طاقة متجددةالتقاريرتقارير الطاقة المتجددةرئيسية

الوقود المستدام سلاح صناعة الطيران لإزالة الكربون.. ودول عربية تقود التحول

مي مجدي

يمثّل الوقود المستدام العصا السحرية لإزالة الكربون من قطاع الطيران، الذي يشكّل قرابة 2 إلى 3% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.

وتواجه صناعة الطيران انتقادات لاذعة بسبب اعتمادها تعويضات الكربون لتصبح صديقة للبيئة، بدلًا من استعمال وقود أنظف.

فقطاع الطيران يمثّل مشكلة رئيسة تعوق رحلة الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، وسيحتاج إلى تقنيات جديدة، مثل وقود الطيران المستدام، لتحقيق الأهداف الكربونية.

لذا ظهرت العديد من الجهود العالمية لتطوير وقود نظيف يماثل في الكفاءة وقود الطيران التقليدي.

وستوضح منصة الطاقة المتخصصة في السطور التالية نبذة عن الوقود النظيف في قطاع الطيران، وأبرز التجارب للبلدان والشركات حول العالم، لتذليل العقبات خلال رحلة القطاع نحو الحياد الكربوني.

الوقود النظيف

أحد الحلول التي تثير اهتمام شركات الطيران ومصنعي الطائرات والجهات التنظيمية الحكومية هو وقود الطيران المستدام.

ويُعد الوقود المستدام بديلًا منخفض الكربون لوقود الطيران التقليدي المصنوع من النفط، ويتسبب في انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي.

وتعتمد صناعة وقود الطيران المستدام على النفايات الناتجة عن الزراعة والأسر والغابات والصناعة، ويمكن للعديد من البلدان النامية التي لديها قطاع زراعي ضخم أن تصبح موردة للسوق، ما يزيد من استقلاليتها في قطاع الطاقة.

وقود الطيران المستدام سلاح صناعة الطيران لإزالة الكربون

ومن مزايا الوقود المستدام أنه يتماشى مع الطائرات الحالية والبنية التحتية للتزود بالوقود.

ومع ذلك، ما تزال الصناعة ناشئة، وتواجه عقبات اقتصادية وتقنية ضخمة فيما يخص توسيع نطاق تطبيقها.

وبسبب محدودية القدرة الإنتاجية والفجوة الكبيرة في الأسعار مقارنة بالوقود التقليدي، يشكّل الوقود المستدام أقل من 0.1% من إجمالي وقود الطائرات المستعمل.

الإنتاج العالمي

لتسريع تحقيق أهداف القطاع، باتت الحكومات بحاجة إلى تقديم حوافز لتعزيز إنتاج الوقود النظيف.

وتشير تقديرات اتحاد النقل الجوي الدولي إلى أن الإنتاج العالمي سيصل إلى 80 مليون غالون على الأقل خلال عام 2022، بزيادة قدرها 200% عن مستويات 2021.

وقال اتحاد النقل الجوي الدولي إن هذه الأرقام تضع صناعة الوقود المستدام على المسار الصحيح لإنتاج 8 مليارات غالون سنويًا بحلول عام 2030، مضيفًا أن وقود الطيران المستدام أسهم في تسيير ما يربو على 450 ألف رحلة تجارية حتى الآن.

وأعلنت شركات الطيران 40 اتفاقية شراء مع منتجي وقود الطيران المستدام خلال عام 2022، وفقًا لاتحاد النقل الجوي الدولي.

وتُعد هذه الاتفاقيات طويلة الأجل مؤشرًا على حاجة الأسواق إلى توفير الوقود النظيف بكميات ضخمة.

وقالت شركة "جيت بلو إيرلاينز" إنها ستحول إستراتيجيتها لتحقيق الحياد الكربوني بعيدًا عن تعويضات الكربون، لإعطاء الأولوية لاستعمال الوقود النظيف.

والتزمت شركة دلتا إيرلاينز بإحلال 10% من وقود الطيران المستدام بحلول عام 2030 محل وقود الطائرات التقليدي.

