محطات الفحم.. عقبة في طريق المملكة المتحدة أم طوق نجاة؟
أمل نبيل
تراجعت حكومة المملكة المتحدة عن إغلاق محطات الفحم العاملة في البلاد، سعيًا وراء تأمين إمدادات إضافية من الكهرباء خلال موسم الشتاء المقبل، والذي قد تغرق البلاد خلاله في ظلامٍ حالك، إذا لم تنجح في تأمين مصادر بديلة للغاز الطبيعي.
وتتناقض هذه الخطوة كليًا مع سياسات الطاقة في المملكة المتحدة، أحد أكبر الداعمين للتخلص النهائي من حرق الفحم، ففي اختتام قمة المناخ كوب 26 في نوفمبر/تشرين الماضي، أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أن العالم قد وصل إلى نقطة اللاعودة في التخلص التدريجي من الفحم، بحسب بلومبرغ.
وفي الوقت ذاته، حذّر وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، أوروبا، من أن روسيا تحشد قواتها بالقرب من حدود بلاده، تلك التصريحات التي بدت غير متصلة حينها، أصبحت متشابكة بعد 7 أشهر، إذ تُجبر الحرب الروسية على أوكرانيا، الدولَ على تعويض إمدادات الغاز المحدودة، وفق التقارير التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
محطات الفحم في المملكة المتحدة
تهدف المملكة المتحدة إلى إبقاء محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم خلال موسم الشتاء، بدلًا من إغلاقها بالكامل تقريبًا خلال الأشهر الـ 3 المقبلة، كما هو مُخطّط لها.
وطلب وزير الطاقة البريطاني، كواسي كوارتنغ، من مشغّلي آخر 3 محطات كهرباء في البلاد ما تزال تعمل بالفحم الحجري، إبقاءها مفتوحة، وكان يُفترض بهذه المحطات أن تخرج من الخدمة نهائيًا فى سبتمبر/أيلول المقبل.
وتتباطأ الجهود المبذولة للتخلص من مصادر الطاقة غير النظيفة، إذ أضرّت الحرب الروسية باقتصاديات الدول الأوروبية، وأدى ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء إلى ارتفاع التضخم وزيادة المخاوف من شبح الركود.
وبينما تفكر دول مجاورة مثل ألمانيا في استمرار عمل محطات الفحم خلال موسم الشتاء، فإن تغيير سياسة المملكة المتحدة، على وجه الخصوص، يسلّط الضوء على كيفية تحوّل أمن الطاقة إلى أولوية سياسية قصوى في وقت قصير، لحكومة كانت شديدة التحمس للتحول البيئي في كوب 26.
وارتفعت أسعار الغاز في المملكة المتحدة بنسبة 50% تقريبًا خلال الأسبوع الماضي وحده، في حين إن البلاد تستورد 4% فقط من احتياجاتها من الغاز من روسيا.
وتعدّ روسيا رابع أكبر مورّد للغاز في المملكة المتحدة، بعد إمدادات خط الأنابيب من النرويج، والتي تمدّ البلاد بثلث احتياجاتها، والغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة.
حتى أنصار حماية البيئة يعترفون بأن تزايد الانبعاثات، على المدى القصير، قد يكون تكلفة تقليل الاعتماد على الوقود الروسي، على المدى الطويل.
خطوة احترازية
قال محلل الكهرباء العالمي في مركز "إمبر" لأبحاث المناخ -ومقرّه لندن-، ديف جونز: "لدينا مشكلات أكبر يجب أن نقلق بشأنها.. تتخذ الحكومة بعض القرارات، مثل الإبقاء على محطات توليد الكهرباء بالفحم، والتي يراها بعضهم محاولة للتحايل على استمرار استخدام الوقود الأحفوري، بالنسبة لي يبدو قرارًا منطقيًا للمساعدة في حلّ أزمة الكهرباء".
وأعلنت المملكة المتحدة التزامها بإنهاء توليد الكهرباء من الفحم الحراري بحلول عام 2024، وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة النووية.
