الطاقة الحرارية الجوفية.. حل مثالي لتدفئة المنازل وتبريدها في الدول العربية (خاص)
داليا الهمشري
- تُعد الطاقة الحرارية الجوفية أحد مصادر الطاقة المتجددة وإن كانت غير منتشرة على نطاق واسع
- يمكن أن تغطي طاقة الأرض الجوفية احتياجات العالم إلا أنها تواجه عقبة الجدوى الاقتصادية
- حرارة الأرض الجوفية تزداد كلما زاد العمق تحت سطح الأرض
- شهد استخدام طاقة الأرض الجوفية في التكييف اهتمامًا كبيرًا في الدول العربية خلال الأعوام الأخيرة
تُعدّ الطاقة الحرارية الجوفية أحد مصادر الطاقة المتجددة غير شائعة الانتشار، رغم قدرتها على تغطية احتياجات العالم إذا استُخدمت على نطاق واسع، ويرجع عدم انتشارها إلى عدّة أسباب، أبرزها عدم الجدوى الاقتصادية.
ورغم توافر هذا النوع من الطاقة، فإنه يصعب الحصول عليها؛ لأنه يتطلب الحفر إلى أعماق سحيقة، ويحتاج إلى زرع شبكة أنابيب تحت الأرض لاستخراج الماء الساخن.
ما هي الطاقة الحرارية الجوفية؟
يقول أستاذ الطاقة والحراريات معاون العميد للشؤون العلمية بكلية الهندسة بجامعة ذي قار العراقية الدكتور مشتاق إسماعيل الإبراهيمي، إن الطاقة الحرارية الجوفية تُستخرج من باطن الأرض، وتُعدّ من الأنواع الصديقة للبيئة؛ نظرًا لنظافتها وتجددها.
وأضاف الإبراهيمي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن هذه الطاقة تمتاز بارتفاع درجة حرارتها التي تزداد كلما زاد العمق تحت سطح الأرض، ويُعتمد عليها بشكل كبير في توليد الكهرباء، إلّا أن هذه العملية تحتاج إلى الوصول إلى أعماق باطن الأرض.
استبدال الوقود الأحفوري
أوضح الدكتور مشتاق الإبراهيمي أنه من المعروف أن الطاقة الحرارية الجوفية تتّسم بدرجات حرارة مرتفعة وثابتة غير متغيرة، مشيرًا إلى أن هناك عدّة استخدامات لهذا النوع من الطاقة، أبرزها الاستخدام الصناعي المعقّد المتمثل في توليد الكهرباء.
وذكر الإبراهيمي أنه على أعماق كبيرة من سطح الأرض، تُقدَّر بالكيلومترات، تصل درجة الحرارة إلى الآلاف من الدرجات المئوية، و"هنا يمكن استخدام هذه الحرارة لتشغيل محطة طاقة حرارية بخارية".
ولفت إلى أن عمل هذه المحطة يقوم على تسخين المياه وتحويلها إلى بخار يُضخ على توربين، يتحرك بدوره لتحريك رأس التوليد، مُنتِجًا طاقة كهربائية.
وأشار أستاذ الطاقة والحراريات إلى أنه يُستفاد من حرارة الأرض الجوفية هنا بالاستغناء عن البويلر (المرجل) الذي تجري فيه عملية تسخين المياه وتحويلها إلى بخار، وتُمَدّ أنابيب إلى باطن الأرض بحيث تصل إلى الأعماق التي تتّسم بدرجات حرارة تُقدَّر بالآلاف.
وهنا يمكن تسخين المياه وتحويلها إلى بخار، يعود إلى محطة الكهرباء ليحرك التوربين، مُولدًا الطاقة الكهربائية.
وأكد الإبراهيمي أنه خلال هذه العملية "نكون قد استعضنا عن البويلر (المرجل) الذي يُحرَق فيه الوقود الأحفوري من نفط وغيره"، موضحًا أن هذه العملية تمثّل حلًا للمشكلة الأولى، وهي مشكلة الانبعاثات الكربونية والاحتباس الحراري، ويقلل اعتماد المحطات الكهربائية على النفط، واستبدال حرارة باطن الأرض به، وهي طاقة مجانية ونظيفة.
التدفئة والتبريد
سلّط الدكتور مشتاق الإبراهيمي الضوء على الاستخدام الثاني للطاقة الحرارية الجوفية، مشيرًا إلى إمكان استخدامها في تدفئة الوحدات السكنية وتبريدها.
