هكذا تُشكّل مواقد الغاز خطرًا على أفراد المنزل.. رغم إغلاقها (دراسة)
رصد 200 مركب ضار بالإضافة إلى الميثان
عمرو عز الدين
أجرى باحثون دراسة على مواقد الغاز المنزلية المستعملة في أغراض الطهي، بهدف التعرف على ارتباطها بالتلوث البيئي ومصادره وآثاره في الصحة العامة للبشر.
وحذّرت دراسة أمريكية حديثة من مخاطر استعمال الغاز الطبيعي في المنازل لأغراض الطهي أو التدفئة على الصحة العامة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ودرس الباحثون عينات من مواقد الغاز في جميع أنحاء ولاية كاليفورنيا الأميركية، ليكتشفوا تسرُّب غاز الميثان من 52 موقدًا من أصل 53، اُختبرت في حالات التشغيل والإغلاق، وفقًا لوكالة بلومبرغ.
وانتهت الدراسة -التي نشرتها مجلة العلوم البيئية والتكنولوجيا الأميركية نهاية عام (2022)- إلى تساوي الأثر المناخي لمواقد الغاز المنزلية التي ينبعث منها غاز الميثان بالتأثير المتحقق من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية.
انبعاثات تعادل 500 ألف سيارة
قال معد الدراسة الأميركية الحديثة، إريك ليبل، إن الملاحظة الرئيسة للتجارب تشير إلى أن غالبية انبعاثات الميثان صدرت من مواقد الغاز والأفران المنزلية المغلقة بعد التشغيل.
وقدّر ليبل حجم تأثير غاز الميثان الصادر عن المنازل، بما يعادل الانبعاثات الصادرة عن 500 ألف سيارة تعمل بالغاز الطبيعي على الطرق السريعة سنويًا.
وتصطدم هذه النتائج بما ترسخ في أذهان غالبية سكان العالم على مدار عقود، إذ إن السائد أن غاز الميثان لا يمثل تهديدًا لصحة الإنسان، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتؤكد الدراسة الأميركية وجود علاقة قوية بين بعض أمراض الرئة وانبعاثات الميثان الصادرة عن مواقد الغاز المنزلية، خاصة مرض الربو.
ثلث المنازل ليست آمنة
يقول كبير الباحثين في معهد "بي إس إي هيلثي إنرجي"، درو ميكانوفيتش، إن مواقد الغاز الموجودة في ثلث المنازل الأميركية ليست آمنة تمامًا على صحة الأسرة ولا المناخ، على عكس السائد في أذهان الجمهور.
ويضيف ميكانوفيتش متهكمًا: "لقد حصلت مواقد الغاز على تصريح مجاني لتلويث الهواء في المنازل منذ عقود"، وفق التصريحات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وأرجع الباحث انتشار استعمال مواقد الغاز في المنازل الأميركية إلى الحملات التسويقية الناجحة التي تروج لها شركات الوقود الأحفوري منذ عقود، عبر إعلانات التلفزيون والصحف وملصقات الشوارع قديمًا، ومواقع التواصل الاجتماعي حديثًا.
وينضم إلى الرأى نفسه، أستاذ الصحة العامة في جامعة بوسطن، جوناثان ليفي، الذي لاحظ انصراف أذهان غالبية الجمهور إلى قضايا التلوث في الصناعات الكبيرة والطرق والنقل وغيرها.
ويقول جوناثان مستغربًا: "يبدو أن قلة من الناس هي التي تفكر في مصادر التلوث التي تستوطن مطابخنا، أو مباني مكاتبنا، أو مطاعمنا، أو أي مكان نقضي فيه معظم أوقاتنا اليومية".
الحقائق لا تتوقف على الإدراك
رغم ذلك، فالأمر برمته لا يتعلق بإدراك الجمهور من عدمه، فالحقيقة البسيطة تعني أن امتلاك أسرتك شعلة مكشوفة في المنزل يعرضها جميعًا للتلوث، وفقًا لأستاذ الصحة العامة.
ويتزايد إحساس مسؤولي الولايات الأميركية، وكذلك الوكالات الفيدرالية المركزية، بهذه المشكلة يومًا بعد يوم، بسبب كثرة الدراسات التي تؤكد هذه الحقائق الخطيرة عن مواقد الغاز في المنازل.
واختبرت دراسة أميركية أخرى معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد النيتروجين من مواقد الغاز في المنازل، وهو منتج ثانوي من عمليات الاحتراق.
