هل يستفيد لبنان من ترسيم الحدود البحرية واحتياطيات الغاز؟.. 3 خبراء يجيبون
داليا الهمشري
- ترسيم الحدود يزيل العوائق السياسية أمام الشركات للتنقيب بالمياه الإقليمية اللبنانية
- السلطة الحاكمة تتوقع تحقيق مكاسب هائلة من الاستكشافات المتوقعة للغاز
- تصدير الغاز اللبناني يواجه تحديات كبرى، أبرزها عدم وجود بنية تحتية للنقل
- المعارضة اللبنانية تعبّر عن قلقها من ألّا تعود أرباح الغاز المحتمل على الشعب
سادت حالة من الجدل داخل الأوساط اللبنانية في أعقاب توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؛ إذ ترى السلطة الحاكمة أن الاتفاق يفتح الباب أمام البلاد لتحقيق مكاسب هائلة من الاستكشافات المتوقعة للغاز.
في المقابل، تعبّر المعارضة والشارع اللبناني عن مخاوفهما من ألّا تعود عليهما هذا المكاسب نتيجة لـ"فساد الطبقة الحاكمة التي جرّت البلاد إلى حالة من الفوضى".
وينص الاتفاق على أن يصبح حقل "كاريش" للغاز في البحر المتوسط في الجانب الإسرائيلي بشكل كامل، بينما يسيطر لبنان على حقل "قانا" الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
وأكد عدد من الخبراء اللبنانيين أهمية هذا الاتفاق للجانب اللبناني، إلّا أنهم أوضحوا أن لبنان سيواجه تحديات كبرى لاستغلال الغاز المحتمل وتصديره.
مراحل الاستكشاف والتطوير
أكد المدير التنفيذي لجمعية استدامة البترول والطاقة في لبنان مروان عبدالله، أن من أكبر المكاسب التي حققها لبنان من اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل هو تشجيع شركات النفط على التنقيب في لبنان، بعد أن أصبح هناك اعتراف بالحدود الاقتصادية بين البلدين يمكن العمل على أساسها.
وأوضح عبدالله -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن لبنان ما يزال أمامه نحو 7 سنوات -على أفضل تقدير- للبدء بإنتاج الغاز؛ نظرًا لأن ذلك يحتاج إلى مراحل طويلة من الاستكشاف ودراسة التقارير وتطوير الحقل، حتى يصل إلى مرحلة الإنتاج.
وأفاد مروان أنه يصعب -في الوقت الحالي- التكهن أو وضع رؤية واضحة للإنتاجية والأرباح، إلّا أن مستقبل لبنان في التصدير سيتوقف على كميات الغاز المستخرجة من الحقل.
وأشار إلى أنه إذا وُجدت كميات تجارية من الغاز، سيكون لبنان بلدًا مُصدرًا بالتأكيد، إلّا أنه سيواجه عددًا من التحديات، أبرزها إيجاد سوق له في المنطقة، ووضع آلية للتصدير عبر الغاز المسال أو من خلال الأنابيب، والبحث عن شركاء من الدول صاحبة المصلحة.
دفع قطاع النفط والغاز
قال مروان عبدالله: "هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول هذه القضية، إلّا أن توقيع اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل أمر مفيد للبنان، والأيام ستثبت جدوى هذا الاتفاق؛ لأن المعطيات ليست متاحة بصورة كاملة لدى الشعب أو الناشطين، فلا نزال ننتظر الاطّلاع على الاتفاق لتكوين رأي واضح حول هذه القضية".
من جانبها، ترى مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتيان، أن هناك وجهتا نظر في لبنان -حاليًا- حول اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل، وجهة النظر الأولى للسلطة والأخرى للمعارضة والشارع اللبناني.
وأبرزت هايتيان -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن السلطة الفعلية الحاكمة في البلاد، التي شاركت في هذه المفاوضات والوصول إلى اتفاق مع إسرائيل بوساطة أميركية، ترى أن ترسيم الحدود خطوة أساسية وضرورية لإعادة إطلاق قطاع النفط والغاز في البلاد.