وأوضح الإبراهيمي -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن هناك دراسات وأبحاثًا كثيرة أجريت خلال الأعوام الماضية، وأن هناك توجهًا وإقبالًا كبيرًا على هذا التطبيق.
وقال الإبراهيمي: "عملتُ مع عدد من طلاب الماجستير، وأجرينا دراسات عملية وتجريبية وحسابات نظرية حول استخدام الطاقة الحرارية الجوفية في التطبيقات المنزلية من التبريد والتدفئة".
وأضاف أنه من المعروف أن درجة حرارة باطن الأرض مرتفعة، وتزداد بزيادة العمق، وتكون هذه الحرارة ثابتة على عمق 3 أمتار.
وتابع الإبراهيمي قائلًا: "وفقًا للتجارب والقياسات التي أجريناها في مدينة الناصرية جنوب العراق، تكون درجة الحرارة 26 درجة مئوية على بعد 3 أمتار، وهذه الدرجة يمكن أن تُستخدم حوضًا حراريًا لأغراض التدفئة شتاءً والتبريد صيفًا".
واستطرد أن الدراسة قامت على فكرة استخدام حرارة الأرض الجوفية في تطبيقات من خلال حفر حفرة على عمق 3 أمتار، ووضع مبادل حراري أرضي من مجموعة من الأنابيب البلاستيكية، بقطر يتراوح ما بين 3 و6 أنش، وفقًا للتصميم المطلوب، وربطها على شكل شبكة ودفنها تحت الأرض، على أن تُستخدم شبكة الأنابيب لتغذية الوحدة السكنية، بالإضافة إلى الاستعانة بمروحة صغيرة لتدوير الهواء.
ولفت إلى إمكان تشغيل هذه المروحة بالخلايا الضوئية الصغيرة التي تعمل بالطاقة الشمسية.
توفير استهلاك الكهرباء
أوضح أستاذ الطاقة والحراريات أن هواء الغرفة يُسحب ويُضخ إلى داخل هذا المبادل تحت الأرض، ليبرد ثم يعود مرة أخرى مُبردًا ونقيًا، لافتًا إلى أن هذه العملية تُستخدم في تبريد المنازل دون استهلاك كثير من الكهرباء.
كما أشار الإبراهيمي إلى إمكان ضخ مائع معين (هواء أو ماء) إلى داخل الأرض، موضحًا أن درجة الحرارة تتجاوز -أحيانًا- 50 درجة مئوية في فصل الصيف، ولا سيما في منطقة الخليج العربي.
وأفاد أنه إذا تمّت عملية تبريد الهواء في أنابيب داخل الأرض تحت درجة 26 درجة مئوية، يخرج الهواء بدرجة حرارة تتراوح ما بين 28 و29 درجة مئوية.
وقال، إن هذا الهواء يُعدّ باردًا بالمقارنة بدرجة حرارة الجو، ويمكن ضخّه إلى الحيّز لتوفير بيئة مقبولة، وبصورة مجانية، ودون استهلاك هذا الكم الهائل من الطاقة الكهربائية التي عادة ما تُستخدم لتشغيل المكيفات ومنظومات التبريد في فصل الصيف.
وحول استخدام طاقة الأرض الجوفية في التدفئة، أوضح الإبراهيمي أن درجات الحرارة في فصل الشتاء تكون منخفضة، وقد تصل إلى الصفر أو ما دونه، ولاسيما في الدول الباردة، وهنا "يمكننا الاستفادة من باطن الأرض بمثابة حوض حراري"، إذ يُضخ الهواء أو الماء إلى باطن الأرض، فيُسخن عند 26 درجة مئوية، وأشار إلى أن هذه الدرجة تُعدّ مرتفعة جدًا بالمقارنة بالصفر أو دونه، ومن ثم يخرج الهواء ساخنًا بدرجة حرارة 24 أو 25 درجة مئوية، وهي درجة مقبولة جدًا، وتوفر بيئة مريحة جدًا داخل الحيز المكيف.
وأكد أن هذه العملية لن تحتاج إلّا مروحة لتدوير الهواء أو مضخة بسيطة لتدوير الماء؛ للحصول على بيئة مكيفة ودون استهلاك طاقة كهربائية كبيرة كتلك التي تُستهلك -عادة- في التدفئة.
تحسين كفاءة الطاقة
أبرز أستاذ الطاقة والحراريات معاون العميد للشؤون العلمية بكلية الهندسة بجامعة ذي قار العراقية الدكتور مشتاق إسماعيل الإبراهيمي أن المائع المُستخدَم في منظومات التدفئة التي تستخدم حرارة الأرض الجوفية يكون هواء أو ماء، إذ يمكن استخدام الماء الساخن في السخانات التي تعمل بالكهرباء أو الوقود.
