التقاريرتقارير منوعةرئيسيةمنوعات

عمال الفحم في جنوب أفريقيا.. مخاوف من مصير غامض بعد تنامي الطاقة المتجددة

أسماء السعداوي

اقرأ في هذا المقال

  • التحول الأخضر يثير العديد من التساؤلات المهمة حول مصير عمال الفحم.
  • شركة إسكوم أعلنت اعتزامها وقف العمل بمحطات الكهرباء العاملة بالفحم بين 2031 و2034.
  • يخشى عمال الفحم من عدم كفاية مهاراتهم عندما تهيمن مصادر الطاقة المتجددة.
  • تخصيص 151 مليون دولار لبرامج إعادة تأهيل عمال الفحم في جنوب أفريقيا.
  • شكوك حول إمكان توفير فرص عمل لعمال الفحم في قطاع الطاقة المتجددة.

شيئًا فشيئًا، سيجد الفحم في جنوب أفريقيا طريقه إلى الزوال، لتحلّ بدلًا منه مصادر الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، ضمن مساعي تحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

بيد أن ذلك التحول الأخضر يثير العديد من التساؤلات المهمة حول مصير عمال الفحم الذي يمثّل حجر الزاوية في قطاع الطاقة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "كلايمت هوم نيوز" واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

كانت شركة إسكوم -أكبر مرفق كهرباء في جنوب أفريقيا- قد أعلنت اعتزامها وقف العمل بمحطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم بين عامي 2031 و2034.

لكن الرئيس سيريل رامافوزا أكد -في يناير/كانون الثاني 2023- أن بلاده لن تتخلى فجأة عن محطات الكهرباء الملوثة من أجل تحول الطاقة؛ إذ تعتمد على الفحم لتأمين 80% من الكهرباء.

مستقبل غامض

بين ليلة وضحاها، وجد عمال الفحم في جنوب أفريقيا قوت يومهم في مهب الريح؛ إذ يهدد تحول الطاقة أمانًا نسبيًا توارثوه أبًا عن جدّ في تلك المهنة.

كما يخشى أولئك العمال من عدم كفاية مهاراتهم في المستقبل القريب عندما تهيمن مصادر الطاقة المتجددة لتصبح المصدر الرئيس الجديد للطاقة، وعندها سيصبحون دون عمل.

كانت مجموعة من الدول الغنية -من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي- قد دعمت التحول الأخضر في جنوب أفريقيا باتفاق بقيمة 8.5 مليار دولار أميركي.

وبموجب الاتفاق، سيُعاد توجيه عمال الفحم في جنوب أفريقيا للعمل في وظائف جديدة بقطاع الطاقة المتجددة مثل أعمال البناء وهندسة الكهرباء وتقنية المعلومات، وذلك من أجل تشغيل الوحدات الشمسية وتوربينات الرياح.

إحدى العاملات بقطاع الفحم أعربت عن عدم ترحيبها بالتحول لمصادر الطاقة النظيفة في مبومالانجا -عاصمة الطاقة في جنوب أفريقيا-؛ إذ إنها "تُبشر بمزيد من الفقر".

تقول سيغودها التي تعمل في وظيفة مراقب حريق في محطة كهرباء "دوغها" في مبومالانجا: "عندما يبدأ عمل قطاع الطاقة المتجددة، أين النار التي سأراقبها؟ لم يأتِ أحد ليخبرنا عن البرامج المهارية الجديدة التي سنتّبعها لاكتساب المهارات التي سنحتاجها في المستقبل".

على صعيد متصل، كشف تحقيق أجراه مركز "أوكسبيكرز" لصحافة البيئة الاستقصائية ومنصة "كلايمت هوم نيوز" وجود فجوة ضخمة في المهارات بين سكان المجتمعات المعتمدة على الفحم، فضلًا عن حالة من عدم الوضوح بشأن طريقة استغلال تلك الأموال من أجل إعادة تشكيل مهارات أولئك السكان.

الفحم في جنوب أفريقيا

من المقرر إنفاق 2.7 مليار راند (151 مليون دولار أميركي) على برامج تستهدف إعادة تأهيل عمال الفحم في جنوب أفريقيا، ضمن الخطة الاستثمارية للتحول الطاقي العادل.

(الدولار الأميركي = 17.89 راندًا جنوب أفريقي).

وفي مبومالانجا، خُصِّصَ 750 مليون راند (42 مليون دولار أميركي)، للاستثمار في الشباب، ويشمل تعليمًا وتدريبًا وخبرات عملية وتشغيلًا، بالإضافة إلى 5.6 مليار راند (310 مليون دولار أميركي) لرعاية عمال الفحم، ويتضمن إعادة تدريب وإعادة نشر وتوظيفًا ودعمًا معيشيًا مؤقتًا.

