أسعار النفط ومخاوف الركود واضطراب العرض في السوق العالمية (مقال)
فاندانا هاري - ترجمة: نوار صبح
- • بدأت أسعار النفط تميل إلى تجنُّب المخاطر المحيطة بمعظم الأسواق المالية
- • ثقة المستهلك والإنفاق يتجهان للانهيار في ظل التضخم المتسارع والمتفاقم
- • ظل الطلب على البنزين في الولايات المتحدة دون مستويات العام الماضي
- • توقعات بأن يكون أداء الطلب على النفط في أوروبا متدنيًا
- • توقعات باستمرار الاتجاه الصعودي في جانب العرض رغم المخاوف بشأن الإمدادات الروسية
- • يكافح غالبية منتجي أوبك / خارج أوبك من أجل زيادة الإنتاج
بدأت أسعار النفط تميل إلى تجنُّب المخاطر المحيطة بمعظم الأسواق المالية وسط مخاوف متزايدة من الركود، وذلك بعد الارتفاع المستمر الذي شهدته نتيجة اشتداد مخاوف العرض خلال الجزء الأكبر من الأشهر الـ4 الماضية.
وقد تعززت المخاوف بشأن التراجع طويل الأجل للطلب على النفط، في المستقبل القريب، من خلال بيانات الاقتصاد الكلّي في الأيام الأخيرة، التي تشير إلى أن الاقتصادات الرئيسة تتباطأ بسرعة، وأن ثقة المستهلك والإنفاق يتّجهان للانهيار، في ظل التضخم المتسارع والمتفاقم.
في الأسبوع الماضي، خفض مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول إلى انكماش بنسبة 1.6%، من التقدير السابق بانخفاض 1.5%، بما يتناقض مع نمو 6.9% في الربع الرابع لعام 2021.
وانخفض الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثّل أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، إلى نمو بنسبة 1.8% للربع من نسبة 3.1% المقدّرة الشهر الماضي.
- تقرير يتوقع انخفاض الطلب على الوقود بسبب ارتفاع الأسعار
- هل تتراجع أسعار النفط دون 100 دولار؟ 5 خبراء يجيبون لـ"الطاقة"
وتراجع إقبال المستثمرين في الأسواق المالية بسبب تحذير رؤساء البنوك المركزية الأميركية والأوروبية من أن عصر أسعار الفائدة المنخفضة والتضخم المعتدل قد انتهى.
في حديثه أمام المؤتمر السنوي للبنك المركزي الأوروبي، قال رئيس مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول، إن قلقه ينصبّ على مخاطر الفشل في كبح التضخم أكثر من احتمال رفع أسعار الفائدة لدرجة تدفع الاقتصاد إلى الركود.
في المقابل، ظل الطلب على البنزين في الولايات المتحدة (أكبر مستهلك في العالم) دون المستويات المماثلة العام الماضي منذ أبريل/نيسان، وتُظهر بيانات الأيام الأخيرة أن الطلب ينخفض حتى في موسم ذروة الطلب بفصل الصيف.
وعلى الرغم من أن البيانات الأوروبية تأتي متأخرة، فإننا نتوقع أن يشهد أداء الطلب على النفط في القارّة تراجعًا كبيرًا.
بوادر انتعاش في الصين
على عكس الاتجاه السائد في بقية العالم، ظهرت بوادر انتعاش في اقتصاد الصين، بعد أن أدت عمليات الإغلاق والقيود التي تفرضها جائحة كوفيد إلى انخفاض وتيرة السفر والنشاط التجاري خلال الأشهر القليلة الماضية.
وأظهرت الصين انتعاشًا متواضعًا في نشاط المصانع في يونيو/حزيران. وسجّل مؤشر مديري المشتريات الرسمي لقطاع التصنيع نسبة 50.2% لشهر يونيو/حزيران، وهو أول ارتفاع منذ فبراير/شباط.
ونظرًا لقيام الصين بتخفيف قيود مكافحة وباء كورونا تدريجيًا مع انخفاض في حالات الإصابة، من المتوقع أن يبدأ السفر والنشاط التجاري في الانتعاش.
بدورها، أصدرت الحكومة الصينية، الأسبوع الماضي، 52.66 مليون طن من حصص استيراد النفط إلى 36 مصفاة من مصافي النفط المستقلة، بزيادة 49% عن المدة نفسها من العام الماضي.
من المتوقع أن تبدأ شركات التكرير في البلاد بزيادة معدلات المعالجة؛ تحسبًا للتعافي التدريجي في الطلب المحلي على الوقود، ومع ذلك، ستظل عودة الصين إلى طبيعتها عرضة لتقلّبات تفشّي فيروس كورونا.
وأعلنت الحكومة الصينية، الأسبوع الماضي، خططًا لخفض متطلبات الحجر الصحي إلى النصف للزائرين الأجانب على مستوى البلاد إلى 7 أيام، دون أن تذكر موعدًا للبدء في تنفيذ تلك الخطط.
