التقاريرتقارير النفطرئيسيةنفط

جهود بايدن لمحاربة الوقود الأحفوري تنهار على عتبة ارتفاع الأسعار

أمل نبيل

تهدد الارتفاعات القياسية في أسعار الوقود الأحفوري الأهدافَ المناخية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إذ كشفت أزمة الطاقة العالمية، عن صعوبة الاستغناء عن النفط والغاز بصفة عناصر رئيسة في مزيج توليد الكهرباء في الولايات المتحدة وباقي دول العالم.

ويبلغ متوسط سعر التجزئة للبنزين في الولايات المتحدة 4.631 دولارًا، منخفضًا من مستوى قياسي بلغ 5.014 دولارًا قبل شهر من الآن، لكنه لا يزال أعلى بمقدار 1.485 دولارًا عن العام الماضي (2021)، وفقًا لبيانات جمعية السيارات الأميركية، التي اطّلعت عليه منصّة الطاقة المتخصصة.

ويرى رئيس ومؤسس معهد السياسة التقدمية، ويل مارشال، أن ارتفاع أسعار النفط والغاز، يضع نشطاء المناخ التقدميين أمام حقيقة مزعجة؛ فقد اصطدمت حملتهم لتشويه سمعة إنتاج الوقود الأحفوري وكبح جماحه، بشهيّة الأميركيين للحصول على الطاقة بأسعار ملائمة، بحسب مقال تحليلي له نشرته صحيفة ذا هيل الأميركية (The Hill).

تناقض سياسات بايدن

أكد مارشال أن اليسار الأخضر غير راضٍ عن سياسات الرئيس بايدن، الذي يبذل قصارى جهده للتخفيف من حدّة الارتفاعات القياسية في أسعار الوقود على الأميركيين، ويشمل ذلك حثّ شركات النفط الأميركية على مزيد من عمليات التنقيب، والاقتراح الذي انتُقِد على نطاق واسع لتعليق ضريبة الغاز الفيدرالية، والزيارة المثيرة للجدل -حسب تعبيره- يوم الخميس 14 يوليو/تموز (2022) إلى المملكة العربية السعودية، إذ يناشد البيت الأبيض قادتها، بزيادة الإنتاج لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط العالمية.

كانت الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية قد وجهت دعوات إلى تحالف أوبك+ لزيادة إنتاج النفط، من أجل السيطرة على الارتفاع المتسارع لأسعار الطاقة العالمية.

الوقود الأحفوري
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن - صورة من صحيفة ذا هيل

وقال ويل مارشال: "يُبرز ارتفاع أسعار الوقود التناقض في سياسات المناخ والطاقة لإدارة بايدن.. إذا كان هدفك الرئيس هو خفض استهلاك الوقود الأحفوري، فإن ارتفاع الأسعار يصبّ في صالح تحقيق هذا الهدف، لكن من الصعب إقناع الأسر العاملة التي تكافح لدفع 5 دولارات لغالون الغاز وفواتير المرافق العامة المرتفعة، بأهدافك الخضراء".

(الغالون = 3.7 لترًا)

وتخطّط الولايات المتحدة لخفض الانبعاثات بنسبة 50 إلى 52% بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني الكامل بحلول عام 2050.

وأضاف مارشال، أنه مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية، لا ينبغي للنشطاء أن يسارعوا في تشويه سمعة بايدن، خاصةً أن مطالبهم السابقة لأوانها، إن لم تكن مثالية، بإلغاء الوقود الأحفوري في أقرب وقت ممكن، هي التي أوقعته وحزبه في هذا المأزق.

تغير المناخ وفواتير الطاقة

تُجبر أزمة الطاقة الحالية الجميعَ على إدراك حقيقة أن الوقود الأحفوري لن يختفي قريبًا، على العكس من ذلك، تزدهر صادرات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة إلى أوروبا، إذ أدركت ألمانيا ودول حلف الناتو الأخرى، مؤخرًا، التكاليف الباهظة الإستراتيجية والمناخية، لاعتمادهم على الغاز الروسي.

ففي الوقت الذي يتسارعون فيه لتنويع إمدادات الوقود، يخشى الأوروبيون من أن يغلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خط أنابيب نورد ستريم 1 تمامًا، بعد عمليات الصيانة التي ستستغرق 10 أيام.

ويلخّص مسؤول أمن الطاقة في جمهورية التشيك، فاكلاف بارتوسكا، الوضع السائد في أوروبا، بقوله: "إذا كان هناك انقطاع للغاز هذا الشتاء، سنحرق أيّ شيء لتوليد الكهرباء، وإبقاء شعوبنا دافئة".

وتسلّط أسوأ أزمة طاقة، منذ عقود، الضوء على حدود الإستراتيجية السياسية لليسار الأخضر، التي تسعى إلى إرهاب الأميركيين من الوقود الأحفوري بتنبؤات صاخبة حول الهلاك الوشيك لكوكب الأرض، بحسب ويل مارشال.

