تقارير الغازرئيسيةغاز

مشروعات الغاز المسال الأميركية تفسد التزام المصارف بالحياد الكربوني (تقرير)

أسماء السعداوي

كشفت مشروعات الغاز المسال في أميركا عن عدم صدق المصارف العالمية التي تعهدت في عام 2021 بوقف تمويل مشروعات الوقود الأحفوري التقليدي، سعيًا نحو تحقيق هدف الحياد الكربوني.

وكانت 450 مؤسسة مالية في 45 دولة، قد أكدت -خلال فعاليات قمة المناخ كوب 26- العمل الجاد نحو تحقيق هدف الحياد الكربوني وتقليل انبعاثات الاحتباس الحراري، أملًا في خفض حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية.

وفي تعارض صريح، تجاهر العديد من تلك المصارف بدعم الاستثمارات في مشروعات الغاز المسال، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وكانت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ قد حذّرت في مارس/آذار من هذا العام من احتمالات ارتفاع درجة حرارة الكوكب نحو درجتين حال أي تطور جديد في مشروعات الوقود الأحفوري.

الغاز المسال خارج التعهدات المناخية

من المتوقع أن تسجل صادرات الغاز الأميركي طفرة كبيرة، إذ ستشهد ضفاف ساحل الخليج إنشاء 12 محطة جديدة لتصدير الغاز المسال؛ ما من شأنه أن يضاعف حجم صادرات الغاز الأميركي الحالية حول العالم بمقدار 3 مرات.

ولم تكن محطات الغاز المسال لتشهد هذا التطور الكبير دون تمويلات المصارف الكبرى التي دعّمت الطفرة الأولى قبل أقل من 10 سنوات مضت.

من جانبها، تبرر البنوك ذلك بالقول إن صادرات الغاز المسال تساعد في تقليل التلوث عبر استبدال الغاز بالفحم.

ولا تُدرج معظم المصارف الكبرى القروض المقدمة إلى مشروعات الغاز المسال على ساحل الخليج الأميركي، ضمن تعهداتها المناخية بتقليل الانبعاثات، بحسب التقرير الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وكشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن أن قرابة 20 بنكًا موّلت أغلبية تكاليف بناء مشروعات الغاز المسال على طول ساحل الخليج الأميركي.

وبحلول نهاية العام الماضي (2022)، قدّمت المؤسسات المالية قروضًا وتأمينات على السندات بإجمالي أكثر من 110 مليارات دولار أميركي، بالإضافة إلى 14 مليار دولار هذا العام (2023)، بحسب بيانات منظمة سييرا كلوب.

استثمارات في مشروعات الغاز المسال

جاء ربع مبلغ الـ110 مليارات دولار أميركي من 3 مؤسسات مالية يابانية ضخمة هي: شركة ميتسوي سوميتومو المصرفية، وبنك ميزوهو، وشركة ميتسوبيشي يو إف جيه المالية القابضة، التي دعّمت بناء محطات لتصدر الغاز المسال منها محطات سابين باس وكوربوس كريستي وبلاكيماينز.

يُشار إلى أن الحاجة إلى تلك الاستثمارات جاءت انطلاقًا من حاجة اليابان إلى الغاز المسال في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية.

كما دعّمت 4 من بين أضخم 6 بنوك أميركية -هي: مورغان ستانلي، وجيه بي مورغان تشيس، وغولدمان ساكس، وبنك أوف أميركا- بناء محطات تصدير الغاز المسال في منطقة الخليج بنحو 22 مليار دولار أميركي في شكل قروض أو تأمين على السندات.

والتزم بنكا ولز فارغو وسيتي بنك بعدم الاستثمار بقوة في مشروعات الغاز المسال، إذ إن لديهما أهدافًا لخفض الانبعاثات المطلقة في قطاع النفط والغاز بحلول عام 2030، كما يلتزمان علنًا بخفض الانبعاثات بنسبة 26% و29% على التوالي عن مستويات عام 2019.

كما يستهدف بنك جي بي مورغان تشيس تقليل متوسط كثافة انبعاثات الكربون في مشروعات النفط والغاز التي يمولها ضمن خطة عام 2030.

