هل ينجح العراق في تحقيق الحياد الكربوني؟.. 4 تحديات تواجه بغداد وكردستان
الأزمات الاقتصادية والأمنية على رأس القائمة
نوار صبح
- يرتبط الاقتصاد الحالي لإقليم كردستان ارتباطًا مباشرًا بإيرادات النفط.
- الغاز في العراق يمثل وقودًا انتقاليًا أساسيًا نظرًا لتزايد الطلب على الطاقة.
- تنفيذ إستراتيجية شاملة للغاز في إقليم كردستان يقلل أعباء ديون المنطقة ويزيد الإيرادات.
- مولدات الكهرباء بزيت الوقود غير فعالة وتطلق كمية كبيرة من الانبعاثات.
- العراق يحرق 70% من إجمالي الغاز الطبيعي المنتج في البلاد.
مثّلت السياسة الإقليمية الواقعية للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050 في العراق وإقليم كردستان أحد المحاور الرئيسة لمنتدى الشرق الأوسط للسلام والأمن (إم إي بي إس)، الذي عقد في دهوك، العراق في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وكان توصيف السياسة الإقليمية للوصول إلى الحياد الكربوني بالواقعية أمرًا مهمًا بالنسبة للعراق وإقليم كردستان، ولا سيما أن البلاد تكافح لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة والعالم.
وسيتعين على العراق وإقليم كردستان إجراء إصلاحات اقتصادية والتركيز على الموارد المتاحة والقابلة للتطوير للخروج من أزماتهما الأمنية والاقتصادية الأخيرة، بحسب تقرير جديد نشره معهد الشرق الأوسط (MEI) في واشنطن.
وبيّن تقرير المعهد بعنوان "التنوّع الاقتصادي وتحول الطاقة في العراق والخليج" أهمية الإدارة الفعالة لإنتاج النفط واحتياطياته الحالية، وتنفيذ إستراتيجية احتجاز الغاز واستخدامه وتصديره على أساس السوق، وخفض تكلفة رأس المال وتحفيز زيادة الاستثمار الأجنبي.
وأفرد التقرير دراسة بهذا الصدد بعنوان "أهداف السياسة الإقليمية الواقعية للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050"، للباحث في المجلس الأطلسي، نائب الرئيس للشؤون الحكومية في شركة "إتش كيه إن إنرجي" الأميركية، الدكتور ماثيو زيس.
اقتصاد كردستان العراق
قال الباحث في المجلس الأطلسي، نائب الرئيس للشؤون الحكومية في شركة "إتش كيه إن إنرجي" الأميركية، ماثيو زيس، إن الاقتصاد الحالي لإقليم كردستان وقدرته على تحمل نزاعات الموازنة مع بغداد، يرتبط ارتباطًا مباشرًا باقتصاده القائم على النفط.
وأشار إلى أن صادرات النفط في المنطقة تجسد نجاحات متميزة في التنمية الاقتصادية، موضحًا أنه قبل 14 عامًا فقط لم يكن إقليم كردستان يصدر أي نفط وكان يعتمد اقتصاديًا على بغداد والمساعدات الدولية.
وأضاف أنه من خلال تقديم نموذج عقد مشاركة الإنتاج التنافسي العالمي لشركات النفط الدولية، ينتج إقليم كردستان الآن أكثر من 400 ألف برميل من النفط يوميًا، دون استثمار أي رأسمال محلي.
وذكر أنه على الرغم من هذا التحول الاقتصادي الملحوظ والاحتياطيات الهائلة؛ فقد استقر إنتاج المنطقة من النفط والاستثمار فيه ومن ثَم الإيرادات.
تجدر الإشارة إلى أن حفاظ إقليم كردستان على مستويات إنتاجه من أبريل/نيسان إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عندما ارتفعت الأسعار فوق 80 دولارًا للبرميل، كان سيحقق ما لا يقل عن 75 مليون دولار من الإيرادات الشهرية الإضافية، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويعود استقرار الإنتاج النسبي في المنطقة إلى عدة عوامل؛ بما في ذلك حجم الصادرات المفقودة بعد استفتاء استقلال كردستان، وانخفاض الاستثمارات من التزامات الديون ووقف مدفوعات شركات النفط العالمية في 2019 و2020، وتأخيرات الإنتاج بسبب تأثيرات وباء كوفيد-19.
التحول الرقمي والفساد
استعرض منتدى الشرق الأوسط للسلام والأمن (إم إي بي إس)، الذي عقد في مدينة دهوك بالعراق في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عمليات التحول الرقمي في عدد من الجهات الحكومية، بهدف القضاء على الفساد وزيادة الإيرادات الحكومية.
وقال الدكتور ماثيو زيس إن هذه الإصلاحات، في غياب إستراتيجية لزيادة الاستثمار في النفط والغاز، تشبه تحسين المظهر الخارجي لسيارة سباق قديمة مع نسيان صيانة المحرك وتحديثه.
وأضاف أنه على الرغم من تحفيز تحولات الطاقة والاستغناء عن الوقود الأحفوري؛ فإن الإقليم الغني بالنفط يعمل على تطوير إستراتيجيات لزيادة الفوائد الاقتصادية من هذه الموارد مع اعتماد مصادر طاقة نظيفة في المستقبل.
وأوضح أن إقليم كردستان سيحتاج إلى وضح إستراتيجية لمصادر الطاقة النظيفة والوقود الأحفوري، بما يُسهِم في إطلاق إمكانات اقتصادية كبيرة وتراكم الاحتياطيات الضرورية للتنويع الاقتصادي من خلال ضمان إدارة إستراتيجية لإنتاج النفط، وصولًا إلى الحياد الكربوني.
تطوير موارد الغاز
يمثل الغاز في العراق وقودًا انتقاليًا أساسيًا؛ نظرًا لتزايد الطلب على الطاقة؛ إذ يقدر الطلب الحالي على الغاز لقطاعي الكهرباء والصناعة في إقليم كردستان بنحو 11 مليار متر مكعب سنويًا.
وقال الباحث في المجلس الأطلسي، نائب الرئيس للشؤون الحكومية في شركة "إتش كيه إن إنرجي" الأميركية، الدكتور ماثيو زيس، إنه يجب على حكومة إقليم كردستان تطوير مواردها من الغاز، التي ستكون عامل دعم لاقتصاد المنطقة المستقبلي وللعلاقات مع جيرانها.
وأوضح أن إقليم كردستان ينتج حاليًا ما يقرب من 5.3 مليار متر مكعب سنويًا من حقلين فقط، مشيرًا إلى أن هذه الفجوة بين العرض والطلب إما لا تُسَد إما تُستَكمَل من خلال المشتقات النفطية.
وتوقع الدكتور ماثيو زيس أن يصل الطلب، بشكل أساسي من قطاع الكهرباء، إلى 15 مليار متر مكعب بحلول عام 2030 و21 مليار متر مكعب بحلول عام 2040.
وأضاف أن المنطقة يمكن أن تنتج نحو 40 مليار متر مكعب في العام من الغاز القابل للتسويق بحلول منتصف عام 2030، باعتماد الإستراتيجية الصحيحة ومن خلال تطوير موارد الغاز الطبيعي المرتبطة وغير المرتبطة بها.
- كردستان العراق يخطط لتصدير الغاز إلى أوروبا.. وإيران تتحفظ
- التوتر يتصاعد.. إقليم كردستان ينفي استيلاء قواته على حقول نفط عراقية
وبيّن أن هذه الإجراءات ستضيف ما لا يقل عن 1.2 مليار دولار من الإيرادات السنوية المباشرة، إضافة إلى زيادة الإنتاج الصناعي والتوظيف ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
وأكد أنه سيتعين على إقليم كردستان تنفيذ هياكل السوق التي تحفز الاستثمار الضروري من أجل تعزيز هذه الإمكانات التنموية.
وألمح إلى أن تنفيذ حكومة إقليم كردستان إستراتيجية شاملة للغاز سيقلل من عبء ديون المنطقة ويزيد الإيرادات، وسيعتمد هذا التطور، شأنه شأن قطاع النفط، على الأسواق الخارجية ورأس المال.
وسيتعين على حكومة إقليم كردستان تغيير الاتجاهات الحالية التي تجعل تكلفة رأس المال في إقليم كردستان شاذة، وليست تنافسية على المستوى العالمي أو الإقليمي.
منذ عام 2014، عانت أسعار الأسهم لمشغلي إقليم كردستان من انخفاض أكبر (-68%) من خام برنت (-30%) وبعد انتعاش أسعار خام برنت منذ يونيو/حزيران 2020، لم تنتعش أسعار الأسهم (53%) بنفس معدل برنت (78%)، وفقًا لشركة استشارات الطاقة لامبرت إنرجي أدفيزوري.
وستمثل إستراتيجية الغاز التي تتيح بيع الغاز إلى قطاع توليد الكهرباء فرصة اقتصادية إضافية للأسواق المحلية وأسواق التصدير التي ستغتنم هذه الفرصة على المدى القصير.
علاوة على ذلك، يمتلك إقليم كردستان حاليًا سعة فائضة على توليد الكهرباء بتوربينات الغاز، لكنه يفتقر إلى إمدادات الغاز اللازمة، حسب بيانات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ونتيجة لذلك، هناك اعتماد واسع النطاق على مولدات زيت الوقود، والتي تُعَد غير فعالة وتطلق كمية كبيرة من الانبعاثات، ويجب التخلص من التوليد الزائد ويُسهِم في تقلبات قطاع الكهرباء.
ويرى المحللون أنه لا يمكن فقط أن يحل إنتاج الغاز المحلي محل زيت الوقود الثقيل ويزيد من قدرة التوليد، ولكن يمكن ربط توليد الكهرباء بخطوط النقل الحالية المرتبطة بالعراق الفيدرالي.
علاوة على ذلك، يعوق وقود الديزل المدعوم لتوليد الكهرباء الصناعية قدرة إقليم كردستان على تحويل الغاز إلى قطاع توليد الكهرباء.
حرق الغاز
يمكن للعراق اتخاذ القليل من الإجراءات لتحسين تأثيره البيئي أكثر من تقليل حرق الغاز والتوقف عنه.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا وحدها هي التي تحرق غازًا أكثر من العراق، وتبقى الدولة الوحيدة في العالم التي تعمل في الوقت نفسه على حرق الغاز الصافي واستيراد الغاز.
في قمة المناخ كوب 26، التي انعقدت في مدينة غلاسكو في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلن العراق أن هدف المساهمة المحددة وطنيًا هو 2% للقطاع العام و15% للقطاع الخاص بحلول عام 2030.
وأشار الباحث في المجلس الأطلسي، نائب الرئيس للشؤون الحكومية في شركة "إتش كيه إن إنرجي" الأميركية، الدكتور ماثيو زيس، إلى أن هذه أهداف متواضعة، ولا سيما بالنسبة لثاني أكبر دولة في العالم تعمل على حرق الغاز.
وبحسب البنك الدولي؛ فإن العراق يحرق 70% من إجمالي الغاز الطبيعي المنتج في البلاد، الذي بلغ نحو 17.37 مليار قدم مكعبة العام الماضي. ثم يستورد العراق -لسبب غير مفهوم إلى حد ما- الكميات نفسها من إيران بأسعار أعلى من السوق.
وقال الدكتور ماثيو زيس إن حل مشكلة حرق الغاز في العراق وتطوير سوق الغاز في حكومة إقليم كردستان من شأنه أن يفعل أكثر من أي إجراء آخر لتقليل انبعاثات الكربون الإقليمية.
وأضاف أن تقليل حرق الغاز واستبدال توليد الكهرباء القائمة على النفط بالغاز الطبيعي، في إقليم كردستان وحده، سيؤدي إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 10 ملايين طن متري سنويًا.
اقرأ أيضًا..
- 5 طرق تدعم دور كفاءة الطاقة في تحقيق الحياد الكربوني بالمدن (تقرير)
- الهيدروجين.. الطريق الأكثر أمانًا نحو تحول الطاقة والحياد الكربوني (تقرير)