ضريبة الكربون.. فقراء العالم يدفعون تكاليف فاتورة خفض الانبعاثات
وأرباب الصناعة في أوروبا يلوثون بالمجان
في أواخر يوليو/تموز الماضي، كشفت المفوضية الأوروبية عن خططها لفرض ضريبة الكربون التي طال انتظارها لجعل المستوردين والمصنعين من خارج دول الاتحاد يدفعون ثمن انبعاثات الكربون المرتبطة بالسلع والمواد التي يبيعونها في أوروبا.
وخلال الأسبوع الماضي، اجتمع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي؛ لمناقشة مقترح فرض ضريبة الكربون الحدودية، وهو ما دفع عددًا من المراقبين إلى المطالبة بضرورة النظر في حماية البلدان الأكثر هشاشة فيما يتعلق بآثار التغير المناخي.
واتفق وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي على موقفهم التفاوضي، مع تعيين البرلمان الأوروبي لتأكيد موقفه بحلول يوليو/تموز المقبل، بمجرد التفاوض على قواعد التعريفة والموافقة عليها هذا العام، ستبدأ مرحلة انتقالية مدتها 3 سنوات للضريبة في عام 2023.
الحد من الانبعاثات
قال وزير المالية الفرنسي، برونو لو مير: "هذه خطوة كبيرة إلى الأمام بشأن الحد من انبعاثات الكربون داخل حدودنا.. سنكون القارة الأولى التي تتبنى هذا النوع من الآليات. هذا انتصار كبير للأفكار الأوروبية".
ومن المتوقع أن تؤثر ضريبة الكربون في الانبعاثات المرتبطة بالواردات على الشركات داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه ويمكن أن تغير التوازن التنافسي بين الدول.
وقُدِّمَت ضريبة الكربون المقترحة في الاتحاد الأوروبي، والتي يطلق عليها رسميًا آلية تعديل حدود الكربون، من قبل المفوضية الأوروبية في يوليو/تموز 2021 باعتبارها جزءًا من الصفقة الخضراء الطموحة للكتلة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55% بحلول عام 2030 من مستويات عام 1990.
ويُعَد مفهوم "تسعير الكربون" -فرض رسوم على كل طن متري من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الصناعة- جزءًا لا يتجزأ من سياسات المناخ والاستدامة في العديد من البلدان، لكن آلية تعديل حدود الكربون في الاتحاد الأوروبي، والمعروفة باسم ضريبة الكربون، هي المرة الأولى التي تُطَبَّق فيها الأسعار بالتساوي على الواردات.
سلاسل التوريد
سينعكس أثر ضريبة الكربون الحدودية من خلال سلاسل القيمة العالمية، ويمكن أن يعيد تحديد التوازن التنافسي بين الدول في العديد من الصناعات، كما سيوفر زخمًا متجددًا للمنتجين في جميع أنحاء العالم لتسريع الجهود لخفض بصماتهم الكربونية.
الجدير بالذكر أن مقترح ضريبة الكربون يُعنى بتوجيه الدول الأوروبية للوصول إلى مستوى عالٍ من العمل المناخي وتحفيز دول الشراكات التجارية على تسريع العمل المناخي.
ويذهب المراقبون الدوليون إلى أن المقترح يشوبه عدد من العيوب؛ أبرزها فشل المقترح في تقليل الأثر السلبي في البلدان الفقيرة.
ويحرص مقترح ضريبة الكربون على ضمان أن الشركات المصدرة إلى دول الاتحاد الأوروبي يتعين عليها أن تشتري تصاريح الكربون التي توضح كمية انبعاثات الكربون في سلعها وسيُطَبَّق في قطاعات معينة إذا كانت الدول المصدرة ليست لديها آلية محلية لتسعير الكربون.
والهدف الرئيس من الخطة هو الحد من تسرب الكربون؛ أي نقل الشركات من إنتاج السلع إلى بلدان ذات تشريعات بيئية أقل صرامة.
