خطط إزالة الكربون في النقل البحري تصطدم بمخاوف الاعتماد على الوقود البديل (تقرير)
عمرو عز الدين
تواجه خطط إزالة الكربون في النقل البحري في آسيا معضلات ناشئة عن تعدّد أنواع الوقود البديل، وضعف الثقة بالاعتماد عليها في ظل حالة من عدم اليقين بشأن تكلفتها وجدواها وتجربتها على حالات الصناعات البحرية.
اشتكى مشاركون في ندوة بحرية نظمها مركز دراسات الطاقة البحرية والتنمية المستدامة (إم إي إس دي)، من صعوبة الاختيار بين بدائل ما زالت بحاجة إلى اختبار على نطاق واسع، وفقًا لموقع أرغوس المتخصص في تحليل أسواق الطاقة عالميًا (Argus media).
فعلى الرغم من اتفاق المشاركين على أهمية خطط إزالة الكربون في الصناعات البحرية عبر التخلص من الوقود الأحفوري المستخدم حاليًا؛ فإنهم انقسموا بشأن مدى جاهزية أنواع الوقود الأخضر لدخول الصناعة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
تتعدد أنواع الوقود البديل المتاحة أمام الصناعات البحرية في آسيا والعالم، بداية من الوقود الحيوي والميثانول، وصولًا إلى الأمونيا والهيدروجين الأخضر، لكن لكل نوع مزايا وعيوبًا تثير مخاوف الذين اعتادوا على أنواع الوقود الأحفوري منذ عقود.
سنغافورة لا يمكنها الانتظار
يقول مسؤول قسم التقنيات بشركة جورونغ بورت المشغلة لمواني سنغافورة، تان وي مينغ، إن بدائل الوقود الأحفوري ما زالت محاطة بسياج من عدم اليقين؛ ما يهدد أصول الصناعة ويعرّض اقتصادات المواني في سنغافورة للخطر.
وأضاف مينغ: "سنغافورة هي أكبر مركز لتزويد السفن بالوقود في العالم، ولا يمكن لموانيها أن تظل في حالة انتظار لمراقبة اتجاهات أسواق الوقود البديل وإلى أين ستستقر".
وتابع مينغ: "إذا فعلت المواني ذلك؛ فلن تضطر فقط لانتظار الشركات المصنعة للمحركات لتعديل أنظمة محركاتها وتطويرها، ولكن ستضطر -أيضًا- إلى انتظار مالكي السفن لتجربة هذه المحركات التي تعمل بالوقود البديل".
الصين تثير المخاوف
كذلك تواجه سنغافورة منافسة إقليمية شرسة من الصين للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من سوق تموين السفن العالمية التي تُقدَّر بنحو 32 مليار دولار، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
تبنّت الصين -ثاني أكبر اقتصاد في العالم- خطة توسعات ضخمة في مجالات المواني ومنشآت التكرير، خلال السنوات الماضية؛ ما مكّنها من زيادة مبيعات الوقود البحري وجذب مزيد من السفن.
تشير إحصاءات حديثة إلى تضاعف مبيعات الوقود البحري في الصين، خلال السنوات الـ5 الماضية، لتسجل 16.9 مليون طن خلال عام 2020؛ ما يمثل مصدر قلق ليس فقط لمواني سنغافورة، بل لكوريا الجنوبية واليابان -أيضًا-.
ورغم أن رقم المبيعات الصيني ما زال أقل من مبيعات سنغافورة التي نجحت في بيع 50 مليون طن وقود بحري خلال عام 2020، ما يعادل خمس المبيعات العالمية؛ فإن السنوات المقبلة ربما تشهد تحولات قد تقلب الموازين الآسيوية في مجالات الشحن البحري رأسًا على عقب.
لا تتعدى مساحة سنغافورة 728 كيلومترًا مربعًا، كما لا يتجاوز عدد سكانها 5.5 مليون نسمة، إلا أنها تتميز بموقع جغرافي مميز جنوب شرق آسيا، كما تعد من أغنى البلاد الآسيوية في الوقت الحالي بعد أن كانت من أفقرها منذ عقود قليلة مضت.
استطاعت هذه الدولة الصغيرة أن تطور قطاع المواني والشحن البحري بصورة مذهلة مكّنتها اليوم من الربط بين أكثر من 600 ميناء في العالم، كما نجحت في تطوير أكبر ميناء للحاويات العابرة في العالم (تشانجي)، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
شكوك حول الوقود الأخضر
يخشى الفاعلون في قطاع المواني وشركات الخدمات البحرية من اتخاذ قرارات متسرعة باتجاه التحول إلى أنواع الوقود البديل المحاطة بعدم اليقين سواء من ناحية التقنيات الفنية أو التكاليف.
وأبدى رئيس إدارة أسطول الخدمات البحرية في سنغافورة، برنارد وونغ، شكوكًا حول مدى صلاحية جميع أنواع الوقود البديل للتطبيق في كل الحالات؛ ما يُسهِم في خلق حالة من الارتباك في قطاعات تعودت على أنماط مستقرة من الوقود.
كما طرح مدير المبيعات البحرية في شركة رولز رويس سوليوشنز، تشيو شيانغ، تساؤلات أخرى حول مدى قدرة سنغافورة على التحوّل السريع باتجاه الوقود الأخضر وإزالة الكربون.
وأشار شيانغ إلى أهمية التركيز على البدائل العملية التي تأخذ في حسبانها عوامل السلامة والمرونة وسهولة التزود بالوقود، إضافة إلى جوانب التكلفة التجارية التي تنعكس على سؤال رئيس في قطاع النقل البحري (مَن يدفع أقساط التأمين؟).
