ملك توربينات الرياح: الطاقة المتجددة في مصر تواجه 5 تحديات تهدد توسعها (حوار)
واستضافة كوب27 فرصة لوضع إستراتيجية جديدة
أجرت الحوار - داليا الهمشري
تحدث العالم المصري نائب رئيس معهد الهندسة الجيوتقنية بجامعة هانوفر في ألمانيا، الدكتور خالد عبدالرحمن، عن رؤيته بشأن مستقبل الطاقة المتجددة في مصر، وعالميًا.
وتوقّع العالم المصري، أن طاقة الرياح سيكون لها دور في ألمانيا، التي تتبنّى خططًا طموحة لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي من خلال تنويع مصادر الطاقة، ورفع نسبة الطاقة المتجددة.
والدكتور خالد عبدالرحمن متخصص في تصميم أساسات المنشآت البحرية والتوربينات المستخدمة بتوليد طاقة الرياح في ألمانيا، ويُلقب بـ"ملك توربينات الرياح في بحر الشمال".
نشر عبد الرحمن نحو 60 بحثًا في ميكانيكا التربة والأساسات، وأجرى بحثًا مشتركًا حول تحمّل توربينات الرياح العمل وسط البحر لأكثر من 20 عامًا، ويُعدّ أحد أهم الباحثين في مشروع "ألفا فينتوس"، الذي يهتم بإنشاء توربينات الرياح في بحر الشمال، كما أنشأ 12 توربينًا يكفي كل واحد منها إنارة مدينة صغيرة.
ويدعو عبد الرحمن إلى تأسيس مركز لتعليم استخدام وتوظيف الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر.
وأجرت "الطاقة" حوارًا مع العالم المصري، سلّط خلالها الضوء على خطة ألمانيا لحلّ أزمة الطاقة الراهنة، وأهم مقترحاته لمصر للتوسع في قطاع الطاقة المتجددة، وإلى نصّ الحوار:
يُطلق على اقتصاد ألمانيا "اقتصاد الطاقة المتجددة الرئيس الأول في العالم" .. ما السر وراء تفوق ألمانيا في هذا القطاع؟
لا يخفى على أحد تفوّق ألمانيا في مجال الصناعة بصفة عامة، وفي مجال الطاقة المتجددة، ولا سيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية بصفة خاصة، وقد تحقق ذلك نتيجة التعاون الوثيق بين مختلف الجهات: الحكومة الألمانية وحكومات الولايات المختلفة والشركات العاملة في هذا المجال والجامعات والهيئات البحثية.
وفي مجال عملي أستاذًا بجامعة هانوفر منذ عام 2001، كان لي شرف المشاركة في مختلف المشروعات الخاصة بطاقة الرياح وكيفية تصميم القواعد الخاصة بها.
وكان العمل تحت إشراف ومشاركة عدد من الشركات الألمانية ذات الخبرة العالمية في هذا المجال.
كما تهدف المنظومة إلى تحقيق الاستخدام الأمثل، وهذا يعني أفضل استخدام للموارد الطبيعية والبشرية بغرض تطوير وتصنيع توربينات الرياح بأفضل سع،ر حتى تتمكن الشركات الألمانية من ضخّ الكهرباء في الشبكة العامة، ومن ثم رفع نسبة الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية (الوقود الأحفوري)، وهذا الاتجاه أصبح له بعد سياسي واضح -الآن- بسبب ظروف الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
ما الذي أهّل ألمانيا للريادة في مجال طاقة الرياح على وجه الخصوص؟
طبيعة الجو والجغرافيا في ألمانيا الاتحادية كانا الدافعين الأساسيين في هذا المجال.
فالجو في ألمانيا -خاصة- لا يساعد على الإطلاق، ويُعدّ غير اقتصادي بالمرة للتوسع في مجال الطاقة الشمسية، ولكن حسب أطلس الرياح الخاص بألمانيا الاتحادية توجد مناطق مختلفة في شمال وغرب ألمانيا تتوافر فيها سرعات عالية تجعلها مناسبة لعمل توربينات الرياح طوال العام.
كذلك لقد استعانت ألمانيا بخبرات باقي الدول الأوروبية المجاورة، مثل هولندا والدنمارك وبريطانيا في هذا المجال.
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.. أعلنت ألمانيا عزمها الاستقلال بوتيرة أسرع عن مصادر الطاقة الروسية من غاز ونفط وفحم، فهل تنجح في ذلك؟
بعد غزو روسيا لأوكرانيا، طالبت مختلف الأصوات، سواء في البرلمان الألماني أو في الصحافة الألمانية، بضرورة تقليل نسبة الاعتماد على الغاز والنفط الروسي (تقليل النسبة إلى نحو 55%).
