التلوث النفطي في نيجيريا.. دائرة مفرغة تضع الحكومة وشركة شل في قفص الاتهام
بعد تخصيص الشركة مليار دولار لعمليات التنظيف
هبة مصطفى
أصبح التلوث النفطي في نيجيريا والانسكابات المتواصلة إرثًا ثقيلًا يهدد مياه الشرب والزراعة والحياة البرية، مع تصاعد الاتجاه العالمي للتخلي عن الوقود الأحفوري والدعوة إلى قصر عمليات التنقيب على مناطق المياه العميقة.
وعكفت شركات النفط الدولية على مغادرة ولايات الدولة الواقعة غرب أفريقيا متجهة للتنقيب البحري؛ استجابة للأهداف المناخية الدولية، مخلّفةً وراءها تداعيات للتسرب والانسكابات غير القابلة للسيطرة، إضافة إلى دائرة مفرغة من تبادل الاتهامات عن المتسبب في تلك الكارثة، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ورغم تخصيص شركة شل مليار دولار -منذ 3 سنوات- لإنجاح عمليات التنظيف المدعومة ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة في منطقة أوغونيلاند الواقعة بدلتا النيجر، فإن دائرة التلوث النفطي في نيجيريا تواصل اتّساعها مهددةً الأخضر واليابس.
ومن جانب آخر، فتح فشل محاولات السيطرة على انسكابات النفط في أبوجا باب الاتهامات على مصراعيه، فمن جهة يشير سكان أوغونيلاند بأصابع الاتهام إلى شركة "شل"، بينما جاء ردّ الشركة بمثابة اتهام آخر لجهات حكومية نيجيرية تولّت مسؤولية إنفاق المليار دولار على عمليات التنظيف، إضافة إلى القطاع الأمني في البلاد لعدم سيطرته على سرقة النفط وأعمال التخريب المؤدية للتسرب حتى الآن، وفق تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.
مبادرة المليار دولار
وُصفت مبادرة تنظيف منطقة أوغونيلاند من الآثار المتواصلة لعمليات التلوث النفطي في نيجيريا بأنها الأكثر طموحًا على الصعيد العالمي، إذ خصصت شركة "شل" وبرنامج تابع للأمم المتحدة عام 2019 مليار دولار لتلك الخطوة.
ومحليًا يتولى إدارة عملية التنظيف مشروع معالجة التلوث الهيدروكربوني "هايبريب" التابع لوزارة البيئة النيجيرية، وتعدّ "شل بتروليوم نيجيريا" -شركة فرعية تابعة لـ"شل" عادةً ما يُطلق عليها شركة "إس بي دي سي"- أحد أعضاء مجلس إدارة ومجلس أمناء المشروع.
وعلى خلاف المتوقع، كشفت تقارير البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة مفاجأة من العيار الثقيل بإعلان تسبُّب المبادرة بزيادة معدل التلوث في البقعة الأكثر تلوثًا في العالم.
وتفصيليًا، أشارت تلك التقارير إلى أن عوامل عدّة حولت عملية التنظيف في دلتا النيجر من نموذج يحتذى به إلى إجراء يغلب عليه طابع سوء الإدارة والتبديد وغياب الشفافية.
دائرة التلوث
كشفت تقارير رصدتها الأمم المتحدة أن عملية التنظيف تشمل تخزين التربة الغارقة بالنفط بطريقة عشوائية؛ ما يصيب الأراضي والأنهار النظيفة بعدوى التلوث النفطي بعد تسرّب بعض المواد الكيمائية إليها نتيجة هذا التخزين.
وبالإضافة لذلك، لفتت التقارير الدولية إلى أن عملية منح عقود المبادرة التي أشرفت عليها "هايبريب" أُسندت لجهات لا تملك خبرة كافية في عمليات التنظيف البيئية، بجانب إهدار ملايين الدولارات على أعمال غير مهمة.
وتفتقر عملية التنظيف في أوغونيلاند إلى "معايير" محددة يمكن تطبيقها على عمليات التنظيف من آثار الانسكابات النفطية في دلتا النيجر بالكامل، بحسب ما قاله المحامي من أوغونيلاند عضو منظمة أصدقاء الأرض الدولية مايك كاريكبو.