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات الغاز المسال الأميركية ربع السنوية في عامي 2021 و2022:

صادرات الغاز المسال الأميركية خلال 2022

أوروبا أكثر صراحة في التمويل

تُعد مصارف أوروبا الأكثر صراحة بشأن تمويل مشروعات الغاز المسال، كما وضعت أهدافًا مناخية أكثر صرامة بحلول عام 2030، تتضمّن خفض انبعاثات الكربون المطلقة بنسبة 34%، لكن مع استثناءات رئيسة.

وأعلن بنك إتش إس بي سي البريطاني في نهاية عام 2022 المنصرم، أنه لن يموّل بعد الآن حقول نفط وغاز جديدة، في أول خطوة بين المصارف من ذات الحجم.

إلا أن البنك سيواصل تمويل الاستشارات وتقديمها لمشروعات الوقود الأحفوري الأخرى، بما في ذلك تطوير الغاز الصخري ومحطات الكهرباء العاملة بالغاز في ظروف معينة.

وكان بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي قد أعلن وقف الاستثمارات في توسعات الغاز المسال الجديدة أو الكبيرة في أميركا الشمالية، إلا أن البنك استبعد المشروعات "التي سبق تفويضه بها بالفعل".

وفي أواخر مارس/آذار 2023، انسحب بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي من مشروع ريو غراند للغاز المسال.

على صعيد متصل، أحيا الغزو الروسي لأوكرانيا وقطع موسكو إمدادات الغاز اهتمام أوروبا بالغاز المسال الأميركي. بيد أن المشروعات الجديدة هناك لن تدخل حيز التشغيل قبل منتصف عام 2025 على أقرب تقدير.

ولذلك، اتجه المطورون الأميركيون إلى جذب المشترين الأوروبيين لإبرام عقود طويلة تستمر حتى 20 عامًا، تجنبًا لحالة عدم اليقين بشأن إمدادات الوقود المستقبلية.

تلك العقود الطويلة تغري البنوك الأميركية بالاستثمار في تمويل مشروعات الغاز المسال، مدعيةً بأن تلك الاستثمارات تساعد في خفض انبعاثات الكربون العالمية.

انتقادات وآمال بيئية

في المقابل، يقول نقّاد إن الانبعاثات الكاملة لصادرات الغاز المسال، التي تشمل عمليات الإنتاج والنقل حول العالم، تثير الكثير من التساؤلات.

إذ تقول جماعتان بيئيتان ومستثمرون كبار إن المصارف لا تستعمل قوتها المالية بالسرعة الكافية للحد من التلوث بالكربون، والاستثمار في الطاقة النظيفة.

"التوسع في مشروعات الوقود الأحفوري يتعارض بالأساس مع تحقيق هدف الحياد الكربوني"، وفق ممثلة حملة التمويل الخالي من الوقود الأحفوري التابعة لمنظمة "سييرا كلوب" الأميريكية، أديل شرايمان.

وتضيف: "ثمة حاجة إلى مزيد من العمل، ليعرف الناس بشأن مخاطر تغير المناخ المرتبطة بالغاز المسال".

وتؤكّد شرايمان أن هناك وجهة نظر "منتشرة" في عالم التمويل بأن تصدير الغاز سيساعد في استبدال الفحم على أكثر من مصادر الطاقة المتجددة، وأن الحاجة إلى الغاز ستستمر خلال العقود المقبلة، و"هي وجهة نظر يتبناها الرئيس التنفيذي لأكبر مصارف أميركا" كما تقول.

وتَعِد مشروعات الغاز المسال بمنافع اقتصادية محلية، لكن مجتمعات السكان من السود ومنخفضي الدخل لا يرون سوى آثار الاحتباس الحراري، بحسب منسقة تمويل مشروعات الوقود الأحفوري في الخليج بحملة تكساس من أجل البيئة، روشيتا سيبلي أوزان.

و"لا يجري توظيف سكان تلك المجتمعات"، بحسب أوزان، التي أضافت أن هذا "مظهر سيئ" للمصارف الأمريكية التي تقول إنها تريد الاستثمار لتمويل الصناعات التي تضر بتلك المجتمعات.

كما أعربت عن قلقها إزاء تلوث الهواء وتآكل السواحل المتزايد، خاصة بالنظر إلى الدمار الذي جلبه إعصار لورا للمنطقة.

ويأمل المدافعون عن البيئة في إحداث فارق، وقرروا توجيه جهودهم نحو المصارف الأميركية التي تموّل العديد من المشروعات القائمة والمقترحة في لويزيانا وتكساس.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق