إرجاء التنقيب عن النفط والغاز بالقطب الشمالي يسعد نشطاء البيئة في النرويج
حتى 2026
عمرو عز الدين
سادت حالة من الفرحة العارمة بين نشطاء البيئة وأنصار المناخ في النرويج بعد قرار شركة إكوينور النرويجية إرجاء مشروع التنقيب عن النفط في القطب الشمالي حتى عام 2026.
وقالت منظمة السلام الأخضر النرويجية (غرين بيس) إن قرار إكوينور إرجاء مشروع "وستنغ" النفطي بالقطب الشمالي يمثل تحولًا كبيرًا لا يكاد يُصدّق بالنسبة للمناخ والطبيعة والتحول الأخضر، وفقًا لوكالة رويترز.
تشير تقديرات المنظمة، التي تضم عددًا من نشطاء البيئة في 40 دولة، إلى أن قرار إرجاء التنقيب عن النفط والغاز سيُسهِم في إبقاء 200 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون بباطن الأرض حتى 2026؛ ما يعني خفض معدلات التلوث المستقبلي بصورة أو بأخرى، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ضربة لآمال حكومة النرويج
يُعَد هذا الإجراء بمثابة ضربة لآمال الحكومة النرويجية وطموحاتها في زيادة إنتاج النفط والغاز وخلق عشرات الآلاف من الوظائف المرتبطة بهذه المجالات.
وعوّلت الحكومة النرويجية على هذا الحقل كثيرًا استنادًا إلى تقديرات فنية ترجح بأن يصبح أكبر مشروع نفطي في تاريخها، لكن نشطاء البيئة يرون في هذا المشروع -منذ البداية- تهديدًا للوضع البيئي الهش بالقطب الشمالي.
يعبر عن هذا المعنى رئيس غرين بيس البيئية، فرود بليم، بقوله: "إن قرار إكوينور يعني أن الطبيعة الضعيفة للقطب الشمالي ستترك بمفردها بمعزل عن التدخلات البشرية حتى عام 2026 ".
أما وكالة البيئة النرويجية (الحكومية)؛ فقد أشارت إلى أن شركة إكوينور وحلفاءها أخفقوا في تقديم خطط جادة للتنقيب الآمن بحقل ويستنغ بالقطب الشمالي، وفقًا لتعهداتهم السابقة.
كانت إكوينور وشركاؤها النرويجيون واليابانيون قد تعهّدوا، في وقت سابق، بتطوير تقنيات تساعد في تطوير أعمال التنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي بطرق آمنة بيئيًا.
ويتزامن إرجاء المشروع مع اجتماع أغلب الدبلوماسيين ونشطاء البيئة في العالم بمدينة شرم الشيخ المصرية، التي تستضيف نسخة قمة المناخ كوب 27، على أمل في إحراز تقدم في الالتزامات الدولية بالبيئة لوقف أسوأ عواقب مناخية مقبلة يحذر منها علماء المناخ.
ارتفاع التكاليف سبب الإرجاء
تقول الشركة النرويجية -التي تسيطر عليها الحكومة- إن السبب الرئيس لإرجائها هذا المشروع هو ارتفاع التكاليف واختناق سلاسل التوريد حول العالم .
وتمتلك النرويج بالفعل حقلين للغاز بمنطقة القطب الشمالي، كما تمتلك حقل نفط أيضًا؛ ما يعني أن مشروع "وستنغ" النفطي المؤجل هو رابع حقل نرويجي في هذه المنطقة.
وتقول إكوينور إن زيادة التكاليف سببها ارتفاع التضخم العالمي، وتضاعف تكاليف صناعة التوريد على المستوى الوطني والدولي، إضافة إلى حالة من عدم اليقين تختص بشروط المشروع وحالة السوق.
وتشير تقديرات الشركة النرويجية المحدثة إلى تضخم التكلفة الاستثمارية لمشروع ويستنغ النفطي إلى 204 مليارات كرونة (10 مليارات دولار)، مقارنة بتقديرات سابقة تتراوح بين 60 و75 مليار كرونة؛ ما يعني ارتفاع التكلفة بنسبة 30% على الأقل.
الضغوط السياسية حاضرة
قال المحلل في مؤسسة إيه بي جي سوندال كوليير، جون أوليسن، إن الإرجاء الطويل يعني أن ملف مشروع ويستنغ قد وضع في الأدراج؛ ما يمثل ضربة كبيرة لصناعة التنقيب في بحر بارنتس.
واتفق أوليسن مع الأسباب الظاهرة المعلنة من قبل الشركة النرويجية، لكنه لم يغفل وجود ضغوط سياسية أسهمت في إرجاء المشروع.
