سويسرا تواجه أزمة الكهرباء بمحطات توليد تعمل بالنفط
وسط تزايد المخاوف من انقطاع التيار في الشتاء
مي مجدي
تلقي سياسات الطاقة التي تبنّتها سويسرا خلال السنوات الماضية بظلالها القاتمة على الأزمة الراهنة، وخطط البلاد لمواجهة أزمة الكهرباء الوشيكة في فصل الشتاء.
ويبدو أن السكان والاقتصاد في سويسرا سيدفعان ثمن وضع السياسيين مسألة إمدادات الغاز جانبًا خلال السنوات الـ10 الماضية.
وأكدت وزيرة الطاقة، سيمونيتا سوماروغا، خطورة الوضع في البلاد، والتهديدات التي تلوح في الأفق مع قرب فصل الشتاء، إذ اقترحت مجموعة من الحلول لتجنّب انقطاع التيار الكهربائي.
جاء ذلك خلال حوار الوزيرة مع صحيفة "سونتاغس بليك" الناطقة باللغة الألمانية، والذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ورغم أن سوماروغا أرادت التركيز على الطاقة المتجددة، كان على رأس مقترحاتها استخدام محطات توليد الكهرباء بالنفط في حالة الطوارئ، مشيرة إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا، قائلة، إن بلادها ليست بمنأى عن المخاطر التي تلاحق القارة العجوز.
أزمة الكهرباء في سويسرا
سبق أن أوصت هيئة الكهرباء في سويسرا ببدء تخزين المواطنين الخشب والشموع في مواجهة أزمة الكهرباء وانقطاع التيار.
وعلّقت سوماروغا على ذلك بأن تصريحات الهيئة تمثّل جرس إنذار لمدى خطورة الوضع، ويدرك المجلس الاتحادي ذلك قبل حتى الحرب في أوكرانيا.
وقالت سوماروغا، إن بلادها تعمل لتطوير محطات جديدة لتوليد الكهرباء، وتقوم -حاليًا- باختيار المواقع المناسبة، مؤكدة أن الحكومة تبذل قصارى جهدها لتجنّب نقص الإمدادات.
إلّا أن بناء محطة جديدة لتوليد الكهرباء سيستغرق وقتًا طويلًا، وسيصعب تطويرها للعمل لهذا الشتاء، حسبما جاء في موقع 20 مينتس (20 Minutes).
لذا، فالآمال معلّقة على محطة كهرباء تجريبية موجودة في بلدية بير بمقاطعة أرغاو، تُستخدم لاختبار توربينات جديدة، ويمكن تشغيل هذه التوربينات بالنفط والغاز.
وسبق أن أعربت شركة أنسالدو إنرجيا الإيطالية -التي تتواصل معها السلطات السويسرية- اهتمامها بتجهيز محطة الكهرباء، بوصفها بديلًا في حالات الطوارئ.
وقال رئيس مجلس إدارة الشركة في سويسرا، غيرد ألبيز، إن ذلك يتوقف على الانتهاء من التصاريح اللازمة في وقت قصير والتكلفة.
ويصعب التنبؤ بتكلفة تطوير المحطة، لكن عضو المجلس الوطني السويسري، بيت والتي، يرى أن التكلفة تؤدي دورًا ثانويًا عندما يتعلق الأمر بتجنّب أزمة الكهرباء أو انقطاع التيار الكهربائي، موضحًا أن التكاليف على الاقتصاد والمواطنين ستكون أعلى بكثير.
ويوجد دعم سياسي لخطّة سوماروغا، وقال عضو حزب الخضر الليبرالي في أرغاو، جيان فون بلانتا: "في حالات الطوارئ، ما يزال توليد الكهرباء من النفط أفضل بكثير من ضرب إستراتيجية الطاقة بعرض الحائط".
هل يمكن حل أزمة الكهرباء؟
يمكن لواحد من التوربينات الـ3 في محطة الكهرباء وحدها إنتاج القدر نفسه من الكهرباء المنتجة من محطة الطاقة النووية "بيزناو 1".
وحال الحاجة إلى توفير الكهرباء في وقت قصير، يمكن لمحطة الكهرباء توفير قرابة 3-4% من أحمال الذروة في فصل الشتاء.
وقالت السياسية الخبيرة في مجال الطاقة، باربرا ستشافنير، إنه سيكون هناك ما يكفي من النفط لإنتاج الكهرباء في الشتاء، فيمكن نقل الإمدادات بواسطة خطوط السكك الحديدية إلى بلدية بير، إذ تتوفر مستودعات للتشغيل ليوم واحد.
ومع ذلك، يُنظر إلى محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالنفط على أنها أكثر تلويثًا مقارنةً بتوربينات الغاز، إذ ينبعث منها كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون لتوليد الكمية نفسها من الكهرباء.
