أوروبا حائرة بين خفض أسعار الغاز وضمان أمن الإمدادات
دينا قدري
ما تزال دول الاتحاد الأوروبي منقسمة بشأن تحديد سقف لأسعار الغاز، وسط مخاوف من الإضرار بأمن الإمدادات في القارة العجوز.
ويتأرجح الأوروبيون -على مدى الأسابيع الماضية- بين الخوف من ترشيد الاستهلاك والخوف من رؤية الأسعار ترتفع إلى مستويات كارثية، بحسب ما أكدته صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وقد كافح وزراء الطاقة بالاتحاد الأوروبي، في اجتماعهم في بروكسل -الثلاثاء (13 ديسمبر/كانون الأول)- للاتفاق على سقف لأسعار الغاز، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ووسط توقعات بعدم التوصل إلى حل وسط، سيتمكن رؤساء الدول والحكومات الأوروبيون من التطرق مجددًا إلى معضلة سقف أسعار الغاز، في اجتماعهم في بروكسل الخميس 15 ديسمبر/كانون الأول.
أزمة نقص الغاز الروسي
منذ بدء الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، أدرك الأوروبيون أنهم لن يتمكنوا من الوصول -لمدّة طويلة- إلى الطاقة الرخيصة التي زوّدتهم بها روسيا لسنوات، وأنهم قد ينفد منهم الغاز.
وحتى هذا الصيف، كانت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 حريصة على رفع مستويات تخزين الغاز إلى أقصى درجة، حتى لو كان ذلك يعني دفع ثمن باهظ، من أجل السماح لدوله بقضاء شتاء 2022-2023 دون الغاز الروسي.
واستحوذت ألمانيا -التي كانت صناعتها القوية تعتمد بصفة كبيرة على الغاز الروسي- على أكبر كمية متاحة من الغاز في الأسواق هذا الصيف، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار لشركائها الأوروبيين.
وبالتالي، أصبح تضخم الميغاواط/ساعة في عدد من الدول الأوروبية هو الشاغل الرئيس.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مخزونات الغاز في عدد من الدول الأوروبية والمملكة المتحدة حتى أغسطس/آب المنصرم:
انقسام حول سقف أسعار الغاز
تسعى دول الاتحاد الأوروبي الـ27 إلى التوصل لاتفاق بشأن سقف أسعار الغاز، إلا أن الدول منقسمة بشدة إلى معسكرين.
فمن ناحية، يخشى مؤيدو سياسة عدم التدخل -بقيادة ألمانيا- أن يؤدي تحديد سقف لأسعار الغاز إلى إبعاد الموردين وزيادة الاستهلاك.
وقال دبلوماسي أوروبي ساخرًا: "إذا لم يكن هناك المزيد من الغاز، فإننا لا نهتم إذا كان رخيصًا"، وفق ما نقلته "لوموند".
وقد حذّر البنك المركزي الأوروبي -في 8 ديسمبر/كانون الأول- من أن "التصميم الحالي للآلية المقترحة قد يعرّض -في ظل ظروف معينة- الاستقرار المالي في منطقة اليورو للخطر".
وفي المعسكر الآخر، تخشى العديد من الدول -بما في ذلك إيطاليا- العواقب الاقتصادية والاجتماعية للتضخم المتسارع، نظرًا إلى أنها لا تملك موارد ميزانية برلين لدعم القوة الشرائية للأسر والقدرة التنافسية للشركات.
إلا أن هذه الدول تعرف -أيضًا- أنها لا تستطيع المخاطرة بنفاد الغاز في ألمانيا، لأن اقتصاداتها مترابطة للغاية.
مقترح أوروبي للسيطرة على الأسعار
في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، توصلت دول الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق سياسي بشأن العديد من النصوص التي -بمجرد دخولها حيز التنفيذ- يمكن أن تحد أيضًا من الزيادات المفرطة في الأسعار، وسط انقسامات حول سقف أسعار الغاز.
إذ اقترحت المفوضية الأوروبية سقفًا للأسعار بوصفه أحدث استجابة للاتحاد الأوروبي إلى الاضطراب الاقتصادي الناجم عن خفض روسيا لشحنات الغاز إلى أوروبا في العام الجاري (2022)، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
وينص الاتفاق على تنفيذ الحد الأقصى إذا تجاوز عقد الشهر الأمامي لمرفق نقل الملكية الهولندي "تي تي إف" 275 يورو (289.61 دولارًا)/ميغاواط ساعة لمدّة أسبوعين، وإذا كان العقد أعلى بـ58 يورو (61.08 دولارًا) من السعر المرجعي للغاز المسال لمدّة 10 أيام.
وبالتالي، لم يجرِ اعتماد الاقتراح التشريعي الذي يهدف إلى تسريع إصدار التصاريح لمشروعات مزارع الرياح ومنشآت الطاقة الشمسية الأخرى، وبالتالي تكثيف مصادر الطاقة المتجددة.
واتفقت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 فقط على تنظيم عمليات الشراء المشتركة للغاز من قبل الأوروبيين، بالإضافة إلى التضامن بين دول المجموعة في حالة نفاد الغاز في إحداها.
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- تطورات الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا:
انقسام أوروبي مستمر
كافح وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم في بروكسل -مساء أمس الثلاثاء (13 ديسمبر/كانون الأول)- للاتفاق على سقف لأسعار الغاز، بعد أشهر من الخلاف الداخلي حول ما إذا كان الإجراء يمكن أن يخفف من أزمة الطاقة في أوروبا.
وأدت الانقسامات بين الدول إلى أن الاجتماع تجاوز نهايته المقررة في وقت مبكر من بعد ظهر اليوم، وفق ما نقلته وكالة رويترز.
وقال دبلوماسي كبير في الاتحاد الأوروبي: "المسألتان الرئيستان هما مستوى سقف الأسعار ونطاقه"، مضيفًا أن كل الدول ليست منفتحة على إبرام اتفاق، وأن ألمانيا كانت من بين المعارضين.
وشدد مسؤولو الاتحاد الأوروبي على أن بعض الدول المؤيدة لتحديد سقف الأسعار غير راضية عن النص الأخير.
إذا لم يجرِ التوصل إلى اتفاق، فمن المرجح أن يتصاعد النقاش إلى اجتماع لزعماء دول الاتحاد الأوروبي يوم الخميس (15 ديسمبر/كانون الأول)، قبل أن يجتمع وزراء الطاقة مرة أخرى الأسبوع المقبل.
بنود الصفقة المرتقبة
يُمكن أن تستند أي صفقة إلى التفاصيل الفنية، بما في ذلك مدى ارتفاع سقف الأسعار، وعقود الغاز التي تنطبق عليه، والضمانات، مثل تمكين الاتحاد الأوروبي من تعليق السقف على الفور إذا كانت له عواقب غير مقصودة.
بحثًا عن حل وسط، صاغت جمهورية التشيك -التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي- اقتراحًا جديدًا ينص على تنفيذ الحد الأقصى إذا تجاوزت الأسعار نطاقًا يتراوح بين 200 و220 يورو (212.5 و233.7 دولارًا أميركيًا) لكل ميغاواط ساعة على مدار 3 إلى 5 أيام، على عقد الشهر الأمامي في مرفق نقل الملكية الهولندي "تي تي إف".
ويجب أن يكون سعر العقد -أيضًا- أعلى بمقدار 35 يورو (37.19 دولارًا) من السعر المرجعي بناءً على تقييمات أسعار الغاز المسال الحالية.
الاقتراح أقل من الحد الأقصى للسعر 275 يورو (292.17 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة الذي اقترحته المفوضية الأوروبية، وما يزال قيد المراجعة اليوم الثلاثاء.
موضوعات متعلقة..
- سقف أسعار الغاز.. 6 دول في الاتحاد الأوروبي تحدد "الخطوط الحمراء"
- ألمانيا تعتزم السماح لمزودي الطاقة برفع أسعار الغاز.. مقابل شرط واحد
- اختلاف أسعار الغاز في أوروبا عقبة أمام توغل الصادرات الأميركية (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- انتهاء أزمة ناقلات النفط العالقة في المياه التركية
- أول تفاصيل عن مشروع الطاقة النووية في السعودية (خاص)
- محطات الطاقة الشمسية العائمة.. هل توفر طاقة نظيفة دون مخاطر بيئية؟ (تقرير)
- تقييد السيارات الكهربائية في سويسرا يُفسح المجال لمبيعات البنزين والديزل (تقرير)