مستقبل الطلب على النفط في ظل توقعات الركود الاقتصادي (مقال)
فاندانا هاري* - ترجمة: مي مجدي
- شهد الأسبوع الماضي انخفاضًا حادًا في أسعار النفط، وتكبدت العقود الآجلة لخام برنت وخام غرب تكساس خسائر صافية بنسبة 4% و3% على التوالي
- يوم الثلاثاء الماضي تفاقمت الأسعار وسجلت العقود الآجلة لخام برنت أكبر انخفاض لها من حيث القيمة المطلقة في 34 عامًا
- انخفاض الطلب على النفط في الأشهر المقبلة أمر مشكوك فيه
- طغت المخاوف المسيطرة على أسواق النفط على مشكلات الإمدادات لكنها لم تختفِ
مع تراجع أسعار الخام في ظل مخاوف الركود التي تتردد أصداؤها في عموم الأسواق المالية، تثار العديد من التساؤلات حول مستقبل الطلب على النفط.
وشهدت أسعار النفط، خلال الأسبوع الماضي، عمليات بيع حادة، يومي الثلاثاء 5 يوليو/تموز (2022) والأربعاء 6 يوليو/تموز (2022)، أسفرت عن انخفاض الأسعار إلى أدنى مستوياتها في 3 أشهر.
وكانت العقود الآجلة لخام برنت وغرب تكساس الوسيط تُتداول في المنطقة الهابطة قبل تخطيها ذلك نتيجة انتعاش الأسعار يوم الخميس 7 يوليو/تموز، وحافظت على تماسكها حتى يوم الجمعة 8 يوليو/تموز.
وفي المحصلة النهائية، شهد الأسبوع انخفاضًا حادًا في الأسعار، وتبعه انتعاش محدود، وتكبدت العقود الآجلة لخام برنت وغرب تكساس الوسيط خسائر صافية بنسبة 4% و3% على التوالي.
وكان الدافع وراء أحدث تصحيح مسار لسلعة أساسية عالقة في وضع منتعش باستمرار خلال الأشهر الـ4 الماضية، هو تراجع توقعات الطلب على النفط.
ومع ذلك، هذه ليست سوى البداية لمرحلة إعادة التوازن، ونحتاج إلى إلقاء نظرة أشمل لفهم الصورة بأكلمها.
لا تستنتج من مكان يقبع فيه الخوف
ينبغي ألا نستنتج المستقبل بعد نوبة أو نوبتين من التهافت على بيع النفط الخام.
وعلى الأغلب تفاقم تدهور الأسعار -خاصة يوم الثلاثاء 5 يوليو/تموز (2022)، عندما سجلت العقود الآجلة لخام برنت ثالث أكبر انخفاض لها من حيث القيمة المطلقة خلال 34 عامًا- بسبب تضاؤل أحجام التداول، وهي سمة من سمات السوق خلال الأشهر القليلة الماضية، وربما عجل بحدوثها اتخاذ عدد قليل من اللاعبين بعض مواقف التحوط الكبيرة، وربما جرى تسريعها من خلال البيع التقني.
وإجمالًا، الأسباب غير مهمة، والمهم هو أنه خلال هذه المرحلة فإن إغراق العقود الآجلة للنفط الخام وسط توقعات متقلبة وقاتمة بتدمير الطلب في مرحلة ما بالمستقبل هو حركة مضاربة مبالغ فيها.
وتدمير الطلب هو اتجاه هبوطي دائم على منحنى الطلب لسلعة ما.
فلم تجد الأسواق المالية إجماعًا حول ما إذا كانت ستعاني الولايات المتحدة ركودًا اقتصاديًا، وفي حال كان هناك ركود، إلى أي مدى سيتغلغل في المستقبل، وكم من الوقت سيدوم ويتعمّق؟
كما أنه ليس من المسلّم به أن الركود في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا سيؤدي إلى تراجع الاقتصادات النامية الرئيسة الأخرى وكبار المستهلكين للنفط، مثل الصين والهند.
وبالطبع، يشير عدد كبير من بيانات الاقتصاد الكلي في الأسابيع الأخيرة إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي حول العالم، وهشاشة ثقة المستهلك.
وسجّل الطلب على البنزين ونواتج التقطير في الولايات المتحدة مستويات أقل بنسبة 5% عن مستويات العام الماضي، وبلغ إجمالي الطلب على النفط في أكبر مستهلك بالعالم نحو 1.9 مليون برميل يوميًا، وهو أقل من مستويات الذروة المسجلة في أوائل فبراير/شباط.
كما حققت الرحلات الجوية في أوروبا مستوى أقل بنسبة 13% تقريبًا من المستويات المقابلة لعام 2019 في خضم ذروة موسم العطلات الصيفية.