وعلى صعيد متصل، تنفق شركة "ورلد إنرجي" 4 مليارات دولار، لتعزيز إنتاجها السنوي من الوقود المستدام إلى 500 مليون غالون بحلول عام 2026، وصولًا إلى مليار غالون بحلول عام 2030.

بينما تخطط شركة "لانزاجيت" لبيع مليار غالون سنويًا بحلول عام 2030.

وتسعى شركة نيسته أو واي جي الفنلندية، لإنتاج قرابة 495 مليون غالون سنويًا بحلول نهاية عام 2023.

الحياد الكربوني

على الرغم من استبعاد قطاع الطيران من اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015، وافقت الصناعة في سبتمبر/أيلول (2021) على الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

وخلال شهر أكتوبر/تشرين الأول (2022)، اعتمدت شركات الطيران المنضمة إلى الاتحاد الدولي للنقل الجوي الهدف نفسه في خطوة غير مسبوقة.

ويشكّل زيادة إنتاج الوقود المستدام وتوفيره مفتاحًا لإزالة الكربون من صناعة معروفة بأنها يصعب الحد من انبعاثاتها.

وللحد من انبعاثات صناعة الطيران مقارنة بمستويات عام 2019، يجب أن يمثّل وقود الطيران المستدام 10% من استهلاك وقود الطائرات في عام 2030.

وتتوقع شركة الاستشارات الإدارية العالمية أوليفر وايمان وصول الإنتاج في عام 2030 نحو 5.4 مليار غالون، ويمثل ذلك 5% فقط من استهلاك وقود الطائرات على مستوى العالم، وهذا أفضل السيناريوهات.

طائرة تستخدم الوقود المستدام
طائرة تستخدم الوقود المستدام – الصورة من موقع مجموعة لوفتهانزا

وأما السيناريو الأكثر ترجيحًا فهو وصول الإنتاج لقرابة 3.1 مليار غالون فقط، ويُترجم ذلك إلى زيادة انبعاثات شركات الطيران، بالنظر إلى النمو المطرد في الرحلات الجوية بجميع أنحاء العالم.

ولن يتوسع الإنتاج دون تعهدات ملزمة من شركات الطيران، ومن غير المرجح أن تقدم الشركات التزامات دون ضمانات بتوفير الإمدادات الكافية.

ورغم إدراك العديد من شركات الطيران الدور المحوري للوقود النظيف للمضي قدمًا في أهدافها الطموحة، يخشى منتجو الوقود المستدام إخلال الشركات بالتزاماتها، نظرًا إلى أن التكلفة تبلغ ضعفين أو 3 أضعاف سعر وقود الطائرات التقليدي.

شركات عربية تقود عملية التحول

برزت عدة شركات غربية وعربية في قطاع الوقود المستدام، وتواصل دورها الريادي في إنتاج أو تسيير الرحلات بالوقود النظيف.

وتمثل تجربة شركة طيران الإمارات الأخيرة لإطلاق طائرة تعمل بالوقود النظيف دليلًا واضحًا على مدى صلاحية وقود الطيران المستدام بصفته مصدرًا آمنًا وموثوقًا وبديلًا فعالًا للوقود التقليدي.

وكشفت الشركة في مطلع هذا الأسبوع عن أول رحلة من نوعها باستعمال الوقود المستدام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تستهدف أكبر شركة طيران في الشرق الأوسط خفض استهلاك الوقود التقليدي إلى النصف.

وحلّقت طائرة بوينغ 777 العاملة بمحركي "جي إي 90" بنجاح فوق سماء دبي لأكثر من ساعة، باستعمال الوقود النظيف بنسبة 100% بأحد المحركين.

وبالتزامن مع انطلاق قمة المناخ كوب 27 التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية، أطلقت الشركة الوطنية مصر للطيران أول رحلة تجارية من مطار شارل ديغول الفرنسي إلى مطار شرم الشيخ باستعمال وقود الطيران المستدام خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني (2022).

