سوق الكربون الصينية تخفّف قيود الامتثال لمحطات الكهرباء العاملة بالفحم والغاز
المحطات تعاني ارتفاعات قياسية في التكلفة
رجب عز الدين
خفّفت سوق الكربون الصينية الناشئة قيود الامتثال للانبعاثات المفروضة على محطات الكهرباء العاملة بالفحم والغاز على مستوى المقاطعات الصينية كافّة.
واقترحت وزارة البيئة الصينية تخفيف الشروط المطبقة على محطات الكهرباء العاملة بالفحم، لتخفيف الأعباء المالية عليها بعد عام من ارتفاع أسعار الوقود القياسية واضطرابات أسواق الطاقة العالمية، وفقًا لمنصة إس آند بي غلوبال بلاتس المتخصصة (S&P global platts).
كما تضم اقتراحات الوزارة إعفاء محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز الطبيعي من القيود بصورة أكبر من نظيرتها العاملة بالفحم للأسباب نفسها المرتبطة باشتعال أسعار الغاز منذ الحرب الروسية الأوكرانية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
التدخل في سوق الطاقة
لجأت أغلب حكومات العالم إلى التدخل في أسواق الطاقة المحلية خلال العام الماضي (2022)، لتخفيف حدة أزمة الطاقة العالمية التي أدت إلى ارتفاعات قياسية في الأسعار.
واضطرت دول أوروبا على سبيل المثال إلى زيادة مخصصات دعم الطاقة بمبالغ قياسية تجاوزت 700 مليار دولار خلال عام 2022، وسط توقعات بتكرارها خلال العام الثاني من الحرب الأوكرانية المشتعلة حتى الآن.
كما فرضت دول الاتحاد الأوروبي حدًا أقصى لأسعار تداول الغاز بالجملة، وفرض ضرائب استثنائية على الأرباح القياسية التي حققتها شركات النفط والغاز، إلى جانب وضع حد أقصى لأسعار الكهرباء بالنسبة إلى مصادر التوليد منخفضة التكلفة، ويرجع ذلك إلى ظروف الحرب واضطرابات الأسواق العالمية.
تتماشى اقتراحات سوق الكربون الصينية بتخفيف قيود الامتثال على محطات توليد الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري، مع نهج أغلب دول العالم في دعم قطاع التوليد تحديدًا، لأهميته الحيوية القصوى للمنازل والصناعة وجميع مظاهر وأنشطة الحياة اليومية المعاصرة.
ورغم تدخل أوروبا في أسواق الطاقة بإجراءات مختلفة فإنها لم تلجأ إلى تقييد سوق الكربون الأوروبية النشطة، كما فعلت الصين، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
السماح بالاقتراض المستقبلي
أعلنت وزارة البيئة الصينية تخفيف القيود الواردة في خطة الامتثال الثانية للانبعاثات التي تغطي انبعاثات عامي 2021 و2022، وفقًا لقرار صادر في 15 مارس/آذار 2023.
وتشمل إجراءات التخفيف على محطات الفحم وضع حد أقصى لعقوبة تجاوز حد الانبعاثات المسموح به، والسماح للشركات المنتجة باقتراض تصاريح الانبعاثات الخاصة بالسنوات المقبلة لتعويض الالتزامات الحالية.
وقالت كبيرة المحللين في منصة إس آند بي غلوبال بلاتس المتخصصة فينغ شيانان، إن تحديد التزامات التسوية بنسبة 20% من الانبعاثات المحققة سيخفف بصورة كبيرة من الأعباء المالية الواقعة على المحطات التي تعمل بالفحم.
كما سيساعد السماح للمحطات باستعمال تصاريحها المستقبلية الخاصة بالسنوات المقبلة، بداية من عام 2023، في منحها مزيدًا من الوقت لاستعادة عائداتها المتضررة بشدة من ارتفاع أسعار الفحم خلال العام الماضي (2022).
ومن المتوقع أن تراجع السلطات الصينية قواعد التخفيف في حالة انخفاض أسعار الفحم في الأعوام المقبلة، وفقًا لكبيرة المحللين فينغ شيانان.
معايير قياس فضفاضة
تعتمد وزارة البيئة الصينية على عدة معايير في تحديد تصاريح الانبعاثات المتاحة لمحطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم، بناءً على تكوينها وحجمها وإنتاج الكهرباء.
وفي حالة تجاوز الشركات حدود الانبعاثات المسموح بها، فستجد نفسها مضطرة إلى شراء تصاريح إضافية من سوق الكربون الصينية التي بدأت أولى جلسات التداول في 16 يوليو/تموز 2021.
وتعتمد الصين على معايير كثافة الانبعاثات المسموح بها لكل ميغاواط/ساعة من الكهرباء المولدة من الوقود الأحفوري، وفقًا لتفاصيل اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ويشتكى مراقبون استمرار ضعف أحجام التداول والسيولة وأسعار الكربون في السوق الصينية، رغم مرور أكثر من عام ونصف العام على إطلاقها، بسبب فرض أهداف أقل صرامة للانبعاثات والعقوبات واعتماد معايير فضفاضة للقياس، خلافًا للسوق المناظرة الأكثر تشددًا في أوروبا.
وأدت معايير القياس المرنة إلى تحقيق فوائض في أرصدة الانبعاثات وتصاريحها لدى أكبر 5 شركات منتجة للكهرباء مملوكة للحكومة بنسب تراوحت بين 8.5% و16.2%، وفقًا لبيانات جامعة تيانجين الصينية.
أسعار الكربون محلك سر
كما أسهمت هذه المعايير في ضعف التداول على الكربون في بورصة شنغهاي للبيئة والطاقة، ما أدى إلى انخفاض متوسط أسعار الكربون إلى 56 يوانًا للطن المتري (8.12 دولارًا)، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة في جلسة تداول 16 مارس/آذار 2023.
ولم يتحرك سعر تداول الكربون في بورصة شنغهاي كثيرًا منذ إطلاقها منتصف 2021 وحتى مارس/آذار 2023، ما أثار شكوكًا حول جدية الصين في إلزام الشركات بخفض الانبعاثات.
وبدأ تداول الكربون خلال أول جلسة في سوق الكربون الصينية يوم 16 يوليو/تموز 2021، على سعر ضعيف للغاية لم يتجاوز 48 و52 يوانًا للطن المتري، ما كان يعادل 7.5 إلى 8 دولارات وقتها، في حين كانت أسعار الكربون تتداول ساعتها في أوروبا فوق 69 دولارًا للطن المتري.
ويشير السعر المسجل في بورصة شنغهاي للبيئة والطاقة بجلسة 16 مارس/آذار 2023، إلى أن المتوسط لم يتحرك عن أول تداول إلا في حدود نصف دولار تقريبًا، وفقًا لحسابات منصة الطاقة المتخصصة.
قطاعات خارج التغطية
لا تغطي سوق الكربون الصينية سوى قطاع الكهرباء فقط، الذي يضم 2225 شركة منتجة للكهرباء عبر الفحم، لكن حجم الانبعاثات الصادرة عن هذا القطاع منفردًا يتجاوز 4 مليارات طن متري من الكربون سنويًا، تعادل 40% من حجم الانبعاثات في الصين.
وما زالت قطاعات صناعية شديدة التلوث والانبعاث خارج سوق الكربون الصينية الناشئة، لا سيما صناعة الحديد والصلب والألومنيوم والأسمنت، وقطاعات الطيران والصناعات البتروكيماوية.
ورغم وجود هذه القطاعات خارج التغطية فإن سوق الكربون الصينية تظل الأكبر في العالم من حيث حجم الانبعاثات المتداولة نظريًا، في حين تُعد السوق الأوروبية المناظرة الأقدم والأكثر نشاطًا، وإن كانت أقل حجمًا.
وتعتمد الصين -حاليًا- على توليد 60% من احتياجات الكهرباء عبر الفحم، وهي أكبر بلد منتج ومستورد للفحم في العالم، ما يكبل قدرتها على هجره في الأمدين القريب أو المتوسط.
ويُشار إلى أن فكرة أسواق تداول الكربون نشأت في أوروبا منذ 17 عامًا، وتعتمد في منطقها على فرض حد أقصى إلزامي لحجم الانبعاثات المسموح بصدورها من أنشطة الشركات.
وتهدف هذه الفكرة إلى إلزام الشركات بخفض انبعاثاتها إلى الحد المسموح به أو شراء تصاريح شركات أخرى في أسوق تداول تشبه أسواق الأسهم وتخضع للعرض والطلب، ما يعرّض الشركات لتكاليف مرتفعة سنويًا لممارسة أنشطتها المعتمدة على الوقود الأحفوري أو يحفزها على الدخول إلى قطاع الطاقة المتجددة.
وتخطط الحكومة الصينية للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2060، متأخرة بـ10 سنوات عن نظرائها في الولايات المتحدة وأوروبا، ومتقدمة عن منافستها الآسيوية الهند التي ستكون آخر الواصلين بحلول 2070.
موضوعات متعلقة..
- سوق المباني حيادية الكربون ترتفع إلى 140 مليار دولار بحلول 2028
- تجارة الكربون.. هل تستفيد الأسواق الناشئة من قواعد خفض الانبعاثات؟
- أرصدة الكربون لا تضمن حياد الشركات مناخيًا.. ومنظمات: تضر أكثر مما تنفع
- أسعار تصاريح الكربون في أوروبا مرشحة للارتفاع خلال 3 سنوات (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- تفاؤل حذر بشأن توقعات الطلب على النفط عالميًا في 2023 (تقرير)
- شبهات حول صفقة نفط في جنوب السودان.. وغلينكور البريطانية قد تكون متورطة
- إنعاش آبار النفط الإيرانية منخفضة الإنتاج باتفاقية جديدة مع 4 شركات محلية