وستتبنّى ألمانيا خططًا طموحة من أجل تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، ويبدو هذا غير منطقي على المدى القصير، ولكن يمكن تحقيقه على المدى البعيد من خلال تنويع مصادر الطاقة، ورفع نسبة الطاقة المتجددة عن طريق بناء مزارع لطاقة الرياح.
كما إن الاعتماد على الغاز المسال قد يتيح لألمانيا على المدى البعيد، الاستغناء، أو تقليل نسبة الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية التقليدية.
يرى بعضهم أن الوقود الأحفوري مستمر في مزيج الطاقة حتى بعد عام 2050 .. ما رأيكم في هذا الاعتقاد؟
الرأي العامّ في ألمانيا (من البرلمان والصحافة ووسائل الإعلام) يرى ضرورة الاستغناء التدريجي عن مصادر الطاقة التقليدية بسبب تأثيرها السلبي في المناخ.
وعلى أوقات متباعدة تُنظّم مظاهرات للمطالبة بضرورة الاستغناء الكامل عن مصادر الطاقة التقليدية.
ولكن التخلص من الوقود الأحفوري بحلول عام 2050 قد يُعدّ هدفًا طموحًا للغاية نسبيًا، بسبب احتياج ألمانيا الشديد إلى الطاقة في الصناعة، ومختلف المجالات الأخرى.
لذا أعتقد أنه قد يكون من الصعب النجاح في هذه الخطة الطموحة، بحلول عام 2050.
ولكن على المدى البعيد، أعتقد أن ألمانيا قد تنجح في الاستغناء الكامل عن مصادر الطاقة التقليدية، والعمل على الاعتماد بشكل شبه كامل على مصادر الطاقة النظيفة، خاصة أن حزب الخضر يشارك بنسبة كبيرة في الحكومة الحالية، بعد نجاحه في الانتخابات البرلمانية السابقة.
هناك من يُحذّر من أن توربينات الرياح يمكنها أن تسبّب بعض الأمراض، مثل السرطان، إذا وُجدت في نطاق الوحدات السكنية.. ما صحة هذا التحذير؟
أغلب التخوفات من توربينات الرياح على الأرض نتيجة شكلها الغريب وصوت دوران الريش الذي قد يسبّب ضوضاء للسكان، ولكنها لا تصل -حسب علمي- إلى حدّ الإصابة بأمراض، مثل السرطان.
وعلى العموم، لقد اتجهت ألمانيا الاتحادية إلى بناء توربينات الرياح داخل البحر (أوف شور)، سواء بحر الشمال أو بحر البلطيق، وهذا يقلل من خطر الإصابة بأيّ أمراض.
يرى بعضهم أن طاقة الرياح غير موثوقة، لأنها ترتبط بقوة الرياح، وهي متقلبة على مدار العام.. فهل تعتقد أن التخزين يحلّ هذه المشكلة؟
قبل البدء في بناء توربينات الرياح، لا بدّ من عمل دراسات مستفيضة عن حركة وسرعة الرياح، كما يُعمل ما يسمى بأطلس الرياح، إذ يوضح متوسط سرعة الرياح طوال العام، وكذلك الأماكن التي تُوضع فيها توربينات الرياح بسبب وجود السرعات المطلوبة طوال العام.
ونلجأ -أحيانًا- إلى تخزين هذه الطاقة في بطاريات خاصة، وذلك للاحتياج إليها ساعة الذروة (أعلى احتياج مطلوب للطاقة، قد يكون في المساء أو خلال مدة الشتاء، بسبب انخفاض درجات الحرارة في ألمانيا).
لماذا تفضل ألمانيا طاقة الرياح البحرية، رغم ارتفاع تكلفتها؛ بسبب ظروف إقامتها والصيانة؟
أولًا: بسبب ارتفاع نسبة الكهرباء المتولدة عنها عن طريق توربينات الرياح البحرية.
ثانيًا: عدم وجود أيّ مبانٍ أو عوائق قد تؤثّر في سرعات الرياح، ومن ثم على الكهرباء المتولدة منها.
ثالثًا: وجود أماكن مختلفة في بحر الشمال وبحر البلطيق، ذات سرعات رياح مناسبة للتوربينات.
رابعًا: اعتراض بعض السكان والأحياء السكنية على بناء توربينات الرياح على الأرض.
خامسًا: الكفاءة العالية للمهندسين والفنيين الذين يقومون بعمل صيانة للتوربينات داخل البحر.