وأشارت إلى أنه على الرغم من أن النزاع بين البلديين كان حول نسبة تتراوح ما بين 5 إلى 7% فقط من البلوك رقم 9، فإن إنهاء النزاع مع إسرائيل قد يعطي دفعة للشركات لإعادة إطلاق عجلة التنقيب والاستكشاف، وهذا ما تتطلع إليه السلطة الحاكمة في لبنان.
لذلك كان هناك تركيز على حقل قانا، في حين تناول الفصل الثاني من الاتفاق قضية الغاز المحتمل، وتنسيق التعامل بين لبنان وإسرائيل والشركة العاملة وما إلى ذلك. بحسب تصريحات هايتيان.
تشجيع الشركات
قالت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان، إن السلطة المحلية في لبنان تتطلع لدفع عجلة الإنتاج في قطاع النفط والغاز.
وأضافت في تصريحاتها إلى منصة الطاقة، أن اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل سيحفّز شركة توتال -المشغّل الأساس في البلوك رقم 9- على البدء فورًا في اكتشاف هذا الحقل، ومن ثم عمل الترتيبات المالية اللازمة مع إسرائيل حسب الاتفاق الموقّع.
وتابعت هايتيان أن إطلاق عجلة الاستكشاف والتطوير في هذا الحقل سيُمكّن لبنان من الاستفادة من الغاز المُستخرج في قطاع الكهرباء والتصدير وجني الكثير من الأرباح.
واستطردت قائلة: "إن الطبقة السياسية ترى أنه إذا تمكّنت شركة توتال من بدء أعمال التنقيب، فإن هذا سيشجع باقي الشركات على التوجه نحو لبنان والاستثمار في البلوكات الأخرى".
وأوضحت أن لبنان لديه 10 بلوكات في المياه الإقليمية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، 2 منها -فقط- لشركتي توتال وإيني، و8 بلوكات ليس عليها إقبال من المستثمرين حتى الآن.
ولفتت إلى أن الشركة القطرية -قطر إنرجي- أبدت استعدادها للدخول في الائتلاف مع توتال وإيني في البلوك 8 و4، مشيرةً إلى أن هذا ما كانت تتطلع إليه الحكومة، وقد حدث بالفعل.
شكوك المعارضة
أوضحت لوري هايتيان أن المعارضة اللبنانية لديها العديد من الشكوك والمخاوف حول اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.
إذ ترى المعارضة أن البلاد تعاني من مشكلات كبرى تتعلق بالفساد وضعف المؤسسات وعدم الرؤية السياسية والاقتصادية وعدم قدرة الطبقة السياسية على إدارة قطاع بهذا القدر من الأهمية.
وأشارت لوري هايتيان إلى أن المعارضة تعبّر عن قلقها من ألّا يعود هذا الاتفاق بالفائدة على الشعب اللبناني، موضحةً أن هذه المخاوف شرعية بالنظر إلى تاريخ الطبقة السياسية في إفلاس البلاد وجرّها إلى حالة من الفوضى والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.
واستبعدت هايتيان أن تتمكن هذه الطبقة ذاتها من إدارة هذا القطاع بحكمة، مطالبةً البرلمان والمعارضة والمجتمع المدني بأن يؤدي دورًا أساسيًا في إرساء الحوكمة الرشيدة لهذا القطاع، لضمان استفادة المواطنين في ظل المخاوف الكبيرة من ألّا يستطيع لبنان الاستفادة من هذا القطاع.
بدء التنقيب
قالت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن لبنان لديه 10 بلوكات في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهناك عقدان -فقط- على المربعين رقم 4 و9.
ولفتت إلى أن المربع رقم 4 يقع في شمال بيروت، بينما يقع المربع رقم 9 في جنوب بيروت على الحدود مع إسرائيل، متوقعةً قرب بدء أعمال الحفر من ائتلاف الشركات التي كانت في البداية توتال وإيني الإيطالية وشركة نوفاتك الروسية -التي انسحبت وحصلت على حصتها الدول اللبنانية-، كما تسعى قطر إنرجي للحصول على الـ 20% أو أكبر من ذلك.