كما تخطط الحكومة لإقامة مركز مهارات وطني لتقديم الاستشارات بشأن إعادة التزود بالمهارات، كما سيُخَصَّص 1.6 مليار راند (89 مليون دولار أميركي) لإقامة مراكز تدريب استرشادية المعروفة باسم "مناطق تطوير المهارات" في مقاطعات مبومالانجا وكيب الشرقية وكيب الشمالية.

وكانت محطات الفحم المتوقفة عن العمل أحد الخيارات المتاحة لإقامة مراكز التدريب الجديدة، وكان على رأسها محطة كوماتي أول محطة فحم تُغلق في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي (2022).

يُشار إلى أن البنك الدولي أعلن -في نوفمبر/تشرين الثاني 2022- تخصيص 497 مليون دولار لإيقاف عمل محطة كوماتي، من أجل تحويلها من الاعتماد على الفحم في توليد الكهرباء إلى الطاقة المتجددة.

بيد أن تحقيقًا أجراه مركز "أوكسبيكرز" لصحافة البيئة الاستقصائية ومنصة "كلايمت هوم نيوز"، كشف النقاب عن وجود فجوة ضخمة في المهارات بين سكان المجتمعات المعتمدة على الفحم، فضلًا عن حالة من عدم الوضوح بشأن طريقة استغلال تلك الأموال من أجل إعادة تشكيل مهارات أولئك السكان.

كما لا توجد معلومات عن موعد بدء تشغيل مناطق تطوير مهارات العاملين بالفحم في جنوب أفريقيا، وفق التقرير.

تطوير مهارات عمال الفحم في جنوب أفريقيا

من جانبه، أقرّ بليسنف مانال المتحدث باسم لجنة المناخ الرئاسية -هيئة مستقلة أسسها رئيس البلاد رامافوزا للإشراف على التحول الأخضر- بأن تطوير المهارات لا يحظى بالأهمية اللازمة.

عمال الفحم في جنوب أفريقيا
عمال في أحد مناجم الفحم في جنوب أفريقيا - الصورة من enca.com

بالإضافة إلى ذلك، رأى الكثير من أصحاب المصالح الأمرَ نقطة ضعف في الخطة الاستثمارية للتحول الطاقي العادل.

"ترى اللجنة أن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتحديد الاحتياجات اللازمة لتطوير المهارات، وزيادة مهارات القوى العاملة والوافدين الجدد وخاصة الشباب من الذكور والإناث"، بحسب مانال.

كما أكد أن التحول في الكليات المهنية والفنية التي تستهدف -عادة- البالغين من الباحثين عن اكتساب مهارات جديدة، "أمر حاسم"، مشيرًا لاعتزام اللجنة الرئاسية طرح برنامج جديد بشأن مهارات تحول الطاقة بالتعاون مع وزارتي التعليم والكهرباء.

إلّا أن هناك حاجة لتوضيح المهارات المطلوبة لوقف تشغيل محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم، وفق مانال.

وأضاف: "الأمر يثير تساؤلات حول من سيقدّم التدريب اللازم لرفع مهارات العمال في سلاسل قيمة الفحم، ووضع مناهج المؤسسات التعليمية لتطوير المهارات، وسبل تمويل كل ذلك".

على صعيد متصل، يقول أحد المواطنين، وهو عضو جماعة كوتالا البيئية، إنه لا يعلم شيئًا بشأن خطط إعادة التأهيل والتدريب أو تطوير المهارات في مبومالانجا.

ويوضح: "أطفالنا يدرسون في مناجم الفحم، لكن الفحم في طريقه إلى الزوال، سيُترك العمال دون معرفة ما عليهم القيام به".

وقال مؤكدّا: "إذ كان أولئك العمال ماهرين، إذن بمقدورهم نقل خبراتهم لآخرين في مجتمعات أخرى؛ ليحظوا بفرص عمل".

تغيير المناهج

هناك مخاوف بشأن استمرار مدارس التعليم المهني والفني والمنشآت التعليمية الأخرى، في تقديم المناهج الحالية التي ستترك الآلاف دون عمل في المستقبل القريب.

وتوجد 3 مدارس للتعليم والتدريب الفني والمهني في مبومالانجا، والتي تركّز على إعداد الطلاب ليصبحوا عمالًا مهرة في قطاع ما.

وتقدّم تلك المدارس مهارات عملية للتدريب على العمل في صناعات التعدين والوقود الأحفوري ومجالات أخرى، وبلغ عدد المسجلين بها أكثر من 500 ألف طالب.

بيد أن مناهج تلك المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى بحاجة للتغيير من أجل تحقيق تحول الطاقة، حسبما يقول البروفيسور فيكتور مونيك.

ويجب أن يكون التدريب وإعادة التزود بالمهارات من أجل التحول لمصادر الطاقة المتجددة "مناسبًا للغرض"، كما يجب أن تستهدف المجتمعات التي تعتمد على الطاقة المتجددة وتتفهم طريقة عملها"، بحسب مونيك.