فعلى الرغم من حصول المشروع على أغلبية برلمانية؛ فإن أصوات المعارضة الشبابية في تصاعد حتى داخل الحزب الحاكم، إضافة إلى نمو الاعتراض داخل حزب يساري يعتمد عليه الائتلاف الحاكم في ضمان الأغلبية اللازمة لتمرير القوانين في البرلمان.
وكان من المقرر أن تقدم إكوينور وشركاؤها خططًا لتطوير المشروع إلى السلطات المختصة في ديسمبر/كانون الأول (2022)، تمهيدًا لاستصدار قرار حكومي بشأنه في بدايات 2023.
وقال وزير النفط النرويجي، تاريه أوسلاند، إن شركة إكوينور لم تلغِ خططها بشأن مشروع ويستنغ، لكن أجّلتها، في إشارة إلى احتمالية التراجع عن الإرجاء الطويل إلى إرجاء أقصر.
3 شركات نرويجية
يتوزّع هيكل ملكية مشروع ويستنغ بين 3 شركات نرويجية تستحوذ مجتمعة على 90%، وشركة يابانية تستحوذ على 10%، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتبلغ حصة إكوينور 35%، كما تمتلك شركة أكر بي بي النرويجية حصة مماثلة، بينما تستحوذ شركة بيترو النرويجية على 20%، إضافة إلى حصة 10% لشركة إينبكس إديمستو، أكبر شركة يابانية منتجة للنفط الغاز .
وتعد النرويج أكبر منتج للنفط الخام في أوروبا بمعدل إنتاج 4 ملايين برميل من المكافئ النفطي يوميًا، كما تصنف باعتبارها أكبر مورد غاز طبيعي لأوروبا.
وتستهدف النرويج تسجيل رقم قياسي من إيرادات النفط والغاز قد يصل إلى 131 مليار دولار، خلال عام 2023، مستفيدة من ارتفاع الأسعار العالمية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتضاعفت أسعار الغاز الأوروبية 3 مرات تقريبًا في عام 2022 بعد خفض روسيا للإمدادات قبل غزو أوكرانيا وبعده، وارتفع السعر 10 أضعاف مقارنة بالمستويات التي سجلت قبل الحرب.
وتواجه الحكومة النرويجية حملات منظمة من نشطاء البيئة منذ سنوات بهدف الضغط عليها لوقف تراخيص التنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي في إطار خطط التحول المناخي لعام 2050.
دعوى أمام المحكمة الأوروبية
يستخدم نشطاء البيئة والمناخ أساليب مختلفة للضغط على الحكومات؛ أبرزها الوقفات الاحتجاجية والدعاوى القضائية والضغوط البرلمانية عبر أحزاب الخضر والأحزاب اليسارية المعارضة في برلمانات أوروبا.
وأقام 6 شباب من نشطاء البيئة والمناخ دعوى قضائية لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في يونيو/حزيران (2021)؛ للمطالبة بوقف خطط النرويج للتنقيب في القطب الشمالي.
جاءت هذه الدعوى بالتزامن مع إعلان تحالف شركات نرويجية بقيادة إكوينور اكتشافًا نفطيًا جديدًا في شمال بحر الشمال، والذي يعد خامس بئر استكشافية في رخصة الإنتاج 554.
يحاول نشطاء البيئة تكييف مسألة السماح بالتنقيب عن النفط والغاز في القطب الشمالي، بوصفه انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية استنادًا إلى أن العالم يعيش بالفعل أزمة مناخية، لكن المحكمة صاحبة القرار في قبول هذا التكييف القانوني والنظر في الدعوى جرى ردها؛ لعدم الاختصاص.
تنص قواعد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على ضرورة إثبات المدعيين تضررهم بشكل مباشر وشخصي من أنشطة التنقيب عن النفط والغاز، وتكتسب قرارات المحكمة صفة الإلزام بالنية لكل البلدان الأوروبية.
ورغم أن هذه الدعوى لم يُفصَل فيها بعد؛ فإن شركات النفط العالمية تواجه ضغوطًا قضائية منذ الحكم الصادر ضد شركة شل في هولندا، مايو/أيار 2021، والذي ألزمها بتسريع خفض انبعاثاتها بنسبة 45% بحلول 2030.
موضوعات متعلقة..
- شركات عالمية تطرق أبواب التنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال مجددًا (تقرير)
- انخفاض حادّ بعمليات التنقيب عن النفط والغاز في النرويج
- بريطانيا تواصل التنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال
اقرأ أيضًا..
- كوب 27.. مطالب بوقف الاستثمار في الوقود الأحفوري وتشديد العقوبات البيئية
- رئيس وزراء جزر البهاما لـ"الطاقة": نعوّل على قمة المناخ لإنقاذنا من التغيرات المدمرة
- قمة المناخ.. شركات برازيلية تعرض حلولًا مبتكرة لأزمة الطاقة والمناخ