وتوصلت الدراسة المرشحة لنيل درجة الدكتوراه في جامعة ستانفورد، إلى أن معدلات انبعاث هذا الغاز تتناسب مع كمية الغاز الطبيعي التي تحرق في المنزل، ما يعني أن استعمال المواقد الكبيرة يولّد انبعاثات أكبر من المواقد الأصغر.
كما يعني أن تشغيل أكثر من موقد واحد في الوقت نفسه، يولد انبعاثات أكبر لأحد أنواع غازات الاحتباس الحراري، وفقًا للدراسة.
المطبخ الصغير أخطر
إذا كان المطبخ صغير المساحة وضعيف التهوية، فقد تتضاعف تركيزات ثاني أكسيد النيتروجين في محيط المنزل، ما قد يعرّض أفراد الأسرة لاستنشاق هواء كثيف التلوث لمدة طويلة تؤثر في الرئة.
وتحدد وكالة حماية البيئة معيارًا للتعرض الآمن لثاني أكسيد النيتروجين في الهواء الطلق لمدة ساعة واحدة، لكن لا يوجد معيار صحي لانبعاث الغاز نفسه في الأماكن المغلقة، ما يجعل الأسر الأميركية في خطر مستمر دون دليل استرشادي، وفقًا للباحث الأميركي إريك بيل.
ورصدت دراسة أخرى أجراها عدد من الباحثين عام 2005 معدل تركيز أعلى لثاني أكسيد النيتروجين داخل المطابخ في مشروع الإسكان العام بمنطقة بوسطن الأميركية.
كما توصلت الدراسة إلى انخفاض هذه التركيزات بصورة كبيرة في حالة وضع المواقد في أماكن مفتوحة.
ما علاقة الربو بالمطابخ؟
تربط دراسات متراكمة في مجال الصحة العامة بين استنشاق ثاني أكسيد النيتروجين وبعض الأمراض التنفسية المنتشرة خاصة مرض الربو.
وحددت دراسة صادرة عام 2013 نسب العلاقة بين الطهي بالغاز الطبيعي، وتعرض أفراد الأسرة لخطر الإصابة بمرض الربو المرجو شفاؤه بنسبة 42%.
بينما حددت نسبة العلاقة الارتباطية بين خطر الإصابة بالربو مدى الحياة، وهذا الغاز المستوطن بالمنازل، بنسبة 24%.
وفي الوقت نفسه، لم تعثر الدراسة على أي دلالة ذات مغزى بالنسبة إلى حالات الأطفال المصابين بالربو، ممن يعيشون في منازل تحتوي على مستويات أعلى من ثاني أكسيد النيتروجين.
ورغم هذه المفارقة، أصر الباحثون على أن تُؤخذ هذه النتيجة الأخيرة بحذر، بسبب محدودية البيانات المتاحة مع الدعوة إلى اختبارها عبر تجارب أوسع.
الأطفال في خطر
توصلت دراسة هولندية صادرة عام 2013 إلى وجود علاقة قوية بين التعرض لثاني أكسيد النيتروجين في الهواء الطلق، وزيادة خطر الإصابة بالربو لدى الأطفال، وفقًا لأستاذ علم الأوبئة البيئية في جامعة أوتريخت الهولندية، لبيرت برونكوريف.
ويقول برونكوريف إن هناك مؤشرات وأسبابًا تدعو إلى الشك فيما يحدث داخل مناخ المنزل، بسبب مواقد الغاز التي تطلق غازات ملوثة.
وانتهت أحدث دراسة أخرى منشورة خلال ديسمبر/كانون الأول 2022، إلى أن مواقد الغاز في المنازل الأميركية مسؤولة عن 12.7% على الأقل من حالات الربو التي يتعرض لها الأطفال.
ورجحت الدراسة المنشورة في المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة، تزايد هذه النسبة إلى 19.3% في الولايات التي تستعمل مواقد الغاز في المنازل بصورة أكبر من غيرها، لا سيما ولايات كاليفورنيا وإلينوي وماساتشوستس ونيويورك.
صناعة الغاز تشكّك في الدراسات
بدأت بعض المنظمات البيئية في الولايات المتحدة الاهتمام بهذه الدراسات المتراكمة التي تحذّر الأسر الأميركية من مخاطر المطابخ المعتمدة على الغاز.