وأوضح كاريكبو أن سكان المنطقة الذين تعرضت أراضيهم والأنهار المحيطة بها للتلوث النفطي لم يشعروا بأيّ نتائج لعمليات التنظيف.
وفي الآونة الحالية، تلبي شركات النفط الدولية نداء الأهداف المناخية العالمية، وتتخارج من أعمالها النفطية في دلتا النيجر متوجهة للتركيز على التنقيب في المياه العميقة، متخلية عن بنيتها التحتية وما خلّفته من آثار التلوث النفطي في نيجيريا.
من أين يأتي التسرب؟
أرجعت بيانات صادرة العام الماضي (2021) عن البرنامج البيئي للأمم المتحدة استمرار ظهور آثار التلوث النفطي في نيجيريا إلى عدم إجراء عملية التنظيف بصورة دقيقة؛ إذ اعتمدت إستراتيجية التنظيف على تقسيم المواقع المستهدف تطهيرها إلى أجزاء صغيرة منفصلة، دون أيّ احتياج علمي أو مالي لذلك.
وشرحت التقارير تقنية التنظيف التي اتّبعها مشروع "هايبريب" بأنها تقوم على تنظيف التربة الغنية ببقايا التلوث النفطي في نيجيريا عبر تخزين تلك الرمال في حفر غير عميقة عُزِلَت بغرض تمكين الكائنات الدقيقة والجراثيم من التغذي على الهيدروكربونات الملوثة.
وفسّر برنامج الأمم المتحدة أن تلك الحُفر تسمح بطريقة غير مباشرة بفتح مسارات للتلوث واستمرار التلوث النفطي في نيجيريا، مع وجود احتمال عدم جودة العزل أو وجود صرف سيئ.
وطبقًا لهذا التفسير، يزداد أثر التلوث، ويمتد نطاقه إلى الأراضي والأنهار النظيفة، إذ وصف برنامج الأمم المتحدة تقنيات مبادرة التنظيف الخاضعة لإشراف مشروع وزارة البيئة النيجيرية وشركة شل أنها بمثابة "غسل للتربة" دون رقابة، وليس تطهيرًا بيولوجيًا قائمًا على أسس علمية.
من المتهم؟
انطلقت دائرة تبادل الاتهامات فور إزاحة الستار عن نتائج مبادرة تنظيف آثار التلوث النفطي في نيجيريا التي رصدتها الأمم المتحدة بصورة غير معلنة رسميًا حتى الآن، ويُنتظر الكشف عنها في ختام رصد البرنامج البيئي للنتائج كافة بحلول نهاية العام الجاري (2022).
وأكد مشروع "هايبريب" التابع لوزارة البيئة النيجيرية أن اتهامات برنامج الأمم المتحدة الموجهة إليها في غير محلّها، وقال مدير الخدمات الفنية بالمشروع المسؤول السابق في "شل" فيليب شيك وولو، إن التقنيات المتّبعة في المبادرة ركّزت على تجنُّب الأضرار المحتملة لعملية التنظيف من تلوثات ثانوية.
ومن زاوية أخرى، أصرت شركة شل على أن التلوث النفطي في نيجيريا -بصورة متواصلة، وبهذا المعدل- تقف وراءه أعمال السرقة والتخريب التي لم تنجح الحكومة في السيطرة عليها حتى الآن.
أمّا سكان أوغونيلاند ودلتا النيجر والجهات الممثلة لهم على الصعيد الدولي، فكان لهم رأي آخر، إذ رأوا أن وجود أعمال ومشروعات شركات النفط الدولية -ومن ضمنها شركة شل- في المناطق التي تعرضت للتلوث الناجم عن التلوث النفطي في نيجيريا يحمّلهم المسؤولية ويعرّضهم للمساءلة.
بدوره، قال ممثل قانوني عن ولاية بايلسا، إينيرو ويلس، إن أعمال التنقيب عن الخام وما تخلّفه من آثار تسرب النفط في نيجيريا تشكّل "مسرح عمليات" لا يمكن التحكم به.
