الاقتصادات الناشئة تقود الطريق نحو تحول الطاقة.. السعودية والإمارات نموذجًا
تشير التوقعات الدولية إلى أن الاقتصادات الناشئة ستشكّل غالبية الطلب على الكهرباء على مدى العقود المقبلة، بسبب الطفرة الصناعية، لذا فإن الضغط من أجل الحياد الكربوني وتحسين الاستدامة البيئية يضع مجموعة من الضغوط على الأسواق الناشئة.
يبرز في إطار خطط تحول الطاقة سؤال أساس، هو: كيف يمكن لمثل هذه الاقتصادات أن تحقق إمكاناتها الاقتصادية، بينما تسعى في الوقت نفسه لتحقيق الحياد الكربوني وخفض الانبعاثات؟
ربما يكون التحدي نفسه هو حقيقة أن العديد من كبار منتجي النفط والغاز في العالم هم من الاقتصادات الناشئة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ومع ذلك، فإن تحول الطاقة سيتطلب بلا شك إعادة هيكلة اقتصادية كبيرة من البلدان التي تستمد أجزاء كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي من النفط والغاز، وهناك أيضًا فوائد اقتصادية كبيرة يمكن جنيها.
أبرز مناطق النمو
كشفَ تقرير نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي عمومًا يمكن أن توفر ما يصل إلى 621 مليار دولار سنويًا، وتوفر 7.7 مليون وظيفة جديدة إذا حقّق قطاعا الطاقة والنقل حيادًا للانبعاثات بحلول عام 2050.
من بين الدول المصدّرة للهيدروكربونات، تتصدّر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تكلفة الطاقة المتجددة، إذ تتطلع الأولى إلى زيادة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديها من المستوى الحالي البالغ 13% إلى 31% بحلول عام 2025.
خلال عام 2021، واصلت الإمارات إحراز تقدّم في محطة الظفرة للطاقة الشمسية، والت، وتخفيف 2.4 مليون طن من انبعاثات الكربون سنويًا.
في غضون ذلك، شهد شهر أبريل/نيسان من العام الماضي، في المملكة العربية السعودية إطلاق محطة سكاكا للطاقة الشمسية بقدرة 300 ميغاواط، وهو أول مشروع للطاقة المتجددة على مستوى المرافق العامة في البلاد، وتبع ذلك، في أغسطس/آب، إعلان انتهاء شركة الطاقة السعودية أكوا باور من تمويل محطة سدير للطاقة الشمسية بقدرة 1.5 غيغاواط، والتي من المقرر أن تكون واحدة من أكبر محطات الطاقة في العالم عند اكتمالها.
الطلب على المعادن
ستشهد مناطق معينة فوائد أخرى، فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تستفيد أفريقيا جنوب الصحراء من السوق المتنامية للمعادن التي تعدّ أساسية في التحول نحو الطاقة المتجددة، ومن بينها الكوبالت، وهو مكون رئيس في بطاريات الليثيوم أيون التي تشغل السيارات الكهربائية وتخزين الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومصادر أخرى متجددة.
من المقرر أن ينمو الطلب على الكوبالت بنسبة 60% بحلول عام 2025، وفقًا لبحث حديث من شركة الاستشارات العالمية ماكينزي، بالنظر إلى أن ما يُقدَّر بنحو 60-70% من إمدادات الكوبالت العالمية يقع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن البلاد ستستفيد من هذا التطور، على الرغم من أن زامبيا وجنوب أفريقيا والمغرب لديها أيضًا احتياطيات كبيرة من الكوبالت.
مصادر الطاقة المتجددة
في حين إن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح هي القطاعات المهيمنة في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، يتطلع عدد من الأسواق الناشئة إلى مصادر متجددة أخرى لتلبية احتياجات الطاقة المستقبلية.
أحد هذه الموارد هو الطاقة الحرارية الأرضية، إذ تقوم الأنابيب بنقل الحرارة من جوف الأرض، وبإمداد البخار لتشغيل التوربينات الكهربائية.
وتعدّ الولايات المتحدة المنتج الرائد في العالم للطاقة الحرارية الأرضية، ولكن هناك عدد من الأسواق الناشئة الأخرى تؤدي أدوارًا رئيسة على الساحة الدولية، إذ تمثّل إندونيسيا والفلبين وحدهما نحو 25% من إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية في العالم.
في2021، أعلنت منطقة خليفة الصناعية في أبوظبي -وهي وحدة تابعة لموانئ أبوظبي المملوكة للقطاع العامّ خططًا لتطوير منشأة خضراء لإنتاج الهيدروجين والأمونيا في المنطقة، التي ستعمل بالطاقة الشمسية، وبمجرد اكتمالها في عام 2026، سيكون للمصنع القدرة على إنتاج 40 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، والتي ستُحَوَّل إلى 200 ألف طن من الوقود، الأمونيا الخضراء، للنقل.
عقبات دبلوماسية
كان مؤتمر الأطراف السادس والعشرون من أحد الأحداث المهمة لتحوّل الطاقة، فبينما انتُقِدَت في بعض الأوساط، سلّط آخرون الضوء على عدد من النتائج التي عدَّها بعضهم إيجابية.
على سبيل المثال، ظهر إجماع متزايد حول أسواق الكربون العالمية وتجارة الكربون، التي يُنظر إليها على أنها أدوات رئيسة في الانتقال نحو إزالة الكربون.
يقول المؤيدون، إن تجارة الكربون ستزيد في نهاية المطاف من الاستثمار في الحلول الصديقة للبيئة، بينما تحفّز في الوقت نفسه مصادر الطاقة منخفضة الكربون، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ومن النتائج الإيجابية الأخرى لقمّة المناخ كوب 26، زيادة في دعم التعهد العالمي بشأن الميثان، إذ جرى إطلاق التعهد، في سبتمبر/أيلول، وقيادته بالاشتراك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويمثّل التعهد أول جهد دولي منسّق لمعالجة انبعاثات الميثان، يسعى إلى إحداث انخفاض بنسبة 30% في الانبعاثات العالمية قبل نهاية العقد، وفي حين إن أكثر من 100 دولة وقّعت التعهد، امتنعت الصين والهند وروسيا -التي تمثّل مجتمعة نحو ثلث انبعاثات الميثان- عن توقيع التعهد.
في الواقع، عَدَّ الكثيرون غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قمة المناخ كوب 26 مؤشرًا على مدى صعوبة تحقيق إجماع عالمي.
التنمية المستدامة
تستطيع الاقتصادات الناشئة أن تختار انتقالًا سريعًا من خلال رفض بناء محطات فحم جديدة، وتحويل محطاتها الحالية، أو يمكنها فهم احتياجات المنطقة والمجتمعات المحلية، من خلال تقييم التأثير لدى العمالة، وكيفية إدارتها.
من الضروري الاستثمار في الشبكات الجديدة وكفاءة الطاقة والاقتصاد الدائري، لأن مصادر الطاقة المتجددة وحدها لا تكفي، وهذا يعني تغيير نمط الحياة وجعله أكثر استدامة، وهذا لا يعني -مع ذلك- أن يكون أكثر تكلفة.
إن مسألة التنمية محورية، وبالنسبة للاقتصادات الناشئة، فإن هذا ينطوي على الحديث من حيث التنمية المستدامة أكثر من التحول في الطاقة، لأن لديها مشكلات ملحّة يجب التعامل معها، بما في ذلك الوصول إلى الطاقة والنمو السكاني والتوسع الحضري.
العامل الرئيس في التنمية المستدامة -وخاصة من وجهة نظر بيئية واجتماعية- هو مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية، إذ تتطلب مصادر الطاقة المتجددة أيضًا ضخّ رأس مال كبير، ونتيجة لذلك، في العديد من الاقتصادات الناشئة، مثل البلدان الأفريقية، تعدّ مشاركة القطاع الخاص أمرًا حيويًا للغاية، وتتطلب نهجًا طويل الأجل بأهداف موثوقة.
ما لم يعد ضروريًا لتطوير مصادر الطاقة المتجددة هو الإعانات في العديد من البلدان، وضمان إطار تنظيمي واضح وشفاف، ويمكن التنبؤ به لتطوّرها وضمانات محددة من المؤسسات لضمان موافقة البنوك على تمويل العقود.
موضوعات متعلقة..
- مصر.. 3 محاور لدعم الهيدروجين الأخضر في إستراتيجية تحول الطاقة
- استخدامات متعددة.. كيف يؤدي معدن الزنك دورًا مهمًا في تحول الطاقة؟
اقرأ أيضًا..
- صناعة السيارات.. كيف تؤثر الأزمة الأوكرانية في الإنتاج والمبيعات؟
- النفط الروسي.. الهند تغير إستراتيجيتها بحثًا عن خصومات أكبر
- بعد تأجيل خط أنابيب الغاز النيجيري.. 14 معلومة عن المشروع الحلم للجزائر والمغرب