وأضاف الإبراهيمي -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- أنه يمكن -كذلك- تحسين دورة التثليج في أنظمة التكييف العادية باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية، من خلال دفن المكثّف تحت سطح الأرض عند 26 درجة مئوية.
فبدلًا من أن يُبرد الهواء بدرجة 52 درجة مئوية، سيخرج بحرارة تبلغ 62 درجة مئوية، ولفت الإبراهيمي إلى أن هذا سيُحدث فرقًا كبيرًا جدًا سيحسّن عملية التبريد، ويقلّل استهلاك الطاقة الكهربائية إلى أقلّ ما يمكن.
ومن ثم يمكن استخدام الطاقة الحرارية الجوفية في تبريد أو تسخين لتكييف الحيز، سواء للتبريد أو التدفئة.
التجارب والتطبيقات
أكد الدكتور مشتاق الإبراهيمي أن استخدام الطاقة الحرارية الجوفية في التبريد والتدفئة قد شهد اهتمامًا كبيرًا في الدول العربية خلال الأعوام الأخيرة، بدأت بإجراء بحوث في هذا المجال في عامي 2019 و2020.
واستعرض الإبراهيمي الدراسة التي قام بها مع باحثين عراقيين، قائلًا: "أجرينا تجربة على وحدة سكنية بمساحة 200 متر باستخدام خريطة تقليدية، وحسبنا أعمال التبريد حال استخدام منظومات التبريد العادية المعتمدة على الكهرباء".
وأضاف: "صممنا منظومة من المبادل الحراري الأرضي تعمل بالطاقة الحرارية الجوفية، وقسنا نسبة المشاركة، فوجدنا أن هذه المنظومة تسهم بنسبة عالية من حمل التبريد المطلوب، وتقلل بشكل كبير من استهلاك الطاقة الكهربائية".
كما سلّط الإبراهيمي الضوء على قيامه وفريقه البحثي بإجراء أكثر من تطبيق، أحدها كان تبريد أحد مزارع الدواجن، موضحًا أن هذه المزارع عادة ما تقع في أماكن نائية وبعيدة، وتكون على مساحات كبيرة، وتتطلب أحمال تبريد عالية للغاية من الكهرباء؛ نظرًا لحاجتها إلى تهوية كبيرة، ومن ثم تستهلك قدرًا كبيرًا جدًا من الطاقة الكهربائية.
وتابع قائلًا" "قمنا بدراسة صممنا خلالها منظومة تكييف باستخدام مبادل حراري أرضي اعتمادًا على الطاقة الحرارية الجوفية المجانية والمتاحة طوال العام، وتمكنّا من توفير حمل التبريد المطلوب لأحد مزارع الدواجن، دون استهلاك أيّ طاقة كهربائية".
وختم حديثه بالتأكيد على أن التوسع باستخدام الطاقة الحرارية الجوفية يمكن أن يسهم في توفير الكهرباء وتحسين كفاءة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- كرواتيا تصدر 4 تراخيص لاستكشاف الطاقة الحرارية الجوفية
- التحول إلى الطاقة المتجددة بجميع بلدان العالم يكلّف 62 تريليون دولار (دراسة)
- مكيفات الطاقة الشمسية في الدول العربية.. أنواعها وأسعارها (خاص)
اقرأ أيضًا..
- من هو وائل صوان؟.. أول عربي يرأس شركة نفط غربية عملاقة
- 5 دول تدفع الروبل مقابل النفط والغاز الروسيين
- أكبر حقول النفط العربية.. السعودية والكويت والجزائر بين الأبرز (تقرير)
- توسعة ميناء سكيكدة.. سلاح الجزائر لاقتناص فرص جديدة بسوق الغاز (إنفوغرافيك)
بالتوفيق فكرة رائعة
بصراحة انا ننذ سنتين تقريبا أفكر باستبدال الحرارة بين سطح الأرض وجوفها بنفس الطريقة لكن لم أستطع ان اعرف العمق الصحيح الذي تكون فيه الحرارة ثابتة.
وكوني لست اعيش ضمن بيئة علمية لم اجد من يساعدني او من يسمع افكاري.
الآن انا سعيد جدا كون فكرتي باستبدال الحرارة وجدت من يطبقها على ارض الواقع.
اتمنى التقدم والنجاح.
اخوكم من سورية