وتُظهر استطلاعات رأي أن معظم الأميركيين يقبلون عمومًا حقيقة تغير المناخ، ويريدون أن يروا المزيد من العمل لإبطاء هذه التغيرات المناخية، لكن الأمر ليس في قائمة أولوياتهم.

في استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب مؤخرًا، يرى 2% فقط من الناخبين تغير المناخ المشكلةَ الأكثر أهمية في البلاد، في حين صنّفها ناخبو الطبقة العاملة في المرتبة الـ14 على قائمة أولوياتهم.

وتُظهر استطلاعات أخرى للرأي أن الشعب الأميركي ليس على استعداد لدفع فواتير طاقة أعلى لمكافحة الاحتباس الحراري.

وينشغل معظم الناخبين بمخاطر أكثر إلحاحًا، مثل كوفيد-19، الذي قتل أكثر من مليون أميركي على مدار العامين الماضيين.

الوقود الأحفوري

حظر الوقود الأحفوري

يطالب أنصار البيئة بحظر فوري للتنقيب عن الوقود الأحفوري، ويرفعون دعاوى قضائية ضد شركات النفط والغاز التي طالما زوّدت الأميركيين بالطاقة الموثوقة وبأسعار معقولة لأكثر من قرن من الزمان، كما يضغطون على وول ستريت لسحب استثماراتها من هذه الشركات.

وينصح الناشطون الديمقراطيين بأن يعلّقوا تضخّم أسعار الطاقة على التلاعب في الأسعار من قبل شركات النفط الكبرى، متجاهلين أسعار الغاز المتصاعدة في كل مكان، بسبب الفجوة بين العرض والطلب، مع تعافي الاقتصادات الكبرى من عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا، وتسبُّب الحرب الروسية على أوكرانيا في اضطراب أسواق الطاقة العالمية.

الوقود الأحفوري
رئيس ومؤسس معهد السياسة التقدمية -ويل مارشال

وقال رئيس ومؤسس معهد السياسة التقدمية، ويل مارشال، في مقاله التحليلي: "إن تصوير شركات الطاقة بأنها عديمة الأخلاق، ولا تسعى إلّا لتحقيق الربحية، هو وصف خاطئ، ومنافق وغير مُجدٍ، كما لو أنّ طلبَنا للحصول على طاقة وفيرة ورخيصة وموثوق بها لم يكن الدافع الرئيس لشركات الطاقة للاستكشاف والتنقيب".

وأضاف أن نشطاء المناخ الذي ينتقدون هذه الشركات، مازالوا يعتمدون على المركبات التي تعمل بوساطة الوقود الأحفوري.

وأكد ويل مارشال أن رواية اليسار عن "تضخّم الجشع" تجعل من الصعب على الحكومة أن تتعاون مع شركات الطاقة الكبرى، التي بدأت في القيام باستثمارات كبيرة في الحدّ من الميثان، والطاقة المتجددة، واحتجاز الكربون وتخزينه، والهيدروجين، والكتلة الحيوية، والطاقة الحرارية الأرضية، وغير ذلك من الأنشطة النظيفة والمعزّزة لكفاءة الطاقة.

وأشار إلى أن بناء الثقة أمر صعب، عندما تتعرض الشركات للضرر؛ بسبب مطالب متناقضة من المسؤولين الحكوميين بتقليص طاقتها الإنتاجية مع إبقاء الأسعار منخفضة.

الطاقة النظيفة

أكد ويل مارشال أن كسب دعم شعبي واسع لتشريعات مناخية شاملة، ودعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يتطلب من الديمقراطيين تبنّي نهج أكثر واقعية وتوازنًا وصدقًا في التحول إلى الطاقة النظيفة.

وفي الوقت الحالي، تحتاج أميركا إلى المزيد من كل شيء: الوقود الأحفوري، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية والطاقة المائية، والجيل القادم من الطاقة النووية والاستثمارات العامة والخاصة في مجالات ابتكار الطاقة.

وكما يدرك بايدن، يجب على أميركا تصدير المزيد من الغاز الطبيعي إلى أوروبا وآسيا لمساعدة حلفائها الديمقراطيين على تقليل اعتمادهم على الفحم ومصادر الطاقة الأخرى من روسيا وغيرها من الدول النفطية الاستبدادية، بحسب ويل مارشال.

وأضاف مارشال، أنه بدلًا من تخويف العامة بنبوءات الكوارث البيئية، "يجب على قادتنا والناشطين والناخبين، أن يدركوا أهمية الدور الذي سيؤديه الوقود الأحفوري لعقود مقبلة في الولايات المتحدة، وباقي دول العالم، وهذا من شأنه أن يساعدهم على تحديد وتيرة أكثر واقعية واستدامة من الناحية السياسية لانتقال الطاقة النظيفة في أميركا".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق