خطة الاستغناء عن الفحم في إندونيسيا تواجه عقبات بيئية واجتماعية (تقرير)

تواجه خطة الاستغناء التدريجي عن محطات توليد الكهرباء بالفحم في إندونيسيا عقبات بيئية واجتماعية، نظرًا إلى التعارض بين المصالح الاقتصادية للشركات القوية وحاجة المجتمعات المحلية المتضررة من انبعاثات تلك المحطات.

وتلخّص قصة محطة سيربون 1 لتوليد الكهرباء بالفحم -التي تموّلها عدة شركات دولية- جانبًا من تداخلات المصالح في ظل تعهد إندونيسيا بالاستغناء التدريجي السريع عن الفحم بحلول عام 2040 على أبعد تقدير، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وبموجب أول برنامج تجريبي لآلية انتقال الطاقة (إي تي إم) التابعة لمصرف التنمية الآسيوي (إيه دي بي)، قد يجري إيقاف تشغيل محطة سيربون 1 قبل 10 إلى 15 عامًا مما هو مخطط له، لكن آثارها البيئية والاجتماعية تظل دون معالجة، بسبب بناء محطة جديدة مجاورة.

تلوث الأراضي الزراعية

يشكو سكان المنطقة المجاورة لمحطة سيربون 1 لتوليد الكهرباء بالفحم في إندونيسيا تلوث الأراضي الزراعية ومناطق الصيد والأمراض التنفسية الناجمة عن الانبعاثات، وفقًا لتقرير نشره موقع إيكو-بيزنس (Eco-Business) في 7 فبراير/شباط الجاري.

ولأكثر من 10 سنوات حتى الآن، تغيّرت طريقة حياة مجموعة من القرى الساحلية الهادئة في جاوة الغربية بسبب انبعاثات محطة سيربون 1 لتوليد الكهرباء بالفحم، التي تديرها شركة بي تي سيربون للطاقة الكهربائية.

وتبلغ مساحة محطة "سيربون 1" 204 هكتارات (2.04 كيلومترًا مربعًا) تقع على طول خليج موندو وتطل على بحر جاوة في مدينة سيربون الساحلية، على بعد نحو 220 كيلومترًا من العاصمة الإندونيسية جاكرتا.

وخضعت المنشأة، التي تبلغ تكلفتها 850 مليون دولار، لرقابة أصحاب المصلحة المحليين منذ بدء بنائها عام 2008، مع مزاعم بالفساد والمضايقات وانتهاكات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى اتهامات بالإهمال الجسيم الذي تسبّب في دمار بيئي واسع النطاق بعد بدء عملياته في عام 2012.

وقد وثّقت مؤسسة "والهي"، أو جمعية أصدقاء الأرض في إندونيسيا، أن نحو 3 آلاف مزارع وصياد سمك في قرية كانسي ونحو 5 بلدات ساحلية مجاورة قد تعطلت سبل عيشهم بسبب محطة الكهرباء.

ومن خلال العمل الجماعي والاحتجاجات، أثارت المجتمعات التي تعيش بين نهري سيبال وهوكانسي إذ تقع محطة الفحم، مخاوفها مرارًا وتكرارًا بشأن الآثار المدمرة للمشروع في سبل عيشهم وصحتهم.

وقال أحد سكان المنطقة المجاورة لمحطة سيربون 1: "يعاني معظم أفراد قبيلتنا الآن أمراض الرئة ومشكلات الجهاز التنفسي".

وعلاوة على ذلك، تتسبّب محطات الفحم في إندونيسيا في نحو 7 آلاف و100 حالة وفاة مبكرة سنويًا، وفقًا لبحث أجرته جامعة هارفارد ومنظمة السلام الأخضر في جنوب شرق آسيا.

وتشغل محطة سيربون 1 مجموعة سيربون إلكتريك باور (سي إي بي)، وهي تحالف دولي مكون من شركات ماروبيني اليابانية وميدلاند باور الكورية الجنوبية وسامتان، جنبًا إلى جنب مع شركة الكهرباء الإندونيسية بي تي إنديكا إنرجي.

• طفرة متوقعة في الطلب على الفحم في إندونيسيا من قطاع الكهرباء

ويموّل مشروع المحطة العديد من المؤسسات المالية الدولية، بما في ذلك بنك التعاون الدولي الياباني، ومؤسسة سوميتومو ميتسوي المصرفية، ومجموعة ميزوهو المالية، ومصرف إم يو إف جي، بالإضافة إلى بنك التصدير والاستيراد الكوري ومجموعة آي إن جي لخدمات التمويل.