وأوضحت هايتيان -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن الجميع يعوّل -الآن- على توتال للبدء في التنقيب والاستكشاف؛ لأن قانا حقل محتمل للغاز، وإن لم يوجد بكميات كافية.
وقالت: "كل ما نعرفه اليوم أن شركة توتال لديها 3 أعوام للاستكشاف والوصول إلى هذا الحقل المحتمل".
وأضافت أن استكشاف توتال لهذا الحقل يحتّم عليها أن توقّع اتفاقًا ماليًا مع إسرائيل للبدء في التطوير والإنتاج.
وحول إمكان تصدير الغاز المحتمل إلى الخارج، سلّطت هايتيان الضوء على عدد من التحديات، أبرزها عدم وجود بنية تحتية أو أنابيب للنقل حتى في الداخل اللبناني، لأنه لا يستعمل الغاز، ومن ثم فلا توجد سوق داخلية أو خارجية للغاز اللبناني.
تحديات التصدير
توقّعت هايتيان أن تفكر الحكومة في إنشاء بنية تحتية لنقل الغاز إذا وضعت خطة لتوليد الكهرباء منه، لافتةً إلى أن الأسواق المحلية في الوقت الحالي محدودة للغاية، وتفتقر إلى البنية التحتية، وبحاجة إلى مزيد من الاستثمارات.
وأشارت هايتيان إلى أنه إذا نجح لبنان في إنتاج الغاز، فإنه سيواجه عقبات كبرى لتصديره إلى الخارج؛ نظرًا لصعوبة نقله إلى الدول الإقليمية أو أوروبا، موضحةً أن الأنبوب الوحيد الذي يربط لبنان بالمنطقة هو خط أنابيب الغاز العربي، الذي يمتد من مصر إلى الأردن إلى سوريا.
وكشفت عن الحاجة إلى وجود استثمارات حتى يخرج الغاز من لبنان إلى سوريا والأردن ومصر، ومنها إلى الأسواق الأوروبية عبر الغاز المسال، مشيرةً إلى أن هذه الخطوات تحتاج إلى أعوام، وليست بالسرعة التي يتوقعها بعض السياسيين في لبنان.
وأضافت لوري هايتيان أنه حتى يصبح لبنان مُصدرًا للغاز، فلا بد من وجود اكتشافات لأكثر من حقل، وذلك يتطلب وجود استثمارات لشركات كبرى في باقي البلوكات، وأن يكون من بينها اكتشافات مهمة.
حوافز الاستثمار
أوضحت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن "قانا" اكتشاف ليس بكبير، ولكنه محتمل، داعيةً الحكومة اللبنانية إلى وضع الثقة في المستثمرين، ومنحهم حوافز لدفع هذا القطاع في لبنان.
وذكرت هايتيان أنه لا يمكن بناء اقتصاد قائم على قطاع نفطي بحفر بئر كل 5 أعوام، مطالبةً الحكومة بإسراع وتيرة هذا القطاع من خلال تشجيع الاستثمارات والمحفزات لبناء الثقة والاستقرار، إلّا أنها عبرت عن أسفها من صعوبة تحقيق ذلك، والبلاد على وشك الدخول في فراغ رئاسي، متوقعةً أن يكون اتفاق ترسيم الحدود محفزًا للمسؤولين على الإسراع بانتخاب رئيس جمهورية لإدارة المؤسسات، وبدء العمل الجادّ في هذا القطاع.
من جانبه، يرى الباحث بمجال الطاقة بمعهد عصام فارس في الجامعة الأميركية ببيروت، مارك أيوب، أن الاستفادة الفعلية من ترسيم الحدود هي إزالة العوائق السياسية والجيوسياسية التي كانت تقف أمام الشركات للتنقيب بالمياه الإقليمية اللبنانية.
وقال أيوب -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة-، إن شركة توتال لديها رخصة للاستكشاف والإنتاج بالبلوك رقم 9، وكانت قد قررت الحفر على بعد 25 كيلو مترًا شمال الخط 23 المتفق عليه حاليًا.