لذا، لا يدعم السياسي خبير الطاقة في حزب الخضر، كورت إيغر، هذه الخطط، إذ يعتقد أن ذلك سيكون عبئًا إضافيًا على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مؤكدًا مقاومة هذه الخطط.
وعقّب عضو المجلس الوطني السويسري، بيت والتي، على ذلك، بأن الأمر يتعلق بالحدّ من الأضرار قصيرة المدى.
وقال: "لا أحد يرغب في توليد الكهرباء من النفط على المدى الطويل، لكننا نرحب بها في حالات الطوارئ".
في الوقت نفسه، يرى العضو في اتحاد أفينرجي، أولي باميرت، أن هذه المستجدات دليل على الفشل الذريع لإستراتيجية الطاقة 2050.
وقال: "لسنوات، حاول السياسيون منع الأسر من استخدام أنظمة التدفئة المعتمدة على النفط، لكنه يُستخدم الآن لتوليد الكهرباء، والاستفادة منه لاحقًا لتشغيل المضخات الحرارية والسيارات الكهربائية".
ترشيد الاستهلاك
تطرّقت سوماروغا في حديثها -الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة- إلى تداعيات الحرب على أوروبا، إذ تشهد المنطقة توترات واضطرابات، إلى جانب أزمة الطاقة العالمية.
وتشجع سوماروغا سويسرا على تحديد هدف لتوفير الكهرباء، موضحة أنه من المنطقي توفير 15% من الغاز بحلول الربيع المقبل، التي وافق عليها دول أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وقالت: "علينا أن نتوقف عن إهدار الطاقة.. فالتحدي لا يقتصر على استهلاك الأسر فقط، بل يتعين على الإدارة العامة أن تكون قدوة حسنة، من خلال الحد من تدفئة المباني العامة".
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، ستُطلق سوماروغا حملة قريبًا.
وأوضحت سوماروغا أن سويسرا تختلف عن ألمانيا، التي تعتمد على الغاز لتوليد الكهرباء، وخاصة الغاز الروسي، مضيفةً أن بلادها تنتج جزءًا كبيرًا من الكهرباء بوساطة الطاقة الكهرومائية، وتعتمد على الغاز للتدفئة في فصل الشتاء، وأن خفض درجة واحدة فقط يوفر 5% من الطاقة.
وألقت باللوم على سياسات حزب الشعب السويسري التي فضّلت الاعتماد على استيراد النفط والغاز.
وقالت، إن سويسرا تواجه مشكلة الآن؛ بسبب المخاوف من إغلاق روسيا صنبور الغاز، وتعتمد -حاليًا- على الدول الغربية في النفط والغاز.
وتابعت: "علينا تحرير أنفسنا من هذه التبعية، وتوسيع استثمارات الطاقة المحلية، ولهذا السبب بدأت في مشروع قانون تأمين إمدادات الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، لكنه معلّق في البرلمان منذ أكثر من عام".
اتفاقيات مع دول الجوار
على صعيد متصل، قالت سوماروغا، إن المفاوضات جارية مع دول الجوار، مثل ألمانيا وإيطاليا، للتوصل إلى اتفاقية تضامن في حالة نقص إمدادات الغاز.
وأشارت إلى انهيار المحادثات بشأن الاتفاق الإطاري بين سويسرا والاتحاد الأوروبي، قائلة، إن الوضع الذي تعيشه البلاد بات صعبًا عقب الحرب الأوكرانية، وإن وجود اتفاقية بشأن الكهرباء سيضيف مرونة، لكن المشكلة الأساسية -الاعتماد على النفط والغاز من الخارج- لن يغيّر الاتفاقية.
واستطردت: "نحن نعتمد على أوروبا، ولدينا -أيضًا- إمكانات يمكن أن نقدّمها للقارة، مثل محطة الضخ والتخزين (نات دو درانس)، وبهذه الطريقة، يمكننا الإسهام في استقرار شبكة الكهرباء في القارة".
وتابعت: "تصدّر سويسرا الكهرباء في الصيف، ونعتمد على الواردات في الشتاء، لذا فالتعاون الوثيق مع أوروبا وجيراننا أمر منطقي".
اقرأ أيضًا..
- خبراء: غاز غزة ضحية أزمات سياسية.. ولم يشهد تطويرًا رغم اكتشافه قبل 23 عامًا (فيديو)
- عائدات صادرات الغاز النرويجية ترتفع 4 أضعاف في يوليو.. وتوقعات بزيادة الطلب
- أكبر الدول المنتجة للفحم عالميًا.. الصين وإندونيسيا في الصدارة (إنفوغرافيك)