وقال منسق مؤسسة رسبونسي بنك إندونيسيا -وهي تحالف مجتمع مدني يدعم دور المؤسسات المالية في التنمية المستدامة- آه مافتوشان: "يُعدّ مستثمرو محطة سيربون 1 مسؤولين جزئيًا عن انبعاث المواد السامة في البيئة، والأضرار التي تلحق بالمزارعين والصيادين، والوفيات الناجمة عن تلوث الهواء".

انتقال الطاقة "الناقص"

اختتمت قمة مجموعة الـ20 في مدينة بالي الإندونيسية، خلال نوفمبر/تشرين الأول 2022، بفوز مزدوج على ما يبدو لانتقال إندونيسيا إلى الطاقة النظيفة، وفقًا لتقرير نشره موقع إيكو-بيزنس.

وأُعلنت اتفاقية الشراكة الانتقالية للطاقة العادلة (جيه إي بي تي) الرائدة في جنوب شرق آسيا، إلى جانب إعلان بنك التنمية الآسيوي دعم آلية انتقال الطاقة الخاصة بالتقاعد المبكر لمحطات الفحم في إندونيسيا.

ومن المقرر أن تخصص اتفاقية الشراكة الانتقالية للطاقة العادلة نحو 20 مليار دولار أميركي، لتحفيز هدف إندونيسيا المتمثل في مضاعفة مصادر الطاقة المتجددة في السنوات الـ3 إلى الـ5 المقبلة إلى 34% من إمكاناتها، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وفي الوقت نفسه، فإن صفقة آلية انتقال الطاقة التاريخية تُعد الحل الموجه نحو السوق من مصرف التنمية الآسيوي، لتسريع عملية سحب كهرباء الفحم من شبكات الطاقة الوطنية في دول معينة في جنوب شرق وجنوب ووسط آسيا واستبدال مصادر أخرى للكهرباء من الطاقة النظيفة بها.

وتهدف الاتفاقية الأولية في إندونيسيا إلى إنهاء عمليات محطة سيربون 1 بحلول عام 2037 على أبعد تقدير، من خلال إنفاق 250 إلى 300 مليون دولار أميركي في شكل قروض لإعادة تمويل المرفق،

• إغلاق محطات توليد الكهرباء بالفحم في إندونيسيا يتطلب 37 مليار دولار

ومع توضيح بعض المجتمعات المدنية والمجتمعات والمنظمات العمالية الفجوات في مخططات "تحويل الفحم إلى وقود نظيف"، يراقب المحللون ما إذا كانت السياسات الجديدة ستؤدي إلى أي تغيير ذي مغزى للمجتمعات المتأثرة بالتداعيات السلبية الواسعة النطاق لمحطات الفحم في إندونيسيا.

وتشمل تلك التداعيات تلوث الهواء من الرماد المتطاير والمعادن الثقيلة التي تلوث المسطحات المائية. ويُعدّ الرماد المتطاير عبارة عن مسحوق ناعم وناتج ثانوي لحرق الفحم المسحوق في محطات توليد الطاقة الكهربائية.

رهان إندونيسيا على الفحم "القذر"

خلصت دراسة أجرتها جامعة بينديديكان الإندونيسية، عام 2021، إلى أن محطة سيربون 1 تسببت في "تأثيرات سلبية" كبيرة في جودة المياه على طول خليج موندو، الذي يربط أنهار سيربون ببحر جاوة.

ووجدت الدراسة أن ركام الفحم وغبار الاحتراق قد تسرّبا إلى المياه من خلال الجريان السطحي، ما أثّر في قابلية هذه المياه لدعم الحياة البحرية، وأن المياه المحيطة يمكن أن تكون ملوثة بالمعادن الثقيلة التي يمكن أن تسبّب مشكلات صحية في المجتمعات الساحلية في المستقبل القريب.

• الفحم في إندونيسيا.. كيف أحدثت أزمة الإمدادات ضجة في سوق الطاقة؟

وتدّعي المعلومات القصصية التي جمعتها مؤسسة "والهي"، أو جمعية أصدقاء الأرض في إندونيسيا، من مركز صحي محلي، أنه كان هناك ارتفاع كبير في أمراض الجهاز التنفسي المزمنة الحادة في المجتمع بسبب الرماد المتطاير من محطة سيربون 1.

وبصرف النظر عن فقدان مصايد الأسماك الساحلية، فقد ألحقت المحطة أضرارًا بالغة في منطقة كانسيو بالمزارع وحقول الأرز بسبب تلوث الهواء.

اقرأ أيضًا..

• وكالة الطاقة الدولية تتوقع هيمنة المصادر المتجددة على نمو إمدادات الكهرباء
• 3 شواهد منطقية تشير إلى تدفق الغاز الجزائري للمغرب سرًا (مقال)
• آفاق مزيج الطاقة العالمي بحلول 2050.. الطاقة المتجددة في الصدارة (إنفوغرافيك)