إجراءات ألمانيا لمواجهة أسعار الطاقة تقوّض وحدة الاتحاد الأوروبي (تقرير)
نوار صبح
- قرار برلين المنفرد يعرّض الأسر والشركات في بقية أوروبا لخطر ارتفاع أسعار الطاقة
- ألمانيا اعترضت على فرض سقف لسعر الغاز في الاتحاد الأوروبي
- قد ينتهي الأمر بالحكومة الألمانية إلى تقليل الإنفاق إذا انخفضت تكاليف الطاقة
- من المرجح أن تؤدي الحزمة الألمانية إلى زيادة الطلب من خلال خفض الفواتير
- المبادرات الوطنية مبررة لأن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع التصرف بسرعة كافية
لم يتردد القادة الأوروبيون في إدانة حزمة الطاقة السخية الجديدة التي قدمتها ألمانيا، زاعمين أن قرار برلين المنفرد يعرّض الأسر والشركات في بقية التكتل لخطر زيادة أسعار الطاقة.
وقال رئيس الوزراء الإيطالي المنتهية ولايته، ماريو دراغي، إن حزمة 200 مليار يورو (196.04 مليار دولار)، التي كُشف عنها، مؤخرًا، تقوّض الوحدة "الأوروبية".
وأضاف أنه في مواجهة التهديدات المشتركة في عصرنا، لا يمكننا تقسيم أنفسنا حسب المخصصات الموجودة في موازناتنا الوطنية، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وبدوره، ردد وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، ونظيره الأيرلندي رئيس مجموعة اليورو، باشال دونوهو، دعوات ماريو دراغي إلى استجابة أكثر تنسيقًا.
وانضمّت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، إليهم يوم الأربعاء 5 أكتوبر/تشرين الأول، داعية إلى فرض سقف لأسعار الغاز على مستوى التكتل، وهو إجراء اعترضت عليه ألمانيا.
وكان رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان -الذي أمضى معظم هذا العام في خلافات مع بروكسل- أكثر انتقادًا، إذ شجب الحزمة ووصفها بأنها "أكل لحوم البشر"، حسبما نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في 6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وطالب أوربان باتخاذ إجراءات بسبب مخالفة قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن مساعدات الدولة من خلال مساعدة الشركات الألمانية "بمئات المليارات من اليوروهات" على حساب المنافسين في أماكن أخرى.
حزمة كبيرة
أصرَ وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، على أن حزمة الطاقة "درع الحماية الشامل" متناسبة مع حجم الاقتصاد الألماني وضعفه. ولكن، بأي معايير معقولة، تُعدّ الحزمة كبيرة.
وعلاوة على ذلك، تعادل خطة "درع الحماية الشامل" البالغة 200 مليار يورو (196.04 مليار دولار)، التي سيُموّل جزء كبير منها بالديون، 5.6% من الناتج الاقتصادي للبلاد في عام 2021، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وعلى الرغم من أن الوزير ليندنر بيّن أن الحزمة ستغطي عامين من الإنفاق، فإنها تأتي على رأس مبلغ 100 مليار يورو من الدعم الذي خصصته برلين.
ويمكن أن تحصل الشركات والأسر الألمانية، بين الحزمتين، على 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي في دعم الطاقة، رغم احتمال حدوث بعض التداخل.
ويمثّل الرقم 300 مليار يورو معًا أكثر من ضعف الدعم المالي المقدم من إيطاليا وفرنسا مجتمعتين، وهما أكبر اقتصادات الاتحاد بعد ألمانيا.
وتُعَدّ حزمة الطاقة الألمانية، من حيث الناتج المحلي الإجمالي، أكبر بـ3 أضعاف على الأقل من الدعم الذي تقدمه معظم دول منطقة اليورو الأخرى.
وقال أستاذ الاقتصاد في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال "إنسياد"، أنطونيو فاتاس: إن حجم حزمة الطاقة الألمانية "أثار أسئلة صحيحة بشأن ما إذا كان هذا يشكّل مساعدة حكومية لدعم أعمالها".
ويرى المحللون أن الأرقام المعلنة هي حد أقصى، وقد ينتهي الأمر بالحكومة الألمانية إلى إنفاق أقل إذا انخفضت تكاليف الطاقة.
وهذا ما حدث في حالة صندوق الاستقرار الاقتصادي في حقبة تفشي جائحة كوفيد، الذي انتقدته الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بسبب سخائه.