سادسًا: عدم وجود أماكن كافية على الأرض يمكن استخدامها لبناء مزارع لتوربينات الرياح (التي تتراوح ما بين 80 و100 توربينًا).
فيما يتعلق بالطاقة المتجددة في مصر.. الدولة تفوقتْ في الطاقة الشمسية، خاصة على مستوى المبادرات الفردية .. فكيف تقيِّم مشروعات طاقة الرياح؟
لقد أجرت وزارة الكهرباء المصرية دراسات جدوى حول مشروعات طاقة الرياح.
ويُعدّ أطلس الرياح هو المؤشر الأقوى لمعرفة الأماكن المناسبة لمزارع توربينات الرياح، سواء في الزعفرانة، أو جبل الزيت.
كذلك لا بد من المتابعة الدورية والصيانة لمختلف أجزاء التوربين، وذلك لرفع كفاءته ومعالجة أيّ خلل فيه.
والمشروعات الأخيرة في جبل الزيت تعطي كفاءة تصل إلى 2 ميغاواط لكل طاحونة.
هل طاقة الرياح مناسبة من الناحية العملية لتغذية الوحدات السكنية والمشروعات الصغيرة بالكهرباء في مصر، على غرار الطاقة الشمسية؟
عادة تُنفّذ مشروعات طاقة الرياح عن طريق مزارع "wind parks"، وتحتوي كل مزرعة على عدد يتراوح ما بين 60 و80 توربينًا، وكذلك يصل بناء التوربينات (ارتفاع البرج قد يصل إلى 60 أو 70 مترًا)، وذلك لرفع كفاءة التوربين، وكذلك رفع مستوى الكهرباء المتولدة عنها.
لذلك عادةً تُستخدم توربينات الرياح لتوليد الكهرباء بقدرة كبيرة للمصانع أو المدن الكبرى.
أمّا عن الجدوى الاقتصادية للمشروعات الصغيرة في مصر، فلا أستطيع أن أقدّم إجابة واضحة، ولكن يمكن عمل دراسة جدوى لهذه المشروعات.
ما التحديات التي تواجه التوسع بمشروعات الطاقة المتجددة في مصر؟ وكيف تقيّم التطور الحالي في هذا القطاع؟
يمكن رصد التحديات، وتلخيصها، في التالي:
أولًا: ضرورة الربط بين الصناعة والبحث العلمي بخصوص كيفية رفع كفاءة مشروعات الطاقة المتجددة.
ثانيًا: تشجيع الباحثين والعاملين في مجال البحث العلمي، عن طريق تحويل مشروعات غنية وأفكار غير تقليدية (خارج الصندوق).
ثالثًا: تدريب المهندسين والفنيين العاملين في هذا المجال، عن طريق دورات بخصوص معالجة أو صيانة مشروعات الطاقة المتجددة، من طاقة شمسية وطاقة رياح.
رابعًا: تنظيم ورش عمل لتبادل الخبرات مع الدول الأوروبية، وكذلك مع الدول التي تستثمر في مجال الطاقة المتجددة.
خامسًا: تنظيم المؤتمرات العلمية والندوات، بعمل ربط بين مختلف الباحثين لرفع الكفاءة وتطوير المشروعات الحالية.
ما الذي تحتاجه الطاقة المتجددة في مصر لتسير على خطى ألمانيا؟
لا بد من الاعتراف أنه من الصعب المقارنة بين ألمانيا ومصر بسبب اختلاف الأوضاع والظروف الخاصة بتوليد الطاقة المتجددة.
فعلى سبيل المثال، لا تتمتع ألمانيا بجوّ مصر المشمس طوال العام، مما يحقّق لمصر الأفضلية في قطاع الطاقة الشمسية، كما لجأت ألمانيا إلى بناء توربينات الرياح داخل البحر لوجود هذا الإمكان وعدم وجود أماكن كافية على الأرض.
بخلاف مصر التي يوجد لديها مساحات شاسعة من الأراضي في الصحراء الشرقية، ملائمة لبناء توربينات الرياح.
ولكن يمكن الاستفادة من ألمانيا في المجالات الـ 3 التالية:
1- الاتفاق على تصنيع بعض الأجزاء من توربينات الرياح في مصر، ومن ثم تقليل التكلفة الإجمالية للتوربينات.
2- تطوير التعاون التقني والعلمي مع الهيئات الألمانية التي تعمل في مجال البحث العلمي بمجال الطاقة المتجددة.
3- إرسال باحثين مصريين إلى ألمانيا بغرض التدريب أو الدراسة؛ لاكتساب الخبرات الألمانية في هذا المجال.