وأضاف أن البئر المحددة من قبل شركة توتال لم تكن يومًا على المنطقة الاقتصادية بالقرب من المنطقة المُتنازع عليها، إلّا أن الأسباب والضغوط السياسية أدّت لعزوف شركات النفط عن التنقيب في لبنان.
إزالة العقبات السياسية
أشار الباحث اللبناني مارك أيوب إلى أن التفاهم لترسيم الحدود مع إسرائيل يزيل العقبات السياسية والجيوسياسية، ويفتح المياه الإقليمية اللبنانية للاستثمار من قبل شركة توتال أو ائتلاف البلوك رقم 9.
وتوقَّع أيوب أن يشهد لبنان مزيدًا من الاستثمارات في دورة التراخيص الثانية المزمع استكمالها بنهاية هذا العام، موضحًا أن هناك 8 بلوكات بجانب البلوكين 4 و9 مفتوحة للعروض.
وأضاف قائلًا: "إذا افترضنا حسن النية في هذا الاتفاق، فلن تقتصر حركة التنقيب والاستكشاف على حقل قانا فقط، بل ستمتد إلى باقي البلوكات في المياه الإقليمية اللبنانية".
وتابع أن البدء في التنقيب لا يعني بالضرورة أن لبنان قد أصبح بلدًا نفطيًا أو بلدًا مُنتجًا للغاز، داعيًا إلى عدم رفع سقف التوقعات حول اتفاق ترسيم الحدود، حتى لا يتسبب في خيبات أمل لدى الجمهور والسياسيين والشعب اللبناني عمومًا.
واستطرد قائلًا: "نحن الآن اتخذنا خطوة نحو الاستكشاف والإنتاج، ولكننا لا نعرف بعد إذا ما كانت توتال ستجد غازًا بحقل قانا، وهناك جدول زمني يمتد على مدار عام، خلال 2023، ستقوم خلاله شركة توتال بالاستكشاف الأول في بلوك 9".
وأوضح الباحث مارك أيوب أنه خلال العام المقبل سيتأكد وجود الغاز في حقل قانا، ثم تتبعه عمليات تطوير للحقل لتحويله إلى بئر مُنتجة، وهذا يستغرق مدة تتراوح ما بين 3 و5 أعوام، ومن ثم فهناك جدول زمني لا يقلّ عن 5 أعوام لإنتاج الغاز.
أمّا عن إمكان التصدير، فقال: "هذا سيتوقف على الكميات المُستخرجة من الغاز إذا كانت تجارية، وهل ستُستخدم داخليًا لتوليد الكهرباء أو للتصدير، وما الأسواق التي يجب أن نصدّر لها، وحتى الآن لا تستطيع أن نقول، إن لبنان بلد نفطي أو مُنتج للغاز، ولكنه ما يزال يخطو الخطوة الأولى في هذا المسار".
وفيما يلي، خريطة مربعات النفط والغاز في لبنان، من إعداد منصة الطاقة، اعتمادًا على بيناات ومعلومات من خبير الغاز لدى منظمة أوابك، المهندس وائل حامد عبدالمعطي.
موضوعات متعلقة..
- قطر للطاقة تبدي رغبتها في المشاركة بالتنقيب عن النفط والغاز في لبنان
- متى يستخرج لبنان الغاز من مياهه الإقليمية؟.. خبير أوابك يُجيب
- توتال إنرجي تبحث في لبنان موعد بدء التنقيب عن النفط والغاز بالمياه الإقليمية
اقرأ أيضًا..
- من هو بدر الملا وزير النفط الكويتي الجديد؟
- 6 دول في أوبك+ تكشف حقيقة ضغوط السعودية للموافقة على خفض الإنتاج
- أول فيديو من داخل منشأة تخزين النفط في الفجيرة.. جولة لـ"الطاقة"
- أنس الحجي: هذه حقيقة علاقة أوبك والخليج بأزمة البنزين في كاليفورنيا