التأثير في البلدان الفقيرة
من المؤكد أن البلدان منخفضة الدخل ستتأثر بالتعرفة الجمركية على صادراتها إلى أوروبا؛ على سبيل المثال: موزمبيق التي لن يصمد اقتصادها الهش أمام هذا النوع من الضرائب الذي سيقوض قدرة البلاد على تحقيق التنمية والانتقال العادل للطاقة.
ويعد هذا الأمر غير مقبول لدى الاقتصادات الهشة؛ إذ سيفاقم من أزمة غياب العدالة المناخية القائم؛ حيث يُعَد الفقراء الأكثر تضررًا من آثار التغير المناخي، وفي الوقت ذاته هم الأقل مسؤولية عن مستويات الانبعاثات الكربونية.
ووفقًا لمنظمة الأوكسفام؛ فإن أغنى 10% من سكان العالم هم المسؤولون عن أكثر من نصف إجمالي انبعاثات الكربون في العالم من عام 1990 إلى عام 2015، بينما في المدة نفسها كان أفقر 50% من سكان العالم مسؤولين عن 7% من انبعاثات الكربون.
لذلك، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يوقف الآثار الجانبية السلبية لهذا الاقتراح لتجنب زيادة تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
الخيارات المطروحة
يرى بعض المحللين الدوليين أن مقترح ضريبة الكربون الحدودية يمكن أن تضع إعفاءً مؤقتًا للبلدان الأقل نموًا مع توفير الدعم السخي لدعم مشروعات وخطط التحول الأخضر؛ حيث إن ممارسة منح مدة إعفاء لأقل البلدان نموًا مع تعريفات الاتحاد الأوروبي ليست جديدة؛ لأنها تمارَس بالفعل على مستوى الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال مبادرة كل شيء ما عدا الأسلحة، ويمكن أن تمنح تلك البلدان الوقت لإزالة الكربون عن اقتصاداتها تدريجيًا.
وقال مراقبون إنه عندما تُنَفَّذ الضريبة بالكامل في يناير/كانون الثاني 2026، سيكون التأثير الأولي الأكبر على تكلفة المدخلات عالية الكربون مثل الصلب والأسمنت والألومنيوم والمواد الكيميائية والكهرباء.
وسيُطلب من مستوردي الاتحاد الأوروبي والمنتجين من خارج الاتحاد الأوروبي لهذه المدخلات دفع ما يقدر بنحو 75 يورو (82.55 دولارًا أميركيًا) لكل طن متري من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وقد يؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة المواد التي يصنعها المنتجون الأكثر كثافة في استخدام الكربون، مثل الصين وروسيا والهند، بنسبة 15% إلى 30%.
وسيزداد التأثير خلال السنوات اللاحقة؛ حيث من المتوقع أن يقترب معدل الضريبة من 100 يورو (110.07 دولارًا) للطن المتري بحلول عام 2030، ومن المرجح أن يقع المزيد من المنتجات في نطاقه في تلك المرحلة.
وعلى الرغم من أنه لا تزال تتعين تسوية العديد من التفاصيل، خلال العام المقبل؛ فإن أصحاب المصلحة في الصناعة بحاجة إلى التصرف الآن؛ لأن نية الكتلة واضحة.
ويتعيّن على الشركات قياس انبعاثاتها الحالية والتعرض لضريبة الكربون عبر سلاسل التوريد وخطوط الإنتاج الخاصة بها، وتطوير دليل إستراتيجية مرنة للكربون، وتحديد الفرص لتحويل التحدي المناخي إلى مصدر للميزة التنافسية. وعليهم التعامل مع صانعي القرار في الاتحاد الأوروبي للمساعدة في تشكيل مستقبل سياسة المناخ.
موضوعات متعلقة..
- المعادن.. الرابحون والخاسرون من تطبيق ضريبة الكربون (تقرير)
- ضريبة الكربون.. بايدن يلوح بمعاقبة الدول غير الملتزمة بخفض الانبعاثات
اقرأ أيضًا..
- هل تستطيع دول أوبك تعويض الأسواق عن النفط الروسي؟
- وكالة الطاقة الدولية تطرح خطة من 10 نقاط لتقليل استخدام النفط