تداعيات قانونية
قد تواجه عملاقة الطاقة الأوروبية "شل" إجراءً قانونيًا لوقوفها وراء التلوث النفطي في نيجيريا وتورطها في عملية تنظيف وتطهير غير مجدية، خلّفت آثارًا عكسية.
واضطرت شل إلى دفع مبالغ مالية ضخمة لصالح بعض المجتمعات النيجيرية في صورة تعويضات عن تداعيات أعمال التنقيب، إذ دفعت ما يقرب من 66.4 مليون دولار لمقاطعة "بودو" عام 2015، و109 ملايين دولار لتعويض "إيجاما إيبوبو" العام الماضي (2021).
وخلال العام الماضي -أيضًا- صدر ضد شل إجراءان قضائيان، الأول يُلزمها بدفع تعويضات للمزارعين في واقعة تسرب نفطي قبل 15 عامًا، والثاني يسمح بالنظر في دعوى مرفوعة ضدها من سكان أوغونيلاند في دلتا النيجر.
وتشارك شل في مبادرة تنظيف مجتمع "أوغونيلاند" من آثار التلوث النفطي في نيجيريا الحالية بموجب مدفوعات في صورة 5 شرائح بدأت العام الماضي (2021)، بقيمة 180 مليون دولار.
وعلى مدار الأعوام الـ3 منذ بدء إعلان مبادرة التنظيف عام 2019، أنفق مشروع "هايبريب" 66 مليون دولار على تنظيف التربة، وأقرّ بإنفاق 296 مليون دولار إضافية العام الجاري (2022).
شل ولعنة الموارد
تؤدي استثمارات شركة شل -عبر شركتها الفرعية- دورًا مهمًا في نيجيريا، إذ لها الصدارة والهيمنة بالقطاع منذ عام 1956، وبجانب أعمال الاستكشاف والتنقيب وحفر ما يقرب من ألف بئر، أنشأت شل خطوط أنابيب تمتد على مسافة 6 آلاف كيلومتر، وتتولى إنتاج ما يقرب من 39% من الخام في أبوجا.
وأخذت شل على عاتقها تطوير مشروع نفطي مشترك في أوغونيلاند بدلتا النيجر عام 1993، غير أن المشروع واجه اعتراضات بيئية لتلويثه الأراضي الزراعية ومناطق صيد السمك.
وفي خطوة مثيرة للجدل، قررت شركة شل -الصيف الماضي- بيع تراخيصها البرية في دلتا النيجر، مشيرةً إلى أن المشكلات المجتمعية والأمنية وأعمال السرقة والتخريب التي أدت إلى استمرار نزيف التلوث النفطي في نيجيريا تجعل مواصلة عملها أمرًا يحمل مخاطرة.
ورغم أن طموحات واسعة النطاق كانت تنتظر تطوير قطاع النفط النيجيري، فإن مهتمين بالبيئة على الصعيد الدولي والمحلي قالوا، إن موارد أبوجا النفطية حوّلتها إلى "لعنة"، بعدما بدأت شركات (شل، شيفرون، إكسون موبيل، إيني) في استخراجه.
وأوضحوا أن الموارد النفطية الغنية والعوائد المليارية التي تمتعت بها الشركات أسهمت في نشر ظهور أمراض محلية، من ضمنها الفساد وعدم المساواة والاختناق البيئي.
اقرأ أيضًا..
- أكبر مصنع للأمونيا الزرقاء في العالم تعلن قطر بناءه خلال 4 سنوات (صور)
- ماذا تعرف عن أكبر حقل نفط في العالم؟.. كنز سعودي
- أوبك+ يرفع توقعاته لفائض سوق النفط في 2022 و2023
- بطاريات تخزين الكهرباء للمنازل والمتاجر.. إعلان موعد طرح نموذج مميز (فيديو)
- إنتاج أوبك النفطي يرتفع لأعلى مستوياته منذ بدء جائحة كورونا (مسح)