اقترحتم تأسيس مركز لتعليم استخدام وتوظيف الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر.. كيف سيسهم ذلك في النهوض بهذا القطاع المهم؟
لقد تقدّمتُ بهذا الاقتراح الخاص بإنشاء مركز متميز للطاقة المتجددة (Center of Excellency For Renewable Energy)؛ بغرض الربط بين الصناعة والبحث العلمي، وكذلك الوزارات والهيئات الحكومية المعنية بهذا الملف.
وعن طريق هذا المركز، يمكن تطوير وتحديث دقة البيانات الخاصة بالطاقة المتجددة في مصر، عن طريق:
1- عمل مكتبة تضم مختلف الدوريات والرسائل العلمية التي نُشرت في مجال الطاقة المتجددة.
2- العمل على تحديث بيانات المشروعات الخاصة بالطاقة المتجددة.
3- إنشاء مركز للحاسب الآلي يحتوي على مختلف البرامج المطلوبة في حساب أو تصميم المنشآت الخاصة بالطاقة المتجددة (طاقة شمسية وطاقة رياح).
4- يقوم المركز بمنح الباحثين مِنحًا علمية، سواء للماجستير أو الدكتوراه، على أن تقوم صحيفة علمية متخصصة بمراجعة وتحكيم هذه الرسائل، وأن تُرسَل نتائج هذه الأبحاث إلى الشركات العاملة في هذا المجال، وكذلك إلى الهيئات والوزارات الحكومية لتفعيل هذه النتائج.
5- يقوم المركز كذلك باستضافة الباحثين والمتخصصين المصريين في مجال الطاقة المتجددة لعمل دورات مكثفة للباحثين في هذا المجال.
6- يعمل المركز -كذلك- لجعل مصر محورًا للطاقة المتجددة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
كيف تقيّم استضافة مصر لمؤتمر المناخ كوب 27؟
تُعدّ استضافة مصر لمؤتمر المناخ كوب 27 فرصة ذهبية للعمل على تفعيل إستراتيجية جديدة بخصوص الطاقة المتجددة، إذ سيتيح المؤتمر لمصر وللعاملين في مجال الطاقة المتجددة الفرصة لمناقشة مختلف الآراء، والتعرف على كل ما هو جديد في مجال مواجهة التغيرات المناخية.
كذلك يمكن لمصر أن تستغلّ هذا المؤتمر لتقدم نفسها بصفة خبير لباقي الدول الأفريقية، وكذلك الدول العربية التي تعمل جاهدة في مجال الطاقة المتجددة.
فلمصرنا الحبيبة السبق في هذا المجال، سواء في قطاع الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، مما يسمح لها بأن تكون شريكًا في مجال الحفاظ على المناخ، عن طريق المشاركة الفعالة في مشروعات الطاقة المتجددة.
ما هي أكثر الدول العربية والأفريقية المرشحة للريادة في مجال طاقة الرياح، ولماذا؟
بخصوص طاقة الرياح، فأول الخطوات المطلوبة هي عمل أطلس الرياح، وعلى ضوء هذا الأطلس يمكن لكل دولة عربية أو أفريقية معرفة إمكان بناء مزارع لطواحين الهواء من عدمه.
كذلك التضاريس الجغرافية تعمل -في حال عدم وجود أيّ عوائق- على رفع الكهرباء المتولدة من طاقة الرياح.
ولا أدري حقًا ما إذا كانت الدول الأفريقية قد قامت بعمل أطلس للرياح من عدمه، ولكن مصر ممكن أن تؤدي دورًا كبيرًا في نقل خبرتها الطويلة بهذا المجال، عن طريق تدريب المهندسين والفنيين من مختلف الدول على كيفية دراسة وصيانة طواحين الهواء.
مما لا شكّ فيه أن العالم يتوجّه بسرعة كبيرة إلى التحول التدريجي من مصادر الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة.
موضوعات متعلقة..
- من النفط الروسي إلى طاقة الرياح.. كيف تتغير سياسة الاتحاد الأوروبي؟
- ألمانيا تتجه إلى الغاز المسال لتأمين احتياجاتها بعيدًا عن إمدادات روسيا
- مزرعة رياح غرب بكر.. مصر تعلن تشغيل مشروع جديد لإنتاج الكهرباء النظيفة
اقرأ أيضًا..
- الغاز المسال.. الجزائر والمغرب والسعودية ضمن 6 دول تنتظر طفرة (تقرير)
- الطاقة المتجددة في مصر.. 10 آلاف ميغاواط على شبكة الكهرباء بحلول 2023
- تطورات عاجلة بمشروع سولار 1000 والهيدروجين في الجزائر (خاص)
- منافسة عربية وعالمية على 16 مربعًا نفطيًا في موزمبيق