وتظل الصين -ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة- عالقة في عمليات الإغلاق بجميع أنحاء البلاد الناجمة عن فيروس كورونا، التي تحد من النشاط الاقتصادي والسفر.
وما تزال الأدلة المتناقلة في جميع أنحاء العالم تشير إلى أن شدة ارتفاع معدلات التضخم بدأت تحد من إنفاق المستهلكين.
فعلى مدى الربع الثاني، استمر انتعاش الطلب على النفط عالميًا مع الزيادة السريعة في الطلب على السفر والسياحة والأنشطة الترفيهية.
وعوّضت الحكومات في جميع أنحاء العالم المتقدم والنامي بعض الآثار المترتبة على ارتفاع أسعار الوقود لحماية المستهلكين النهائيين من خلال التخفيضات الضريبية أو وضع حد أقصى للأسعار، وغيرها مثل دعم الوقود.
ومن المتوقع أن ينفد زخم الطلب، وقد يتلاشى قبل نهاية موسم العطلة الصيفية في نصف الكرة الشمالي، لكن تدمير الطلب على النفط في الأشهر القليلة المقبلة أمر مشكوك فيه.
بالإضافة إلى ذلك، أدت المخاوف والنفور من المجازفة المسيطرة على اتجاهات النفط الأسبوع الماضي إلى تجاهل المخاوف المتعلقة بالإمدادات، لكن هذا لا يعني اختفاؤها.
مشكلات الإمدادات
العناصر الـ3 المتمثلة في خلل التوازن العالمي بين العرض والطلب على النفط، وتضاؤل القدرات الاحتياطية بقطاعي المنبع والمصب، ومخاطر انقطاع إمدادات الغاز والنفط والمشتقات المكررة التي تلوح في الأفق تُصعّب عملية إعادة معايرة أسعار النفط الخام حتى في حالة الموافقة على رواية انهيار الطلب على النفط الوشيك.
ويعني ذلك أن أسعار النفط الخام لا يمكن أن تتجه ببساطة نحو الانخفاض الآن، ما لم تظهر معالم الركود العالمي بوضوح.
وقد أمرت محكمة روسية في نوفوروسيسك، الأربعاء الموافق 6 يوليو/تموز (2022)، اتحاد خطوط أنابيب بحر قزوين بوقف شحن النفط الخام لمدة 30 يومًا؛ ردًا على انتهاك خطته لمواجهة تسرب النفط.
وقالت الشركة المسؤولة عن تشغيل الخط (سي بي سي) -التي تشحن قرابة مليون برميل يوميًا من الخام القازاخستاني لأسواق التصدير من خلال محطة في ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود- إنها ليست لديها تفاصيل تتعلق بموعد بدء التعليق، لكنها استأنفت ضد حكم المحكمة.
وعلى صعيد آخر، انخفض إنتاج الخام الليبي وصادراته إلى قرابة ثلث المعدلات الطبيعية منذ نهاية يونيو/حزيران وسط استمرار الحصار.
وأظهر مسح أجراه موقع إس آند بي غلوبال بلاتس أن الدول الـ10 الأعضاء في منظمة أوبك ملتزمة بالحصص، وإنتاج حلفائها الـ9 من خارج أوبك كان أقل من الهدف الإجمالي بنحو 2.7 مليون برميل يوميًا في يونيو/حزيران (2022).
وفي غضون ذلك، تزداد أزمة الغاز والكهرباء في أوروبا سوءًا، وتوقفت أسعار الغاز الأوروبية المعيارية بالقرب من أعلى مستوياتها في 4 أشهر الأسبوع الماضي، في حين سجلت أسعار الكهرباء أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وقد تتفاقم أزمة نقص الغاز في القارة تدريجيًا مع دخول موسم الشتاء الذي يرتفع فيه الطلب، خاصة مع استمرار روسيا خفض الإمدادات.
حتى في الوقت الذي تستعد فيه الدول الأوروبية لاتخاذ تدابير طارئة، تتضمن ترشيد استهلاك الغاز والكهرباء، بدأت تلجأ -أيضًا- إلى الفحم، كما قد تلجأ إلى الديزل لتوليد الكهرباء، وقد يعزز ذلك الطلب على النفط كونه وقودًا بديلًا، خاصة إذا ظلت الأسعار أقل بكثير دون المستويات القياسية المسجلة في النصف الأول من عام 2022.
- فاندانا هاري، مؤسِّسة مركز "فاندا إنسايتس" المعني بأسواق الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- أوبك تتوقع نمو الطلب على النفط 2.7 مليون برميل يوميًا في 2023
- الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.. نمو متواضع رغم الإمكانات الهائلة (تقرير)
- هل يفي النفط السعودي بحصة أوبك+؟ مسؤول سابق يجيب