الانتقال قد يستغرق 15 عامًا
يرى شيانغ ضرورة ترشيد قرارات الاستثمار في الوقود البديل، خلال السنوات المقبلة، بالنظر إلى أن عملية تطوير الأصول والمحركات ربما تستغرق مدة طويلة تتراوح بين 10 و15 عامًا.
وتحتاج السفن -أيضًا- إلى احتياجات لوجستية متعددة ومكلّفة لتجربة المحركات في الماء؛ ما يعني أن عملية الشروع في تعديل البنية التحتية للمواني ربما تتأخر لمدة ليست بالقصيرة، وقد لا يتحملها القطاع في ظل الإضرابات العالمية الحالية، بينما يطالب أنصار البيئة والمناخ بالإسراع في عمليات إحلال الوقود البحري.
أما تان وي مينغ، مسؤول قسم التقنيات بشركة جورونغ بورت؛ فقد خالفه الرأي باتجاه أكثر حماسًا؛ إذ يرى أن سنغافورة قادرة على التعامل مع أنواع الوقود البديلة حتى لو كان بعضها خطيرًا.
يقول تان: "قد تكون هناك أمور مجهولة عند إجراء دراسات جديدة، لكن التخلي عن فكرة رائدة لصالح فكرة أقل لمجرد التكلفة المرتفعة، غير منصف ولا يشجع على التعاون على التحول الأخضر عالميًا".
الهيدروجين أكثر ملاءمةً للسفن
تمثّل عملية إزالة الكربون من قطاع الشحن البحري أحد التحديات البارزة التي تواجه خطط التحول المناخي وخفض الانبعاثات في العالم.
وتتجه أنظار المختصين ببدائل الوقود إلى الهيدروجين الأخضر السائل؛ بوصفه أنسب وقود بديل في مجالات الشحن البحري.
ويتميّز الهيدروجين -خلافًا لغيره من بدائل الوقود الأخرى- بسهولة تأقلمه مع أنظمة تشغيل أغلب السفن الحالية بقليل من التعديلات الفنية والتقنية.
كما يمكن تخزين الهيدروجين بكميات كبيرة لمدد طويلة من الزمن؛ ما يلائم طبيعة رحلات السفن والحاويات في البحر.
وتشير دراسة، أجراها المنتدى البحري العالمي، إلى أن الهيدروجين الأخضر يمكنه أن يسير 43% من الرحلات البحرية بين الولايات المتحدة والصين دون أي تغييرات فنية على محركات السفن.
كما يمكنه أن يحل محل الوقود الأحفوري في تسيير رحلات بحرية أخرى مع تغييرات طفيفة طفيفة في سعة الوقود وأنظمة تشغيل السفن؛ ما يُسهِم في جهود إزالة الكربون البحري عالميًا.
وتثق الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" بقدرة الهيدروجين الأخضر على إزالة الكربون البحري وتخليص قطاع الشحن من 80% من انبعاثاته بحلول عام 2050.
انبعاثات صناعة الشحن
تحتل صناعة الشحن البحري المركز السابع عالميًا في حجم الانبعاثات الملوثة للمناخ بنسبة 3% من إجمالي غازات الاحتباس الحراري في العالم.
وغالبًا ما تعول الأنظار البيئية على قارة آسيا لتعزيز جهود إزالة الكربون البحري لثقلها التجاري والصناعي في العالم وريادة صناعات الشحن البحري بعديد من بلدانها ولا سيما سنغافورة والصين واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها .
وتدور خطط إزالة الكربون في آسيا حول عدة تدابير رئيسة؛ أهمها كهربة قطاع الشحن البحري بصورة غير مباشرة عبر التوجه إلى الهيدروجين الأخضر أو الوقود الحيوي، إضافة إلى تحسين كفاءة أنظمة تشغيل محركات السفن.
ضريبة الكربون
رغم الاهتمام العالمي المتزايد بتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في منطقة جنوب شرق آسيا؛ فإن الآفاق المستقبلية لهذه الطموحات ما زالت متواضعة في ظل ضعف التمويل الحكومي وضعف انجذاب محركات الأسواق إلى هذه التقنيات.
ويقول المحلل لدى معهد اقتصاديات الطاقة، بوترا أديغونا، إن تقنية احتجاز الكربون وتخزينه لا يمكن اعتمادها داخل جنوب شرق آسيا، إلّا في بيئة تعتمد تسعيرًا مرتفعًا للكربون مع تنظيم صارم للانبعاثات، وهذا لا يوجد في المنطقة سوي في سنغافورة.
وأعلنت سنغافورة، في يناير/كانون الثاني 2022، رفع معدل أسعار ضريبة الكربون إلى 16 ضعفًا، مع زيادتها تدريجيًا حتى عام 2030.
كما أعلنت هيئة الملاحة البحرية والمواني السنغافورية، في أبريل/نيسان 2021، خطة لإنشاء مركز عالمي لإزالة الكربون البحري بحلول 2050.
تخطط أغلب الدول المتقدمة للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050، بينما تتأخر خطط الصين إلى 2060، أما الهند فستكون آخر دول العالم وصولًا في عام 2070.
موضوعات متعلقة..
- احتجاز الكربون وتخزينه.. آفاق ضبابية في جنوب شرق آسيا (تقرير)
- نظام جديد لاحتجاز الكربون وتخزينه على متن السفن بحلول 2023
- سنغافورة تشجّع استخدام وقود الطيران المستدام في خطوطها الجوية
اقرأ أيضًا
- ألمانيا تغادر معاهدة ميثاق الطاقة.. وهابيك: عقبة أمام التغيير
- يونيبر الألمانية تقاضي غازبروم لتعويضها عن خسائر توقف الغاز الروسي
- خطط أوروبية طموحة لإزالة الكربون من الغلاف الجوي وتحقيق التحول الأخضر (تقرير)