وينبعث من الفحم ما يقرب من ضعف كمية الكربون الناجمة عن حرق الغاز الطبيعي، ووصف وزير الأعمال كواسي كوارتنغ إجراء تأجيل إغلاق محطات الفحم بأنه "خطوة احترازية مهمة".
وفي الأسبوع الماضي، وقّعت شركة إلكتريستي دي فرانس إس أيه اتفاقية للإبقاء على وحدة من محطتها للفحم في ويست بورتون، بوضع الاستعداد حال الاحتياج إليها هذا الشتاء.
يأتي ذلك بعد أن طلبت الحكومة من شركة ناشيونال غريد بي إل سي، في مايو/أيار الماضي، تأمين إمدادات إضافية احتياطية من المحطات التي كانت على وشك الإغلاق، أو لم تكن تعمل.
ومن المتوقع الإعلان عن صفقات مشابهة مع دراكس بي إل سي، ويونيبير إس إي، قريبًا أيضًا.
وقال وزير الأعمال البريطاني كواسي كوارتنغ، في تغريدة بموقع تويتر يوم 14 يونيو/حزيران: "مع حالة عدم اليقين، التي تشهدها أوروبا بعد الغزو الروسي، من الصواب أن نستكشف جميع الخيارات لتعزيز الإمدادات، إذا كانت لدينا طاقة احتياطية متوفرة، فلنُبقِها في وضع الاستعداد".
وفي ألمانيا، يُمَدَّد احتياطي مماثل، ليشمل المحطات المتقاعدة إذا قطعت روسيا الإمدادات عن أوروبا تمامًا.
وكان من المفترض أن تتوقف محطات الفحم في ألمانيا عن العمل هذا العام والعام المقبل، في إطار خطة البلاد للتخلص التدريجي من الفحم بحلول عام 2030.
وعلى عكس المملكة المتحدة، تتخلى ألمانيا عن الطاقة النووية، تنفيذًا لوعد قطعته في أعقاب كارثة فوكوشيما في عام 2011، إذ تنوي إغلاق ما تبقّى من محطاتها النووية هذا العام.
تكلفة تمديد عمر محطات الفحم
من شأن إبقاء محطات الفحم في الخدمة أن يكلّف المملكة المتحدة كثيرًا من الأموال، إذ ستتلقى شركة الكهرباء الفرنسية عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية لإبقاء عمل هذه المحطات التي تديرها، وستُعَوَّض هذه التكلفة الإضافية من الأسر في وقت يعاني فيه الشعب البريطاني من الارتفاعات القياسية بفواتير الكهرباء وأسعار الفائدة المتصاعدة، حسبما نقلت وكالة بلومبرغ.
وتعرضت حكومة بوريس جونسون لانتقادات شديدة من قبل المعارضين، لأنها لم تبذل جهودًا كافية لمساعدة شعب المملكة المتحدة خلال أسوا أزمة معيشة تشهدها البلاد منذ عقود، إذ رفضت فرض ضريبة مفاجئة على أرباح شركات الطاقة كما هي الحال في الدول الأوروبية، على الرغم من تراجعها فيما بعد، مع تسارع معدلات التضخم.
ووعد وزير الخزانة، ريشي سوناك، بحزمة إعانات ستُدفَع لجميع الأسر البريطانية مرة واحدة للمساعدة بتقليل فواتير الكهرباء في الخريف،إذ من المتوقع أن يقفز الحدّ الأقصى للأسعار مرة أخرى.
وتحدد المملكة المتحدة سقفًا لأسعار الطاقة للمنازل؛ حمايةً للمستهلكين من الارتفاع الشديد لها، وقد قفزت الأسعار إلى مستويات قياسية في أبريل/نيسان الماضي، ومن المتوقع أن تقفز مرة أخرى في مراجعة الأسعار المقبلة بشهر أكتوبر/تشرين الأول.
وقال المتحدث باسم لجنة الطاقة في حزب العمّال المعارض، آلان وايتهيد: "مرة أخرى تفشل هذه الحكومة في تقديم حلول لأزمة الطاقة، وتدفعنا لتحمّل المزيد من التكاليف".
وأضاف: "في إطار جهودها للحفاظ على الكهرباء خلال الشتاء، يتعين عليها الاعتماد على مزيد من الفحم، وهو أكثر أشكال الطاقة تلويثًا".
وقال الشريك في شركة فلينت غلوبال لاستشارات الطاقة، المستشار الحكومي السابق، جوش باكلاند: "يتفق القادة في جميع أنحاء أوروبا على أن بناء المزيد من القدرات المتجددة هو أفضل طريقة لفطم القارّة عن الغاز الروسي وخفض الانبعاثات في نهاية المطاف".
وأضاف: "إذا سمحت الحكومات الأوروبية بحدوث أزمة في الكهرباء، هذا الشتاء، فقد يضرّ هذا بتحقيق الحياد الكربوني على المدى الطويل".
أمن الطاقة في المملكة المتحدة
كات موقف حكومة المملكة المتحدة تجاه التخلص التدريجي من إمدادات النفط والغاز قد تغيّر بالفعل في الشهور الأخيرة.
وعندما انتهت قمة كوب 26، قال بوريس جونسون، إن البيان الختامي الذي اتفق عليه القادة "وحَّد العالم في الدعوة إلى القضاء على الفحم".
وتعهدت الاتفاقية، التي وقّعتها ما يقرب من 200 دولة، بخفض استخدام طاقة الفحم دون هوادة.
وقال جونسون لبرلمان المملكة المتحدة: "سنُلزم جميع منتجي الفحم ومستورديه ودول التعدين في جميع أنحاء العالم بالتزاماتهم لتقليل الاعتماد على الخام الجاف".
وفي وقت سابق من الشهر الجاري (يونيو/حزيران)، وافقت حكومة المملكة المتحدة على التنقيب عن الغاز في حقلي "سبين فوروارد"، و "جاك داو" في بحر الشمال، بعد 8 أشهر من حظر المشروع بسبب المخاوف البيئية.
وستتمكن شركات الطاقة من تعويض جزء من الضريبة الجديدة البالغة 25% على أرباح النفط والغاز، من خلال ضخّ استثمارات جديدة في عمليات التنقيب.
وفي 26 مايو/أيار الماضي، أعلنت بريطانيا رفع معدل الضريبة على شركات النفط والغاز إلى 62%، من 40% حاليًا.
وقال المدير المساعد للطاقة والمناخ والإسكان والبنية التحتية في مركز الأبحاث إببر، لوك مورفي، إن المملكة المتحدة انتقلت من قيادة نهاية الفحم في العالم إلى امتداد "هزلي" لمحطات الكهرباء التي تعمل به.
وقال الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط البريطانية بي بي: "إن جزءًا من المشكلة هو أن حكومة المملكة المتحدة لم تركّز على أمن الطاقة في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى نقص الاستثمار في الصناعة".
وأضاف: "على وجه الخصوص، أدى الانخفاض السريع بإنتاج النفط والغاز في بحر الشمال إلى ترك المملكة المتحدة دون مصادر طاقة محلية كافية، وأكثر عُرضة لأيّ نوع من الصدمات الخارجية".
وتابع: "سيسهم ذلك ببقاء مصادر الوقود الأحفوري "القذرة" مثل محطات الفحم، في مزيج توليد الكهرباء في بريطانيا لسنوات طويلة".
موضوعات متعلقة..
- أسعار الوقود تواصل ارتفاعها في بريطانيا رغم خفض الرسوم
- الغاز النرويجي.. هل يكفي لتلبية احتياجات المملكة المتحدة من الطاقة؟
- التخلص التدريجي المبكر من محطات الفحم يحقق 16 تريليون دولار من المكاسب
اقرأ أيضًا..
- خبير أوابك: تصدير الهيدروجين من المغرب والجزائر ومصر إلى أوروبا "أكثر جدوى"
- حسم مصير حقل غرب القرنة العراقي بعد خلاف طويل مع إكسون موبيل
- أكبر الدول العربية المنتجة للنفط.. السعودية والعراق في صدارة القائمة