وخصّصت منظمة "آر إم آى" المعنية بقضايا الطاقة الخضراء برنامجًا لهذا الموضوع تحت شعار "نحو مبانٍ خالية من الكربون".
ويقول مدير البرنامج برادي سيلز: "لا نهدف من هذا البرنامج إثارة الفزع أو القلق لدى الأسر.. فقط نريد أن نشير إلى وجود خطر يجب التخفيف منه أو منعه".
وعلى الجانب الآخر، تشكك الرابطة الأميركية للغاز في الدراسات العلمية الصادرة في هذا المجال، وتتهمها بإثارة الفزع والخوف في نفوس أصحاب المنازل بلا سبب.
في أدراج الحكومة منذ 22 عامًا
بينما تقف وكالات حماية البيئة الفيدرالية في موقف وسط، لا يهاجم ولا يدافع، رغم وجود دراسات قديمة في أدراجها تحذّر من هذه المواقد منذ 22 عامًا.
وأكدت الدراسة الصادرة عام 2001 -بتمويل من مجلس موارد الهواء التابع لوكالة حماية البيئة في ولاية كاليفورنيا- أن المواقد الكهربائية والغازية يمكنها أن تنتج تلوثًا جسيمًا.
وخصت الدراسة مواقد الطهي العاملة بالغاز بالاحتمالات الأكبر، لانبعاث ثاني أكسيد النيتروجين بمعدلات تتجاوز إرشادات جودة الهواء في الأماكن المغلقة.
وتشير دراسات أخرى إلى أن مواقد الغاز يمكنها أن تصدر غازات أخرى ضارة بالصحة والمناخ خلافًا لثاني أكسيد النيتروجين.
فقد كشفت دراسات متصلة عن أن هذه المواقد يمكنها إطلاق أول أكسيد الكربون المهدد للحياة في مستويات تركيزه العالية.
كما يمكن للمواقد أن تطلق مجموعة من المواد الغازية المسرطنة، وبعض المواد الكيميائية الخطرة المعروفة بالمركبات العضوية المتطايرة، مثل البنزين والهكسان والتولوين.
رصد 200 مركب غازي آخر
اختبرت دراسة أُجريت عام 2022، عدد الانبعاثات غير الميثانية الصادرة عن مواقد الغاز المنزلية، وانتهت إلى اكتشاف 200 مركب آخر، تتفاوت درجة أضرارها البيئية والصحية.
ورصدت الدراسة انبعاث أكثر المواد سمية، مثل البنزين، في 90% من العينات، كما وجدت عناصر أخرى لا يمكن اكتشافها بحاسة الشم العادية.
ويقول كبير الباحثين في معهد هيلثي إنرجي، درو ميكانوفيتش، إن هذه الدراسات تسلط الضوء على فهم ما هو موجود بالفعل من مواد في أنابيب الغاز المنزلية.
ويبدو أن تيار الغاز الطبيعي داخل الأنابيب أكبر من مجرد غاز الميثان الذي يُعتقد أنه المكون الرئيس للغاز، فهناك ملوثات أخرى داخل الأنابيب نسنشقها مرغَمين، وفقًا لميكانوفيتش.
وغالبًا ما يوصي العلماء بحلول جزئية، من أبرزها فتح النوافذ جيدًا في أثناء الطهي، وزيادة عدد فتحات التهوية بالمطابخ، بالإضافة إلى استعمال الشفاطات بكثافة.
وتنصح بعض التوصيات الأغنياء أو ميسوري الحال ماليًا بخفض المخاطر إلى الصفر، من خلال التحول من مواقد الغاز إلى المواقد الكهربائية الآمنة.
موضوعات متعلقة..
- فرن يعمل بالهيدروجين يغير قواعد صناعة الزجاج
- تقنية ترفع إنتاج الهيدروجين الأخضر 14 ضعفًا بتكلفة أقل
- كوارث تغير المناخ تصيب الإنسان بأمراض المخ وضعف القدرات العقلية (دراسة)
- التدفئة باستخدام ثاني أكسيد الكربون.. علماء يختبرون أول تقنية من نوعها في العالم
اقرأ أيضًا..
- ابتكار بطاريات ليثيوم أيون صالحة للاستعمال المنزلي
- اليابان تلجأ إلى الطاقة النووية في إنتاج الهيدروجين
- ناقلات الفحم الأسترالي تتكدس في مواني "كوينزلاند".. ما دور الصين؟