وأضاف: "ثمة حاجة لإدخال تغييرات على النظام التعليمي لإعداد الشباب، ليس على العمل في الاقتصاد الجديد فحسب، بل تشكيل معالمه والمشاركة فيه بفاعلية".

وتتفق معه الأمينة العامة لجمعية الطاقة الوطنية، ويندي بولتون، التي تعترف بوجود شحٍ في المهارات الفنية والإدارية المتخصصة في قطاع الطاقة المتجددة.

وتقول: "الأمر يستلزم تعليمًا وتدريبًا ورفع مهارات المهندسين والفنيين من أجل التحول إلى مصادر الطاقة الجديدة".

بدوره، أعرب أحد المقيمين في مناجم الفحم في ميدلبرغ، إيمانويل ماروتل، عن قلقه بشأن نظام التعليم في مبومالانجا الذي لا يمتلك الموارد الضرورية لمساعدة المتضررين في اكتساب المهارات العملية لتجاوز مرحلة انتقال الطاقة.

ويقول: "نظام التعليم الحالي غير قادر حتى على تزويد المهارات اللازمة للعمل في مناجم الفحم، إذن كيف سيزوّد الآخرين بالمهارات المطلوبة في قطاع الطاقة المتجددة؟"

وخلال مشاورات حول انتقال الطاقة في عام 2022، وعد مسؤولون حكوميون سكان المنطقة بتدريبهم من أجل العمل في قطاع الطاقة المتجددة، لكن هذا لم يحدث، بحسب ماروتل.

إعادة التأهيل

يقول الرئيس الإقليمي للاتحاد الوطني للعاملين بالمناجم في منطقة مبومارانجا هايفلك، ماليكوتو موتوباتسي، إن عمليات إعادة التأهيل يجب أن تستهدف الجميع بلا استثناء.

عمال الفحم في جنوب أفريقيا
أحد احتجاجات عمال الفحم في جنوب أفريقيا - الصورة من nytimes

"إذا كانت الحكومة تتحدث عن إعادة التأهيل، فمن تقصد بذلك: موظفي إسكوم أم عمال المناجم؟ وإذا افترضنا أنها تستهدف موظفي إسكوم، فلمن تترك عمال مناجم الفحم؟"، حسبما قال موتوباتسي.

من جانبه، يتوقع رئيس الصحة والسلامة في اتحاد العاملين بالمناحم هابي سيتول عدم توظيف الكثيرين من عمال المناجم المهرة ممن يعملون بالتعدين على نطاق صغير، في قطاع الطاقة المتجددة.

ويقول: "نحن نتحدث عن العمال المهرة، أيّ وظيفة تدرّ دخلاً جيدًا، إذا غيّرت الوظيفة من الفحم إلى الطاقة المتجددة، فماذا سيحدث لهم؟".

يتفق معه غايلور مونتماسون كلير، كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة الأبحاث تريد آند إندستريال بوليسي ستراتيجي، قائلًا، إن القوى العاملة الماهرة في شركة إسكوم لديها فرصة أكبر لإيجاد وظائف بديلة في الصناعات الأخرى مثل الكهرباء على سبيل المثال.

ويضيف: "لنكن صرحاء، علينا التخلّي عن وهم بأن السواد الأعظم من عمال مناجم الفحم سيجدون فرص عمل في قطاع الطاقة المتجددة، تلك الرواية غير منطقية".

بريق أمل

يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة "سريتي غرين"، بيتر فين، أهمية برامج التدريب لتقديم المهارات اللازمة في قطاع الطاقة المتجددة.

وتعدّ شركة "سريتي غرين" أحد فروع شركة تعدين ستبدأ قريبًا في بناء أكبر مزرعة رياح في مبومالانجا، ومن المقرر بدء الإنتاج بحلول عام 2025.

كما توقّع فين أن يوفر التحول الأخضر في جنوب أفريقيا فرص عمل عديدة في قطاع البناء خلال السنوات لمقبلة.

ويقول: "نرى نموًا إيجابيًا لفرص العمل في قطاع الطاقة المتجددة في السنوات العشر المقبلة خلال مدة البناء".

وبحسب لجنة المناخ الرئاسية، فمعظم العاملين في مناجم الفحم في سنّ الشباب؛ إذ يصل متوسط أعمارهم إلى 38 عامًا، كما أن 90% من العمال في مبومالانجا شبه مهرة بنسبة 74% أو منخفضي المهارات بنسبة 17%.

وتتزايد الحاجة لتنويع مهارات عمال الفحم في ضوء ارتفاع نسب البطالة والفقر وانعدام المساواة، بحسب اللجنة الرئاسية.

و"هذه العوامل ستجعل من تنويع المهارات أكثر تعقيدًا؛ نظرًا لأن الانتقال العادل يجب أن يحلّ مسألة فقدان الوظائف ويوفر فرص عمل في بلد يبلغ فيه معدل البطالة 33.9%"، بحسب المتحدث باسم اللجنة مانال.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق