بريطانيا تعطي الضوء الأخضر لتطوير منجم فحم جديد وتخاطر بأهدافها المناخية
بعد 30 عامًا
مي مجدي
أعطت الحكومة البريطانية الضوءَ الأخضر لتطوير أول منجم فحم في البلاد منذ 30 عامًا، بعدما واجه تأجيلًا لعدة مرات، وكان للقرار وقع الصاعقة على النواب من جميع الأطياف السياسية والجماعات البيئية وحتى الهيئة الاستشارية الحكومية المختصة بسياسة المناخ.
فقد منح وزير الدولة للإسكان والمجتمعات والحكومة المحلية في المملكة المتحدة، مايكل غوف، الموافقة لشركة "ويست كمبريا ماينيغ" لتطوير منجم "وودهاوس كوليري" بقيمة 165 مليون جنيه إسترليني (201 مليون دولار)، في وقت متأخر من يوم الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول (2022).
ومن المتوقع أن ينتج المشروع قرابة 2.7 مليون طن سنويًا من فحم الكوك حتى عام 2049؛ لاستخدامه في صناعة الصلب، وسيسهم في توفير 500 وظيفة.
وتشير التقارير إلى أن أكثر من 80% من إنتاج المنجم سيُصدر إلى أوروبا، حسب وكالة رويترز.
وقالت الحكومة إن مفتش تخطيط مستقلًا أوصى بالموافقة، حيث سيُستخدم الفحم في إنتاج الصلب ليحل محل الفحم المستورد وليس لتوليد الكهرباء.
وتسبب القرار الأخير في إثارة موجة انتقادات حادة من اللجنة الاستشارية للمناخ التابعة للحكومة البريطانية، وأحزاب المعارضة ونشطاء المناخ والمنظمات.
كما أنه يتعارض مع الجهود المبذولة من قِبل الحكومة البريطانية في السنوات الأخيرة؛ للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وخاصة الفحم، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
تطوير أول منجم فحم جديد في بريطانيا
تُعَد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من حرق الفحم أكبر متسبب في تغير المناخ، وبات التخلص من الوقود الملوث ضرورة لا غنى عنها لتحقيق أهداف المناخ العالمية.
وكانت بريطانيا -مهد الثورة الصناعية- توظّف نحو 1.2 مليون شخص في 3 آلاف منجم، وأغلقت آخر منجم لاستخراج الفحم من منخفضات عميقة في عام 2015.
وكُشف النقاب عن مشروع وودهاوس كوليري لأول مرة في عام 2014، ووافق مجلس مقاطعة كمبريا على المشروع في عام 2020، لكن مصيره ظل معلقًا لمدة عامين؛ إذ علقت الحكومة الموافقة على المشروع في مطلع 2021؛ أي قبل عقد مؤتمر المناخ كوب 26 في غلاسكو، بعدما قال مستشار الحكومة لتغير المناخ إنه سيزيد من انبعاثات الكربون.
وأعرب رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، عن مخاوفه من تنفيذ المشروع خلال العام الماضي (2021)، موضحًا أنه لا يؤيد استخدام المزيد من الفحم، لكن كلًا من النواب المحافظين المحليين، مارك جينكينسون وترودي هاريسون أيّدا المشروع.
وجادل هاريسون بأن صناعة الصلب ستحتاج إلى توفير فحم الكوك من مصدر ما، وليس من المنطقي غض الطرف عن الانبعاثات البحرية.
وسيستغرق بناء منجم الفحم الجديد، الذي تبلغ مساحته نحو 60 ملعب كرة قدم أو 23 هكتارًا، عامين بتكلفة قُدرت في عام 2019 بنحو 165 مليون جنيه إسترليني (201 مليون دولار أميركي)، ومن المقترح تشغيله لمدة 50 عامًا.
ويجادل النقاد بأن الطلب على الفحم في صناعة الصلب آخذ في الانخفاض مع اتجاه الصناعة نحو الهيدروجين.
أسباب الحكومة
خلص خطاب القرار المكون من 419 صفحة والمنشور أمس الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول (2022)، إلى أن تطوير منجم فحم جديد سيكون له أثر محايد في تغير المناخ.
وتضمّنت العوامل المؤيدة للاقتراح الفوائد الاقتصادية وتوفير مصدر محلي للإمدادات لصناعة الصلب.
وأعرب وزير الدولة للإسكان والمجتمعات والحكومة المحلية في المملكة المتحدة، مايكل غوف، عن قناعته بوجود سوق للفحم في المملكة المتحدة وأوروبا، وأن القرار يتوافق مع سياسات الحكومة بشأن الحد من انبعاثات الكربون.
وأشار غوف إلى عدم جاهزية التقنيات الصديقة للبيئة لصناعة الصلب؛ ما يعني أن الصناعة في بريطانيا وأوروبا ستواصل استخدام أفران الصهر حتى عام 2040 على الأقل وربما حتى عام 2050؛ ما أدى إلى الحاجة إلى فحم الكوك، مؤكدًا في هذه النقطة ضرورة زيادة استخدام آليات احتجاز الكربون وتخزينه.
وقال إن حالة عدم اليقين في مدى سرعة توفير البدائل التجارية والقابلة للتطبيق لأفران الصهر والمحول الأكسجيني، جعلت من الصعب التنبؤ بالطلب طويل الأجل لفحم الكوك.
ولا يعتقد أن عملية الاختزال المباشر للهيدروجين ستؤدي إلى انخفاض كبير في الطلب على فحم الكوك على مدى العقد المقبل.
كما يوافق غوف على وجود حالة ضبابية بشأن إسهامات أفران القوس الكهربائي بقوة في إنتاج الصلب ببريطانيا على المديين القصير (من 5 إلى 10 سنوات) والمتوسط (من 10 إلى 15 عامًا).
ونظرًا إلى أن الطلب على الصلب، ومن ثم فحم الكوك، سيظل مرتفعًا، قال غوف إن التطوير المقترح سيسهم بجزء ضئيل من الإمدادات العالمية، ولن يكون لها تأثير في سعر فحم الكوك أو الطلب على الصلب.
وأضاف غوف أن شركة ويست كمبريا ماينيغ بإمكانها توفير الفحم لمصنعي الصلب المحليين بدلًا من استيراده من دول أخرى، مثل الولايات المتحدة.
وأوضح أن هذه الخطوة ستساعد في خلق شبكة إمدادات موثوقة ومتنوعة، وتجنب حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد نتيجة الكوارث الطبيعية أو سوء الأحوال الجوية أو الاعتبارات الجيوسياسية.
قرار يضر بسمعة بريطانيا
في وقت سابق، أقرت بريطانيا قوانين تطالبها بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
إلا أن بناء منجم الفحم المثير للجدل يضرب بهذه الخطط عرض الحائط، بحسب النقاد.
فقد انتقد رئيس لجنة تغير المناخ المستقلة في بريطانيا، جون غومر، الموافقة على مشروع وودهاوس كوليري.
وقال، في بيان، إن التخلص التدريجي من استخدام الفحم يُعَد أكثر المطالب وضوحًا المتعلقة بالجهود العالمية لتحقيق الحياد الكربوني، ومن شأن هذا القرار أن يزيد الانبعاثات العالمية.
في حين يرى أستاذ الموارد والسياسة البيئية في معهد "يو سي إل" للموارد المستدامة، بول إلكينز، أن افتتاح أول منجم فحم جديد بعد 30 عامًا في بريطانيا بمثابة خطوة إلى الوراء في الأهداف المناخية بالبلاد، وسيضر بسمعتها التي اكتسبتها بشق الأنفس.
وقال إن القرار سيضع بريطانيا أمام اتهامات بالنفاق، خاصة أنها تطالب الدول الأخرى بالتخلص من الفحم، بينما هي لا تفعل الأمر نفسه.
على صعيد متصل، زعم نشطاء المناخ أن إنتاج الفحم من المنجم يحتوي على نسبة عالية من الكبريت؛ ما يجعله غير مناسب لصناعة الصلب في بريطانيا، مؤكدين أن فتح منجم فحم جديد سيزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
في المقابل، قال وزير الدولة للإسكان والمجتمعات والحكومة المحلية في المملكة المتحدة، مايكل غوف، إن إنتاج الفحم من المنجم سيكون غير ضار للبيئة مقارنة بإنتاج الفحم من المناجم في الدول الأخرى.
وأوضح أن الشركة ستستخدم آليات احتجاز الكربون وتعويض انبعاثات الكربون، كما التزمت باحتجاز انبعاثات غاز الميثان وتخزينها، مشيرًا إلى أن المنجم المقترح سيكون في وضع أفضل بكثير من أي منجم آخر في العالم.
توقيت ساخر
قال نقاد القرار إن الإعلان جاء في توقيت ساخر لإرضاء نواب حزب المحافظين غير الراضين عن الحكومة لإنهاء الحظر المفروض على مشروعات الرياح البرية الجديدة.
ويجادل النقاد بأن حرق المزيد من الفحم هو نقيض لخطط تعزيز مصادر الطاقة الخضراء.
وقال وزير تغير المناخ في حكومة الظل، إد ميليباند، إن تطوير منجم فحم جديد ليس حلًا لأزمة الطاقة، ولن يصب في مصلحة منتجي الصلب في بريطانيا.
في حين انتقدت النائبة في حزب العمال زارا سلطانة حزب المحافظين، قائلة إنه يضع صناعة الوقود الأحفوري قبل المواطنين والكوكب، ووصفت القرار بأنه "مخجل".
أما النائبة عن حزب الخضر، كارولين لوكاس، فرأت أن القرار يُشكّل جريمة مناخية ضد الإنسانية، وأن مصداقية الأهداف المناخية في البلاد في حالة يرثى لها.
وجهة نظر صناعة الصلب
على الجانب الآخر، تخطط شركتا بريتيش ستيل وتاتا -المصنعان للصلب باستخدام الفحم في المملكة المتحدة- لاستخدام تقنيات منخفضة الكربون.
ويقدر الخبير في الصناعة، كريس ماكدونالد، أن الشركات البريطانية ستستخدم 10% من إنتاج المنجم، وبحلول عام 2030، لن تحتاج إليه، وهذا يعني أن المنجم الجديد سيُصدر كل إنتاجه.
وقال الرئيس التنفيذي السابق لشركة بريتيش ستيل، رون ديلان، إن القرار غير منطقي؛ نظرًا إلى وجود ما يكفي من الفحم في السوق الحرة.
وتابع: "صناعة الصلب في بريطانيا بحاجة إلى استثمارات صديقة للبيئة، مثل أفران القوس الكهربائي والهيدروجين".
موضوعات متعلقة..
- منجم فحم يضع الجهود المناخية لبريطانيا على المحك
- بريطانيا تعيد النظر في مشروع منجم الفحم المثير للجدل
- بأمر قضائي.. خفض الانبعاثات يجبر بريطانيا على إعادة النظر في إستراتيجية المناخ
اقرأ أيضًا..
- قرار أوبك+ لن يعوق توازن سوق النفط في 2023 (تقرير)
- ملياردير أسترالي يدعم طاقة الرياح لإنتاج 5 غيغاواط بحلول 2030
- إيرادات النفط تقود موازنة السعودية لتسجيل أول فائض منذ 2013