتائج مسح أجراه معهد فورسا في بداية الأسبوع الماضي.

وقال المحلل في معهد فوسا، بيتر ماتوشيك، في تصريحات لـ"رويترز": "في تقديري أن هذا أشعل مخاوف من أن وضع إمدادات الكهرباء غير آمن بالمرة".

في المقابل، تؤكد الحكومة الألمانية أن إمدادات الكهرباء آمنة بعد التخلص من الطاقة النووية في ألمانيا، مضيفة أن برلين ستظل تصدر الكهرباء، مُستشهدة بمستويات تخزين الغاز المرتفعة، وإنشاء محطات الغاز المسال الجديدة على الساحل الشمالي للبلاد، بجانب التوسع في مصادر الطاقة المتجددة.

ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أكبر 10 دول حسب سعة الطاقة النووية في العالم:

سعة الطاقة النووية

عودة اضطرارية

يقول منتقدو الطاقة النووية في ألمانيا إن برلين ستتعين عليها العودة إلى الطاقة النووية في النهاية، حال أرادت فطم نفسها عن الوقود الأحفوري، والوصول إلى أهداف الحياد الكربوني في القطاعات كافة بحلول عام 2045؛ إذ لن تُغطي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الطلب تغطية كاملة.

من جهته، قال رئيس جمعية نوكليريا المؤيدة للطاقة النووية وغير الهادفة للربح رينر كلوت: "عبر إنهاء الاعتماد على الطاقة النووية، تلتزم ألمانيا باستعمال الفحم والوقود الأحفوري؛ نظرًا إلى أن موارد الرياح لا تتوافر دائمًا، وهو ما ينطبق -كذلك- على سطوع الشمس".

مُعضلة النفايات الإشعاعية

مع انتهاء حقبة الطاقة النووية في ألمانيا، يتعين على برلين إيجاد مستودع دائم لدفن قرابة 1900 برميل من المواد عالية الإشعاع من النفايات النووية بحلول عام 2031.

وفي هذا السياق، قال رئيس المكتب الفيدرالي لسلامة إدارة النفايات النووية فولفرام كونيغ: "ما زالت هناك على الأقل 60 سنة أخرى أمامنا، سنحتاج إليها لتفكيك المفاعلات، والتخزين الآمن للنفايات على المدى الطويل".

وعلاوة على ذلك، تقر الحكومة بأن قضايا السلامة والأمان تظل حاضرة بقوة بالنظر إلى أن فرنسا وسويسرا، الدولتين المجاورتين لألمانيا، ما زالتا تعتمدان بقوة على الطاقة النووية.

وترى رئيسة مكتب الحماية من الإشعاع في ألمانيا إنغي بوليني، أن النشاط الإشعاعي لا يقف عند الحدود، لافتةً إلى وجود 7 محطات نووية في البلدان المجاورة تبعد عن ألمانيا بأقل من 100 كيلومتر.

أسعار الكهرباء في ألمانيا

أعلن مرفق الكهرباء الألماني "إي.أون" زيادة في أسعار الكهرباء تُطبق بدءًا من مطلع شهر يونيو/حزيران (2023).

وقال متحدث باسم "إي.أون إنرجي": "في بعض المناطق بولاية شمال الراين-فيستفاليا، سيكون السعر الفعلي هو 49.44 سنتًا/كيلوواط/ساعة؛ ما يعني زيادة نسبتها 45% في متوسط الاستهلاك".

وفي ضوء تلك الزيادات، ستضطر أسرة مكونة من 3 أفراد في شمال الراين-فيستفاليا، ممن تزودهم "إي. أون" بالخدمات الأساسية، إلى دفع 2125 يورو (2330 دولارًا أميركيًا) للاستهلاك السنوي البالغ 4 آلاف كيلوواط/ساعة بدءًا من يونيو/حزيران (2023)، وفق تقديرات نشرها موقع "فيريفوكس" الشهير المتخصص في المقارنات.

وكانت الزيادات الأخيرة التي أعلنها "إي.أون" في أسعار الكهرباء قد أثارت استياء بعض خبراء الطاقة؛ من بينهم الخبيرة في مركز استشارات المستهلك "إن آر دبليو" إميلي فوغلر، والتي قالت إن "الزيادة التي كشفت عنها (إي.أون) صعبة للغاية؛ لأنها ترهق كاهل المواطنين".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق