كيف أسهمت إدارة بايدن في ارتفاع أسعار البنزين في أميركا؟ (مقال)
مارك ماثيس* ترجمة نوار صبح
- غزو أوكرانيا أكد الحاجة إلى الطاقة المستدامة الآمنة بأسعار معقولة لتحقيق النمو الاقتصادي
- ما تحتاجه الدول هو نفط وغاز طبيعي عالي الكثافة، ومن ثم عالي القيمة
- السياسيون الديمقراطيون يريدون إلقاء اللوم في ارتفاع أسعار البنزين على شركات النفط
- محاولة إلقاء اللوم في ارتفاع أسعار البنزين على شركات النفط أمر يخالف المنطق
- تعاني روسيا من العقوبات، وقد فقدت شعبيتها على المسرح العالمي
ترفض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الاعتراف بالخطأ في إستراتيجيتها للطاقة، التي كانت السبب الرئيس وراء ارتفاع أسعار البنزين، وتسجيلها مستويات قياسية، بعد أن ضغطت باتجاه وقف الاستثمار في النفط والغاز.
وتطرح تعليقات وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين بشأن الطاقة تساؤلًا عن مدى معرفتها بشؤون الطاقة خصوصًا النفط، ونظرًا إلى أنها وزيرة الخزانة الأميركية، فمن المتوقع أن تكون على دراية كبيرة بقضايا الطاقة، وهي المصطلح الشامل لأهم الموارد لدى أيّ مجتمع.
وتشير تعليقات الوزيرة يلين الأخيرة بشأن الطاقة وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا إلى أنها قد تكون جاهلة أو ساخرة، مثل العديد من السياسيين في جميع أنحاء العالم الذين يشوّهون صورة شركات النفط، بينما يطالبون بمستقبل جديد "أخضر".
وقالت يلين، في شهادتها أمام لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي، إن غزو أوكرانيا أكد الحاجة إلى الطاقة المستدامة، بأسعار معقولة، ونظيفة، وآمنة؛ لتحقيق النمو الاقتصادي والأمن للولايات المتحدة، وكذلك للحكومات التي تتشارك مع المؤسسات المالية الدولية.
مواقف الساسة والمواطنين الأميركيين
ترى وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أن الهدف الأساس من الحرب في أوكرانيا يكمن في التقليل من الاعتماد المتزايد على الطاقة الواردة من دولة ديكتاتورية ستستخدم تبعية الطاقة لصالحها في الوقت الذي تختاره.
في المقابل، تتضمن تعليقات وزيرة الخزانة الأميركية كلامًا فارغًا بشأن الطاقة المستدامة، بأسعار معقولة، والنظيفة، وهو ما يمثّل خطوة نموذجية في الاتجاه الخاطئ.
ويُعدّ الإيحاء بأن العالم بحاجة إلى المزيد من توربينات الرياح والألواح الشمسية حديثًا رديئًا ومبالغًا فيه؛ لأن ما تحتاجه الدول هو نفط وغاز طبيعي عالي الكثافة؛ ومن ثم عالي القيمة.
وتتوافق رواية يلين الكاذبة بوضوح مع ما يقوله السياسيون الديمقراطيون، الذين يريدون إبعاد اللوم في ارتفاع أسعار البنزين عن سياسات إدارة الرئيس الأميركي جوبايدن إلى شركات النفط. ولسوء الحظ، يبدو أن هذه الرواية تلقى صدى لدى الرأي العامّ.
- خطة أميركا لخفض أسعار البنزين مع الغزو الروسي لأوكرانيا (إنفوغرافيك)
- أسعار الغاز في أوروبا تقفز إلى مستوى قياسي مع تزايد العقوبات ضد روسيا
فقد كشف استطلاع جديد أجرته شبكة إيه بي سي الأميركية أن أكثر من ثلثي الأميركيين يلومون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (71%) وشركات النفط (68%) "بقدر كبير"؛ بسبب ارتفاع أسعار البنزين.
بالطبع، يُعدّ غزو روسيا لأوكرانيا سببًا واضحًا لوصول أسعار البنزين ما بين 4.00 و 7.00 دولارات، لكن لماذا يُلقى اللوم على شركات النفط؟
إن محاولة إلقاء اللوم على شركات النفط، التي حددت سعر الغالون من 2.00 دولارًا إلى 3.00 دولارات لعدّة سنوات قبل تنصيب جو بايدن، أمر يخالف المنطق، ويتناقض مع فهم دَوْر التمويل.
ارتفاع أسعار البنزين
كانت أسعار البنزين ترتفع بشكل مطّرد قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، فما السبب؟ الأمر كله يتعلق بالحصول على النفط ورأس المال لإنتاجه.
منذ تولّي الرئيس الأميركي جو بايدن مهام منصبه، بدأ سلسلة من التحركات لتقييد الوصول إلى الموارد النفطية، وأرسلت هذه القيود التنظيمية إشارة قوية للبنوك والمستثمرين بأن وضع أموالهم في مشروعات النفط سيكون مغامرة محفوفة بالمخاطر.
وأضافت القيود ضغوطًا على الشركات للامتثال لما تمليه معايير الحوكمة الاجتماعية والمؤسسية والبيئية، ما أدى إلى تقليل تدفّق رأس المال إلى القطاع الذي ينتج الموارد النفطية.
ولم تتوقع إدارة بايدن أن يقوم فلاديمير بوتين بتعطيل أسواق الطاقة العالمية من خلال غزو أوكرانيا. وقد هيّأت الأحداث الدامية في أوكرانيا لفريق التسويق الداخلي لبايدن فرصة لإبعاد اللوم عن الرئيس.
وفي حين إن سياسات بايدن المناهضة للنفط هي أكبر مساهم في زيادة أسعار البنزين، فقد تمكّنت الإدارة من إلقاء اللوم على الغزو الروسي، واصفةً إياه بـ "ارتفاع أسعار بوتين".
علاوة على ذلك، قد لا تكون الحرب الخارجية كافية لإقناع الناخبين، في عالم السياسة المشوّه.
لذلك، دعا الديموقراطيون في الكونغرس، كما كان متوقعًا، المديرين التنفيذيين للنفط للإيحاء بأن شركات النفط تخدع المستهلكين بالأسعار، وبالطبع، كانت التهمة سخيفة، لكن الرأي العامّ يتشكّل إلى حدّ كبير اعتمادًا على هذه الأحاديث.
يمكن أن يكون تراجع مدراء النفط التنفيذيين أمام السياسيين، الذين يتجهمون ويوجهون أصابع الاتّهام لشركات النفط، فعالًا في إقناع المستهلكين الذين لا يولون قدرًا كبيرًا من الاهتمام للتفاصيل.
دروس حرب أوكرانيا
بينما يقوم السياسيون الأميركيون بتشويه صورة شركات النفط وإثارة خيالات الطاقة المستدامة، يبدو أنهم يتجاهلون الدروس الصعبة من حرب بوتين في أوكرانيا.
ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عانى من خسائر كبيرة عندما أصبح منبوذًا دوليًا، بالغَ في تقدير قدرة قوّاته العسكرية، وقلّل من قدرة الشعب الأوكراني على الصمود.
وربما يستمر بوتين بالفوز في النهاية؛ إذ تتمركز القوات الروسية الآن في مناطق تحتوي على الغالبية العظمى من موارد الطاقة الأوكرانية.
وكما كتب ديفيد نايت ليغ في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية: استولت روسيا على دونباس وتسيطر على لوغانسك ودونيتسك. وفي الوقت نفسه، تُنشَر القوات الروسية على طول ساحل البحر الأسود.
نفط أوكرانيا
يبدو أن بوتين في وضع يسمح له بالسيطرة على نفط أوكرانيا البحري، وموانئها على بحر آزوف، ومضيق كيرتش، وساحل البحر الأسود، وجميع البنية التحتية الحيوية لإنتاج الطاقة.
إضافة إلى ذلك، قصفت روسيا مدينة ماريوبول بلا هوادة، وهي جسر برّي مهمّ إلى شبه جزيرة القرم وموانئ لشحن الموارد من دونيتسكول وهانسك.
وعلى الرغم من أن روسيا تعاني من العقوبات، وفقدت شعبيتها على المسرح العالمي،يستعدّ بوتين للسيطرة على أصول طاقة أوكرانية تُقدَّر بمئات المليارات من الدولارات.
وستجعل هذه الأصول روسيا مركز القوة لموارد الطاقة في أوروبا وآسيا لعقود، وإذا حقق بوتين هذا الهدف، فستكون التضحية بالنسبة له تستحق الثمن.
فهل يفهم السياسيون الغربيون والقادة الماليون المخاطر الفعلية لهذه الحرب؟
يبدو ذلك غير محتمل؛ لأنهم لا يستطيعون مقاومة توجيه اتّهامات كاذبة ضد شركات النفط، بينما يتكلمون باستمرار بكلمات "متجددة" و"نظيفة" و"مستدامة".
* مؤلف وصانع أفلام وثائقية متخصص في شؤون الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- فيتول تعلن وقف تداول النفط الروسي بحلول نهاية 2022
- صفقة ضخمة.. خط بحري لتصدير كهرباء الجزائر إلى إيطاليا
- صفقة جديدة لتعدين النحاس والفضة في المغرب