وكان للصندوق حد أصلي قدره 600 مليار يورو لإنقاذ الشركات المتضررة بشدة من الوباء، لكنه استخدم فقط نحو 50 مليار يورو من الأموال المتاحة.
تبريرات ألمانيا
تُعدّ ألمانيا محرك التصنيع في منطقة اليورو، وكان إنتاج مصانعها في عام 2021 أكبر من إنتاج إيطاليا وفرنسا وأيرلندا مجتمعة.
وعلى ضوء ذلك، تضررت شركاتها كثيفة الاستهلاك للطاقة بصفة خاصة من تأثير غزو روسيا لأوكرانيا على تكاليف الطاقة.
ويقول بعض المدافعين عن سياسة ألمانيا إن هذا يبرر سخاءها المالي، ويرى آخرون أن الحزمة ستفيد البلدان الأخرى في المنطقة، خصوصًا تلك التي لديها علاقات تجارية وثيقة، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وقالت كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين في بنك باركليز، سيلفيا أرداغنا: "ما يزال من الأفضل عدم وجود دعم مالي على الإطلاق وتناقض اقتصادي عميق في ألمانيا".
وقالت الخبيرة الاقتصادية في شركة إدارة الأصول "إنفستيك"، ساندرا هورسفيلد: "إنه ليس من مصلحة دولة في الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى العلاقات التجارية الوثيقة داخل السوق الموحدة، أن يضعف الاقتصاد الألماني بصورة مفرطة".
ارتفاع الأسعار
يقول محلل الشؤون الأوروبية في شركة الأبحاث المستقلة "غافيكال ريسرتش"، نيك أندروز: إن هذا الافتراض محتمل.
ويرى أنه من خلال خفض الفواتير، من المرجح أن تؤدي الحزمة الألمانية إلى زيادة الطلب، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز في أسواق الجملة في أوروبا.
وأوضح أنه بينما ستستفيد الشركات الألمانية من انخفاض أسعار الطاقة، فإن نظيراتها في معظم أنحاء أوروبا ستدفع أكثر، ما يقوّض قدرتها التنافسية.
من ناحيتها، تدعي برلين أن الحزمة ستحافظ على الحوافز لتوفير الطاقة لأنها ستدعم فقط بدلًا أساسيًا من الغاز والكهرباء.
وسيتعيّن عليها الامتثال لقواعد مساعدات الدولة بشأن دعم الطاقة، التي عُدلت في يوليو/تموز الماضي.
تُجدر الإشارة إلى أن الطاقة تُعد السبب الرئيس وراء وصول التضخم في منطقة اليورو إلى مستوى قياسي جديد بلغ 10% في العام المنتهي في سبتمبر/أيلول، أي أكثر من 5 أضعاف هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2%.
وأسفر خفض فرنسا نسبة 30% لكل لتر على سعر الوقود بالتجزئة، التي دخلت حيز التنفيذ في سبتمبر/أيلول، إلى مضاعفة الخصم السابق البالغ 18 سنتًا الذي قُدم في أبريل/نيسان.
ويمكن للاختلاف في التضخم بين ألمانيا وبقية الدول أن يزداد، بالنظر إلى حجم حزمة برلين.
ذعر في السوق
يُعد اضطراب السوق في المملكة المتحدة، الناجم عن التخفيضات الضريبية غير الممولة، تذكيرًا بالمخاطر التي تواجهها العديد من البلدان إذا حاولت دعم أسرهم وأعمالهم بسخاء أكبر.
ونظرًا إلى رفض ألمانيا التعاون بشأن سقف أسعار الغاز على مستوى الاتحاد الأوروبي، قد ينتهي الأمر ببعض البلدان، لا سيما في شرق أوروبا وجنوبها، بالمخاطرة بأزمة الاقتراض وإنفاق أموال إضافية لدعم الأسر والشركات.
وقال كبير الاقتصاديين في منطقة اليورو في مؤسسة بانثيون للاقتصاد الكلي، كلاوس فيستيسن: إن المبادرات الوطنية مبررة، لأن "الاتحاد الأوروبي لا يستطيع التصرف بسرعة كافية.
اقرأ أيضًا..
- أزمة الطاقة قد تجبر بريطانيا على قطع التيار الكهربائي 3 ساعات يوميًا
- كم يبلغ سعر الغاز الجزائري المُصدر إلى إسبانيا؟.. مصدر يكشف تفاصيل الصفقة
- الأرقام تؤكد خطأ تصريح البيت الأبيض حول نفط أوبك (رسم بياني)