بالإضافة إلى ذلك، تهتم العديد من الشركات العربية بإنتاج الوقود النظيف وتطويره لقطاع الطيران.

ومن بين الشركات العربية الرائدة في هذا المجال، شركة البترول الكويتية العالمية التي التزمت بتوفير منتجات مستدامة لعملائها بجانب الوقود التقليدي.

وخلال عام 2021، بدأت الشركة تزويد مطار غاتويك البريطاني بأول شحنة من الوقود النظيف.

وفي سبتمبر/أيلول (2022)، وقّعت الشركة اتفاقية مع شركة "إيزي جيت" لتزويدها بوقود الطيران المستدام.

وسبق أن أعلنت شركة الفنار السعودية، خلال شهر مارس/آذار 2022، خططها لإنتاج الوقود المستدام وتطويره في شمال شرق بريطانيا بدعم من الحكومة البريطانية.

طائرة تستخدم الوقود المستدام في الطيران الصورة من موقع أربيان بيزنس
طائرة تستخدم الوقود المستدام – الصورة من موقع أربيان بيزنس

ويُعد المشروع الأول من نوعه في بريطانيا لإنتاج الوقود النظيف على نطاق تجاري في البلاد.

بينما استقبلت شركات مصدر الإماراتية وسيمنس إنرجي الألمانية وتوتال إنرجي الفرنسية وماروبيني اليابانية، العام الجديد (2023) بإعلان تحالف عالمي للمصادقة على مسار جديد يستهدف تحويل الميثانول إلى وقود مستدام.

إستراتيجيات عالمية

في السياق نفسه، اتخذت الدول والشركات الغربية خطوات جادة لتكثيف إنتاج الوقود النظيف واستعماله في قطاع الطيران.

ففي الولايات المتحدة، أطلقت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تحديًا لتوفير ما لا يقل عن 3 مليارات غالون من وقود الطيران المستدام سنويًا بحلول عام 2030، بالإضافة إلى إنتاج ما يكفي من الوقود بحلول عام 2050، لتلبية 100% من الطلب على وقود الطائرات، والمتوقع أن يصل إلى 35 مليار غالون سنويًا.

وعلى الصعيد الأوروبي، تتعاون المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية مع المؤتمر الأوروبي للطيران المدني، لوضع خريطة طريق لتطوير وقود الطيران المستدام في أوروبا.

وتأتي النرويج والسويد في صدارة الدول الأوروبية التي تتبنى الوقود النظيف، فالنرويج تُلزم موردي وقود الطائرات بمزج 0.5% من الوقود المستدام مع الكيروسين، وتهدف إلى زيادة النسبة لـ30% بحلول عام 2030.

بينما فرضت السويد سياسة لزيادة نسب مزج الوقود المستدام من 1% في عام 2021 إلى 30% بحلول عام 2030.

وبدءًا من عام 2025، من المتوقع وصول نسبة مزج الوقود المستدام إلى 2% في الاتحاد الأوروبي، وسترتفع إلى ما بين 63% و85% بحلول عام 2050، لكن ذلك يتوقف على نتائج المفاوضات القائمة.

أما في آسيا فقد أصبحت الصين من الدول الرائدة -أيضًا- في إنتاج وقود الطيران المستدام وتطويره.

ومنذ عام 2011، أنهت شركة سينوبك بالتعاون مع مؤسسة النفط الوطنية الصينية 4 تجارب طيران باستعمال الوقود الحيوي، بما في ذلك أول رحلة عبر المحيطات في البلاد باستعمال الوقود النظيف عام 2017، عندما نقلت طائرة تابعة لشركة هاينان إيرلاينز 186 راكبًا و15 من أفراد طاقمها من بكين إلى شيكاغو.

كما تهدف الحكومة اليابانية إلى إلزام شركات الطيران باستبدال وقود الطائرات المستدام بوقود الطائرات التقليدي، على أن تصل النسبة إلى 10% بحلول عام 2030.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق