أسعار النفط ستواصل الارتفاع لهذه الأسباب.. وروسيا ليست الدافع الوحيد (مقال)
فاندانا هاري - ترجمة: دينا قدري
- فقدان الإمدادات الروسية ليس مصدر القلق الوحيد في سوق النفط
- التوترات الإيرانية تسهم كثيرًا في ارتفاع أسعار النفط
- انقطاع الإنتاج في قازاخستان وليبيا يؤثر سلبًا في سوق النفط
- الاتحاد الأوروبي لم يحسم بعد فرض حظر على النفط الروسي
لم يكن أحد يتوقع أن تتراجع أسعار النفط الخام الخفيف إلى أقل من 100 دولار للبرميل، طالما استمرت حرب أوكرانيا في التفاقم.
إلا أن الأسبوع الماضي كان بمثابة تذكير مؤلم بأن فقدان الإمدادات الروسية ليس مصدر القلق الوحيد على خريطة النفط؛ إذ تؤدي انقطاعات أخرى إلى تفاقم الوضع، بينما التوترات الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط تصب الزيت على النار.
وفي الوقت نفسه، اندلعت التوترات في الخليج العربي الأسبوع الماضي، مع عمليات مصادرة ناقلات النفط في إطار المعاملة بالمثل.
مصادرة ناقلات النفط
احتجزت إيران ناقلتي نفط يونانيتين في مضيق هرمز يوم الجمعة 27 مايو/أيار، إذ صعد الحرس الثوري الإيراني على متن السفينتين باستخدام مروحية وزوارق سريعة.
وجاءت هذه الخطوة جاءت انتقامًا من احتجاز السلطات اليونانية ناقلة ترفع العلم الروسي في المياه اليونانية الشهر الماضي، ونقل شحنتها -التي تبلغ نحو 100 ألف طن من الخام الإيراني- إلى سفينة أخرى يوم الخميس 26 مايو/أيار، بناءً على طلب من واشنطن.
ويُشتبه في أن الناقلة انتهكت العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على طهران.
وبحسب ما ورد، فقد كانت إحدى الناقلتين اليونانيتين التي استولت عليهما إيران، برودنت وريور، تنقل الخام المحمّل في البصرة بالعراق إلى الولايات المتحدة.
تأتي هذه الحوادث مع استمرار توقف المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
إذ كانت إحدى العقبات الرئيسة أمام التوصل إلى اتفاق -الذي بدا قريبًا في أوائل مارس/آذار- هي مطالبة إيران للولايات المتحدة برفع تصنيفها الحرس الثوري الإيراني في قائمة المنظمات الإرهابية.
التوترات بين إيران وإسرائيل تتأجج هي الأخرى؛ إذ أفادت وزارة الدفاع الإيرانية، يوم الأربعاء 25 مايو/أيار، بوقوع انفجار مميت في مجمع بارشين العسكري.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الهجوم، الناجم عن "طائرات دون طيار، انتحارية، رباعية المروحيات"، تماشى مع نمط الضربات السابقة ضد البنية التحتية العسكرية والنووية الإيرانية، المنسوبة إلى إسرائيل.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت -التي بدأت الأسبوع حول 113 دولارًا- إلى أعلى مستوى في شهرين عند 119.43 دولارًا يوم الجمعة 27 مايو/أيار.
عوامل تفاقم أسعار النفط
عزز نقص الإنتاج الكبير في ليبيا وقازاخستان الموقف الصعودي لأسعار النفط الأسبوع الماضي.
إذ انخفض الإنتاج في حقل كاشاغان النفطي في قازاخستان بمقدار النصف تقريبًا عن المعدل الطبيعي البالغ 410 آلاف برميل يوميًا منذ أوائل مايو/أيار بسبب الصيانة المخطط لها.
وتراجع إنتاج النفط القازاخستاني إلى 1.66 مليون برميل يوميًا في 22 مايو/أيار من نحو 1.85 مليون برميل يوميًا في وقت سابق من هذا الشهر.
ومن المقرر أن تستمر أعمال الصيانة في كاشاغان -التي بدأت في 19 مايو/أيار- حتى 3 أغسطس/آب، ومن المتوقع أن يُغلق الحقل بالكامل في يونيو/حزيران.
قازاخستان التي تبلغ حصتها في أوبك+ نحو 1.64 مليون برميل يوميًا، ترسل أكثر من ثلثي نفطها إلى أوروبا.
وفي الوقت نفسه، أسفر الحصار الجزئي في ليبيا عن إغلاق نحو 500 ألف برميل في يوميًا من إنتاج النفط الخام، وقد أدى المأزق السياسي الذي طال أمده في البلاد إلى وضع الـ700 ألف برميل يوميًا المتبقية تحت التهديد بسبب نقص الأموال.
وبحسب ما ورد، أمر رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، مشغلي حقول النفط في البلاد -في وقت سابق من هذا الشهر- بوقف جميع أعمال الصيانة والحفر، بسبب "التأخير في تحويل الميزانيات المعتمدة لعام 2022".
حظر النفط المنقول بحرًا من روسيا
مع وصول خطة الاتحاد الأوروبي للتخلص التدريجي من جميع مشتريات النفط الروسي إلى طريق مسدود، يبحث الاتحاد الآن فرض حظر انتقائي على الواردات المنقولة بحرًا.
وأرسلت المفوضية الأوروبية في 28 مايو/أيار اقتراحًا منقحًا إلى الحكومات الوطنية للتخلص التدريجي من واردات الخام الروسي المنقول بحرًا في 6 أشهر، والمنتجات المكررة في 8 أشهر.
ومع ذلك، سيجري تجنب الشحنات عبر خط أنابيب دروجبا، المصدر الرئيس لواردات الخام في المجر.
ومن شأن ذلك -أيضًا- أن يعالج مخاوف سلوفاكيا وجمهورية التشيك -اللتين لا تطلان على البحر-، واللتين قد تجدان صعوبة في استبدال النفط الروسي. كما ستُمنح بلغاريا وكرواتيا بعض الاستثناءات بموجب الاقتراح المعدل.
ومن المقرر أن يجتمع سفراء الاتحاد الأوروبي يوم الأحد لمناقشة الحزمة المعدلة.
وكانت بعض الدول الأعضاء تضغط من أجل إبرام اتفاق قبل اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الإثنين 25 مايو/أيار لمناقشة الحرب في أوكرانيا، لكن استمرار الجدل الذي دام أسابيع حول المسودة السابقة للحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا، يجعل الاتحاد الأوروبي يتأنى في صياغة الاتفاق.
وعارضت بعض الدول الأعضاء في السابق التمييز بين الشحنات المنقولة بحرًا وخطوط الأنابيب، على أساس أن هذا الأمر سيضر بشكل غير متناسب بإمداداتها.
ومن المثير للاهتمام أن المسودة الأخيرة قد خففت القيود المفروضة على تقديم خدمات شحن النفط الروسي إلى دول ثالثة.
كما أنها تحظر تقديم المساعدة الفنية وخدمات السمسرة والتمويل، ولكن أُزيلت الإشارة إلى "أي خدمات أخرى"، ما يعني أنه لن تُمنع الشركات من توفير غطاء تأميني لشحنات النفط الروسية.
يبقى أن نرى ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيقرر المعاقبة الذاتية على أي حال أم لا.
أسعار النفط لن تهدأ كثيرًا
شحنت روسيا نحو 720 ألف برميل يوميًا من الخام إلى المصافي الأوروبية عبر خط أنابيب دروجبا العام الماضي، وأرسلت نحو 1.57 مليون برميل يوميًا من موانئ البلطيق والبحر الأسود والقطب الشمالي، وفقًا لبيانات بلومبرغ.
قد تكون روسيا قادرة على إعادة توجيه بعض فائضها من النفط الخام إلى الصين والهند، لكن ليس لديها أي متلقين واضحين لمنتجاتها المكررة في آسيا.
ولم تبدأ أميركا اللاتينية- التي تخسر بشكل متزايد أمام أوروبا بوصفها مقرًا للمنتجات المكررة الأميركية- في جذب البراميل الروسية.
وتتغلب خطة الاتحاد الأوروبي للتركيز على الواردات المنقولة بحرًا على اعتراضات المجر، ولكن هذا لا يعني أنها ستتقدم. إذ نتوقع جدلًا طويل الأمد، والذي يمكن أن يُبقي سوق النفط في حالة تأزم شديد.
وقد تنحسر نوبة الخوف الأخيرة من حوادث الناقلات الإيرانية، إلا أن حرب الطاقة المتصاعدة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، مع انقطاعات الإنتاج الكبرى المخطط لها وغير المخطط لها في أماكن أخرى، من غير المرجح أن تسمح لأسعار النفط بأن تهدأ كثيرًا عن المستويات الحالية على المدى القصير.
* فاندانا هاري، مؤسّسة مركز "فاندا إنسايتس" المعني بأسواق الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- تراجع أوروبا عن حظر النفط الروسي يُهدئ أسواق الطاقة مؤقتًا (مقال)
- اضطراب إمدادات الطاقة الروسية لأوروبا يُربك أسعار النفط (مقال)
- حظر النفط الروسي.. تداعيات الخطة الأوروبية على الأسواق والأسعار (مقال)
- النفط الإيراني ينافس الخام الروسي في السوق الموازية (مقال)