علاوة على ذلك، خفّفت بكين إجراءاتها وسط تكهنات بأنها ربما تستعد للتخفيف من سياستها الصارمة "للقضاء على الوباء" من خلال تأكيد أنها لن تتراجع عن إجراء الاختبارات الجماعية وعمليات الإغلاق والقيود الأخرى لكبح حالات التفشّي الجديدة.
تصاعُد المخاوف بشأن التوريد في روسيا
عزز نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك وجهة نظر السائدة في السوق بأن موسكو تمكنت من توجيه معظم نفطها الذي رفضه الاتحاد الأوروبي إلى البلدان الآسيوية.
وقال نوفاك، إن تغيير المسار ساعد في زيادة إنتاج النفط الروسي إلى 9.9 مليون برميل يوميًا في يونيو/حزيران من 9 مليون برميل يوميًا في مارس/آذار وأبريل/نيسان، مضيفًا أنه من المتوقع أن يرتفع إلى مستويات ما قبل العقوبات خلال الصيف.
واتفق قادة دول مجموعة الـ7 على دراسة جدوى فرض قيود مؤقتة على أسعار النفط الروسي والمشتقات المكررة الروسية، التي قد يدفعها المشترون، بقمة في ألمانيا.
من جهة ثانية، شجّعت هذه الأخبار أسعار النفطَ لبضعة أيام، لكن الاتجاه الصعودي لم يدم، ولا نرى خطة قادة دول مجموعة الـ7 تؤتي ثمارها.
وستحتاج حزمة العقوبات السادسة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، التي اتُّفِق عليها في بداية يونيو/حزيران، للمراجعة ليس فقط لإلغاء الحظر المفروض على الشركات الأوروبية التي توفر تأمين الشحن للنفط الروسي، بل لإشراكها فعليًا في تنفيذ سقف الأسعار.
وينصّ الاقتراح على السماح بالتأمين الأوروبي على شحن البضائع الروسية التي يجري شراؤها وبيعها بموجب سقفٍ للأسعار متفق عليه مسبقًا.
وتعدّ خطة الحدّ الأقصى لأسعار النفط معقدة، وسيكون تصميمها وتنفيذها مرهقًا للغاية، وهو أمر أقرّ به المسؤولون الأوروبيون علنًا.
من يحدد سقف أسعار النفط؟
من بين الأسئلة الرئيسة التي تحتاج إلى إجابة، هي: من الذي سيقرر سقف أسعار النفط، وكيف، وما إذا كانت شركات التأمين ستكون مستعدة وقادرة على تحمّل مسؤولية تنفيذه.
وأعرب مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن تحفظاتهم بشأن إقناع الدول الأعضاء، البالغ عددها 27، بالموافقة على تعديل حظر الشحن.
من جانبها، طالبت الهند بالاطّلاع على تفاصيل آلية سقف أسعار النفط قبل أن تقرر ما إذا كانت مستعدة للمشاركة في تحالف المشترين الراغبين.
ومن المتوقع ألّا تلتزم الصين بتحديد سقف أسعار النفط، بالنظر إلى تعهُّد الرئيس شي جين بينغ بتقديم الدعم الكامل لروسيا ونظيره فلاديمير بوتين بعد غزو أوكرانيا.
مع ذلك، من المتوقع أن يستمر الاتجاه الصعودي بجانب العرض في السوق، حتى إذا استمرت المخاوف بشأن الإمدادات الروسية في التراجع.
- أسعار النفط ترتفع 2.5% مسجلة مكاسب أسبوعية - (تحديث)
- أسعار النفط تتأثر بالمخاوف الاقتصادية رغم استمرار سلاسل التوريد (مقال)
وتسعى غالبية منتجي أوبك+ من أجل زيادة الإنتاج، بينما ما يزال التحالف يضخّ أقلّ بكثير من حصصه المستهدفة.
يأتي ذلك وسط المخاطر الجيوسياسية للإمداد في البلدان المنتجة، التي تتراوح من ليبيا إلى الإكوادور.
ويمكن أن يهدد موسم الأعاصير الأطلسية "فوق المعدل الطبيعي" 1.7 مليون برميل يوميًا من الإنتاج البحري في خليج المكسيك الأميركي، وما يقرب من 8 ملايين برميل يوميًا من طاقة التكرير في ولايتَي تكساس ولويزيانا الأميركيتَين، في أيّ وقت في الأشهر المقبلة.
ختامًا، قد يكون المسار إلى هبوط أسعار النفط، حتى في مواجهة الظروف الاقتصادية المعاكسة والمتزايدة، طويلًا وشاقًا.
فاندانا هاري، مؤسِّسة مركز "فاندا إنسايتس" المعني بأسواق الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- الغاز المسال الكندي يترقب الفرصة لتعويض أوروبا عن الإمدادات الروسية
- نائب رئيس "شل مصر" سابقًا: كوب 27 فرصة لجذب استثمارات الطاقة إلى القاهرة (حوار)
- 9 مشروعات لتخزين الطاقة الشمسية في هاواي الأميركية